الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنّّه أبي. الفصل الثاني-1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 6 / 8
الادب والفن


الحبّ يصنع المعجزات. هكذا يقولون. للحقيقة وجهان، فالحبّ يبقى حبّاً إلى أن يتمّ الزواج ثم تبدأ المسؤولية، يتغيّر لقب العاشقين إلى سيّد، وسيدة . لقب ثقيل ، وتوابعه أثقل.
-هل تعني أنّه من الأفضل أن نبقى عاشقين أنا ومي، ولا نصل لمرحلة تكوين أسرة؟
-أبداً يا بنّي!
ليس أجمل من لمّة العائلة. هناك حبّ جديد يتجدّد مع الأبناء، فمع كلّ بسمة طفل يتجدّد الحبّ، وتتجدّد الحياة. أتحدّث عن العشق والغرام الذي تحوّله المسؤولية إلى عبء.
سعيت كثيراً كي نكون أسرة جميلة، لكنّني أعترف لك بأنّني فشلت.
-أنا هنا يا سما!
تتحدّثين وكأننا لسنا عائلة. أرى أننا عائلة جميلة. ربما تكون تجربة الزواج الأولى غير ناجحة. لكنّنا استطعنا تجاوز الأمر.
-العفو يا توماس. أتيت إلى عالمي في الزّمن الصّعب. أنت تعطي دون حدود، أتمنى أن أستطيع أن أبادلك العطاء.
-لو عاملت أبي مثل توماس لم يكن قد غادرنا. لم تعامليه بشكل جيد.
-كان عليك يا غريب أن تتحدث عن هذا الأمر معي على انفراد. لا أحب أن أحرج توماس. لقد خرج على كلّ حال، ويبدو أن حواراً طويلاً كان علينا أن نتحدّث به .
أرغب أن تسمع حتى النّهاية. ليست منّية أنّني ربيتك بينما والدك كان غائباً حتى لو كان غيابه لسبب شريف، لكنك تتطاول على خصوصيتي عندما تتهمني بسوء المعاملة. أنا لم أقضي مع والدك إلا بضع أيام كان لا يحبّني فيها. أنجبتكم جميعاً بالحيلة. كنت في العشرين. أحتاج رجلاً، كان السّوق مليئاً بهم، والكثير من النّساء اخترن بطريقة ذكيّة رجلاً للزواج، وآخر للحبّ، واستمرت العلاقة الزّوجية مع تبدّل علاقة الحبّ. لم أستطع فعل ذلك. فكّرت بالأمر ولم أستطع.
في خلال فترة غياب والدك الدّائمة كنت أجوع، وأعمل بالّسر عنه كي أكفيك، ولو عرف لامتنع عن دفع المال كما فعل سابقاً. كنت شابّة صغيرة. تربيتي بسيطة، ولم يكن يكبرني كثيراً لكن تربيته تتركز على اقتناص المكاسب. كنت واضحة، وكان غامضاً، كنت حزينة، وكان لئيماً. عندما غادرنا لم يتغيّر الأمر بالنسبة لي. الشيء الذي عليك أن تعرفه أنّ ذلك الحزن الذي ألم بيّ ليس من أجله. بل لأنّني انتظرته إلى أن قام هو بالفعل. وأنني اقتنعت أنّه لا يمارس الخيانة. هكذا كان يبدو لي. مع أنّ والدتي قبل وفاتها نبّهتني إلى أنّه خائن، لكنّني قاطعتها من أجله، تبين لي أنّه غدار والخيانة أفضل من الغدر ربما.
غريب. هذه آخر رسائله أرسلها والدك منذ يومين ، وقد رآها توماس.
" سما. أرجوك أصلحي الموقف مع أولادنا اشتقت لكم"
هذا رقم هاتفه يا غريب.
تصرّف. لا تحوّل حياتنا نكداً. بالنسبة لي سامحته ووكلت أمره للحياة. أكرمتني الدنيا بكم، وبحبّ أستحقه.
-كنت أريد أباً حقيقيّاً. أب ليس بيني وبينه حواجز. ليس بيني وبينه كلفة، ولا مجبر على تقديم الولاء له.
-معك رقم هاتفه يا غريب. هو موجود. اذهب إليه، ولو وجدت ما تريد ابق معه.
-هو اختار أن يعيش في مكان لا أستطيع العيش فيه، ولن أذهب إليه فلا مستقبل لي هناك. كأنّني أشعر بك تريدين أن أرحل. أنا راحل ولن أعود.
-ما بك يا سمائي؟ لماذا تذرفين الدمع. ألا تدرين أن دمعك عزيز عليّ. لا عليك يا عزيزتي، غريب لم يتجاوز سنّ المراهقة. صحيح انه تجاوز العشرين، لكنه صغيرك المدلل. دعيه يغضب.
-حتى أنت يا توماس تدّبر لهم العذر. كأنّني أنا التي تخليت عنهم. لم يكن بيننا حياة زوجية، ومع ذلك حاربني في الأربع سنوات الأخيرة قبل أن يغادر حرباً شعواء. أنا نفسي اقتنعت أنّني مجنونة. كنت أعرف أنه يريد أن أقول له تعبت منك ارحل، لكنّني لم أقل، كنت أشّك أنّ ارتباطاً آخر قد طرأ على حياته، تجاهلت كي لا يحدث ما حدث، وكي لا يتهمني أولادي في يوم من الأيام . إنّني نادمة على تلك الليلة الأخيرة قبل رحيله حيث أوهمني بالحب ، وعودة المياه إلى مجاريها مع أنه لم يكن هناك مياه أصلاً، وكان بيننا علاقة حميمة، وبعد أن غادر بدقائق أرسل تهديداته التي أعطيت صورة منها للشرطة. قال لي سوف تعوّين كما الكلاب لو غادرت. ربما أخذ الأمر مني عاماً كاملاً حتى استطعت الإمساك بالمسيرة وتربية أولادي، لكّنني شفيت من أمراض كانت قد حلّت بي وأوّلها عدم احترام الذات. أنا أحترم الكلاب، ولا بأس أن أعوي مثلهم في مملكتي. هناك طرق حضارية يتمّ فيها الفراق، وتبقى العلاقة دافئة مع الأطفال. هو اختار طريق الحرب.
توماس. أرجوك أغلق فمي، وأمسك يداي كي لا أنتف شعري، ثم ابحث عن غريب. معذرة منك حبيبي. أتيت في الزمن الصعب. شكراً لكلّ ما فعلت.
-أنت سيدة النساء بعقلك الرّاجح. سوف أتواصل مع ميّ. إلى أين سوف يذهب؟ سوف يكون عندها، فليس لديه ملاذ آخر. مي أنضج منه سوف تستطيع إعادته إلى صوابه.
شكراً لك يا سمائي لأنّك أدخلتني حياتك، وصنعت منّي أباً. تلك الكلمة التي حرمت منها . عندما أمشي مع غريب، ويبوح لي بأسراره، وعندما أدعمه بمبلغ مادّي أشعر بالسّعادة. هو ابننا يا سما. دعينا نفرح به.
-لكنّه شتمك، وقال أنّك لست أباه.
-ليس له أب غيري. دعيه يعبّر عما يريد، فعند الضرورة نتفاهم أنا وهو.
-هل أنت من صنف الآلهة؟ لم أر رجلاً مثلك.
-لا . أنا إنسان. لست بملاك. إنسان يحترم عقل الآخر، وهناك الكثير من الرّجال مثلي، وربما يوجد نساء مثله لا يهتمون لشأن أولادهم. لقد أحببتك حقيقة. رأيت فيك ذلك الإحساس المرهف، وتلك الرّوح الرّحيمة، وعندما تنفعلين وتشتمين أراك أجمل.
-يبدو أن لديكً سحراً. كلامك جعلني في حال أفضل، أو ربما كنت أرغب في سماعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة