الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوابيس لا تطير في الفراغ!..

يعقوب زامل الربيعي

2017 / 6 / 7
الادب والفن


الكوابيس لا تطير في الفراغ!..
قصة قصيرة
............
كمن يتعفف لآخر مرة أن يُعبّر عن نواياه لإعلان حجمه الحقيقي على الملأ، كان ثمة من يشير بأنفه لبعض ثغرة في رأسه محاولا التذكر. يقول عنها ، ربما قد أُسيء فهمها، أو تكون متروكة تحت عنوان متشنج. بعض الاشياء، من الصعب العودة للوراء، محاولة لتذكرها. بعضها كمثل ذهول كان ينذر بالتداعي، فسقط في الفراغ. أو هكذا رحتَ تنبش في قاع رأسك، كأنك تبحث عن قشة في تل من التبن. لا شيء حقيقي، أن يكون في وقت ما آخر غير حقيقي، إلا أن يأتي عصر على خلاف ما يتوجب عليه أن يأتي بالحجة، بأنه ولدٌ وهو أبن تسعة شهور كاملة، ليضع شرعية انتسابه إليك. اللحظات الهاربة، سحقاً، اللحظات التي لا تمت بصلة لفجور غير معلن في دفينك النوراني، ستجعل القصة التي تحتاج لترميم، مثلها مثل عين مجوفة تحتاج لحجر من الأزورد، ستبقى ناقصة لحماقة كلمة من قداسك الاحتفالي.. أو من بعض استحضاراتك الغامضة، لترقع محل التفسخ. تلك هي الكلمة الناقصة لإتمام الرواية.
في تلك الساعة، طلب منها أن تخلع ركام دهشتها. أن تكون امرأة وأن لا تبقي أسيرة أردية مغايرة لمذاق جسدها. ونحو باحة داخلية غمزها ببضعة كلمات. وكما الأسهم النارية ارتفعت على اصابع قدميها، متفاوتة الكثافة بين طعم النارنج وعصير التمر الهندي المُمَلّح. في سرها قالت: " سلاما عليك. ما الذي تبتغيه مني؟! ".
المتبقون على قيد كآبة البحر، ظهروا لعينيك فجأة بلا أسلحة وبلا أوامر عسكرية، كل منهم يتحرك بالمجازفة لعصر جديد. وأنت تحس بأن لا مفر إلا أن تتحرك بهيئة مأتمية. لهذا أعادت المرأة هاجسها اللعين لتضيف: "تبا لك أين اندسست، للتو كنت تتحرك بعد يقظة من نوم ما بعد منتصف الليل "؟.
لم تكن هي المرة الوحيدة، لكنها واحدة من العديد من المرات التي تابعتك وانت تنزوي بعيداً عنها. فجأة تحولتَ إلى حوض أسماك مهجور. كل شيء بدأ لك بلا جدوى.
المستنقعات المائية .. والحيوانات المتوحشة الخفية، والضياع المتخبط، والامطار الخفيضة، والاشياء التي لا تصلح لشيء ، والاجساد السمراء النائمة تحت عباءات سوداء وثمة عرق ندي يوشم سطوح لحومهن. كل شيء كان يمرق أمامك للوراء. وعلى صوت مطربة كئيبة الصوت، كنت تستمع أقل عزلة من الفراغ المهدد بالكسوف، وأنت تحدق عبر نافذة المقطورة التي استقلت جسدك لمدينة أخرى. تتنفس ببطء كيلا توقظ نفسك من دفء القطار المعطر بخشب الجوز ورائحة مقاعد متخمرة بعرق بالآباض ما زالت تتدثر بتدابير الرحلات المكوكية ليل نهار. الطفلة التي بعمر ست سنوات، لحظة اقتربت منك بتأدب جم وهي تعرض عليك طائر " الخضيري " الملون برأسه المندلق على صدرها الصغير، لم تكن كباقي الباعة الصغار ولا حتى الكبار، ملولة أو شبيهة بوجوه الرعاة أو الغجر المسرعين في رواق المقطورة، أو ملوثة. كانت بوجهها الصغير الشبيه بوقت ما قبل شروق الشمس. بفعل اشعاع غريزي أن تأخذ طريقها في الزاد العفن لعصر محاط بالأعمدة الاسطورية والثعالب الموشاة بنظر الدهشة والحذر. هشة كنزهة عابرة. في تلك اللحظة سمعتكُ تردد لشيء ما مرق أمامك للتو: " على كل حال، سوف أموت في وقت لاحق "!.
حتى تلك اللحظة حاولت أن تلمس ورقة من جلبة أوراقك المدسوسة تحت الوسادة لتكتب شيء ما، او لتتعرف على كلمات كتبتها في وقت ما. ربما بعضها كان يحتاج لتوقيعك كشريك في ثروة الكلمات الصبورة والفاحشة. لم تسعفك الوسيلة لتخرج من خوض غمار الألغاز الباطنية، محافظا على الضروري فيك لتحدد بدقة متغيرات الاشارات. لم تكن تتملق الكلمات، إنما لأنك تذكرت قصيدة قرأتها يوما لـ ( لوركا ) يرثي بها مصارع ثيران محمولا على نقالة المجد لموت في غير أوانه. أو كنت تتفرس في أوان ذلك الحضيض، كأنه قضية سيئة.
كانت ثمة مومس تلقمك بالذخيرة الميتة وبالرغبة الباردة، كي لا تفر من بين يديها وفخذيها. تلك المرأة الهامدة، التي سيجدونها محفوظة أيضا تحت وسادتك. في مرة رفعت بوجهها قدحك المليء بوافر الدعوة الفاحشة لليلة محمومة أخرى. وعندما حانت الفرصة، خفت أن تفسدها بعناء البحث الغير مجدٍ على بعض عالم ميولك الرصينة، فودعتها تحت الوسادة لرغبة أخرى.
الأقداح الأخرى التي طوال الليل لم تلمس، فضلت كسب الوقت أن تحلق في وقارها العفوي، كي لا تفسد اطلالة زجاجها المشع. أما المقبلات المحشوة بالصنوبر وبعض المحمص المتبل، والتي جعلتها تنتظر مجايليك المرموقين، ولبعض قارب عتيق الخشب، على فضائه ستبحرون معاً. تلك أشياء اكتسبت هيئة فقدان الشهية.
أنت تحب النساء والخمرة والغناء والحزن. وما تخزن تحت وسادتك. لكن حتى الذي لا مثيل له، لا يستطيع العيش حتى آخر نفس في رئتيه، متقداً بالحماسة. لكن المرأة التي قالت لك " كأنك طعام عرس خالد !" وحدها التي تجرأت القول.
الورود في باحة الجوار لم تعد تستنشقها كما كنت تفعل قبل الفطور بعد منتصف الليل وقبل الهجوع. ليس للفشل دخل في عزوفك تلك الليلة عن معاشرة تلك المرأة، ولا عن التخلص من همودك الأبهق لترمم فجوات موضعك الغير محدود مع ثلة من مصارعي الثيران القدماء تقبلوا مجد الفراديس على قرون حادة. حاولت أن تنهض من سريرك لتقيس حرارة أصص الزهور المتروكة على منضدة الدعوة. وبنفس القدرة، حاولت أن تتنفس بتكرار اللحظة المعلقة. هكذا فتحت غطاء القنينة السليمة. وربما هكذا سقط عفواً كأس أحد الذين عليهم أن يكونوا الساعة موجودين. لم يتحطم إنما تدحرج تحت الطاولة. هكذا تصورت أن عليك أن تتنهد بوضع مريح. وأن تقول بعد آخر قطرة ارتشفتها بتمهل: " لقد قضي الأمر! ".
لم يمنعك الأمر أيضاً من إثارة العصيان على أي اعتقاد شبيه بكابوس، على أنها ريح تمتلك الكثير من السلطة الأتونية هي من دفعت الباب عنوة حينما وجدت كل شيء مطموراً تحت وسادتك، وأن مأدبة ما بعد منتصف الليل ما تنأى تقبع وحيدة، تركت كل شيء على حاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى