الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثنية الشعارات الدينية

سامي عبد العال

2017 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشعار- إنْ لم يكن حقيقياً- فليس أكثر من كفنٍ لنوايا مدمرةٍ. ذلك باعتباره يمارس اخفاءً وقتما نحتاج إلى الوضوح. ويمرر مآرب ملتوية مع اعلانه لشيءٍ خلافاً لما يؤكدها. الشعار لا يحدد: ماذا نريد، بل ماذا يجب أنْ نفعل. لكونه سهل العبارة، قاطع المضمون، ذا طابع اختزالي. وفوق هذا وذاك يرمي معناه لأبعدِ نقطةٍ ممكنةٍ. أي أنَّه يبتذل غاية كلية على حساب حرية الأفراد. فالأخيرة ليست إلاَّ مماحكة لفظية محسومة بالنسبة إليه. فضلاً عن أنَّه يضمرُ سياسةً ما تجاه قوى مناوئة. ويظل يتحين الفرصة للإلحاح على مضمونه بنحوٍ مفاجئ.

وإذا كانت الشعارات بصدد الارهاب الديني مهمة فلأن اللغة- كما يعتقد- أحدى أساطير الحياة. وتمثل ملجأ أخيراً لعقل مغلق لا يملك سواها وسط حياة مضطربة. وتجري كما لو كانت واقعاً ملتصقاً بسقف الأوهام الكبرى حول العالم والتاريخ والهوية. وهذا الاحتمال الأخير هو الأقرب لاستعمال الشعارات في الخطاب الديني. ولا سيما خطاب الاسلام السياسي المتشدد الذي يفرغ الدين من أية روحانية إنْ كانت هناك. ويجعلها معبداً أرضياً لنزوات مؤلهة بحكم السلطة المنتظرة من ورائه. وتلك الفكرة تنقض- تدمر- ممارسة الدين السياسي من الداخل. وتظهر كيف تُحدِث خلخلة لجوهره؟!

بهذا الأسلوب رأينا عبارات بمضامين وثنية مخالفة للدين مثل: الاسلام هو الحل( المقصود: هيكل الجماعات)، إسلامية...إسلامية (قابلة التوظيف السياسي)، استاذية العالم(وثنية النماذج المكررة). الاحتكام إلى شرع الله( تأليه الأشخاص والمشايخ). السيف والمصحف(البحث عن السلطة). لا تصلح هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها(تقديس السلف). القرآن دستورنا، والرسول قدوتنا، والله غايتنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا... على غرار ما كان يتعبد الاخوان المسلمون سياسياً.

حينما يكون أصحاب الشعارات عاجزين فإنَّهم يحتمون بها. ليقولوا: لا يهم أيَّ شيء سوى الاعلان العام. وليكن الكلام هو البديل الذي يحمل أمراً مهماً. لكنه لا يأتي دوماً على ذات الصعيد من الأهمية. إذ يعد الشعار مظهراً مراوغاً نظراً لأنه وثن بزيف فحواه غير القابل للتحقق. ولهذا يرجع إلى وعي زئبقي يساوي مبررات خاوية من الواقع. ليرسل رسالة مفادها: أنَّ مضمونه كذلك كما هي الحقيقة. بينما قد يكون عبارة أو رمزاً أو صورة كخيال الموتى. مثله كمثل شواهد القبر التي تعلن أن هناك أجداثاً ترقد هنا دون حراك.

يهتم الدواعش بالشعارات لدرجة أنَّها ظاهرة بلا مضمون. شكل مقدس لمعاني العنف الديني. وبذلك يعولون كثيراً على حرب الشعارات التي تتصارع مع كل شيء وأي شيء. وبالطبع ليس هذا التنظيم وحده ساقطاً في فخ الأشكال. إنَّ جماعات الاسلام السياسي قاطبة نزعات شكلانية مسيَّسة حتى النخاع. والدين إذا أصبح شعاراً قد تذروه الرياح فيغدو مجرد شظايا سطحية تقتل من يقابلها. ويصبح الفرد كتلة من الشحم الحي التي تتقيأ رغبات وقتية ونزوات تتحصن بالمعتقدات المقدسة.

وهذا معناه:
1- أنَّ الدين مهدد دوماً تحت الفراغ الشكلي من أيِّ محتوى. لأنَّ الشعارات أوثان عصرية لجماعات فقدت إلهها باسم السياسة.
2- كلُّ شيء يبدأ بشعار وينتهي إلى شعار. لقد تفككت الجماعات الدينية وبقيت شعاراتها مؤثرة لدى جماعات أخرى. توارثتها الأجيال من حقبةٍ إلى أخرى.
3- الدين يصبح طقوساً شعاراتية ليس أكثر. وهذا سر اطلاق الشعارات من قبل الجماعات الاسلامية على نفسها.
4- الشعار معبأ بشحنات تاريخية تضع أصحابه في تناقض مع طرف ثانٍ باستمرار.
5- يختزل الشعار تعقيدات الواقع في مقولة عامة مشوهة ومعيبة.
6- تكشف الشعارات عن عقل بوزن الريشة خلفها. لا يقوى على فهم الواقع. ويسخر من نفسه أولا عندما يلخص ما يقول في عبارة كلية.
7- العقل الشعاراتي عقل لا تاريخي. حيث يعتقد أنَّ اللغة بإمكانها حل جميع المشكلات بضربة سحرية واحدة.
8- يظل الشعار نائماً حتى تحركه سياسة ما. وهذا يعني أنَّ كلَّ شعار- كما قلنا- يخضع للصراعات الرمزية. ويغدو خطراً لأنه ينبعث من حين لآخر.
9- تؤسس الشعارات إلى التفكير الخرافي. طالما أن ترديداً لعبارات دينية يؤثر في الأحداث. وكأن الشعارات تمائم عادت فجأة منذ الثقافة البدائية.

تنظيم الدولة الاسلامية

هذا الشعار لا محلَّ له من الاعراب السياسي ولا الديني. وهو يحدد بدرجة ما كم الايهام بمسعى الارهاب. كأنَّه يقول ثمة نظاماً خلف الغبار القاتل من الدم والذبح والسلخ باسم الدين. داعش ليس تنظيماً كما نظن. لكنها زحف للظلام والعنف والتدمير المختزل في أضابير الموروثات. نماذجه التاريخية توجد في سير القادة الاسلاميين ومعاركهم وأدوارهم البطولية. فليس قائداً هذا أو ذاك دون إراقته لدماء المختلفين دينياً على مذبح الإنسانية.

الدواعش أشباح ذات ذقون وهوامات بشرية تتسربل بهذا الشعار. وتراهم عندما يتحركون وسط المعارك يزرعون أوثانهم الجديدة. وهذا بمنطق أفكارهم ذاتها طالما يحرصون على إظهار الشعار بوصفه ديناً وربما طقساً. لأن الوثن في العربية يعد صنماً بأشكاله وأنماطه إذ يُعتقد كونه مقدساً. وهو بذلك يعتبر تجسيداً شعارتياً كإعلان عن تأليه بعينه. والدواعش يستعملون المقولات بهذه الطريقة.

وإذا كان مفهوم الدولة أحد نتاجات الحداثة الغربية فالشعار يضمر سخرية لا حدود لها. ليس ممن يتلقى المفهوم فقط بل من أصحابه الهذليين. ليس تنظيم الدولة سوى خيال قد هوى فوق رؤوسهم. وفي هذا لم يضف الشعار جديداً لكنه يعبر أدق تعبير كيف تتولد الاوهام وتنمو وتتسلق الأدمغة. لتصبح كارثة تنعق دوما بالخراب.

والشعار بالأعلى يتلاعب بغرائز المؤمنين. لأنَّ تقنين الشهوات عمل يراه الاسلاميون أمراً ضرورياً. شريطة وجود دولة تحدد أطرها وترسم لها الغايات. وهو ما تعارفوا عليه بالعمل بشرع الله. والشهوات هنا تشمل كل شيء داخل جوف ومشاعر وعقل وأحاسيس كائن اسمه " المسلم". وكأنَّ الدولة الاسلامية اختراع مفترض سلفاً قبل اختراع الشهوات وقبل وجودها. وهذا قلب ساخر أيضاً لمنطق الحياة البشرية.

لقد اعتقد الاسلاميون أنَّ وجود دولة -ولو كانت في الخيال- أهم من أي شيء آخر. إن تكفير الدول القائمة سواء أكانت عربية أم غربية يبرز ما المقصود بتنظيم الدولة التي يلصقون بها صفة الاسلامية. هل هناك دولة اسلامية وأخرى مسيحية وغيرهما يهودية أو بوذية؟! هكذا كلما نجد ديناً يصبح مطالباً بإقامة دولته!!
على أي حال...كيف تكون الدولة دولةً وفوق ذلك اسلامية؟ وبخاصة أن جميع ما يمت للنظريات السياسية وتطوراتها بصلة محط عداء للجماعات الارهابية. بل تمثل أهدافاً لعمليات جهادية.

من جانب آخر يمثل شعار تنظيم الدولة ستارة تخفي أبواق الاعلام. فهناك من لا يطلق مصطلح داعش على هذا التنظيم الارهابي. وطوال الوقت يلوكون مقولة تنظيم الدولة كما لو كانت يقيناً سياسياً فعلاً. في جميع مناطة الصراع تغيب الفضائيات الواقع الأسن لصالح حرب الشعارات ما بين الأنظمة السياسية والتنظيمات المسلحة الأخرى. وهي فضائيات كالجزيرة تغسل بالشعار أيدي الارهاب الدموي.

خلافة على منهاج النبوة

أية خلافة تقصد العبارة؟ ولا سيما أنَّ الخلافة لم تكن من أصول الديانة الاسلامية حتى تعود بهذا الشعار. فالخلافة صورة مستحدثة لجذور باقية كما يعتقد المتشددون. وهي نوع من العود التاريخي لصورة سالفة من السلطة الدينية. هل ترتد المعتقدات في صورة أوثان رمزية؟!
والمؤكد أن التاريخ لن يرجع إلى الوراء. والتاريخ كما يحمل هذا القديم بإمكانه العصف به. والفكرة ما لم تكن في ثوب جديد يعطيها مساحة للتطور ليست إلاَّ طقساً. فالخلافة بهذا المعنى حفرية لا تقل عن حفريات أخرى. غير بعيد أن تكبل الخلافة العقل بالنمط اللاهوتي الذي نراه يتوالد بين الجماعات الإسلامية.

لعلَّ أخطر ما يتركه هذا الشعار هو الربط بين شكلين لضياع أي مضمون. فالخلافة- بعبارة تراثية- مجرد رسوم سلطوية. تجمع بين الديني والسياسي. وهذان القطبان يدمران أية جوانب إنسانية إذا تعارضت معهما. والغالب أن التعارض سيكون شيئاً وارداً. وليست الحروب المقدسة طوال التاريخ الاسلامي إلاَّ بالخلط العنيف بين هذين الشكلين. وكان بإمكان رأس الخلافة(أمير المؤمنين) أنْ ينال قداسة هي نفسها بالمعنى الديني والسياسي خارج سياق التاريخ. وربما أن ذلك الوضع هو ما جعل الخلافة نموذجاً كلياً في أدمغة الاسلاميين على اختلاف مشاربهم.

والأمر هنا لا يلغي أحدهما الآخر فقط، بل يطرح بديلاً متداخلاً باعتباره يوتوبيا عصية على التغير وتسري خلال كافة العصور. كما أن إراقة الدماء تطلعاً لخلافة نبوية هي فعل له لعنته الخاص. هل كانت الخلافة لعنة بإحساس الناس أنفسهم؟ حيث كانت تؤسس الفكرة السابق للخوف منها وعليها(المدنس والمقدس).

وبذلك يستحضر الشعار لعنته الخاص التي تطارد أعداءها أينما رحلوا. وهذا الخوف والقبول نوع من الدلالة الأولية في حياة الإنسان. وربما حرص الاسلاميون على الخلافة قد حولَّها من دائرة الزمن إلى الميتافيزيقا. وكأنَّ الحياة السياسية لابد أنْ تمر عكس التطور الدنيوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل