الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- هل اختلف وضع المرأة العربية بشكل عام عن وضع المرأة الأثنية في المعاملة، بخاصة وأن العذاب مازال ساري المفعول عليهن؟- - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الثامنة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 6 / 6
مقابلات و حوارات


" هل اختلف وضع المرأة العربية بشكل عام عن وضع المرأة الأثنية في المعاملة، بخاصة وأن العذاب مازال ساري المفعول عليهن؟" - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الثامنة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-


https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

ب - 8 - هل اختلف وضع المرأة العربية بشكل عام عن وضع المرأة الأثنية في المعاملة، بخاصة وأن العذاب مازال ساري المفعول عليهن؟

خديجة زتيلـي:
مضى أكثر من قرن من الزمن على ظهور النصوص التنويريّة في الفكر العربي المعاصر التي تُناقش وتتصدّى لقضيّة مكانة المرأة العربيّة في المجتمع وضرورة تمكين هذه الأخيرة ثقافيّا، اقتصاديّا وسياسيّا، فهل حقّق هذا المشروع النهضوي أهدافه المتوخاة بالنظر إلى واقع الحال، أم أنّ الموضوع لا يتعدّى دائرة الطموح والآمال؟ هل مقولة الذكورة و الأنوثة هي أصل الإشكاليّة أم أنّ وراء مقولة النوع ميراث ثقافي وتاريخي واجتماعي يصعب نسفه كان وراء التداعيات التي أفرزها هذا الطرح؟ كيف شكّلتْ الموروثات الثقافيّة الذكر والأنثى في العقل العربي وفي الثقافة العربيّة بوجه عام، وما أثر ذلك على البنية الاجتماعيّة ومشاريع التنمية والتحديّات التاريخيّة في مختلف تجلّياتها الراهنة؟

لقد حرص روّاد النهضة منذ ما يزيد عن مائة عام على المطالبة بتطوير المجتمعات العربيّة وترقيّتها والالحاح في تعليم أبنائها وبناتها كأولويّة لاهتماماتهم ونضالاتهم السياسيّة والاجتماعيّة، وكان هذا المسعى خيارا لا رجعة فيه لهؤلاء الذين تبنوا قضيّة تمكين المرأة من التعليم والمشاركة السياسيّة وإنجاز مشروع حضاري يكون بإمكانه تغيير الأوضاع القائمة وإصلاحها، ويجب الإشارة هنا أنّه وعلى الرغم من الاختلافات الدينيّة والعقائديّة والسياسيّة لــ رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين والطاهر حدّاد وفرح أنطون وشبلي شميل وغيرهم من الكتّاب والمفكّرين والمصلحين العرب، فقد تبنّى هؤلاء جميعا قضيّة تمكين المرأة العربيّة في المجتمع وفتح المجالات أمامها للتعبير عن ذاتها بشتّى الأساليب. ونُذَكِّر في هذه العجالة بكتابي قاسم أمين: ((تحرير المرأة)) و((المرأة الجديدة))، فقد تكلّم فيهما الكاتب عن السائد من الأعراف الباليّة وانتقد، بكل جرأة وشجاعة، الأوضاع الاجتماعيّة القائمة وكذلك واقع التعليم البائس في البلاد العربيّة فشقّ عصا الطاعة عندما حوّل أنظار الناس إلى المشاكل الاجتماعيّة والواقع المعيش، حتّى أنّه اتّهم، بسبب أفكاره الحداثيّة، بالتعسّف والكفر والمروق عن الدين والتشجيع على الرذيلة، كانت نصوصه بمثابة الشرارة الأولى لعصر النهضة و التنوير العربيين وبمثابة بيان لتحرير المرأة العربيّة من كلّ أشكال الهيمنة السياسيّة والاجتماعيّة. كما كان لاستدعاء النصوص الغربيّة وتوظيفها من طرف الكتاّب في هذه المرحلة التاريخيّة أثره الكبير والفعّال في التنبيه إلى مسائل الحقوق وقضايا المواطنة وضرورة إقامة التشريعات التي تنصّ على الحقوق وواجبات الأفراد، إذْ ما فتئت النصوص تلك تؤكّد على ضرورة إشراك المرأة في معارك البناء والتنميّة. يضاف إلى ذلك كله الدور البارز الذي لعبته نخبة كبيرة من النساء، اللواتي انفتحن على الثقافات الأجنبيّة أو كنّ درسن على يد إرساليّات غربية، في تأكيد البحث عن هويّة للمرأة العربيّة تتجاوز مفهوم الشرقيّة التقليدي وتنخرط في حداثة عربيّة تنفتح على ثقافة الآخر، ولقد كانت هذه الهويّة الجديدة تتغذّى على ثقافتين مختلفتي المنبت متفقتي الأهداف والمقاصد في مسعى إلى الحداثة وإلى صياغة واقع تاريخي جديد، القصد منه ليس تكوين جماعة إنسانيّة معزولة عن المجتمع بل الهدف هو إعادة بناء مناخ انساني يشترك فيه الرجال والنساء على السواء على المستوى الاجتماعي والثقافي بعيداً عن الهيمنة البطريريكيّة.

أما اليوم فهناك أزمة حقيقيّة في الخطاب الاجتماعي والسياسي والديني وقد ساهمت هذه الخطابات جميعها في تعثّر مسيرة التحرّر الحقيقي للمرأة العربيّة التي بقيت مربوطة بعلاقات اجتماعيّة متخلّفة وأنظمة متسلّطة وفاسدة وبتقاليد باليّة رسختْ في الأذهان، تسعى جميعها إلى البحث عن مرجعيّات لتبرير الاستبداد والظلم الاجتماعي اللذين يطالان المرأة رغم سنّ القوانين التي تساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ولكن ما نفعُ القوانين إذا لم تُفَعّل ولم تُطبّق على أرض الواقع؟ ويحلو لي هنا أن استدعي عبارات فريدة النقاش التي جاءت في تقديمها للطبعة العربيّة لكتاب ريان فوت حول ((النسويّة والمواطنة))، تقول: «إذا كانت قضيّة النساء في الديمقراطيّات الغربيّة تتعلّق بالحقوق مثلما تتعلّق بالمشاركة، كما تقول المؤلّفة، فإنّ قضيّتنا نحن النساء العربيّات تتعلّق بكل من الحقوق والمشاركة مضافا إليها ضغوط قوى الإسلام السياسي ونفوذها ومعاداتها للمرأة وتجذّرها في البنية التقليديّة الراكدة للمجتمعات العربيّة المكبّلة بالاستبداد». فرغم إرسال المرأة للتعلّم والعمل، كمظهر للتحرّر المزعوم! فقد ظلّ الوعي الاجتماعي شقيّا ناقصا ومكبّلا بقيود وقناعات مريضة عن الأنثى، كانت قد تراكمت تاريخيّا وكرّستْ دونيتها وعدم أهليّتها وحدّدتْ مكانتها الاجتماعيّة فأفضت جملة التصوّرات تلك إلى عدم المساواة بين الجنسين في الواقع وإلى شيوع فكرة تفوّق الرجل وسيادته على المرأة، ومن ثمة شرعنة استيلابهـا الذي دعمته بعض القوانين البطريريكيّة الوضعيّة وكذلك الأعراف الاجتماعيّة السائدة.

إنّ التنظيم القبلي والعشائري والطائفي والديني للكثير من المجتمعات العربيّة لا يزال يوطّن قيم التربيّة التقليديّة التي تُعلن في كلّ مرّة، بلا منازع، تفوّق الذكر على الأنثى، ما يجعل تغيير التفكير وأنماط السلوك يحتاج إلى نضال وصبر كبيرين وإلى مثابرة لا تهدأ ولا تنتهي في ظلّ الهيمنة الذكوريّة على العائلة والمؤسّسات الاجتماعيّة، فتنعكس الثقافة الأبويّة، جرّاء ذلك، على السلوك الإنساني في المجتمعات العربيّة وتتشكّل العلاقات الانسانيّة وفق تراتبيّة هرميّة من خلال الثنائيات النمطيّة المعروفة: الأعلى والأدنى، المركز والهامش الرجل والمرأة. إنّ اضطهاد المرأة وتهميشها كما يقول إبراهيم الحيدري في كتابه ((النظام الأبوي وإشكاليّة الجنس عن العرب))، «لم يكونا في الحقيقة والواقع بسبب العامل البيولوجي أو الديني أو النفسي، وإنّما بسبب العوامل الاجتماعيّة والطبقيّة والأعراف والقيّم الذكوريّة التي تنتج عن مصالح الرجل في الهيمنة والاستحواذ بها وإخضاعها لمشيئته، وهو أساس عدم المساواة بين الجنسين والصراع الأزلي بينهما»، وإن كنتُ لا أرى فارقا بين هذا وذاك فجملة الأعراف والسلوكيّات الذكوريّة الموصوفة عند الحيدري التي تروم الاستحواذ على الأنثوي نجدها تتشدّق في كل مّرة بمرجعياتها الدينيّة المغلوطة في محاولة لإيهامنا بضعف المرأة فيما يتعلّق ببنيتها الجسديّة، ومن ثمّة تسويغ القول باستناد تبريرات الهيمنة على البيولوجي والديني. فلماذا يستبعد الحيدري إذن العامل الديني والبيولوجي من هذا الاضطهاد؟! وبالنتيجة تصبح الذكورة وضعيّة إيجابيّة والأنوثة وضعيّة سلبيّة. ولنا أن نتصوّر ما يترتبّ عن هذا الطرح العقيم من كوارث ومآسي انسانيّة تحدثتْ عنها الكاتبة إيلزا دورلين بإسهاب في كتابها ((l’évidence de l’égalité des sexes: une philosophie oubliée du 17 eme siècle)). P145، الذي تطرّقت من خلاله لمجموعة من الكاتبات اللواتي سعين للتصدّي لهذه الأفكار وإدانة التفرقة بين الجنسين وجعل النساء في مرتبة أدنى من الرجال، فهي ترى أن التفاوت بين الجنسين كان المبرّر الذي باسمه كانت كلّ أشكال العنف مسموحة.

برزت مقولة النوع بوصفها تشكيل ثقافي يقوم على العلاقات غير المتكافئة اجتماعيّا بين الذكورة والأنوثة، فالمنظومة الاجتماعيّة والثقافيّة هي التي تحدّد أدوار الجنسين بمعزل عن رغبتهما وإرادتهما وهي بذلك تطرح صورة الذات المثاليّة اجتماعيّا وفق معايير معيّنة، وتُطلق الكاتبة ماريا بيونج دولابيلاكازا بهذا الصدد مصطلح التشكيل الاجتماعي للأجساد مؤكّدة العلاقة الوطيدة بين هذا الطرح الأخير والرؤية الاجتماعيّة التي تبرّر أطروحاتها بالعودة إلى البيولوجيا، أو بعبارة أخرى إنّ البيولوجيا هي التي تمّ الاستناد عليها في توزيع الأدوار الاجتماعيّة، وتشير الكاتبة في مقالها الموسوم بــ «les corps des pratiques : politiques féministes et (re) construction de la nature», dans : le corp entre sexe et genre. pp 20 – 21. إلى أنّ البيولوجيّين النساء هنّ أوّل من ناضلن ضدّ هذه الأفكار لوضع حدّ لهذا الخطاب العنصري. وينتج عن مقولة النوع ازدواجيّة في المعايير من حيث التعامل مع الذكر و الأنثى في المنظومة الاجتماعيّة، ولا ريب أنّ هذه الازدواجيّة ستنعكس على المسائل الأخلاقيّة فضلا عن ذلك، كأن يُنظر لخيانة الرجل لزوجته كونها نزوة عابرة بينما ينظر لخيانة المرأة لزوجها بالجريمة غير القابلة للغفران والصفح فتقوم الدنيا ولا تقعد! في الوقت الذي يجب فيه أن ينالا درجة العقاب نفسها قانونيّا واجتماعيّا. فلماذا تُعاقب المرأة ويفلت الرجل من العقاب؟ ولماذا نتحدّث عن جرائم الشرف وغسل العار عندما يتعلّق الأمر بالمرأة، وتغضّ المنظومة الاجتماعيّة الطرف عن الرجل رغم أنّه الشريك الوحيد والفعلي لجريمة الشرف تلك؟ إنّ مقولة النوع المكرّسة بشكل كبير في المجتمعات العربيّة تعبّر عن الصوّر الثقافيّة النمطيّة التي تنشأ بين الجنسين على أساس اجتماعي وسياسي وثقافي وديني أيضا.

والخلاصة أنّ خطاب النوع مفلس وعنصري وعقيم وهو يعرقل مسارات التنميّة، وما أحوجنا اليوم إلى خطابات حداثيّة تعيد صياغة مجتمعاتنا العربيّة صياغة جديدة متجاوزة الثنائيات المفتعلة الفاقدة لشرعيّتها والمثبّطة للآمال والمقيّدة للفعل الإبداعي، ولعلّ من نافلة القول أنّ مجتمعاتنا العربيّة التي تشهد حالة من الضعف الاقتصادي والاضطرابات السياسيّة وسطوة الاستعمار الأجنبي الجديد باتت اليوم تحتاج إلى جهود نسائها ورجالها على حدّ سواء أكثر من أيّ وقت مضى في شراكة إنسانيّة فعليّة، بدل تهميش قطاع كبير من المجتمع وعدم الاستفادة منه، فالحريّة لا تتجزأ كما وأن السعادة لا تتجزأ أيضا! فهل نكون في مستوى التحديّات الراهنة والمستقبليّة؟ وهل يمكننا إعادة كتابة التاريخ بشكل جديد وصناعة فصول مشرقة فيه بالتخلّي عن أنانيتنا وفكرة المركزيات الكاذبة؟ علما أنّه لا يمكن المراهنة على تجاوز المجتمع العربي لأزماته الراهنة في مختلف المجالات والقطاعات وإحدى رئتيه معطّلة.


انتظروا قادمنا من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة التاسعة من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة