الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الحليم... صوت مصر إذ يخفت وسط صخب الانفتاح...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2017 / 6 / 5
الادب والفن


حدث أن استمعت لأحد تسجيلات أغنية "أهواك" للمطرب المصري الراحل "عبد الحليم حافظ"، وهو التسجيل الذي كان من حفل أقيم في نادي الجزيرة يوم الخميس 29 يوليو 1976؛ أي قبل حوالي 8 أشهر من رحيل العندليب الأسمر.
كان صوت "عبد الحليم" في ذلك التسجيل عذبًا كما كان طيلة حياته الفنية، ولكنه كان واهنًا يحوي بأن صاحبه أوشك على أن يستسلم للمرض الذي فتك بجسده على مر السنين. وبدون وعي مني، قارنت هذا الصوت بالصوت الذي أدى به أغنيات مثل "سواح" و"على حسب وداد"، بخاصة تلك الأخيرة التي كانت في كلماتها مليئة بالعزم والتصميم والإصرار على العودة مهما كانت التراجعات والانتكاسات، وقد غناها "حليم" بصوت على القدر نفسه من العزم والتصميم والإصرار.
أين هذا الصوت والأداء القوي من أدائه لأغنية "أهواك"؟! ربما يقال إن أغنية "أهواك" تتطلب الأداء الهادئ، ولكن الفارق ليس في الأداء بل في جو كامل أحاط بالعمل الفني؛ جو كامل ربما يشي بتحول مماثل مرت به مصر؛ فعلى سبيل المصادفة القدرية، كانت أغنية "على حسب وداد" في العام 1953؛ أي بعد قيام ثورة يوليو 1952 بعام واحد فقط، وجاءت في السنة التي أُعلنت فيها الجمهورية.
فهل كان صوت "عبد الحليم حافظ" مؤشرًا على فترات صعود وهبوط الحلم المصري؟! هل كان "حليم" راوية الحلم المصري؟! وبخفوت الحلم، خفت صوته؟!
من المعروف أن أغنية "على حسب وداد" حققت نجاحًا كبيرًا لم يكن متوقعًا؛ فصار "حليم" يغنيها في العديد من حفلاته بخاصة في فترته الذهبية في أواسط الستينات؛ فكانت هذه الأغنية خير معبر عن حالة الصحوة التي تمر بها مصر قبل أن تأتي حرب العام 1967، التي تمر ذكراها الخمسون اليوم، لتوجه ضربة قاسية — وإن كانت ليست قاتلة — للحلم المصري والعربي.
أجرؤ على القول إن الضربة التي تلقاها الحلم المصري في عام 1967 كانت قاسية، وليست قاتلة. ولكن الضربة القاتلة حقًا التي تعرض لها الحلم المصري جاءت في السياسات التي اتبعها الرئيس المصري الراحل "محمد أنور السادات" في السبعينيات من القرن العشرين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي سبعينيات القرن العشرين، رأينا سياسات الانفتاح الاقتصادي التي دفعت بمصر إلى هاوية التفاوتات الطبقية المتوحشة، كما أسقطت المجتمع فريسة لسيطرة رجال الأعمال، وبدأ التزاوج القبيح بين السلطة والمال. وعلى المستوى السياسي، بدأ التلويح بالذهاب إلى الكيان الصهيوني لأجل إنهاء الصراع بين العرب والكيان الصهيوني، إلى جانب السماح للتيار الإسلامي المتشدد بالتنامي إلى الدرجة التي راح "السادات" نفسه ضحيةً لها.
كان "عبد الحليم" يغني، وكانت مصر قوية، وكان الاستقلال يتحقق على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فباتت مصر تصدر الثقافة بعدما كانت النخبة الأرستقراطية تصر على أن الخارج هو مصدر الثقافات والعادات والتقاليد العصرية؛ فالثقافة الفرنسية هي الثقافة التي يتعين أن تسود، والتقاليد البريطانية هي ما يجب أن يتبعه المصريون. انتهى هذا الوضع، وبات المصريون حملة التنوير في العالم العربي، وصوت "عبد الحليم" يردد الحلم المصري.
لكنه في هذا التسجيل من أغنية "أهواك" كان خافت الصوت واهنه، رغم ما فيه من عذوبة لم تفارق صوته. كان صوته تعبيرًا عن حالة من الوهن التي بدأت تضرب جنبات المجتمع... حالة من الضعف سوف تستمر لسنوات طويلة حتى يومنا هذا.
والغريب أن حالة الوهن هذه لم تنشأ من النكسة نفسها، وإنما جاءت بعد الانتصار الذي استولى عليه الكبار، ولم يتركوا للشعب منه إلا الفتات.
خفت صوت "عبد الحليم"، وتراجع الحلم المصري، وضاع صوته وسط صخب الانفتاح، ورصاصات الإرهاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/