الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عار الهزيمة لن يدوم

تميم منصور

2017 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عار الهزيمة لن يدوم
تميم منصور
من بين الأهداف التي وضعها عدد ممن عرفوا بالمبشرين بالصهيونية نصب أعينهم ، خاصة خلال القرن التاسع عشر لغاية صدور وعد بلفور، مطالبة اليهود في العالم بالتحرر الذاتي ، قبل أي تفكير بأي نوع من التحرر السياسي ، طالب بهذا الخيار كل الصهاينة الذين اعتبروا الصهيونية فكراً قومياً ، هدفها إيجاد حلول للقضية اليهودية .
التحرر الذاتي الذي قصدوه وسعوا الى التخلص منه ، يعني مطالبة اليهود بكسر والتخلص من القيود النفسية والروحية وحالة الرعب والخوف والقلق التي تلاحقتهم ، كما انهم عانوا من العجز وانعدام الثقة بأنفسهم وبالآخرين ، التحرر الذاتي الذي طالبوا التخلص منه ، يعود سببه الى عوامل كثيرة ، أهمها العوامل الدينية والعوامل الاجتماعية والنفسية والروحية ، هذه العوامل دفعت اليهودي الى الميل دائماً للعزلة ، ورفض التعايش مع الآخرين ، لهذا السبب فضل اليهود منذ العصور الوسطى العيش في غيتوات أو حارات خاصة بهم ، كانت دائماً مغلقة ، وقد وجدت مثل هذه الغيتوات في مدن أوروبا ، كما وجدت في المغرب ، وبغداد والقاهرة والإسكندرية وغيرها .
شعور اليهودي بالنقص جعله دائماً يحس بأنه مستهدف وملاحق ومرفوض و منبوذ ، هذا دفعه للبحث عن العمل اللين ، فرفض العمل في المصانع أو في الزراعة ، أو في الحرف الصعبة ، كما أن هذه القيود جعلته لا يتعايش مع المواطنة في الدولة التي عاش فيها ، فلم يكن مستعداً للدفاع عن هذه الدولة اذا طلب منه ذلك .
الهوس والعقائد الغيبية الدينية التي آمن بها ، جعلت اليهودي أسيراً لمثل هذه العقائد ، فضلها على كل محيط يعيش فيه ، حتى لو مضى على وجود جاليته مئات السنين ، لقد ازدادت خطورة هذا الواقع عندما نجحت التيارات الصهيونية السياسية من الربط والتحام بين هوس الاساطير الدينية وبين الأوضاع السياسية في أوروبا ، خلال القرن التاسع عشر ، كان اليهودي يؤمن بأن اليهودية تمنحه الحق الديني والاجتماعي وحتى السياسي بأنه أفضل من غيره من غير اليهود، وان هذا الحق ليس بسبب مواطنته في أية دولة أوروبية ، مثل فرنسا أو المانيا أو روسيا ، بل حق سماوي لا مساومة فيه وعليه .
من بين أوائل المفكرين اليهود الذين توصلوا الى هذه الحقائق " ليوفنسكر " هو أول من طالب اليهود بالتحرر الذاتي أولاً ، أعتبرهم سجناء في مفاهيمهم وعقائدهم ، وانهم مستعبدون لهذا الهوس المترسخ في عقولهم ، من أجل تحريرهم أصدر رسالة عنوانها " التحرر الذاتي " طالب من خلالها من كل يهودي أن يحرر نفسه من الوساوس التي تلاحقه ، ذكر في هذه الرسالة بأن اليهود عبارة عن روح بلا جسد ، لهذا السبب فأن بني البشر يخافون الاقتراب منهم ، كما يخافون من المقابر .
هناك تيارات يهودية صهيونية ، كانت هي الأخرى غارقة بأحلام وأفكار مغايرة ، ترسخت في نفوسهم الى درجة استعبادها لهم ، هذه التيارات كانت تؤمن بالحلول العملية ، بدلاً من ايمانها بضرورة التحرر الذاتي ، طالبت بالتحرر والانطلاق القومي وهذا هو مفهوم الصهيونية الحقيقي ، التحرر القومي بالنسبة لها ، العيش في أرض صهيون – أرض فلسطين- حتى لو أدى الأمر الى القضاء على شعبها .
لقد تحقق هذا الهدف الذي سعت اليه الصهيونية العملية ، بفضل التواطؤ العربي وبدعم من قوى امبريالية عالمية ، في مقدمتها بريطانيا أمريكا وفرنسا ، لكن اغتصاب وطن شعب آخر واعتراف غالبية دول العالم بهذا الاغتصاب ـ واعتراف الكثير من الأنظمة العربية ، بما فيهم الفلسطينيين ، كل هذا لم يحرر غالبية التيارات والجماعات الفكرية والسياسية اليهودية من عبوديتها لهذا الفكر التدميري، لكن شتان ما بين العبودية التي تحدث عنها " ليوفنسكر " ورفاقه ، وعبودية التيارات التي عارضت " ليوفنسكر " ، مثل تيار هرتسل وتيار أحاد هعام ، وموشه هس ، وموشه منتفيوري ، إضافة الى التيارات الدينية .
تحقيق الصهيونية والتيارات الدينية لاهدافها في فلسطين ، زاد من جشعها ، وأزاح موقعها من الوسط نحو حافة اليمين الشوفيني ، وقد ظهرت معالم ومظاهر هذا الانحراف والجنون العنصري ، بعد انتصارات إسرائيل الساحقة في عدوان عام 1967 ، هذه الانتصارات تحولت سريعاً الى واقع مرير ، والى عبودية مشبعة بالكراهية وبكل ما يحمله التمييز القومي من معاني .
لقد غير هذا الاحتلال الطويل الكثير من الثوابت السياسية و الجغرافية ، استنسخ عقائد جديدة ومفاهيم دينية ابتكرها مصاصوا دماء الضعفاء ودماء الشعب الفلسطيني ، إسرائيل بعد مرور نصف قرن على هذا الاحتلال تعيش اليوم في حالة هيجان وانفلات همجي لا انساني ضد الشعب الفلسطيني ، لقد أخذت تعتبر الاحتلال بأنه قدراً من الله ، وقلبت كلمة احتلال لإراضي الفلسطينيين، بتحرير هذه الأراضي لأن طابو تمليكها رباني .
أفقدت ديمومة هذا الاحتلال غالبية المواطنين اليهود الكثير من القيم التي آمنوا بها سابقاً ، لم تعد إسرائيل تعترف بأنها تستعبد شعباً آخر ، لأن قياداتها والقاعدة الشعبية العريضة فيها مستعبدة ، لهذا الفكر والهوس الذي يجمع ما بين الفكر الكولونيالي الصهيوني ، وما بين الفكر الديني المتطرف ، الذي يحمله وزير التعليم ، ويحمله السفاح ليبرمان واردان ونتنياهو على رأسهم .
القيم التي تسيطر على الشارع الإسرائيلي اليوم ، في ظل حكومة الكوارث ، تقديس الجندي الإسرائيلي القاتل ، يطلق النار على الأطفال الفلسطينيون وهم يحتضرون ، حولت هذه القيم الشاذة المستوطنون والجنود الذين يحمونهم الى كلاب مسعورة ، من حقها وواجبها نهش أجساد الفلسطينيين .
القيم التي ولدت تحت سقف الاحتلال ، اعداد جهاز قضائي يلائم كافة التطلعات التوسعية ويلائم كوابيس العبودية للفكر التوسعي الديني العلماني ، كما ان هذه القوى تحاول اليوم تسخير مناهج التعليم ، وتسخير أقلام الكتاب و الفنانين بمشاريعها التصفوية والتوسعية في الأراضي المحتلة . الحكومة الحالية تعتبر استمرار الاحتلال حق وواجب تاريخي ومطابقاً للشريعة اليهودية .
ان هوس الانتصارات عام 1967 أفقد القيادات الإسرائيلية المتتالية صوابها ، جعلها تنسى أن المعركة لم تنته بعد ، رغم هذه الانتصارات ، هذا النسيان أدى الى سقوط عشرات آلاف الضحايا من طرفي الصراع ، خلال معارك الفدائيين في أواخر الستينات ومعارك الجنوب ، وبيروت ، وحرب الاستنزاف ، وحرب العاشر من رمضان ، وضحايا الانتفاضة الأولى والثانية ، ولا زالت حسابة المزيد من قوافل الضحايا تعمل .
إسرائيل في حربها عام 1967 هزمت الأنظمة العربية ، لكنها لم تهزم الشعب الفلسطيني ، لأن حراك المقاومة لم يتوقف ، وسوف يستمر حتى يمسح عار الاحتلال ، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة