الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس في تدبير القرآن لا تأويلا ولا تفسيرا 4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 6 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{5}.
قل وقد سبق وإن قدمنا لها في التدبر في المقالات الماضية ومثلها جرى مع التعوذ والعوذ، الجديد هنا في معنى رب الفلق ولماذا أختار الله للنص عنوان الفلق دون أن يختالا بديلا للكلمة لا سيما وأن خلق الموجودات لا يتم بالإجمال الكامل بالفلق، فمثلا الإنسان يخلق من مني مني يمنى والحيوان عموما، ما عدا النباتات التيت تتكاثر بالبذور هي التي ظاهرا ما تكون نتيجة فلق النوات أو البذرة، أقول غالبا هو من المفهوم العام، ولو دققنا في علم التشريح هناك حقيقة مهمة وهي أن البويضة بعد أن يتم تلقيحها بالحيمن الذكري أول خطوة لإستمرارية النماء تكون في إنفلاقها إلى خليتين أساسيتين.
هل يعني ذلك أن الفلق قانون عام في كل المخلوقات الحية لو أعتمدنا أن فكرة وجود كل كائن حي تبدأ من إنفلاق الخلية الأولى أو البذرة الأساسية إلى نصفين تحمل كل منهما مجموعة كروموسومات محددة بالنظام البيولوجي وفق خارطة لا تقبل التبدل أو التحول، وهذا ما أشار له العلم الحديث وأشار نص ديني له قبل العلم ولو أنه خص به الإنسان ولكنه تخصيص مثالي وليس حصري {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }الإنسان2.
هنا التعوذ من رب الفلق هو إشارة كما قلنا في موضوع رب الناس يشير إلى توسع في مدار الربوبية من حصرها بالإنسان إلى حد إدخال كل مخلوق بطريقة الفلق تحديدا دون غيرها من طرائق الخلق، والدليل في هذا المعنى إرداغ النص بفكرة توكيدية أخرى حين أشار لها مرة أخرى وقال (من شر ما خلق)، ولو أن العبارة هنا تعدت إلى كل الخلق بأنواعه من حيث الطريقة والنشأة ولكنه يؤكد على موضوع الخلق بالقلق إشارة لكل بالجزء والجزء بالكل.
إلى هنا الأمر مقبول ومفهوم ولا شيء يمكن أن يتعسر على الفهم لمن يتوسع في فهم الدلالة والقصد، النص اللاحق هو المثير وقد فسر وأول علماء التفسير والفقهاء وشراح النص الديني إلى أن اللاحقة العبارية في النصف الثاني من السورة وكأنها مقطوعة أخرى لا علاقة لها في النصف الأول منها ولا هناك أي ترابط بين الفكرتين بناء على نظرية النسق المعنوي الذي يربط النص الديني سابقه ولاحقه إلا من خلال موضوعية الشر، فسر المفسرون والشراح (ومن شر غاسق إذا وقب) بمعنى شر الليل إذا دخل أو قريبا أو حواليا حول هذا المعنى، وكأن الليل إذا دخل وغاب في لجته النور أصبح فيه جانب شر لا بد للإنسان أن يتعوذ منه.
لو عدنا إلى أصل المعنى في الكلمتين وبناء على ثراء العربية في تعدد المعاني للفظ، فقد حمل المفسرون المعنى على وجه واحد تقريبي وأهملوا المعاني الأخرى والتي تكون أدق وأقرب للنسق في فهم المعنى، فالغاسق وكما جاء في نصين أخرين هو الصديد الذي ينضح من جلود أهل النار وهو ساخن {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ }ص57، {إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً }النبأ25، المشترك بين النصين هو ماء أو يالأحرى سوائل ساخنة ولها رائحة مميزة قريبة للعفونة أو فيها ميزة أن تتحول إلى عفنة، من هنا وحسب النص القرآني فأن الغسق لا علاقة له بالشمس والضوء والليل لأنتفاء صفة المشاركة مع الدليل المساق.
أما الوقب فهو كما تعرفه اللغة العربية هي الحفرة أو الموضع الذي يتجمع به الماء دون إمكانية سريانه إلى مكان أخر، فقد جاء تعريفه كما يلي من مصادر المعاجم والقواميس وقب - ج ، 1.وقوب ووقاب - مصدر وقب . 2 - نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء . 3 - كل نقرة في الجسد كنقرة العين والكتف، فالأصل اللغوي يشير إلى نقرة في جسد الإنسان يجمع عندما الماء الساخن أو السائل الساخن ذو الصفات التي تم الإشارة إليها في أعلاه، والجمع بين المعنين وربطا بقضية الفلق والخلق، تبدو أن الإشارة الأقرب وثوقا بتسلسل السرد النصي معنويا وقصديا هب عملية المزاوجة الحيوانية بين الذكر والأنثى، وهذا ما أشارت له سورة الطارق (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ{5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ{6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ{7}
وتأكيدا على أن الغاسق هو تحديدا كل ماء أو سائل يحتوي صفات خاصة فقد أشار العرب فضلا عن معنى الصديد إلى كل ما هو ساخن ومتدفق قريبا من المعتى تحديد هو الماء ألذي ينحدر من مكان إلى مكان كما أشاروا إلى الدموع المتدفقة من العين حين تدمع بكثافة، عليه فالإشارة بالشر هنا محدودة إلى عملية الملاقحة الجنسية حين لا تكون إيجابية فإشارة الشر ليست لكل العملية الموصوفة ولكن إشارة إلى الشر الذي ينتج منها لاحقا أما بعدم أنتظامها أو بالإفراط في الأهتمام بها دون ميزان، أو ما تجر هذه العملية من عوارض جانبية قد تخرج القضية من الأستواء إلى الأنحراف.
هنا يمكن أن نفهم معنى الرابط بين الفلق والخلق والغاسق والوقب ضمن مفهوم واحد مترابط على النحو الذي يجعل من السورة تشير إلى حقائق وجودية وليست نتائج تفسيرات أعتباطية مبنية على الظن والأحتمال، يبقى لدينا مفهومين قد يقتربان أو يبتعدان عن هذا النسق المعنوي والقصدي المتسلسل، وهما شر النفاثات في العقد أولا والثاني تبعيض للشر من خلال ظاهرة الحسد،النفاثات هي كل حالة أو حدث أو واقع ينشأ عنه نفخ أو دفع للهواء أو ما شكله بالمعنى القصدي دون أن يصاحبه رطب أو بلل، لأن النفث عكس التفل لأن الثاني رطب أو مخلوطا برطوبة، ومن هنا جاء معنى نفث في روعه تشبيها لنفخ في روحه والفرق بين الأول والثاني أن النفخ مادي والنفث معنوي.
أما العقد فهو كل محل أو صف يتعلق بحبس شيء أو ربطه بشيء أو ألتواءه بشيء أو على نفسه نتيجة لهدف أو تأسيس لغاية، فالنفاثات هي إلقاء شيء بقصد الحبس أو الربط أو العقد في مراكز محددة القصد منها أما ألتواء خط سيرها الطبيعي أو تعقيد وتصعيب لهذه السيرورة، فهي حالة سلبية الغرض منها إخراج الحال الطبيعي المعتاد إلى ما هو ضار أو غير نافع بهذا الوصف وبالتالي فهو شر كامل مضاد للخير، كما في حالة الحاسد الذي يرمي بطاقته السلبية الذاتية على الغير أما كرها أو تعمد الإضرار به.
السؤال هنا ما علاقة الفلقوالخلق والسلسلة التي ترابطت مع مفهومي التفث والحسد وعلاقة الجميع بالتعوذ من الشر وحسب منطق نظرية وحدة السياق، الجواب ألأحتمالي والذي لا نقطع به ولا نستبعده أن يكون هو المراد القصدي، أن عملية الفلق التي تعني التكاثر المادي للكائنات الحية كقانون طبيعي إذا ما مورس بنظامية التشريع لا بد أن يكون خيرا على أي حال، وبكن حين يجري خلاف ما هو مفترض ومشرعن يتحول إلى نوع من أنواع الشرور يدفع بالإنسان إلى أن يمارس نفثه وحسده إلى ما هو صحيح وفقا للألية التشريعية اليت رسمها النص الديني.
من كل ذلك يمكننا أن نفهم والآن بصورة أقرب للواقعية القصدية سياق المفاهيم وترابطها المعنوي، في خصوص عملية الخلق بدأ من الفلق وأنتهاء بالحسد، في وحدة معنوية متكاملة لا علاقة لها بالليل أو دخوله في فيما يعرف بالظلمة الموحشة التي يتصور بعض الشراح والمفسرين أنها مصدر من مصادر الشر التي يجب التعوذ منها، أو كما ورد في الروايا أن النبي ص قال لعائشة (رض) عندما أراها القمر حين غسق أنه تعزذي برب الفلق حين تحدث مثل هذه الحالة، وكلها تخاريف بنيت على محدودية فهم الرواة والشراح والمفسرين حينما كانوا لا يملكون أفقا علميا ولا معرفيا في قضية الخلق والنظام البايلوجي والفسيولوجي لجسم الكائن الحي وظريفة عمل نظام التزاوج ومفاهيم مثل الكروموسومات و الخارطة الجينية وغيرها من المفاهيم العلمية الصرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا ادري هل انت جاد فيما تطرح ام تمزح فقط!
ملحد ( 2017 / 6 / 6 - 13:15 )
لا ادري هل انت جاد فيما تطرح ام تمزح فقط!


2 - مساء الخير
عباس علي العلي ( 2017 / 6 / 7 - 20:32 )
صديقي العزيز كلي شكر أمتنان أن تعلق على المنشور وهذا من حق كل قاري أن يبدي رأيه ولكن أؤكد لك لو أنك بدل أن تسألني هل أنا جاد أن تبين وجهة نظرك تفصليا في القضايا التي لا تعتقد أنها محل أتفاق، أنا رجل أؤمن بما هو من حقك أن تؤمن به ولست هازلا ولا لاعبا، الكتابة قبل أن تكوين تسطير كلام فهو مسئولية وعنوان للكاتب، قد نتفق أو نختلف ولكن على أساس منهجي، فكونك ملحد من خلال العنوان لا يعني أنك فوق المناقشة والحوار ورفض الأخر، الإلحاد كالإيمان لا بد أن يبنى على أسس عقلانية وعلمية يمكن أن تكون محلا للحوار والأخذ والرد .... تحياتي لك


3 - الى الاخ الكاتب المحترم
ملحد ( 2017 / 6 / 10 - 14:26 )

اشكرك اولا على ردك الاخلاقي المهذب, وبعد
كتبت: ( فكونك ملحد من خلال العنوان لا يعني أنك فوق المناقشة والحوار ورفض الأخر....
كلامك سليم تماما فنحن لا نتعالى على احد! فكلنا بشر متساوون في كل شئ

ثم تستمر: ( ...الإلحاد كالإيمان لا بد أن يبنى على أسس عقلانية وعلمية ...) ????!!!!!
رد: هذا خطأ فادح جدا جدا...
فلا يمكن لما يسمى بالايمان ان يبنى على اسس عقلانية وعلمية
فما يسمى بالايمان يقف على النقيض تماما من العقلانية والعلم
واعتقد انه لا حاجة لي لان اشرح لك معنى الايمان....

اخي الكريم, ساشرح لك بشكل ملخص سريع عن آرائي حول موضوع المقالة
انا اعتقد ان ما يسمى بتأويل او تدبّر النصوص الدينية ما هو الا ضحكا على الذقون..... وذلك لجعل ما يسمى بالنصوص الدينية المقدسة تلائم العصر الذي نعيش فيه حفظا لماء الوجه لتلك النصوص المهترئة التعيسة....!
انا اعتقد جازما ان تفسير(وليس تأويل!) اسلافنا لتلك النصوص هو التفسير الاقرب الى الصحة .... وكل المحاولات الاخرى , خاصة التي تجري حاليا, ما هي الا ضحكا على الذقون وشكلا من اشكال الدجل والنفاق , مع احترامنا الاكيد لشخصكم الكريم

تحياتي واحتراماتي

اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست