الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبهة شعبية ويسارية متحدة

محسن عقل احمد

2017 / 6 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


جبهة شعبية ويسارية متحدة
محسن عقل احمد -
مقدمة :
الدولة الوطنية (الحديثة) في جميع الأعراف هي محصلة عقد مواطنة ( اجتماعي – سياسي) يعتمد السيادة المطلقة للقانون ضمن معايير،ولا تتطور المجتمعات إلا بكنف الدولة، ولابد للجماعات لكي تتطور، وتحيا وتغدو منتجة وتبني ثقافتها الخاصة وفهمها لديناميكية التاريخ. ولابد أن تنشأ قوى مجتمع مدني وقوى سياسية .. فتنشأ عندها الدولة العصرية..
ولايمكن للدولة العصرية أن تأسس لدولة وطنية في غياب العلمانية والديمقراطية الفعلية التي تتيح الحريات المدنية والسياسية وينشأ عنها حركات فاعلة فيها. (ولما كانت الدولة السياسية كلية عينية، أي وحدة الحرية الذاتية والحرية الموضوعية، أو وحدة الإرادة الفردية والإرادة العامة، ووحدة المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ولما كانت الكلية أو العمومية هي الماهية الجوهرية للأفراد، الذين لا يسعون وراء مصالحهم الخاصة وحاجاتهم الشخصية فحسب، بل يسعون إلى ما هو عام وكلي مما يتسق وجوهرهم الإنساني، فإن التجلي الواقعي لهذه الكلية العينية هو الدستور والقانون اللذين هما وحدة الحقوق والواجبات، الجدلية، وتجسيد للحرية الموضوعية. حقوق الأفراد هي واجبات الدولة؛ وحقوق الدولة هي واجبات الأفراد. مع ملاحظة أن حق الدولة أعلى من حقوق جميع أفرادها. ويفترض، الحال كذلك، أن تكون واجباتها، تجاه مواطنيها، وتجاه مجتمع الدول، أعلى من واجبات جميع أفرادها. ومن ثم فإن القانون (الدستور وسائر القوانين المشتقة منه والمتسقة معه) هو ماهية الدولة وحقيقتها الواقعية.) وينطلق فهم الدولة الوطنية من أسس ثابتة لتتحول الدولة من الحالة البدائية إلى دولة مدنية منتجة وفاعلة أهمها:
1. تحقيق عدالة متساوية وتكافئ الفرص بين جميع المواطنين وإلا تتحول الدولة الوطنية إلى ( أداة قهر طبقية) كما يقول ماركس، بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو القومية أو اللااثنية
2. تحقيق المواطنة والحرية والديمقراطية والفرص المتساوية بين جميع المواطنين للمشاركة في جميع مؤسسات الدولة عبر انتاج قواها السياسية أو المدنية – قوى المجتمع المدني - إلا ستغدو دولة بدائية وعندها يتم الحنين لأشكال مختلفة للحكم ... الخ
3. تحقيق التداول السلمي للسلطة السياسية والتشاركية بين جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية وممثليها في البنى الفوقية للدولة وإلا تغدو دولة قمعية وأحادية مما يضعف بشكل تدريجي الفعالية المدنية ويجعل من الجماعات قوى خامدة وغير فاعلة كليا.
4. ضمان الأمن للمواطنين مقابل عدم استخدامهم العنف واللجوء إلى القانون في حل جميع المشاكل والمعيقات دون استثناءات ، وفي حين تبرز الاستثناءات لقوى أمنية أو ماشكل يغدو انتساب الجماعات للدولة ضعيفا ..الخ و تفقد المواطنة معناها في الدولة الوطنية ويغدو الانتماء للقبيلة والعشيرة والطائفة والعائلة أمرا راجحا على الدوام.
5. الدولة هي صاحبة الحق الوحيد في استخدام العنف ويتم ذلك عبر وجود جيش وطني وأجهزة أمنية مهمتها استخدام العنف للدفاع عن حدود الدولة و ضمان الأمن والاستقرار للمواطنين ضمن منظومة القوانين المعمول بها والمثل الأخلاقية، وشرعة حقوق الانسان، ولا تتعداها ابدا، وفي حال تم تعC)jْها تخضع للمحاسبة وفق القوانين، وبالتالي تغدو المعادلة سهلة لكنها دقيقة للغاية. في نظرة المواطن لتلك الأجهزة، بين قبولها كأجهزة تعمل لضمان راحته، ù!ن•6 أجهزة تمد سيفا مسلطا على رقبته دوما كأجهزة قمعية.
6. مواكبة التطور الثقافي والإعلامي لخلق مفهوم متقدم للعلمانية وإعطاء فرص إعلامية متوازنة لجميع القوى الموالية والمعارضة ومواكبة التطور والعلمي والتكنولوجي لتطوير البنى التحتية والفوقية عموما.وتقديم الخدمات العامة والإنماء المتوازن بين جميع جغرافية الدولة.
ونحن في سورية قبيل الحراك كنا نلاحظ أن التطور الاجتماعي – الثقافي السوري يأخذ شكلا بدائيا مرتبطا بالدين والمذهب عموما، وفي الوسط البدوي مرتبط بالقبيلة والعشيرة والعائلة، وثانيا نراه متأثرا بنحو حساس بالتطور الاجتماعي المذهبي بلبنان والعراق. وبعيد كليا عن فكرة المواطنة المتساوية المرتبطة أساسا بالعلمانية، التي تضمن للفرد الحقوق والواجبات المتساوية تجاه المجتمع- الدولة بالتالي تطور الوعي السياسي- التاريخي كان محدودا ومجاله الوحيد المسموح به من قبل السلطات هي المدارس الدينية والجوامع ومعاهد تحفيظ القرآن وغيرها وهذه الأماكن شهدت تدخلا خارجيا (سعوديا وقطريا) عبر تمويلها وفرض شكل الإسلام بها.
حركات التحرر الوطني ونهوض التيارات السلفية :
في دولنا العربية شهدت المنطقة منذ مطلع النصف الثاني من القرن المنصرم نهوضا شعبيا واسعا، سياسيا وفكريا قويا لحركات التحرر الوطني )على أساس ايديولوجية قومية- شبه يسارية ويسارية) واضحة أدت في محصلتها العامة لسيطرة تلك الحركات على السلطات في معظم الدول ( الجزائر –تونس – ليبيا- مصر- السودان-الصومال- اليمن- العراق – سورية....الخ) وقد لاقت تلك الحركات قاعدة شعبية عريضة بدءا مما يعرف تجاوزا بالبرجوازية الوطنية إلى الطبقات الوسطى إلى الأكثرية الساحقة من البرجوازية الصغيرة والعمال والفلاحين إضافة إلى الدعم السياسي والمعنوي والمادي من الاتحاد السوفياتي بصفته قائدا لقطب التحرر الوطني في الصراع الاممي، لكن سرعان ما تحولت تلك الأنظمة (البرجوازية الصغيرة) إلى ديكتاتوريات مستبدة ومستغَلة بسبب بسيط: استفرادها بالحكم زخلق مناخ امني واسع، وقدرتها على إخراج الأجهزة الأمنية من القوانين العامة وإعطائها صلاحيات خاصة خارج القوانين لفرض هيمنتها وهيبتها على المواطنين مما منحها سلطات مطلقة أدى إلى وضع يد أخطبوطية على كافة مؤسسات الدولة المنتجة والفاعلة فبرزت البرجوازية الطفيلية والكومبرودرية، وبات الفساد هوالحالة العامة والفاعلة بالمجتمع، مما أفقد تلك الحركات التحريرية هالتها السحرية والشعبية،وأفقد الدولة الوطنية حداثتها، ولم يبق للمواطنة أي معنى، وفتح الباب واسعا لنشوء حركات مضادة سرية جديدة، وعلى اعتبار أن قوى اليسار في مكونها الرئيسي (الأحزاب الشيوعية الكلاسيكية) كانت حليفا داعما بالعموم لما يسمى بقوى التحرر الوطني.. بالتالي تخلت نسبيا عن آلية التحليل الدقيق لبنية المجتمع ولم تر أفق تطوره، (فالماركسية أسلوب في التحليل قبل أن تكون أي شيء آخر على أنها ليست أسلوبا لتحليل النصوص ولكن لتحليل العلاقات الاجتماعية ) فالقوى الصاعدة الفاعلة والقادرة على تحشيد الجمهور بشكل واسع كانت إسلامية صرفة وكانت قوى اليسار المعارضة تزج في السجون وتفتقد للقاعدة الشعبية، وهو ملاحظ في النصف الثاني من السبعينيات خصيصا أثر سقوط شاه ايران وقدرة الإسلاميين على شد الحبل بأكمله لصالحهم واعتبار الثورة الإيرانية هي ثورة إسلامية مما أوجد قاعدة متينة للانطلاقة الإسلامية... وزاد في ذلك الطنبور نغما وأدى لاحقا لتغييرات جذرية في الاتجاهات الشعبية العامة والمزاج العام، هو الانقلاب الذي قاده محمد نجيب في بلد عريق بمدارسه الإسلامية (افغانستان) والتدخل السوفياتي به أدى لإطلاق الدعوات الجهادية بين الجمهور العربي الإسلامي مما كون قاعدة من الجماهير واسعة قادرة على إطلاق التيارات الإسلامية الجهادية التي لاتؤمن بالدولة اساسا فما بالكم بالدولة الحديثة وإيمانها فقط بالأمة على أساس مذهبي وامتلكت إرادة وعزيمة صلبة لتحقيق اهدافها الجهادية، وكانت ردات الفعل واضحة في مصر ثم سورية والسودان والجزائر والعراق...الخ مع خصوصية كل بلد على حدا،والسلطات في هذه البلدان لم تعالج أساس المشاكل الفعلية بكل دولة، إنما لجأت على الغالب لاستخدام القمع الدموي، لقمع الحركات الاسلامية واليسارية (الضعيفة عموما) مع الغياب المطلق للحريات الإعلامية والديمقراطية، وغياب مؤسسات المجتمع المدني وغياب للأنظمة والقوانين، وغياب العمل بالدساتير الذي أخذت طابعا شكليا ونظريا، مما حول تلك الدول لمناطق بركانية قابلة للانفجار عند أول هزة بشرية بسيطة. .
لقد حدثت انفجارات عديدة في دولنا العربية تمثلت بداية بالصراع الدموي بالجزائر في أواخر ثمانينات القرن الماضي بين تلك القوى السلفية بقيادة عباس المدني وعلي بلحاج والقوى المدافعة عن مكون الدولة ... وفي سورية فشل تنظيم الطليعة المسلح (الجناح العسكري للإخوان المسلمين ) وانتهت صراعاته مع السلطة بانتصار ساحق للسلطة في مطلع الثمانينات، دون ثني الإرادة الجهادية ... ولكن كل ذلك ترك جمرا مشتعلا تحت الرماد، ...
التأثر بالعوامل الخارجية القريبة
من سوء حظ السوريين المعاصرين أنّ بعض دول المجاورة تعاني من انقسام طائفي فاقع، ومن صعود شديد للطائفية وحكومات طائفية، وأحيانا حروب طائفية.. فانعكس ذلك بسرعة على بعض المكونات الاجتماعية السورية، وبالأخص أن المجتمع السوري الذي يبدو متلاحما بالشكل، يحمل في داخله هشاشة اجتماعية تاريخيا، على الأقل منذ عام 1850 وما تلا ذلك، هشاشة تتمثل في درجة عالية من الحساسية تجاه الأخر، ويضاف لذلك غياب أي تجربة ديمقراطية فعلية وما المراحل الديمقراطية التي شهدتها سورية سوى أطياف أحلام ( 1954- 1956 )، لم تترك أثرا ديمقراطيا أو شعبيا يذكر،بسبب حالة اللاستقرار ( تعاقب خمس حكومات خلال العامين ) بالتالي حقيقة الأمر غياب أي تجربة ديمقراطية فعلية، والأثر الوحيد بقي فقط في عقول الانتلجيسيا السورية لاحقا بغية إضاءة شمعة وهمية في ظلام دامس، وبتالي عانى السوريون الكثير من الاستبداد والديكتاتورية، وحكم العسكر منذ الاستقلال وحكم الأجهزة الأمنية، وهيمنتها الكلية على مقدرات الدولة،عبر ما اتيح لها من تسلط وصلاحيات تتجاوز القوانين السائدة،هذا الاستبداد أفقد السوريين إحساسهم بالحرية وزرع بداخلهم الخوف والرعب المستمر، فاستشرى الفساد السياسي والإداري والخداع والدجل، وبالتالي تحول الانتماء الوطني للمواطنين إلى انتماءات مذهبية وسلفية وعشائرية وقبلية .. لايمكن الحديث عن الحراك المنطلق عام 2011 دون فهم جميع العوامل السابقة مجتمعة، إن أنصار فكرة أن ما حدث في سورية هي ثورة، يتجاهلون كل ماسبق ويبنون على فرضية (وهمية) خاطئة بأن النظام وصل لمرحلة اجتماعية بات معزولا عن أي قاعدة شعبية له، في حين الوقائع الملموسة قبل الحراك وبعده أثبتت وبما لايقبل أي نوع للشك بأن النظام لازال يرتكز لقاعدة اجتماعية واسعة تؤمن استمراره، ولا تقبل بديلا عنه ، وجزءا منها مستعدا للموت من أجل بقائه، صحيح بأنه لا يجوز البناء على ماترد نسب الاستفتاءات العامة، ولكنه لازال قادرا على حصد الأصوات التي تؤهله للفوز ديمقراطيا قبيل الحراك، إن الشرائح الكبرى من البرجوازية الكومبرادورية والتجارية والصناعية والبرجوازية الوسطى ومراكز المدن الكبرى شكلت القاعدة المركزية للنظام بما يحقق لها من مصالح حقيقية، لذلك نرى كيف أن درعا المحطة بقيت في صفه والمدن الكبرى بغالبيتها مثل دمشق وحلب لم تدعم هذا الحراك ، عدا عن ورقة الأقليات المرتبطة به بحكم تطور المسار العنفي للإخوان في مطلع الستينيات ثم نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبالأخيرة مارس الإخوان عبر تنظيم الطليعة المسلح إرهابا طائفيا ومذهبيا منظما ترك أثرا سلبيا في الذاكرة الجماعية للأقليات، أدى إلى تشنج طبيعي للأقلية ، ذاكرة جماعية مرتبطة بمسألة تهديد وجودهم وحياتهم واستمرارهم ومن هنا نراهم سلبيون ومناهضون لآي إتجاه يتضمن تحرك ديني، وطبع صورا لاتنسى لديهم بأنهم مستهدفون بوجودهم ( وهو أمر، حاليا عززته التنظيمات المسلحة الاسلامية) ، وكان الحراك السوري الذي انطلق من الجوامع،قد نشط تفعيل الذاكرة الجمعية للأقليات، فوقفت بغالبيتها المطلقة ضده، وبالتالي حدث الشقاق الاجتماعي بسورية من جديد، على المدعين بالثورة وشروطها التاريخية بيان طبيعة التموضع العام لذلك، فالثورة بالمفهوم التحولي لبنية المجتمع وأدوات نموه، لم تكن شروطها قائمة ،لذلك أؤكد على رومانسية الأحلام لديهم، هذه الرومانسية تحولت لطاقات قاتلة عبر التحول للسلاح بذرائع متعددة لتبدأ منذ الشهر الأول للحراك في حرق الممتلكات العامة ( قصر العدل بدرعا البلد وباصات النقل الداخلي وبعض المباني الحكومية وسكك القطارات عدا عن العنف المذهبي ...الخ ) ،لقد تبين للجميع أن تطور المسار السلمي للحراك لن يؤدي لأي نتيجة واضحة، فكان الانتقال للعنف، مما ادخل سورية في نفق مظلم ومجهول غير واضح نهايته، فلم يعد الحديث عن الحراك أو عن الثورة ممكنا،لقد باتت القضية برمتها قضية أزمة وطنية شاملة ومستعصية تهدد مستقبل بقاء وحدة الدولة السورية. ..
موقفنا ورؤيتنا للأحداث:
منذ البداية كنا في طريق التغيير السلمي نعي بشكل دقيق طبيعة الحراك الشعبي المنطلق في2011. وندرك ميزات هذا الحراك والتي كان أهمها (اقتصار الحراك على الطابع المذهبي العمودي) واللجوء المباشر للعنف (وفي وقت مبكر،استخدمت فعاليات من داخل الحراك السلاح والعنف،خاصة في بعض الأرياف) وقد أدرك تيارنا أن تنامي العنف والتدخل الخارجي أدى إلى أزمة وطنية معقدة، ومتشابكة أدت حتى الآن لنتائج كارثية خطيرة، فاقت كل التصورات الممكنة على المستوى الإنساني، والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي،والاهم أدت لانحدار جلي على المستوى الثقافي – الاجتماعي وانتشارا للسلفية الجهادية، وأحياء للذاكرة الجمعية للتراث الديني بجانبه (الجهادي)، أدت الأزمة إلى انقسام وطني- سياسي واجتماعي ثلاثي جلي، حيث استطاعت السلفية الجهادية بالانتشار كالنار في الهشيم وسط الكتلة الاجتماعية التي ترى أن هناك ثورة، وتطمح لبناء إدارة إسلامية صرفة، وتخوض حربا مميتة لكسب هذه الجولة، حربا ترى فيها أفقا لفرض الحاكمية الإلهية وإعادة نشر فكرة الإمارات الإسلامية، والاقتناع بالعودة إلى القرون الأوسطية وتراث أبا رغال، وبدو الجزيرة، وأعادت الاعتبار لهيمنة الفكر الجهادي الأحادي، واستمرت الأزمة بفعل العامل الخارجي وتدخله المباشر بالأحداث، والمستوى التوازني الدولي من دعم المعارضة المسلحة ودعم السلطة مما عكس ميلا للتوازن المسلح الداخلي، جعل هذه الأزمة الوطنية مستعصية على الحلول العنفية, ( على الرغم من التقدم الملموس للجيش السوري في أماكن عدة ، لكنه تقدم غايته تحريرية لتأمين مناطق آمنة ) مما يستدعي تضافر كافة الطاقات الوطنية الصادقة والجادة والسعي الحثيث للدعوة لمؤتمر حوار وطني داخلي لكافة أطراف الصراع ، حوار يكون ملزما بنتائجه لجميع الإطراف لتأكيد مصداقيته هذا الإلزام يكون عبر هيئات دولية ضامنة للتنفيذ ومراقبة له.
وفي حرب عنفية داخلية دراماتيكية ساهمت بتأجيجها واستمرارها الامبريالية ودول الناتو والخليج العربي ، وفي ظل تاريخية هشاشة الوضع الاجتماعي والتسلط الأمني وبعد مايقارب الستة أعوام على بدء الحراك، اتضح للقاصي والداني استخدام العنف المسلح، بطريقة لا إنسانية وخارجة عن المألوف والأخلاق في سورية منذ الشهر الثاني به، وفي ظل تقدم فكر الأسلمة الجهادية وهيمنتها الكلية ( بالمناسبة هذا ينطبق على الجيش الحر بدءا من أسماء كتائبه (كتاتب الفاروق - الصحابة) إلى تأسيسه الهيئات الشرعية في قياداته ) إن استمرار الصراع العنفي ناتج عن الحشد الدولي الذي يبذل أقصى طاقاته ( المالية واللوجستية والعتادية ) من أجل استمرار هذه الحرب المجنونة بما تمثل له من دمار مستمر لبنية الدولة والقضاء عليها، وتفتيتها، عدا عن تشريد الملايين وتدمير موارد الرزق وتدمير المدن، والمؤسسات الفاعلة في الدولة ، واستمرار نزيف الدم السوري اليومي، وهكذا تم إعادة تموضع الحلف الرجعي الأسود بالصراع الذي يريد من سورية أنموذجا صوماليا أو أفغانيا، ليشكل جبهة فاشية قوية وفاعلة ومدعومة من المركز الامبريالي الدولي... فتكاثرت الفصائل المسلحة الجهادية بطريقة فطرية، وشكلت قوى محلية لايستهان بقدرتها وأهمها الجيش الحر والنصرة وداعش وأحرار الشام والجبهة الشامية والجبهة الإسلامية (التي تحظى برعاية سعودية وتركية خاصة لتحل تدريجيا محل الحر الذي بدأ بالاندماج في صفوفها في مواقع تواجدها) ..أما أوهام الائتلاف الوطني ( القطري – السعودي ) الذي يطلب المزيد من السلاح للجبهة الفاشية، ويستدعي التدخل الأجنبي لتكرار التجربة العراقية، أوهامه بأن الجبهات الإسلامية لن تستطيع الحكم لأنها تفتقد القاعدة الشعبية لها، ولأنها لاتنسجم مع طبيعة السوريين لهو أمر مضحك فعلا، أوهامه تزول برؤية قدرة المتشددين على الحكم والاستبداد باسم الشرع الإسلامي وعلى التجيش المذهبي الواسع، فإن نماذج الرقة وادلب وإعزاز ودوما وجزء يسقط كل الادعاءات في ذلك.ومن هنا نرى استجداء وتوسل زعيمه الضمني ميشيل كيلو لغير المأسوف عليه زهران علوش من أجل الإفراج عن (الليبرالية) رزان زيتونة وبعض راهبات معلولة .. وتعهده له بالرضوخ لقرار الشعب لاحقا.. وفي ضوء ممارسات هذه القوى العنفية ليس ضد السلطة والجيش السوري أو المدنيين ألآمنين، بل في مناطق تسلطها على جمهورها وأنصارها وسعيها لتطبيق الشريعة كما تفهمها، وفقدانها لآي منطق إنساني وأخلاقي، ومنعها النساء والفتيات من مزاولة أعمالهن وتعطيل فعالية المجتمع واعتبار الحكم بالموت والقتل أمرا طبيعيا ( لاحظ الرقة حيث اعدموا فتاة لوجود حساب لها على الفيس ) كل ذلك يدفعنا لجمع كل القوى السابقة في جبهة واحدة بالمعنى الايديولوجي، والفكري والثقافي والسياسي والممارساتي العنفي.. هذه الجبهة الجهادية الاسلامية تحمل كل صفات الفاشية (الارتباط بمراكز رأسمال الامبريالي والعنصرية بالنظرة المذهبية ، عدم وجود حق للآخر المختلف معها بالحياة، بالتالي الموت الفعلي له، سواء أفرادا أو مجموعات. وارتباطها بالمركز المالي الامبريالي العالمي لإخراج هذا المركز من أزمته المالية ..والتوسع الجغرافي للسيطرة على مناطق من غير المتوافقين معهم بالمذهب.. عدم حرمة الدم بالعموم.. الخ ) .. هي التي تفرض أجندتها الخاصة في أماكن تواجدها الفعلي. فلو انتصرت هذه الجبهة الأصولية الفاشية فربما سنحتاج لمائة عام أو أكثر للخلاص من استبدادها وثقافتها وحكمها وسنحتاج لقرون عدة للخلاص من أثارها العنفية والفكرية ولن تبقى سورية دولة واحدة/ بل ستغدو دويلات وهذا أخطر مافي الأمر.
جبهة فاشية اسلامية ...
تبدو هناك جبهتان في الصراع المسلح السوري.. إحداهما هي الجبهة الأصولية الجهادية الفاشية والمكونة من التنظيمات الفاشية المسلحة تتسم بما يلي:
• . المنظمات الفاشية هي منظمات واسعة الجمهور في مكونها العام حيث تضم حثالة المجتمع (طبقيا )عموما بمختلف أصنافه وعليه فإنها ترتكز لقاعدة اجتماعية تضمن استمرارها ( بيئة حاضنة ) ، إضافة لمكونها وهو ما يميز كل التنظيمات ( الجهادية) المسلحة.

• المنظمات الفاشية تمثل قوة فاعلة في ممارسة العنف الدموي ( القتل المباشر ) دون رادع إنساني أو أخلاقي ودون عودة لأي قانون بذرائع الغيرة على الدين والإلحاد والانحراف وعدم تطابق مع المذاهب وعدم تطبيق الشريعة أو بذريعة تقديم المنافع على المضرة..الخ.
• الغياب المطلق للوعي الوطني أو القومي، حيث يؤدي الانزياح بالوعي لتدمير (الوطن كليا) باعتباره ليس هو الجامع، إنما الجامع لديها: الفكرة الأحادية ( الدينية ) ويكون الارتباط العضوي بها، أمرا طبيعيا. وعليه فإن تدمير البلد أو تهديد استمرار وحدته لايحمل أي أهمية فكرية أو معنوية أو مسؤولية تاريخية لدى هذه المنظمات..
• هيمنة المركزية الشديدة أو المطلقة على هذه المنظمات وتكريس لإلوهية الأمير فيها، الذي يعد كلامه منزلا وقراره لارجعة فيه.
• . اختيار الايديولوجية ( الانتقائية) التي تعطي لذاتها الصحة والحق الوحيد وفي الحياة، وتلغي هذا الحق على الآخرين ، فالجميع على خطأ وهي الوحيدة الصحيحة، بالتالي تعمل على تصفيتهم بكل الأشكال والأساليب الدموية.

• اعتناق العنف المسلح والدعائي والايديولوجي لهذه المنظمات، يحقق شرخا اجتماعيا ويهدد بعودة دوران عجلة التاريخ إلى الخلف، وعليه فإن عمل هذه المنظمات يمثل خطوة إلى الوراء، وليست إلى الأمام حتى لو كانت المعركة في مواجهة الاستبداد الأمني. حيث يغدو الاستبداد الأمني كحمامة سلام مقارنة بأفعال تلك المنظمات..
والأخرى هي جبهة النظام وهي الوحيدة التي تواجه بالمعنى العسكري الجبهة الفاشية..
إنّ الخطر المحدق حاليا يأتي من الجبهة الأولى الفاشية والدموية التي تهدد الكيان السوري بأكمله ، والمطلوب مواجهتها وإسقاطها بكل الأساليب الممكنة، فعلينا الانتباه إلى أنّ الإسلاميين المتطرفين والمتشددين الجهاديين هم من يقبضون بقوة على الحراك المسلح منذ البداية ومعهم المجاهدين من كل إرجاء المعمورة، وهم من يشكلون العمود الفقري للجيش الحر والجبهة الإسلامية وداعش وجبهة النصرة (وهي الفصيل الأقوى والأوسع انتشارا في طرف المعارضة المسلحة وكذلك هي من تقبض على القرار والهيئات العامة والشرعية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها وعليه ترتكب جرائم موثقة ومنظمة بالمعنى الإنساني والقانوني والأخلاقي، فهي تولّي شيوخا كقضاة، فيحكمون بطريقة تدعو للمسخرة ، لكنهم يجزون الكثير من رقاب الأبرياء في الكتلة الشعبية الأوسع وهم يملكون باعا طويلا وخبرة استراتيجية في القتال وإن أي نصر لهم يعني نصرا صريحا لتنظيم القاعدة، فلينتبه الجميع لذلك ولاأحد يزاود علينا بقصة الثورة وماشابه ممن يدعي السلمية الوهمية، هذه الجبهة لا تتطلع للسلمية بشيء ولا لبناء دولة ديمقراطية أو مدنية أو حتى دولة إسلام معتدل وفق النموذج التركي أو غيره إنما تتطلع لإقامة الخلافة الإسلامية في إمارات عديدة مستقلة داخل الوطن ( إسلامية جهادية ) بعد أن يقوموا بقتل وتهجير طائفي ومذهبي لملايين السوريين مما سيخلق حالة من الفوضى العارمة بالمنطقة وسيحدث ذلك اختلالا بالتوازن الاجتماعي والثقافي السوري ويشكل لوحة أفغانية مسخة عن أفغانستان السابقة، وسيبقى نزيف الدم والدمار والقتال إلا مالا نهاية.... إن الخطورة الأشد حاليا هي الآتية من الجبهة الفاشية – الجهادية مما يستدعي إعادة النظر من كل القوى الوطنية واليسارية المعارضة المؤمنة بوحدة الدولة السورية في تكتيكاتها السياسية، من أجل مواجهة الخطر و التمدد الكبير للقوى الجهادية الفاشية. . وأن نقوم بالدعم الملموس للجيش السوري في مواجهة هذه الجبهة.
أما جبهة قوى النظام التي ترى الموضوع برمته على أنه مؤامرة، فهو مستمرا في متاهتة الأمنية ويقدم عشرات آلاف الشهداء من أنصار كتلته الاجتماعية، (بصفته نظاما اجتماعيا،) وعلى الرغم من قناعتنا بعدم قدرته لاحقا على إعادة إنتاج نفسه كما الماضي كنظام أمني وأحادي وديكتاتوري، إلا أن إيغاله في استفراده بالسلطة وإقصاء القوى الأخرى والفساد والتهميش ضد الأبرياء من الكتلة الشعبية الواسعة، مؤكدا في ذلك على طبيعته الاستثنائية التاريخية. فإنه يمتلك قناعة بالحسم الميداني وبقدرته على ذلك، وهو أمر يبدو مستحيلا في ظل توازن قوى الصراع الداخلية والخارجية (التوازن الدولي )ولو حدث ذلك فهو أمر مؤقت، لذلك لابديل عن الحل السياسي للأزمة الوطنية عبر الحوار الوطني، في ضوء الانقسام الوطني الثلاثي فإنه يتوجب على الكتلة الشعبية التي تقف بوضوح ضد العنف والراغبة في التغيير السلمي الديمقراطي بالسلطة ويناضل ممثلوها السياسيون لعقد مؤتمرا للحوار الوطني ،ويدعمون القرارات الدولية كمداخل أولية للخروج من الأزمة الراهنة، فإنه يتوجب على القوى النابذة للعنف ( ائتلاف قوى التغيير السلمي والأحزاب اليسارية التي يجب أن تخرج من عباءة ما يعرف بالجبهة الوطنية وتتحرر من القيود التي كبلت نفسها بها لعقود عديدة) وبعض القوى من هيئة التنسيق التي تناضل لتحقيق الدولة الديمقراطية العصرية الحديثة بشكل سلمي صادق ، والتي تناضل لإسقاط الأهداف الفكرية والاجتماعية والثقافية والعسكرية للجبهة الأصولية الفاشية والعمل من أجل التغيير الديمقراطي السلمي. العمل المشترك لإطلاق جبهة شعبية واسعة لتطلق عملها على مسارين متوازين: الكفاح الشعبي الواسع ضد الجبهة الفاشية وإنهاء احتكار السلطة من قبل فريق واحد وخلق نوع من التشاركية بها.
معارضون ويساريون منقسمون في سورية:
أكتر ما يؤلم في الحدث السوري هو موقف القوى اليسارية وغيابها عن الفعل المباشر بالحدث ... فترى بين أعضاء الحزب الواحد ( الشيوعي السوري والشيوعي الموحد مثالا) آراء متباينة وحادة ومتناقضة بين من هو متمسك بالتحالف غير المجدي مع السلطة، إلى من هو مع المطالب الشعبية ، إلى طرف ثالث يدافع عن الثورة وأسلمتها، ويعتبر أنّ الأمور مطابقة للظروف الموضوعية، وطبيعية جدا بهذا المنحى،وهذا عائد لعدم قدرة الأحزاب على صياغة برامج قادرة على التفريق بين الحد الادنى لسياستها ضمن ظروف موضوعية محددة، وبين الحد الأعلى الذي يمثل طموحاتها الإستراتيجية في حال ظهرت الحركات الشعبية، إنّ ارتباط هذه الأحزاب العميق مع السلطة السياسية ضمن تجربة ما يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية آلت إلى السلبية والنكوص الشعبي لها وهي تجربة غير مفيدة على تاريخية هذه القوى، ودفعت بها إلى الخلف والتراجع وخسرت الكثير من كوادرها، مما أدى إلى نبذها وتراجع كبير في الأوساط الاجتماعية الداعمة لها، فهي اكتفت بحصة لا تذكر من الكعكة العامة ، بالتالي لم تقدم المفيد على صعيد القاعدة الشعبية ولم تحقق انجازات تذكر، مما ادخلها حالة من الموت السريري، وقلل من دورها وأظهر عجزها في ساحة الفعل السياسي، إن الفشل التام لحركات التحرر الوطني منذ نشؤها لتاريخه بتحقيق أي انتصارات مباشرة وباتت أهدافها تمثل ديماغوجية شعوبية في أفضل الأحوال، وتحالف قوى اليسار معها أدى إلى تلك النتيجة السلبية، ولذلك نرى كيف أن حزب الإرادة الشعبية الذي لم يكن ضمن قوقعة الجبهة وكعكة السلطة (وهو بالأساس مجموعة منشقة عن الحزب الشيوعي = بكداش= ) أصبح له دورا فاعلا ومميزا ومهما منذ بداية الأحداث بسورية لتاريخه ، واكتسب مع حلفائه ، بعدا واسعا على المستوى العام والدولي، وعلى المستوى الاعلامي وهو مُمثل في مفاوضات جنيف كطرف معارض و مفاوض باسم الجبهة (مع باقي حلفائه) أما لو كان الحزب المذكور داخل الجبهة الوطنية لوجدناه يغرد كباقي الجوقة، ويكون قد أصيب بداء السلطة وبالمرض السريري نفسه...
في الحراك السوري سعى يساريون معارضون للانخراط بهيئة التنسيق الوطنية (مستقلون وحزب العمل الشيوعي وبعض الأحزاب الكردية)وكان اعتقادهم بأن السير خلف العشوائية الجماهيرية في نقاط الحراك وركوب موجة ما يسمى زورا بالثورة (لعدم توفر الشروط الموضوعية لها) قد يضعهم على سدة قيادتها ، لكن سرعان ما غابت فعاليتهم السياسية وبدأت عنعنات التطرف وتبريره احيانا، ودعمه أحيانا أخرى تهيمن عليهم، حتى اكتمل ذوبانهم النهائي في الهيئة المذكورة التي تعمل لتلبية أهداف حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يضع قدمين في اليمين الاسلامي، ونصف قدم باليسار، بدءا من التبرير لدول الخليج التي هي شريكة فعلية وتبرير للدور التركي المعتدي على سورية، وتبرير عنف الجماعات المسلحة، وإلى رفض العنف وتحميل مسؤوليته للسلطة السياسية فقط وإيجاد التبريرات الدائمة والمستمرة للقوى العنفية الاخرى وتأيد بعضها (الجيش الحر في مؤتمر القاهرة صيف 2012 ) ثم في مؤتمر الإنقاذ الوطني 23-9-2012 .
أما المجلس الوطني فحقيقة الأمر كان المهمين عليه القوى الدينية مقابل الغياب التام لليساريين ووضع الشخصيات والأحزاب الليبرالية والقومية بالواجهة (حزب الشعب/ الهيئة الكردية..الخ) لا يعبر إلا عن خديعة للسيطرة التامة والفاعلة لتلك القوى وارتباطها الصريح والوقح بدول الخليج وبالمراكز الامبريالية الدولية.
في المعارضة السورية خارج تلك الأطر نجد الكثير من اليساريين كشخصيات مستقلة أو تيارات سياسية صغيرة وناشئة في مجملها العام غير فاعل إلا بمقدار إنتاجها للوعي المعرفي ولتحليل الحدث السياسي وفق رؤى وطنية جامعة. ونرى أنموذجا عليها جزءا من وفد منصة موسكو.....
إن القوى اليسارية في عمومها لن يكون لها دورا ناهضا، إذا بقي كل طرف في عباءته الراهنة بالتالي يجب الدعوة إلى إعادة استنهاض دورها التاريخي، يبدو ضروريا إذا ما استطاعت تلك القوى بالخروج من قوقعتها والأحزمة التي كبلت بها حركتها (حل مايسمى الجبهة الوطنية / خروج حزب العمل من هيئة التنسيق- حل جبهة التغيير والتحرير) وعقدت مؤتمرا لجميع تلك القوى ودعوة اليساريين المستقلين وجميع التيارات اليسارية لرسم سياسات حدها الأدنى موقف موحد من الجبهة الأصولية الفاشية وطرق المواجهة والبت في المطالب الشعبية المشروعة الواردة
إن تطور الأحداث الدراماتيكي أدى إلى فاعلية واسعة للجبهة الفاشية الأصولية ولاتساع قاعدتها الاجتماعية، ولابد لقوى اليسار أن تعيد ترتيب أوراقها لمواجهة هذه الجبهة. بجبهة شعبية عريضة.
كيف نبدأ : نحو جبهة شعبية متحدة
• منذ البداية أدركنا أنّ ظاهرة الأحزاب لن تترك أثرا كبيرا فاعلا على الحياة السياسية العامة، في حين برز الميل ألانقراضي للأحزاب القديمة بسبب تعقيدات الحدث وخروج عدد كبير من الكوادر السياسية منها بسبب التناقض بالمواقف السياسية، مما عقد الخارطة السياسية وتوزعها، وعليه برزت ظاهرة الجبهات والهيئات منذ بدء الأزمة، لتبدو هي الواجهة الوحيدة على الأرجح والأبرز للعمل السياسي حاليا، لمواجهة المعضلات القائمة (المجلس الوطني، هيئة التنسيق..بداية ) ثم الائتلاف الوطني.. ولتأخذ صيتا محليا ودوليا ، كجهات معارضة، وكان ذلك بسبب تفاعل الحدث السوري وتشابكه وتداخل العوامل الخارجية بكثافة به، لتضاف للعوامل الداخلية..، ثم برزت قوى ائتلاف التغيير السلمي التي تطورت لاحقا لتشكل جبهة التغيير والتحرير ... وأخيرا هيئة العمل الوطني الديمقراطي، وعليه لم يعد هناك أي دور فاعل أو هام للعمل الحزبي كأحزاب أو تيارات بمفردها خارج هذه الهيئات، فالمواقف السياسية في المفاوضات الداخلية وفي التعامل الدولي يتم مع الجبهات أو الهيئات، وقد لعب تيارنا دورا مفصليا ومميزا في إنتاج وثائق الأزمة، هذا ليس تقليلا من عمل الأحزاب بمفردها. إنما إيضاحا بأن وجود أي حزب خارج التحالفات يقلل من فاعليتها، أو لايعطي نتائج ايجابية مؤثرة في المسار السياسي العام، بالتالي علينا أن ندرك الأهمية التاريخية لمثل هذه التحالفات ضمن الظروف الموضوعية التي نمر بها.
الأسباب العامة لنشوئها:
- ضعف جبهة النظام وعدم قدرة الجيش السوري وحلفائه على الحسم بالرغم من تقديمه سيل من التضحيات الجارف مع كتلته الاجتماعية في مواجهة الفاشية، إلاّ أن لاشمس تلوح في الأفق، وعليه إدخال كتلة أكبر وأوسع في المعارك، قوة تمتلك الإرادة القوية، تؤدي على الغالب لشروق الشمس.
- العمل على مشاركة كافة الكتل الاجتماعية بممثليها السياسيين في مواجهة الخطر الفاشي عبر زج قواعدهم الشعبية في المعركة كجزء متتم للجيش السوري. مما يعني عدم تحييد أي كتلة اجتماعية، واعتبار أن المعركة ضد الفاشية هي معركة الجميع، وليست خاصة بقومية معينة أو جهة مذهبية محددة.
- العمل الفعال على مواجهة كل الاحتلالات الخارجية للأراضي السورية وبالأخص منها الصهيونية والتركية.
- العمل الجاد على ضم قوات قسد للجبهة عبر الحوار المباشر مع مجلس سورية الديمقراطي، وعبر الإقرار بالحقوق المشروعة والمسلوبة للكورد، على قاعدة البحث في الخيارات اللامركزية والفيدرالية تحت قاعدة وحدة الأراضي السورية، وخضوع الجميع للدولة السورية. ضمهم إلى الجبهة يعطي دورا كبيرا لها، وبالأخص هذه القوات قامت بدور كبير في مواجهة الفاشية بالشمال السوري، ولايمكن لأحد تجاهل وجودها، وفي حال تم ضمها للجبهة الشعبية سيضع هذا حدا لتدخل قوى التحالف الدولي وبالأخص الامريكي في الشمال السوري
- التراجع الكبير في تحقيق القضايا الإنسانية من فبل القائمين على ذلك، واتساع حجم المعاناة، من حيث إيصال المساعدات والخدمات لكافة السوريين أينما كان موقعهم. فالجبهة ستلعب دورا مميزا في توزيع عادل ومتساوي للمساعدات لجميع السوريين وفي كافة المناطق والجبهات .
- إطلاق الجبهة تنهي حالة الانقسام الوطني الاجتماعي، عبر اجتماع كافة الفعاليات السياسية والمدنية والسلطة مما يعطي دفعا في الحوار الوطني إلى الأمام ويعطي دورا فاعلا للنسيج الوطني
- إضعاف التدخل الخارجي في تقرير مصير السوريين، وإعطاء المسار الداخلي أهمية كبرى في موضوع الحوار الوطني وبالأخص إذا كانت هناك قوى حليفة ضامنة لنتائج الحوار بغية الوصول إلى تشاركية فعلية تؤول إلى التغيير الديمقراطي المنشود.
- إطلاق الجبهة يضع حدا لقضايا التشبيح والتجاوزات الفردية التي ترتكب من قبل ما يعرف بالمجموعات الرديفة ( الدفاع الوطني) عبر التقليل من فاعليتها وإخضاعها للقوانين والأنظمة المعمول بها بشكل تدريجي وهادىء، مما سيعكس ارتياحا لدى عموم السوريين..
دور الأصدقاء والحلفاء:
- االحليف الروسي بصفته أقوى الفاعلين في الساحة السورية، وامتلاكه القدرة على إقناع النظام السوري بإطلاق هذه الجبهة لتحقيق هذه الغايات، ويجب على الروس عدم الاكتفاء بفكرة محاربة الفاشية لتشكيل جبهة شعبية واسعة كمدخل إلزامي ووحيد لإطلاقها، وإلا سنكون جميعا كقوى معارضة وقوى حليفة كروسيا وايران نساهم في إعادة النظام لشكله ومحتواه السابق (التفرد والاستبداد والديكتاتورية) أي أنه بأيدينا نبدأ بإعادة إنتاج النظام القديم، حيث أنه هو غير قادر على إعادة إنتاج بذاته.
- إن السياسة الروسية ومنذ بداية الحراك، كانت داعمة للحل السياسي السلمي، وقدمت مقترحات عديدة، من أجل خلق تشاركية بين الجميع كمرحلة أولى انتقالية، وهذا لن يتم إلا بخطوات ملموسة على أرض الواقع العملي، تبدأ بالضغط على النظام لإطلاق مسار الحوار الداخلي توازيا مع محاربة الفاشية، وبنفس الأوراق الأربعة المطروحة حاليا بجنيف والتي نقاشها في مؤتمر الحوار الداخلي يؤدي للوصول لمحصلة ايجابية في النهاية أما نقاشها في جنيف فربما يمد بعمر الأزمة السورية سنوات طويلة....
- هذه الخطوات علي الأصدقاء الروس العمل عليها جديا والمساعدة على إطلاقها، عندها ستتشكل جبهة شعبية قوية تضم كافة المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية وتعطي لوحة ناصعة عن قضايا التشاركية الفعلية، بالتالي ستؤدي لهزيمة الفاشية وتخفيف ألام السوريين ووقف نزيف الدم ومعاناتهم.
الغاية من إنشاء الجبهة الشعبية:
عدا ما ورد ذكره في أسباب النشوء حيث تشكيل الجبهة يعالجها، فيمكن القول بأن الجبهة الشعبية تشكل مدخلا أساسيا لدحر الحلف الأسود وفي مقدمته الجبهة الفاشية. واجتماع قوى المعارضة والمولية وقسد في جبهة واحدة يؤدي لحوار الوطني يتم فيها مقاربات جدية بحيث ينتج عنها بحث الحوكمة والدستور والميثاق الوطني وشكل السلطة المقبلة، بالتالي تؤسس بطريقة سلمية وتدريجية وآمنة للدخول في المرحلة الانتقالية إلى جانب محاربة الفاشية.
يضاف لذلك ستشكل بأضعف الإيمان محاولة أولى وجدية للخروج من الأزمة السورية والانقسام الوطني....

من المهم جدا أن تتحرر جميع القوى السورية (أحزاب ومنظمات مدنية) من الارتباطات الخاصة بها ،والاقتناع بأن مواجهة الجبهة الفاشية لايمكن أن يتم دون النضال بشكل مواز من أجل التغيير الجوهري في طبيعة السلطة الراهنة بدءا من إنهاء حالة الاستفراد بالسلطة، نحو تشاركية فعلية وليست شكلية وإنهاء حالة الاستبداد السياسي والأمني نحو ديمقراطية جدية ,وميثاق ودستور عصري حقيقي، أن تجتمع القوى السياسية وبالأخص الفاعلة منها وأن تعمل في بوتقة واحدة جامعة هي جبهة متحدة ضمن اتفاق على الحدود الدنيا.
علينا جميعا العمل الجاد والسريع لتكوين جبهة شعبية متحدة عريضة ( موحدة ) تعكس طاقات الكتلة الشعبية الأوسع، وطموحات اليساريين، فالمهم في ذلك أنه سيقوي حشدها الشعبي ويوحد رؤيتها ويعطي فاعلية لطاقاتها النضالية ، وسيجعلها أكثر فاعلية في الحياة السياسية السورية .. إن هذه الجبهة المتحدة تبدو كضرورة تاريخية ملحة حاليا، كي يزول اليأس من نفوس السوريين وينغرس الأمل بالحياة فيهم من جديد,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي