الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنوير الأوربى ، والتنوير الإسلامى ، والمعركة الصفرية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2017 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التنوير الأوربى ، والتنوير الإسلامى ، والمعركة الصفرية
التنوير الأوربى تجربة حضارية كبرى، تشبة المعجزة تقريباً ، غيرت أوربا ، وغيرت العالم، فككت الأصولية الدينية لأول مرة فى التاريخ ، وقلبت مسار الحضارة الإنسانية ، من وجهها الدينى ، إلى وجهها العاقل ، ولم تكن رحلة سهلة أبداً ، فقد كانت رحلة عصور فى الواقع، ولم تقتصر على القرنين السابع عشر والثامن عشر، كما جرت العادة أن نتصور ، فالواقع أنها قد بدأت مع عصر النهضة حوالى القرن الرابع عشر، حتى الثورة الفرنسية فى أخريات القرن الثامن عشر ، أى نحو خمسة قرون من التضحيات والكفاح المستمر من أجل الإنعتاق الإنسانى ، من قيود العبودية والخرافة.
مرت رحلة التنوير الأوربى بثلاث مراحل رئيسية ، هى عصر النهضة الذى بدأت تباشيره خلال القرن الرابع عشر، بكتابات الإنسانيين ، بترارك وبوكاتشيو، وحركة الإصلاح الدينى التى قادها مارتن لوثر وكلفن فى بدايات القرن السادس عشر ، ثم حركة التنوير الكبرى، التى واكبت حركة الإصلاح الدينى وتجاوزتها حتى القرن الثامن عشر ومابعده ، والتى قادها كبار فلاسفة ومفكرى عصر الأنوار ، بيكون وهوبز ولوك وهيوم وديكارت وسبيوزا وديدرو ومونتسكيو وفولتير وروسو وكانط وهيجل وزملائهم، والتى سنسميها هنا بمرحلة المعركة الصفرية ضد الكنيسة الكاثوليكية والملوك المقدسين.
ردت الكنيسة الكاثوليكية على عصر النهضة ، وعلى حركة الإصلاح الدينى ، بتأسيس محاكم التفتيش الرومانية ، والتى عرفت أيضاً بإسم الديوان المقدس فى عهد البابا بولس الثالث سنة 1542 ، وهى غير المحاكم البابوية التى أنشئت سنة 1231 لمحاربة الهرطقة ، والأسبانية التى أنشئت سنة 1478 لملاحقة اليهود والمسلمين بشكل خاص ، كما بادرت ، وبمساعدة الملوك الكاثوليك ، بشن الحرب على حركات الإصلاح البروتستينية ومن تأثر بها من الشعوب الأوربية ، فى سلسلة من الحروب الدموية عرفت فى التاريخ الأوربى بإسم الحروب الدينية ، إنتهت المرحلة الأولى منها بصلح أوجزبرج سنة 1555، وإنتهت المرحلة الأخيرة بصلح وستفاليا سنة 1684.
لم تكن الكنيسة الكاثوليكية مخلصة تمام الإخلاص لصلح وستفاليا، وقد وصفها البابا إنوسنت العاشر بالمعاهدة البغيضة غير الشرعية ، ولذا فلم تتحقق الحريات الدينية وسيادة الدول البروتستينية الجديدة فى الواقع ، إلا بعد المعركة الصفرية التى شنها عليها وعلى حلفائها الكاثوليك ، فلاسفة عصر الأنوار ، حيث صعدوا من هجومهم ، وأنكروا كل ميراث المسيحية ، الذى سيطر على الحضارة الأوربية لأكثر من عشرة قرون ، وطلبوا منه مغادرة أوربا ، وقد كتب فولتير وحده ، مئات الأعمال مابين رسالة وكتاب ، ضد الكنيسة وتاريخها ، ثم أنجز شباب الثورة الفرنسية الفصل الثانى للمعركة ، حيث حولوا كل هذا الزخم الفكرى الهائل ، الذى خلفه هؤلاء الرواد ، إلى واقع جديد ، بدستور جديد ، أسقط حكم البابوات المقدسين ، والملوك المقدسين ، وجعل من العقل إلهاً جديداً لفرنسا ، ولكل أوربا من خلال حروب نابوليون، ثم حل الفصل الختامى عندما إكتشف الإنسان الأوربى أسرار اللغات الشرق أوسطية القديمة فى بدايات القرن التاسع عشر ، وعرف جذور الإبراهيميات ، النابعة من الأرض ، وليس من أى سماء ، وإزداد يقيناً بكفاحه ، ومضى به قدماً ، ضد ماتبقى من سلطة الكنيسة فى أوربا ، وهنا فقط بدأت الكنيسة الكاثوليكية تتخلى عن طموحها السياسى ، والإكتفا بدورها الإجتماعى ، والقبول بمبدأ حرية العقيدة فعلاً ، كما بدأ الإنسان الأوربى فى التخلى عن الدين كمرجعية شاملة ، وإكتفى منه بجانب العبادة ، وكان طبيعياً أن يتخلى الملوك المقدسين عن قداستهم أيضاً ، والتى أصبحت غير ذى معنى، بعد أن سقط راعيها المقدس نفسه ، رحلة طويلة غيرت أوربا ، وغيرت العالم ، بإستثناء العالم الإسلامى، الذى مازال يلف ويدور حول وهم الإصلاح حتى اليوم ، خائفاً ، أو غير مدرك ، أنه إذا لم يتبع الخطى الأوربية ، ويجازف بمعركة صفرية مع الإسلام ، فلا أمل فى الخلاص، لا من الكهنوت ، ولا من الطواغيت !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه هي خطة الخلاص ان أردتم
صريح ( 2017 / 6 / 7 - 20:36 )
مقالة في الصميم اوجزت ووفيت استاذ عبد الجواد


2 - الرد على الصديق صريح
عبدالجواد سيد ( 2017 / 6 / 8 - 00:04 )
شكراً ياصديقى ، أنت فعلاً صريح . تحياتى

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح