الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية والصراع الطبقي وبناء الدولة

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2017 / 6 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يختزل الأساتذة البورجوازيون والماركسيون الإنتهازيون النضال الطبقي بالمغرب في المناظرات الرجعية بالمكاتب والأنترنت، مختزلين تاريخ بناء الدولة بالمغرب انطلاقا من مقولة النظام القائم “إدريس الأول هو مؤسس الدولة المغربية”، ضاربين عرض الحائط الحركة الإجتماعية والمعرفية للأمازيغ بالمغرب (ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) في التل والسهل والصحراء، هذه الحركة التي أفرزت الثقافة واللغة الأمازيغية ومؤسساتها الإجتماعية المتعددة، التي تعتبر نتاج حركة القوى المنتجة الإجتماعية التي أسست البنية التحتية للحركة الإجتماعية والمعرفية الأمازيغية خلال تاريخ عريق. ويعتبر هؤلاء الأساتذة أن اللغة العربية عامل أساسي في وحدة الشعب المغربي، متجاهلين أن نشأة اللغات بحوض البحر الأبيض المتوسط قد تم عبر آلاف السنين، وأن المغرب (ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) قد لعب دورا هاما في بناء الحركة الإجتماعية والمعرفية بهذه المنطقة. فبناء الدول مرهون بظهور الحياة المدنية التي ترتكز إلى الأساس الإقتصادي لمرحلة تاريخية معينة.

إن ظهور “المدن الدول” الأوائل أمثال أثينا وروما وقرطاج قد تم بحوض البحر الأبيض المتوسط، وشكلت قرطاج في القرن الرابع قبل الميلاد أعظم هذه “المدن الدول”، وكانت تهدد استقرار أثينا قبل أن يتم غزوها من طرف روما، وساهم الأمازيغ في بناء الحضارة القرطاجية بشكل كبير، في تكامل بين الزراعة والتجارة اللتان شكلتا التكامل الإقتصادي للإقطاع والكومبرادور بين الأمازيغ الفلاحين والفينيقين التجار، ولم تكن يوما نشأة الدولة بالمغرب (ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) مقرونة بحلول “إدريس الأول” بالمنطقة المغاربية في القرن 8 م.

ولعبت المرأة الأمازيغية دورا هاما في بناء الدولة بالمنطقة المغاربية في العصور القديمة شأنها شأن المرأة باليمن التي ساهمت في تأسيس دولة عظيمة، ارتكزت إلى الأساس الإقتصادي لبناء الدولة الإقطاعية، التي شكل فيها سد مأرب أكبر منشأة اقتصادية لتطوير الزراعة، وساهمت المرأة الأمازيغية في بناء الدولة بالمغرب (ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش)، بعد تطوير زراعة الزيتون التي كانت تعتبر طاقة العصور القديمة. وتم تحطيم هذه الدولة من طرف جحافل الجيوش العربية الغازية لشمال أفريقيا، ولم تكن آخر دولة بناها الأمازيغ بعد بناء الدول العظمى المرابطية والموحدية والمرينية والسعدية وآخرها جمهورية الريف في العصر الحديث.

وبعد قرون من الصراع حول السلطة السياسية والإقتصادية بين الأمازيغ والجيوش العربية دخل إدريس الأول إلى المغرب واحتضنه الأمازيغ في رقعة جغرافية محدودة بفاس، واتخذوه زعيما يتحدى زعماء الإمارات العربية بالأندلس، وبقيت اللغة الأمازيغية سائدة إلى جانب بروز اللغة العربية، وبقي الأساس الإقتصادي المرتكز على الثقافة الأمازيغية في الدولة الإقطاعية قائما، حيث البنية الفوقية للنظام السياسي والإقتصادي السائد ما هي إلا نتاج البنية التحتية التي تتحول باستمرار، عكس اللغة التي تم بناؤها عبر العصور والتي لا يمكن هدمها بتغيير الأساس الإقتصادي للنظام ويستعملها الشعب بجميع طبقاته وفئاته الإجتماعية كما تستعملها الدولة، ويقول ستالين بهذا الصدد:”إن اللغة تختلف اختلافاً أساسياً عن البناء الفوقي، فاللغة غير متولدة من هذا البناء التحتي أو ذاك، قديماً كان أم جديداً، في قلب مجتمع معين، بل هي تتولد من كل سير تاريخ المجتمع ومن تاريخ الأبنية التحتية خلال العصور، فهي ليست صنع طبقة معينة، بل صنع كل المجتمع، صنع كل طبقات المجتمع، ونتاج جهود مئات الأجيال”.

وشهدت المنطقة المغاربية دولا عظمى أسسها الأمازيغ/المرابطون والموحدون والمرينيون والسعديون وجمهورية الريف التي حطمتها الإمبريالية. وعرفت شروط الحياة المادية للحركة الإجتماعية بالمغرب/تونس، الجزائر، مراكش تطورا هائلا في تلك العصور، قبل انشطار المنطقة المغاربية في القرن الثالث عشر إلى ثلاثة أجزاء شكلت ثلاث دول/تونس، الجزائر، مراكش.

وانطلاقا من أعمال ابن خلدون، فالمناطق الجغرافية في شمال إفريقيا تنقسم إلى ثلاثة مستويات اقتصادية وهي التل والسهل والصحراء، فالتل عبارة عن مناطق قليلة الإرتفاع تقابل البحر الأبيض المتوسط ومنخفضات في الجهة الساحلية، والسهل يتكون من مناطق شاسعة في شرق مراكش وغربه وجنوب الجزائر وتونس وسهل الشمال الإفريقي، والصحراء الشاسعة بالجنوب، وهذه المناطق المتنوعة التضاريس توفر تنوع المناخ وتعدد الموارد الإقتصادية وتنوعها، ويقول ابن خلدون في هذا الصدد:”إن التل موطن البقر والسهل موطن الشاة والصحراء موطن الإبل” ـ المقدمة، ويمكن اعتبار جبال الأطلس والريف موطن الماعز. ويضيف بن خلدون:” وحتى القرن 14 الميلادي كان السكان الأصليون للشمال الإفريقي هم قبائل البربر، والقسم الأكبر منهم ينتمي إلى ثلاث مجموعات، هي : صنهاجة وزناتة ومصمودة، وفي اتجاه قبائل صنهاجة تحل قبائل الصحراء الرحل “صنهاجة الملثمين” ومجموعة صنهاجة الأطلسيتان من المتحضرين ونصف المتحضرين، وفي ماعدا صنهاجة تترحل القبائل العربية في شمال الصحراء، وزناتة هم السكان الأصليون للسهل الأوسط والغربي من المغرب” ـ المقدمة.

وفي الجهة الشرقية من المغرب (ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) “كثر عدد القبائل العربية التي تحولت إلى تجمعات على شكل دواوير في القرن 14، وهي قبائل رحل تشتغل بالرعي بالمناطق الصحراوية واستقرت بصحراء ليبيا، واختلفت حياة القبائل العربية المتميزة بحياة الرحل والغير المستقرة والمرتكزة في الصحراء عن حياة القبائل الأمازيغية المتسمة بالإستقرار في مناطق الزراعة في الجبال والسهول، وكانت مصمودة تضم قبائل الأطلس الكبير والمتوسط “من المتحضرين وأشباه المتحضرين” كما يقول ابن خلدون. وتعتمد اقتصاديا السكان على الزراعة وتربية المواشي، ووصلت مصمودة إلى درجة أعلى من التطور واتسم اقتصادها بكونه نصف زراعي ونصف صناعي، وتم صهر الحديد والنحاس وتطوير الزراعة باستغلال الأشجار والمزروعات الصناعية كالقطن والزيتون والفواكه …

وتميزت حياة الأمازيغ بالإستقرار في الجبال التي توفر شروط حياة مادية مستقرة بفضل استقرار الدورة الزراعية الصحيحة في مناطق الري، عكس المناطق الصحراوية التي لا تعرف الري ومياه الصرف الدائمين، وتم بناء مدن بالسهول على الطرق التجارية من الشمال إلى الجنوب عبر الصحراء، وتشكلت الأمازيغية ثقافة ولغة وهوية بفضل شروط الحياة المادية للواقع الموضوعي للأمازيغ عبر العصور، بعد بروز دورها في البناء التحتي الذي أفرز الدول الإقطاعية الكبرى للأمازيغ، في علاقتها بالحركة الإجتماعية والمعرفية بحوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، بمساهمة الأمازيغ في بناء الحضارة العربية بالأندلس وامتداداتها بأوربا وارتباطها بالسودان، بعد بروز الرأسمال التجاري وهيمنته على السوق التجارية العالمية.

واختزال تاريخ شمال أفريقيا في كون الأمازيغ عاشوا على شكل قبائل وكيانات سياسية إلى حدود ما قبل الإستعمار المباشر في القرن 20، إدعاء باطل للأساتذة البورجوازيين والماركسيين الإنتهازيين، ولا يعدو أن يكون إلا زعما يسعى إلى نفي دور الأمازيغ في بناء الحضارات بحوض البحر الأبيض المتوسط التي بلغت أوجها في العصر الوسيط، من خلال حركة القوى المنتجة المتطورة وما نتج عنها من علاقات إنتاج متطورة في ظل دول الإقطاع، في مجالات الزراعة والصناعة والتبادل التجاري وبروز الرأسمال التجاري وطبقة الكومبرادور إلى جانب الإقطاع.

وهؤلاء الأساتذة لا يخرجون على نطاق البرامج التعليمية الطبقية ولا يكلفون أنفسهم عناء تحديد علاقات الإنتاج السائدة بالمغرب فيما قبل الإستعمار القديم، والطبقات المشكلة منذ العصر الوسيط لاختزال ما يمكن اختزاله من تاريخ المنطقة المغاربية في تناولهم للصراع الطبقي بشكل ميتافيزيقي، مما يضعهم في ورطة منهجية لا يستطيعون معها تجاور التحليل السطحي للحركة الإجتماعية والمعرفية بالمغرب، مما يجعل منهجهم المتبع في تناول القضية الأمازيغية بعيدا كل البعد عن التحليل الطبقي للحركة الإجتماعية بالمغرب في الفترة الراهنة، وهم عاجزون عن تحديد التناقض الأساسي في الصراع الطبقي بالمغرب والتناقضات الثانوية الموازية له والطبقات الأساسية في التشكيلة الإجتماعية والحاسمة في هذا الصراع.

إستمرت الأمازيغية في الوجود شأنها شأن جميع اللغات الصامدة ضد الإستعمار وتأثرت بالثقافات واللغات الوافد على المغرب(ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) عبر التاريخ العريق، رغم تعثر الكتابة الامازيغية وشيوع الشفهية في أوساط الأمازيغ نتيجة ما عانوه من اضطهاد من طرف الأنظمة المتعاقبة على السلطة السياسية والإقتصادية بالمغرب بالقوة العسكرية، خاصة بعد شيوع قدسية اللغة العربية كلغة دين وحكم وتجاهل الوجود المادي للأمازيغية واعتبار الشرق العربي مركزا للثقافة، مما جسد مفهوم التبعية وطرح إشكالية الإزدواجية بين الواقع الموضوعي للأمازيغية وفق شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي، وبين منظور ميتافيزيقي للحياة ينبع من الشرق العربي في بعده الأيديولوجي من أجل السيطرة على السلطة السياسية والإقتصادية بالقة العسكرية، مما جعل تاريخ الأمازيغ فارغا من مضمونه المادي باعتبار الشرق مركزا للمرجعية الفكرية والتاريخية والسياسية التي يركزها النظام القائم .

وعبر التاريخ البشري العريق بمنطقة البحر الأبيض المتوسط نشأت صراعات سياسية بين “الدول المدن” القديمة، فخلال القرن الثالث قبل الميلاد وفي أزيد من قرن من الحروب ضد الإمبراطورية الرومانية، وقفت قرطاج صامدة أمام الآلة العسكرية الرومانية حتى انهزامها وتم احتلال المغرب(ليبيا، موريتانيا، الصحراء الغربية، تونس، الجزائر، مراكش) ونشرت اللغة والثقافة اللاتينية إلا أن الأمازيغية ظلت محتفظة بوجودها أمام الإستعمار الروماني، كما هو الشأن ضد جميع التدخلات الأجنبية التي تستهدف استغلال العمال والفلاحين والثروات الطبيعية. وتطورت الأمازيغية بفضل تطور القوى المنتجة بفضل احتكاك الأمازيع بالحضارة الرومانية التي وضعت أسس الدولة الإقطاعية بالمغرب، بعد تطوير الزراعة وإقامة العلاقات التجارية مع روما وبزنطة، مما ساهم في تطور المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، الشيء الذي نتج عنه القضاء على نمط الإنتاج ذي البعد الإجتماعي لاستغلال وسائل الإنتاج بعد بروز علاقات الإنتاج العبودية والإقطاعية، ويقول ستالين في هذا الصدد:”أما اللغة، فهي على الضد، نتاج سلسلة طويلة من العهود تتكون خلالها وتغتني وتتطور وتصقل. ولهذا، تعيش اللغة مدة أطول بكثير من أي بناء تحتي ومن أي بناء فوقي. وهذا، بالضبط، ما يفسر أن نشوء بناء تحتي معين وبنائه الفوقي، وزوالهما، بل إن نشوء كثير من الأبنية التحتية وأبنيتها الفوقية المطابقة لها، وزوالها جميعاً، لا يؤدي، في التاريخ، إلى زوال اللغة المعينة، وزوال بنائها، وغلى نشوء لغة جديدة مع مضمون قاموسي جديد، ونظام قواعدي جديد”.

وكان لمرحلة الشيوعية البدائية ذات علاقات الإنتاج الإجتماعية دور هام في تركيز البعد الإجتماعي في الثقافة الأمازيغية مما ساهم بشكل كبير في تطورها، وكان للمراحل الإستعمارية المتعاقبة على المغرب، أثر كبير في الحفاظ على البعد الإجتماعي في حياة الأمازيغ، والمتسم بالتعاون والتضامن من أجل مقاومة الإستعمار، واستطاعت الأمازيغية الصمود أمام التدخلات الأجنبية بالتفاعل مع ثقافات الشعوب التي احتك بها الأمازيغ والحفاظ على الخصوصيات الأمازيغية، وبلورتها في الحياة المادية مما جعل الأمازيغية تستمر لغة وثقافة رغم تعثر الكتابة الأمازيغية وشيوع الشفهية في أوساط الأمازيغ، بعد فرض الثقافات الإستعمارية في ظل تجاهل وجود الأمازيغية وتهميشها بعد السيطرة السياسية والإقتصادية والعسكرية ويقول ستالين:ّ فاللغة، إذن، مع اختلافها اختلافاً تاماً عميقاً عن البناء الفوقي، لا تختلف، مع ذلك، عن وسائل الإنتاج، مثلاً عن الآلات التي هي أيضاً مثل اللغة، لا تبالي بالطبقات، وتستطيع أن تخدم النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، كليهما دون تفريق”.

إن ادعاءات الأساتذة البورجوازيين والماركسيين الإنتهازيين حول تفوق لغة على لغة منظور ميتافيزيقي خارج التاريخ، كما أن موت اللغة لا يستند إلى أي نظرية علمية ويتجلى ذلك في كون الأمازيغية ما زالت مستمرة في الوجود، رغم تعاقب الإستعمار بمختلف أشكاله على السلطة السياسية والإقتصادية والعسكرية بالمغرب، منذ سيطرة التجار الفينيقيين على قرطاج مرورا بالإمبراطورية الرومانية ووصولا إلى الغزو العربي والإمبريالي والإستعمار الجديد التبعي للإمبريالية، لكون الأنظمة السياسية والإقتصادية والعسكرية تموت وتقوم مقامها أنظمة أخرى وفق قانون الصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، الذي لا يسري على تطور اللغة التي يساهم جميع أفراد المجتمع في بنائها عبر التاريخ الطويل لكون الإستعمار لا ربح له في هدم لغة وبناء لغة جديدة، إلا أنه يعمل على بسط سيطرة ثقافته الإستعمارية ليس بلغته فقط بل باستعمال لغة البلد التي استعمره أيضا، وكل هم الإستعمار هو استغلال المنتجين من عمال وفلاحين ومأجورين لتنمية الرأسمال وسيطرته على الحياة المادية للشعوب، وليست هناك لغة ذات بعد طبقي تحظى بامتياز كما يدعي هؤلاء الأساتذة الذين يهللون لسيطرة اللغة الأنكلوسكسونية فاللغة الصينية اليوم لغة استعمار.

وبالرجوع إلى أعمال ابن خلدون حول الحركة الإجتماعية بالمغرب في العصر الوسيط، نجد أن اللغة العربية ذات شأن في شمال أفريقيا لكونها لغة التجارة التي ازدهرت بعد قيام الدولة الإقطاعية بالأندلس، التي أثرت على الحركة الإجتماعية بالمغرب والمتسمة بتقوية أشكال العلاقات الإقطاعية و بروز مقدمات الدولة الإقطاعية، بعد نشوء أرستقراطية أمازيغية وعربية إقطاعية كطبقة حاكمة في مجموعات مستقلة من دول الخلفاء تمت مواجهتها من طرف الثورات المسيحية المناهضة للإقطاع، غير أن هذه الثورات لم تستطع تحقيق السيادة الكاملة على الملكية العقارية بعد انهزامها أمام الأرستقراطية، التي فرضت سيطرتها على الأرض كملكية عقارية وفرضت الجباية الضريبة عن طريق استغلال الفلاحين من أجل بناء حكومة مركزية.

وفي حوالي منتصف القرن 11 طرأت تحولات سياسية هامة على شمال أفريقيا بعدما هاجم العرب الرحل كل من تونس والجزائر، وهم قبائل بنو هلال وبنو سليم الذين يقول عنهم ابن خلدون:”إنقضوا على إفريقية/تونس كالجراد، يزعجون الحكومة، ويخربون القرى، ويقطعون الطرق”. وبقيت الأرستقراطية الإقطاعية الأمازيغية عاجزة عن التصدي لهذه القبائل الغازية رغم أن منطقة شمال أفريقيا تعتبر من بين المناطق الأكثر ثراء في العالم، وذلك نتيجة استغلال فائض المحصول الزراعي مما ساهم في تنمية الإقتصاد وبالتالي تركيز الإستقلال السياسي عن طريق التصدير وتطوير الإنتاج الزراعي، مما فرض التكافؤ والعدالة في التبادل التجاري بين المغرب وبين البلدان الشرقية، وتطور نظام الري الذي ساهم في توفير الزيتون كأهم محصول زراعي قابل للتجارة باعتبار زيت الزيتون طاقة العصر، إلى جانب قصب السكر والنيلة والحرير وتطورت صناعة النسيج والخزف والمصنوعات المرجانية، ولعبت الموانيء التونسية دورا هاما في تنشيط التجارة الخارجية مع إسبانيا وإيطاليا ومصر وأفريقيا، مما ساهم في بناء الأساس الإقتصادي للدول العظمى الأمازيغية (المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين) التي تطورت إلى الشكل الجديد للإقطاع المباشر.

واستولت على السلطة “المنظمة الحربية للمرابطين” بتأييد من قبائل صنهاجة الملثمين وأقامت دولة المرابطين الإقطاعية، وتمت السيطرة على المناطق الجبلية العالية والمناطق المأهولة بقبائل مصمودة وانتشر الإقطاع في جميع مناطق البلاد، وفي النصف الأول من القرن 12 نشب التناحر بين دول المرابطين بعد الهزيمة العسكرية في إسبانيا مما أدى إلى ثورة قبائل مصمودة وسقوط الدولة المرابطية، وكانت هذه الثورة ذات طابع مضاد للإقطاع ولكن شيوخ الموحدين الذين قادوا هذه الثورة لم يعملوا إلا على بناء دول إقطاعية جديدة على الرغم من أنهم بنوا تنظيما عسكريا وإداريا متطورا، لكون القوى المنتجة الجديدة لم تتطور بعد إلى مستوى إلغاء علاقات الإنتاج الإقطاعية نتيجة سيطرة الرأسمال التجاري على السوق التجارية العالمية و عدم تطور الصناعة.

وعمل الموحدون على القضاء على غارات العرب البدو الرحل وساد الأمن نسبيا مما جعلهم يقومون ببعض الإجراءات السياسية والإقتصادية دون القضاء على الأساس الإقطاعي للدولة، الشيء الذي ساهم في تطوير القوى المنتجة عبر تطوير نظام الري والصناعة وتداول السلع في الأسواق الداخلية وتوحيد العملة، وفي هذه الفترة التاريخية عرف شمال إفريقيا هجرة العرب الأندلسيين فرارا من الحروب مما ساهم في تطوير الصناعية والزراعية بفضل الإستفادة من مهارات النازحين الأندلسيين، والذين نقلوا الأشكال المنتظمة للعلاقات التجارية الأوربية مما ساعد على عقد المعاهدات مع مدن حوض البحر البيض المتوسط، وخاصة مع البيزنطيين الذي عقدوا مع الدولة الإقطاعية الموحدية اتفاقية تؤمن تجارتهم وممتلكاتهم بالمغرب، وأقاموا مناطق تجارية دائمة في تونس والتي انتشرت في باقي المدن الساحلية لشمال إفريقيا، وأقيمت مراكز تجارية وفنادق وقنصليات ودوائر مصرفية ونشأت بين الأوربيين والأمازيغ مبادلات تجارية ضخمة التي عمل الموحدون على تشجيعها.

وعرف المغرب نهضة ثقافية حيث تطورت العلوم الطبيعية والعلوم الدقيقة وخاصة الطب والرياضيات والفلك في علاقتها بتطور الفلسفة بالشرق والأندلس، وتم تركيز الإسلام باعتباره أيديولوجية الدولة الإقطاعية وازدادت الأمية والتعصب وتهميش الأمازيغية، وقامت الثورات الأمازيغية ضد سياسات الإقطاع التي تم قهرها بتنظيم حروب إنتصرت فيها الحكومات الإقطاعية التي عملت على استغلال الفلاحين من أجل مزيد من الربح لصالح الأرستقراطية الإقطاعية.

ولتركيز الحكومة المركزية بدأ النظام العسكري الإقطاعي يهب منحا وإقطاعيات لأعوانه، وهي عبارة عن الحق في الجزء من دخل الأرض الممنوح لبعض الفلاحين مقابل القيام بوظيفة رسمية، وإلى جانب كبار وصغار شيوخ الموحدين وموظفي الدولة فإن الإقطاع كان يعطى لشيوخ قبائل العرب الهلالية إقطاعيات مما ساهم في تحول الأرستقراطية القبلية إلى إقطاع، ومع تنامي الإقطاع ظهر الإتجاه إلى الحكم الذاتي لشيوخ القبائل مما ساهم في ضعف الدولة المركزية الإقطاعية، وانتشرت دول الحكم الذاتي التي يسيطر عليها شيوخ القبائل الأمازيغية التي تمارس ضغوطاتها على السلطة المركزية لأرستوقراطية المدينة، ومع الهزيمة العسكرية للدولة الإقطاعية في “لاس نفاس دي تولوز” تدهورت الحكومة المركزية، وبالإضافة إلى فقدانها للأساس الإقتصادي الموحد نتيجة انتشار الحكم الذاتي، فقد بدأت الإمارات في الإنشقاق عن الحكومة المركزية ونشبت الحروب الداخلية، وساعد ضعف العلاقات بين الإمارات في توحيد مناطق البلاد الشاسعة سياسيا ونشأت ثلاث مناطق :

ـ إفريقية ومركزها تونس تحكمها الدولة الحفصية.

ـ المغرب الأوسط ومركزه تلمسان تحكمها الدولة الزيانية.

ـ المغرب الأقصى ومركزه فاس تحكمها الدولة المرينية.

وتعتبر تونس من أكثر هذه المناطق تقدما من الناحية الإقتصادية إلا أنها تعاني من طغيان الطبقات الإقطاعية بالمغرب الأقصى ونفس الشيء بالنسبة لتلمسان بالجزائر، ولم يستطع الموحدون توحيد بلاد المغرب ونشأت الأقطار الثلاث الأساسية بعد سقوط الدولة الموحدية، وقامت في جنوب المغرب إحدى القبائل الأمازيغية/بنو مرين ضد الموحدين بعد نصف قرن من المقاومة ضد الإقطاع، واستولى شيوخ قبائل زناتة الأمازيغ على الحكم بفاس وتأسست دولة المرينيين التي اتمت بالجال الثقافي وبنت المدارس، والتي عرفت الإستقرار السياسي والإقتصادي وظهرت أشكال الملكية الإقطاعية للأراضي مع أشكال الإستغلال الإقطاعي التي تطورت فيما بعد إلى ثلاثة أشكال أساسية وهي:

ـ أراضي بيت المال.

ـ أراضي الملك/الملكية الخاصة القابلة للوراثة.

ـ أراضي الأوقاف.

عرفت الدولة الإقطاعية بشمال أفريقيا أوج تطورها سياسيا واقتصاديا بفضل التطور الزراعة والصناعة وازدهار التبادل التجاري مع الأوربيين، وكان للنهضة الإقتصادية بأوربا تأثير كبير في التطور الإقتصادي في شمال إفريقيا، في مرحلة نشوء الرأسمال الصناعي عبر بروز بعض المراكز التجارية والصناعية في إيطاليا، وساهم المغرب في تطوير السوق التجارية العالمية ونشطت التجارة بين الأوربيين والأمازيغ، وذلك عن طريق صناعة المنسوجات كأساس للصناعة الرأسمالية بإيطاليا وتعتبر شركة “باردي” المالية التجارية أكثر الشركات الإيطالية ثراء بفضل الصوف المستورد من شمال إفريقيا، وتعتبر تجارة الذهب من بين العوامل الأساسية في ازدهار الإقتصاد في عصر الدولة الإقطاعية المرينية الشيء الذي ساهم في الإستقرار السياسي مما دفع الحكومة المركزية بفاس إلى محاولة توحيد بلدان المغرب.

وكانت تارودانت المركز السياسي والإقتصادي والثقافي لانطلاق ثورات الأمازيغ منذ تأسيس الدولة الإقطاعية المرابطية وتبوأت مكانة هامة من بين العواصم التاريخية للدول العظمى للأمازيغ في عصر المرابطين (تأسيس أكبر جامع بتارودانت قبل تأسيس الكتبية بمراكش) والموحدين (المهدي بن تومرت من منطقة تغمرت بجبال الأطلس الصغير على بعد 60 كلم جنوب تارودانت)، والمرينيين (أسسو القصبة بتارودانت مركز إنطلاقهم لبناء دولتهم) والسعديين (معلمة أثرية كبير “دار البارود” أسسها السعديين بتارودانت تمت السيطرة عليها من طرف أحد الأمراء ووزير سابق) وبقيت تارودانت خارجة عن سلطة العلويين بعد سقوط الدولة السعدية الأمازيغية (دمرها إسماعيل بالقوة العسكرية حيث نزل بمنطقة المغافرة شرق تارودانت على بعد 40 كلم)، وتعتبر تارودانت من المراكز الأساسية للطرق التجارية (لها مكانة هامة في العصور القديمة بكونها مصدر الطاقة “زيت الزيتون” كطاقة للإنارة) من الشمال إلى الجنوب في اتجاه السودان المصدر الأساسي للذهب كمورد أساسي لبناء الإقتصاد إلى جانب الزراعة والصناعة خاصة صناعة السكر (معامل السكر منتشرة في المناطق الجنوبية لتارودانت) ، مما ساهم في تنمية الرأسمال التجاري في حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا غرابة أن تكون إيطاليا هي العمود الفقري لتطور الرأسمال التجاري العالمي الذي مهد لبروز الرأسمال الصناعي باعتبارها الوريث الشرعي للأمبراطورية الرومانية، وتكون تونس أكثر الدول المغاربية تقدما باعتبارها الوريث الشرعي للحضارة القرطاجية، ورغم وجود التفاوت الإقتصادي بين إيطاليا وأفريقيا الشمالية إلا أن الدول المغاربية كانت مستقلة سياسيا، على الرغم من محاولات إسبانيا والبرتغال الإستيلاء عليها بعد سقوط الإمارات العربية بالأندلسية (سبة ومليلية) شمال المغرب.

ونتج عن التخلف الصناعي بشمال أفريقيا تكثيف استغلال الإقطاع للفلاحين من أجل مزيد من الإنتاج الزراعي الموجه للتصدير، وانجذبت بلدان المغرب إلى التجارة العالمية المتطورة بفضل تطور المدن الساحلية لشمال إفريقيا، وتشكلت أرستقراطية مدنية من طبقة النبلاء تحالفت مع التجار من أجل استغلال الفلاحين، وبرز الكومبرادور الذي لم يستطع التحول إلى طبقة بورجوازية رأسمالية لكونه مرتبطا بالإقطاع والإستغلال الإقطاعي للفلاحين، ونما الصراع بين المدينة والبادية بعد بروز الحكم الذاتي لشيوخ القبائل في مواجهة سلطة الأروستقراطية بالمدن، وعمل النبلاء على الحد من جبروت الأرستقراطية القبلية الحربية التي تهدد السلطة المركزية عبر تغلغل ممثلي النبلاء في الحكومات المركزية، وسيطر الأندلسيون الهاربون من الحروب بالأندلس على النقابات المهنية والتجارية بالمدن نظرا لمكانتهم الثقافية، وتشكلت الأرستقراطية الأندلسية المثقفة بالمدن واستولت على جل الوظائف الحكومية وتحكمت في التجارة واستأجرت الأراضي، واستطاعت الأروستقراطية القبلية خنق الحكومات المركزية للدولة المرينية مما أدى إلى سقوط السلطة المركزية وتأسيس الدولة السعدية ذات الأسس الإقطاعية.

وكان لانتصار السعديين في معركة واد المخازن كرد إعتبار لهزيمة “لاس نفاس دي تولوز” دور هام في الإستقرار السياسي بمراكش بعد الحد من تهديدات الدولة العثمانية التي سيطرت على تونس والجزائر، واستمر الصراع على السلطة بعد سقوط الدولة الإقطاعية السعدية ونشأة الدولة العلوية التي عرفت تصاعدا هائلا لثورات الأمازيغ على السلطة المركزية، وكان للصراعات السياسية بين الأروستقراطية بالمدن وأروستقراطية شيوخ القبائل أثر كبير في عرقلة تطور القوى المنتجة بشمال أفريقيا، الشيء الذي حال دون تطور الصناعة والبحث العلمي ليستمر نمط الإنتاج الإقطاعي سائدا، في الوقت الذي حاولت إسبانيا والبرتغال السيطرة على السواحل المغربية بعد سقوط دولة الإمارات العربية بالأندلس.

وبعد الثورة الفرنسية برزت فرنسا كقوة إمبريالية واستعمرت الجزائر في طريقها إلى استعمار شمال أفريقيا وتقسيم باقي البلدان الأفريقية مع الإمبرياليات الأوربية، بعد سيطرة الرأسمال الصناعي على الرأسمال التجاري في السوق التجار العالمية وبروز المزاحمة الحرة وانهيار السلطة المركزية بالمغرب، ولم يتم حسم هذا الصراع نسبيا لصالح النظام القائم إلا بتحالف الإقطاع والكومبرادور والاستعمار القديم خلال القرن 20، وواجه الفلاحون الإمبريالية الفرنسية والإسبانيا بعد تأسيس دولة مستقلة حديثة ذات مقومات سياسية واقتصادية وعسكرية متطورة من 1921 إلى 1926، مما أزعج تحالف الإمبرياليات وأرستقراطية النبلاء بالمغرب التي هاجمت القبائل الأمازيغية بالريف بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها الكيمياوية، وتم القضاء على جمهورية الريف التي بناها الأمازيغ بعد أن انهيار الدولة المركزية لأرستقراطية النبلاء بالمدن مما فتح الباب أمام الإستعمار القديم، و استمرت مقاومة الفلاحين بالأطلس المتوسط والكبير والصغير لأزيد من عقدين إلى حين سقوط جبل صغرو في 1934، وكان للقضاء المبكر على ثورة أحمد الهيبة بسوس في 1912 أثر كبير قي عرقلة بناء وحدة المقاومة بين الأطلس والريف رغم دعوات محمد بن عبد الكريم الخطابي، مما سهل بناء تحالف الاستعمار والإقطاع والكومبرادور من أجل القضاء على المقاومة وإعادة بناء الدولة المركزية على أسس رأسمالية تبعية، وسيطر الإقطاع والكومبرادور على السلطة بعد مؤامرة إيكس لبان في 1956 خدمة للرأسمال المركزي.

كان للصراع حول السلطة بين الأروستقراطية القبلية والمدنية/بين سلطة الحكم الذاتي لقبائل الأمازيغ والسلطة المركزية أثر كبير في سقوط المغرب في نزاعات اجتماعية دائمة، مما أدى إلى سقوط الدولة السعدية وقيام الدولة العلوية في القرن 17 والتي عاشت على أنقاض الثورات الأمازيعية الدائمة كان آخرها ثورة بوحمرة بالريف، واستمرت مواجهة هذه الثورات من طرف السلطة المركزية بمكناس لأزيد من نصف قرن في عهد إسماعيل العلوي، وعرفت البوادي استقلالا نسبيا عن السلطة المركزية في ظل الحكم الذاتي لأرستوقراطية شيوخ القبائل الأمازيغية في اتجاه إعادة بناء الدولة السعدية، وعلى المستوى الثقافي نشأ صراع كبير بين علماء الأمازيغ بالجنوب المتشبثين بالدولة السعدية وعلماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس في ظل سيطرة أروستقراطية النبلاء بالمدينة في اتجاه بناء الدولة العلوية، وتعتبر مناطق سوس الركيزة الأساسية للثورات على السلطة المركزية حتى بداية الإستعمار القديم في 1912 مع ثورة أحمد الهيبة، ولم تتم سيادة السلطة المركزية إلا بعد سيطرة الإمبريالية على الدولة بتحالف مع أروستوقراطية النبلاء بالمدن وأروستقراطية شيوخ القبائل الموالين لها، وكانت القبيلة الركيزة الأساسية بالبوادي في مواجهة سيطرة الإستعمار والنبلاء بالمدن على السلطة المركزية بعد القضاء على مقاومة الفلاحين.

و قبل الإستعمار القديم عرفت القبائل صراعات وحروبا فيما بينها حول الحدود والأراضي الرعوية الجماعية والسيطرة على السلطة بالقبائل، كما عرفت تضامنا وتعاونا ضد العدو المشترك وتعتبر تجربة الريف أثناء التصدي للإمبريالية أروع مثال على تضامن القبائل الأمازيغية ضد الإمبريلية، حيث استطاع محمد بن عبد الكريم الخطابي توحيد قبائل الريف ضد الإستعمار القديم إلى حد بناء دولة ديمقراطية حديثة، وتتم السيطرة على سلطة الحكم الذاتي من طرف القبيلة القوية التي تخضع لها جميع القبائل المتصارعة، وتكن الولاء لسلطة شيخ القبيلة الذي يملك القوة السياسية والإقتصادية والعسكرية، وتطور التحالف بين القبائل إلى حد إسقاط وبناء دول أمازيغية عظمى وامتداداتها.

وشكلت الزوايا في مرحلة متقدمة القوة الثانية بعد القبائل التي عملت على تأسيس هذه الزوايا وتمويلها بهدف نشر اللغة والثقافة العربية الإسلامية وسن القوانين والتشريعات، وكان شيوخ الزوايا خاضعين للسلطة السياسية لشيخ القبيلة المسيطرة على سلطة الحكم الذاتي الذي يسخرهم أيديولوجيا لبسط سيطرته على جميع القبائل واستغلالها ضد الأعداء، وتقام المواسم السنوية على أضرحتهم خدمة للدعوات الدينية والمذهبية والسياسية ومناسبة لإقامة أسواق تجارية لتداول المنتوجات الزراعية والحرفية والتبادل التجاري بين البوادي والمدن وتبادل الآراء حول السلطة المركزية، وخير دليل على سلطة القبيلة على الزاويا سيطرة الشيخ محند أعبد الله في نهاية القرن 19 على جزء كبير من أراضي زاوية تكركوست وفرض جزية بنسبة 20% من محاصيلها الزراعية لدعم سلطته لإخضاع قبائل سكتانة، وطرد شيخ الزاوية وعين أحد أعوانه شيخا جديدا على رأسها الذي بسط سيطرته على الفلاحين التابعين للزاوية، ولم يتم القضاء على شيخ سكتانة/تالوين حاليا إلا بعد تحالف الإستعمار والإقطاعي الكلاوي وإخضاع سكتانة للسلطة المركزية بمراكش.

وشكلت المدارس العتيقة الموازية للزوايا مركزا هاما لنشر الثقافة العربية الإسلامية بعد تأسيس أول مدرسة بالجنوب في القرن الخامس الهجري مما ساهم في تهميش اللغة الأمازيغية التي كانت تستعمل في الديانة، وكان شيوخ القبائل يولونها هذه المدارس اهتماما خاصا لما لها من دور أيديولوجي في دعم سلطتهم السياسية والإقتصادية، والثضائية، ويتم استغلال أئمة المساجد بهذه المدارس وتعيينهم قضاة للسيطرة على أراضي الفلاحين وتحول هؤلاء القضاة وأعوانهم “العدول” إلى أروستقراطية مثقفة، وقد جمع محمد الروداني بسكتانة/تالوين حاليا وهو قاضي الكلاوي ثروة هائلة في وقت وجيز لم يتجاوز 15 سنة من ممارسة القضاء هو ومن معه من الأعوان، وكان الكلاوي يعفي أئمة وطلبة المدارس من الجزية المفروضة على الفلاحين، ولعبت هذه المدارس دورا هاما في التوثيق من خلال تحرير العقود وكتابة التاريخ والمعاهدات بين القبائل ورسوم الأراضي الجماعية والخاصة، وساهمت مكتبات هذه المدارس المحتوية على جميع أصناف الكتب في شتى المجالات على نشر اللغة والثقافة العربية والإسلامية.

وكانت الأراضي والغابات والمراعي في ملكية للقبائل يتم استغلالها بشكل جماعي وعمل الفلاحون على تسميتها وتحديدها وإضفاء صفة الملكية الجماعية عليها بواسطة الوثائق المكتوبة، وهذه العقود متوفرة إلى حد الساعة لدى ممثلي الجماعات السلالية وأحفادها ولدى الأرستوقراطية الإقطاعية بالقبائل والزوايا، وشكل العمل التضامني “تيويزي” الركيزة الأساسية في القبيلة والذي يعتبر أسلوبا للإستغلال الجماعي لهذه الأراضي، سواء أثناء الحرث أو الحصاد وجمع المحاصيل الزراعية و تخزينها بمجمعات “إكودار”، وتم تحويل ملكية بعض الأراضي الجماعية إلى ملكية خاصة للأروستقراطية القبلية بعد بناء الدولة واستغلال الفلاحين واستعبادهم في الأراضي التي استولى عليها الإقطاع وحول عملية “تيويزي” إلى “فرض” عمل يؤديه اللاحون الفقراء للإقطاع، وتشكلت الملكية الإقطاعية وبرز الرق واستعباد الفلاحين الذين يكدحون بالأراضي التي استولت عليها أروستقراطية شيوخ القبائل والزوايا والقضاة وأعوانهم، وبرزت الملكية الفردية لبعض الأراضي المسقية وتربية المواشي وبناء المساكن والورشات الحرفية، ويتم فرض جزية على الفلاحين والحرفيين من طرف السلطة المركزية لدعم بيت المال.

وتم استغلال المدارس العتيقة لكتابة العقود ورسوم الممتلكات الجماعية والفردية وعقد المعاهدات بين القبائل وتدوين الأحداث، وكانت الزوايا والمدارس العتيقة تحظى باهتمام القبائل التي تمنحها أراضي الوقف لتأمين مواردها الإقتصادية التي يسيطر عليها شيوخ الزوايا، والتي تم تحويل ملكية بعضها إلى ملكية خاصة لهؤلاء الشيوخ وعائلاتهم وجلها هذه الأراضي إلى ملكية وزارة الأوقاف بعد الإستقلال الشكلي.

وشكل الحرفيون الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة في القبيلة خاصة بعد استغلال المعادن واكتشاف البارود، وتطورت صناعة الأسلحة والحلي والأواني الفضية والذهبية التي ملأت قصور الأروستقراطية القبلية والنبلاء، إلى جانب الأواني الخزفية التي يستعملها الفلاحون مما يجسد الفوارق الطبقية بين الفلاحين والأروستقراطية، بالإضافة إلى صناعة وسائل الإنتاج الزراعة والعمران وتصنيع الحبوب والزيتون وتسويقها مما ساهم في بروز الأنوية الأولى للطبقة العاملة بعد استغلال المناجم وصناعة السكر.

وبعد سقوط الدولة السعدية دخلت القبائل في صراع دائم ضد السلطة المركزية بمكناس مما ساهم في تركيز مفهوم الحكم الذاتي للقبائل، وظهرت طبقة الجيوش الإقطاعية الدعامة الأساسية للدولة المركزية التي شكلت قبائل بنو هلال العربية والعبيد الأفارقة ركيزتها الأساسية ضد دول الحكم الذاتي لقبائل الأمازيغ، الشيء الذي عرقل تطور الصناعة و بروز الطبقة العاملة والبورجوازية بالمدن نتيجة طغيان نمط الإنتاج ما قبل ـ الرأسمالية على الدولة، وشكلت تجارة فائض المنتوج الزراعي والحرفي نشاطا هاما مما ساهم في بروز طبقة الكومبرادور بعد توحيد العملة في عهد الموحدين، وشيوع النقد كوسيلة للتبادل التجاري بعد استغلال المعادن الثمينة كالفضة والذهب وسك العملة، واتخاذها وسيلة لفرض الجزية على سلطة الحكم الذاتي من طرف السلطة المركزية بتحالف بين الإقطاع والكومبرادور بدعم الإمبريالية.

إن سيطرة الأروستقراطية على بعض الأرضي وسيادة الملكية الجماعية لجل الأراضي خاصة منها البورية والغابوية والرعوية هي السائدة قبل الإستعمار القديم، ويتم تحديد المكانة الإجتماعية للفرد حسب موقعه الطبقي في علاقته بالأروستقراطية بالمدينة والقبيلة والزاوية ودرجة الملكية العائلية للأرض والحرفة والثقافة والعرق.

وبرزت ثلاث طبقات أساسية وهي :

ـ الأروستقراطية القبلية والمدنية المرتبطة بالسلطة والمسيطرة على الأراضي الخصبة خاصة المسقية.

ـ الكومبرادور المرتبط بالسوق التجارية العالمية.

ـ الفلاحون بجميع فئاتهم والمرتبطون بالأرض وباقي الحرفيين المرتبطين بخدمة هذه الطبقات.

وكان لطغيان السلطة المركزية وحاجتها إلى الدعم المالي لبسط سلطتها أثر كبير على طغيان سلطة الحكم الذاتي من خلال :

ـ فرض الجزية على الفلاحين والحرفيين.

مما ساهم في تنامي الإقطاع والفوارق الطبقية والإجتماعية خاصة بعد السيطرة على بعض الأراضي الجماعية واكتشاف المعادن واستغلالها وسك العملة.

ولعب اكتشاف البارود دورا هاما في تحول حياة الأمازيغ خاصة بعد غزو السودان واستعباد الأفارقة لخدمة الأرض والسلطة وشيوع تجارة العبيد.

وبقي دور الأروستقراطية القبلية حاسما في الحد من سلطة الأروستقراطية المدنية في صراع دائم بين سلطة الحكم الذاتي والسلطة المركزية.

ولعبت الزوايا والمدارس العتيقة بما تملكه من سلطة ثقافية/أيديولوجية الدولة دورا أساسيا في الحد من سلطة الأروستقراطية القبلية والمدنية.

وسيطرت أروستقراطية الزوايا على بعض أراضي الوقف مما ساهم في تركيز الإقطاع بعد تحويل ممتلكات الزوايا إلى ملكية خاصة يتم توريثها بين أفراد عائلاتهم.

و في ظل انهيار السلطة المركزية في أوائل القرن 20 تحالفت الإمبريالية مع أروستقراطية النبلاء بالمدينة لفرض الإستعمار على المغرب و تقسيمه بين الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية وترك طنجة منطقة دولية، وتمت مواجهة الإستعمار القديم بالجنوب بثورة أحمد الهيبة التي تم القضاء عليها بمراكش وسيطر الإستعمار القديم على الجنوب بتحالف مع الأروستقراطية القبلية بقيادة الكلاوي والكندافي، وقامت ثورة الريف بعد توحيد القبائل الريفية من طرف محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الإستعمار الإسباني وإقامة جمهورية الريف التي تم القضاء عليها بتحالف بين الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية، وفتح الطريق أمام سيطرة الإستعمار القديم بعد عقد التحالف بين الإستعمار والأروستقراطية القبلية، من أجل تقسيم السلطة لفرض الإستعمار على باقي أراضي الفلاحين والمناجم بالبوادي بعد السيطرة على المدن، مما ساهم في بروز طبقة عاملة بالمدن والبوادي في الضيعات ومعامل التلفيف والمناجم والمعامل والمصانع والموانيء.

وعمل الإستعمار القديم على تركيز سلطته بالدار البيضاء وباقي المدن الساحلية والداخلية وشق الطرق والسكك الحديدية وأسس المراكز الإدارية بالبوادي :

ـ أولا من أجل بسطة سيطرته وبلورة مفهوم الضبط الإجتماعي للتحكم في الحركة العمالية التي بدأت في البروز بالمعامل والمصانع والمناجم والضيعات.

ـ ثانيا من أجل مراقبة المؤسسات الفلاحية والصناعية التي أقامها على أراضي الفلاحين وسير استغلال المناجم لضمان تنمية الرأسمال المركزي.

ـ ثالثا خلق إجماع حول مشروعه الإستعماري بإقامة أوراشا لبناء الإدارات الإستعمارية والمرافق الموازية لها.

كل ذلك ساهم في بروز حركة اجتماعية بالمدن والمراكز القروية بعد خلق فرص الشغل وبالتالي ظهور طبقات اجتماعية تقيم في التجمعات السكنية الجديدة، وتتشكل هذه الطبقات من العمال المنجميين والزراعيين وعمال المواني والسكك الحديدية والعمال في مجال البناء والتجار والحرفيين والموظفين والأساتذة والطلبة.

ولتركيز سلطة الكومبرادور أقام الإستعمار القديم أسواق تجارية جديدة لترويج المنتوج الفلاحي غير القابل للتصدير إما بعدم الحاجة إليه أو نظرا لسوء جودته وترويج المواد الإستهلاكية المصنعة بالمدن، كما عمل على دعم البرجوازية التجارية بمنحه امتيازات لبعض أعوان الإقطاع والتجار بالترخيص لهم بما يسمى ” البون ” لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر والشاي والقهوة والدخان والبنزين والكحول.

وأنشأ الإستعمار القديم أحياء سكنية حديثة راقية بالمدن وتحولت المدن العتيقة إلى تجمعات سكنية للطبقات الشعبية تراوح مكانها داخل أسوارها تعيش على أنقاض ذكرياتها التاريخية، وساد الإنزواء والزهد بين مساجدها وأضرحتها المتعددة والتشبث بتراثها التاريخي والحضاري للثقافة العربية الإسلامية، ونشطت بها الحركة الحرفية والتجارية البسيطة وبالتالي استغلال الأراضي الفلاحية بالجنان المجاورة لها بعد تحويل العرائس بالمدينة إلى منتزهات الطبقة البورجوازية الناشئة، ونشط الإهتمام بالثقافة العربية بالمدارس العتيقة إلى جانب الثقافات الشعبية العربية والأمازيغية من طرف الحرفيين، وعرفت المآثر التاريخية بالمدن تهميشا ملحوظا بلغ حد تفويت بعضها للرألماليين لاستغلالها في مشاريعهم الرأسمالية، وبقيت العائلات المنحدرة من أصول أروستقراطية مدنية وقبلية تعيش على أمجاد تاريخ المدن في ظل حصار تحالف الإستعمار والإقطاع والكومبرادور. وتحولت المدن العتيقة إلى مرتع للطبقة العاملة الصناعية والزراعية الرخيصة خاصة المرأة والطفل وانتشار الحرف والصناعة التقليدية.

وكان للإستغلال الرأسمالي للمناجم والأراضي الجماعية أثر كبير على بروز الطبقة العاملة بالبوادي مما فتح المجال أمام مزيد من استغلال هذه الطبقة بعد توسيع مجال استغلال المناجم والأراضي وحاجة المعمرين لتصدير المعادن والمنتوجات الفلاحية، فوفد على المدن والمراكز الحضرية بالبوادي جماهير العمال والعاملات من هوامش المدن المغربية والبوادي للبحث عن العمل، مما فتح المجال أمام الباطرونا للتملص من تطبيق قوانين الشغل الفرنسية بعد وفرة الطبقة العاملة الرخيصة، وانتشر العمل الموسمي والمؤقت الذي يزكيه ظهير 1936 التي يمنع العمال المغاربة من الإنتماء النقابي وظهير 1938 الذي يجرم الإنتماء النقابي بالنسبة إلى الطبقة العاملة المغربية لمنع تطور الحركة العمالية، وهكذا تم تكبيل أيادي العمال والعاملات من طرف الإستعمار المباشر لتسخير الطبقة العاملة للرأسمال المركزي وبالتالي منعها من التنظيم.

وتعرض الفلاحون إلى مزيد من الإستغلال البشع من طرف الإستعمار القديم بعد مصادرة أراضيهم الجماعية عبر وضع قوانين لتسهيل الإستيلاء عليها خاصة قوانين التحفيظ والمياه والغابات والأراضي المخزنية، من أجل ضرب شرعية وثائق الملكية الجماعية للأراضي من طرف الفلاحين لطمس التاريخ العريق والمضمون الثقافي والتشريعي للثقافة الأمازيغية والعربية التي تبلورت عبر الصراع الطبقي بالمغرب، وبالتالي نشر ثقافة المستعمر بقوة القوانين المجحفة ونشر اللغة الفرنسية باعتبارها لغة السلطة السياسية والإقتصادية في ظل الإستثمار الرأسمالي الحديث لتفكيك الإستغلال الجماعي لأراضي الجماعية، وذلك من طبيعة النظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا لا يسود إلا على أنقاض استغلال الطبقة العاملة والفلاحين لتنمية الرأسمال المركزي.

عبر تاريخ المغرب العريق تم الحافظ على الأمازيغية التي استطاعت طبعت الثقافات واللغات التي احتك بها الامازيغ، الشيء الذي ساهم في استمراريتها فكرا ولغة وثقافة وهوية، رغم تعثر الكتابة الامازيغية وشيوع الشفهية في أوساط الأمازيغ نتيجة ما عانته وتعانيه من اضطهاد من طرف الأنظمة المتعاقبة على الحكم بالمغرب خاصة خلال القرون الأربعة الأخيرة، بدعوى قدسية اللغة العربية كلغة دين وحكم وتجاهل تنوع مكونات المجتمع المغاربي واعتبار الشرق العربي مركزا للحضارة، مما يطرح إشكالية الإزدواجية بين واقع الأمازيغ الملموس المرتبط بالمنطقة المغاربية والمغربية بالخصوص وبين منظور فكري ميتافيزيقي ينهال من الشرق العربي، مما جعل تاريخ الأمازيغ فارغا من مضمونه لكون الشرق يعتبر مركز المرجعية الفكرية والتاريخية للإمازيغ تعسفا من طرف النظام القائم، وعرفت المنطقة الأورومتوسطية صراعات طويلـة خاصة خلال القرن الثالـث قبل الميلاد في أزيد من قرن من الحروب ضد الإمبراطورية الـرومانية ظل خلالها الأمازيغ صامدين أمام الآلة العسكرية الرومانية وبعدها أمام جميع التدخلات الأجنبية التي تستهدف استغلال الفلاحين الفقراء والثروات الطبيعية و ضرب الهوية الأمازيغية. وأبدع الأمازيغ في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية مما نتج عنه بروز نمط إنتاج متميز يتسم بالبعد الجماعي لاستغلال وسائل الانتاج بعد تطوير القوى المنتجة، الشيء الذي أفرز علاقات إنتاج جد متطورة أثرت بشكل كبير على تطور اللغة والثقافة الأمازيغية، واستطاعت الأمازيغية الصمود أمام التدخلات الأجنبية واحتواء ثقافات الشعوب التي احتك بها الامازيغ وطبعها بالخصوصيات الأمازيغية، مما جعل الأمازيغية تستمر فكرا ولغة وثقافة في بعدها الهوياتي بالمنطقة المغاربية ، وذلك رغم تعثر الكتابة الأمازيغية و شيوع الشفهية في أوساط الأمازيغ نتيجة انتهاكات الأنظمة المتعاقبة على الحكم، والتي عملت على فرض ثقافاتها في ظـل تجاهل تنـوع مكونات الشعب المغربي باعتبار الأمازيغية المكون الأساس للهوية.

إن الطرح القومي الشوفيني الذي يعتبر العربية العامل الأساس في وحدة الشعب المغربي والذي يتخذ من الشرق العربي مركزا للحضارة والثقافة والهوية متجاهلا الأمازيغية، يطرح إشكالية الانفراد بالحكم لفرض نظام استبدادي يرتكز إلى التمييز بين الثقافات المتعددة في محاولة لبسط سيطرة الاتجاه الميتافيزيقي ذي البعد الايديولوجي لفرض الحكم الفردي للدولة الكومبرادورية، الشيء الذي يطرح إشكالية الازدواجية بين واقع الأمازيغ الملموس المرتبط بالبناء التاريخي للهوية بالأمازيغية وبين منظور ميتافيزيقي أيديولوجي مرتبط بالشرق واعتباره مركزا للحضارة والثقافـة وبناء الهوية، الشيء الذي يجعل تاريخ الأمازيغ فارغا من مضمونه حيث يتم إلغاء البناء المادي للتاريخ المرتكز إلى الحركة الإجتماعية والمعرفية للأمازيغ، حيث يتم اعتبار الشرق مرجعية تاريخية و فكرية تتحكم في البناء الحضاري والثقافي والهوياتي بالمغرب، وتعتبر الامازيغية الهوية الأساس للشعب المغربي والتي طبعت الثقافات واللغات الوافدة على المنطقة المغاربية عبر التفاعل الحضاري مع الشعوب التي احتك بها الأمازيغ، والتي عرفت تطورا متواترا عبر العصور أصبحت معها الأمازيغية فكرا ولغة وثقافة وهوية شهدت عبر تاريخها الطويل صراعا مريرا من أجل السيادة لضمان استمراريتها ، الشيء الذي خلف تراثا ثقافيا و حضاريا من إبداع الأمازيغ في المجالات الإقتصادية والاجتماعية/ القوى المنتجة التي ساهمت بشكل كبير في تطور اللغة الثقافة الأمازيغية /علاقات الإنتاج والتي ساهمت بشكل كبير في بناء دول عظمى بالمغرب.

لقد أسس الأمازيغ نمط إنتاج يرتكز إلى الملكية الجماعية للأراضي بالأساس يعمل فيه الفرد لصالح الجماعة التي تقوم بدور الحماية الجماعية للأفراد في ظل النمط “الاشتراكي العفوي”، والدارس للبنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الأمازيغية يكتشف مدى قدرة الأمازيغ على تأسيس أنظمة جد متطورة في مجالات الإنتاج ترتكز إلى الجماعة ( تويزي، إكودار)، الذي يعتمد على الممارسة العملية بالأساس والتي لعبت دورا هاما في بناء الدول العظمى و بناء أنظمة ترتكز على العلاقات الاقتصادية الدولية عبر التحكم في الطرق التجارية (تارودانت من أكبر مراكزها )، والتي لعبت دورا أساسيا في استقرار الأنظمة السياسية في ظل الدول العظمى الأمازيغية باعتبار عامل الاقتصاد/البنية التحتية عاملا أساسيا في بناء الحركة الإجتماعية والمعرفية وبالتالي بناء الهوية الأمازيغية، على عكس مفهوم النظام القائم الذي يرتكز إلى قدسية اللغة العربية والوافدين من الشرق كمفهوم ميتافيزيقي لبنية الدولة المركزية، وتم تركيز نمط الإنتاج الجماعي/الإشتراكية العفوية وبالتالي علاقات إنتاج ذات الخصوصية المحلية طبعت نمط الحركة الإجتماعية والمعرفية للأمازيغ التي تتسم بالحركة و الحيوية و الإبداع وروح التضامن والتشبث بالحرية.

وعملت الأنظمة القائمة بالمغرب على إخضاع الأمازيغ بالقوة العسكرية في محاولة لتفكيك نمط الإنتاج السائد وبالتالي تفكيك النظام السياسي القائم في الدول التي بناها الأمازيغ لبناء حكم فردي، وتم خلال القرون الثلاث الماضية تهميش اللغة والثقافة الأمازيغية في محاولة لطمس الهوية الامازيغية بدعوى قدسية اللغة العربية كلغة دين وحكم وبالتالي تقديس الوافدين من الشرق العربي، مما جعل الأمازيغ يعيشون الهوة بين واقعهم الملموس الذي يرتكز إلى الممارسة العملية في ظل نمط إنتاج جماعي يرتبط بالأرض كواقع وارتباطهم الفكري الميتافيزيقي المفروض عليهم بالارتباط بالمشرق العربي باعتباره مركز القرار السياسي الذي يرتكز إلى قدسية اللغة والدين والحكم ، وأصبح الأمازيغ في المرتبة الدنيا بعدما تم إبعادهم عن مركز القرار السياسي الذي تتحكم فيه أرستقراطية النبلاء بالمدن مما جرد الأمازيغ من هويتهم وقطع الطريق عليهم للوصول إلى الحكم، وبالتالي تجريدهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل الدول التابعة للشرق العربي التي يتم حمايتها بواسطة الأيديولوجية الدينية التي تعتمد الولاء للشرق كمركز للسلطة، مما جعل الحكم بالمغرب تابعا للشرق ضد الحكم الذاتي للأرستقراطية الإقطاعية من أجل استباحة استغلال الفلاحين الفقراء والخيرات الطبيعية، عبر خلق الهوة بين انتماء الأمازيغ إلى الواقع الملموس/الحركة الإجتماعية و المعرفية وتفريغ هذا الواقع من مضمونه بالارتباط الميتافيزيقي بالشرق العربي، مما سهل استغلال الأمازيغ وضرب نمط الإنتاج الجماعي وبالتالي استغلال الموارد الطبيعية واستعبادهم.

واستمر الصراع على السلطة بين الأمازيغ وأرستقراطية النبلاء بالمدن لعدة قرون ولم يتم حسمه نسبيا لصالح النظام القائم إلا بتحالف الإقطاع و الاستعمار المباشر خلال القرن الماضي، وذلك بعد القضاء على المقاومة البطولية للفلاحين الفقـراء التي تعتبر الثورة الريفية بقيادة محمد عبد الكريـم الخطابي أروع ما أنجزه الأمازبغ في التاريخ الحديث، والتي واجهت الرأسمالية الإمبريالية في حينها وألحقت بها هزائم نكراء وأسست دولة مستقلة حديثة ذات مقومات إدارية وعسكرية واقتصادية متطورة من 1919 إلى 1926، مما أزعج تحالف الإمبرياليات وأرستقراطية النبلاء بالمدن لتهاجمها بجميع الأسلحة الفتاكة بما فيها الكيمياوية وما زالت مخلفاتها على صحة الريفيين قائمة، لقد تم القضاء على جمهورية الريف التي بناها الأمازيغ بعد أن انهارت الدولة المركزية لأرستقراطية النبلاء بالمدن مما فتح الباب أمام استعمار المغرب، واستمرت مقاومة الفلاحين الفقراء بالأطلس المتوسط والكبير والصغير لأزيد من ثلاثة عقود من القرن 20 إلى حين سقوط جبل صغرو في 1934، وكان للقضاء المبكر على ثورة أحد الهيبة بسوس في 1912/1913 أثر كبير قي عدم بناء وحدة المقاومة بالأطلس والريف، مما سهل بناء تحالف الاستعمار والإقطاع من أجل القضاء على المقاومة وإعادة بناء الدولة المركزية ولتفكيك الملكية الجماعية للأراضي وتركيز الملكية الفردية الرأسمالية، وبالتالي تفكيك نمط الإنتاج الجماعي للأراضي وتركيز نمط الإنتاج الرأسمالي في اتجاه تصدير المنتوجات الفلاحية بعد الاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء، وتحويل هؤلاء إلى عمال زراعيين بالضيعات والمعامل التي تم إنشاؤها على أراضيهم منذ الأربعينيات من القرن الماضي، الذين يتعرضون اليوم للاستغلال المكثف من طرف تحالف البورجوازية والإقطاع بعد مؤامرة 1956 في ظل الحماية القانونية للاستثمار في المجال الفلاحي، الذي يعتمد على استغلال واستعباد العمال الزراعيين في ظل الممارسة العملية لمدونة الشغل الرجعية التي تشرعن استعباد الطبقة العاملة وخاصة المرأة العاملة وحرمان الفلاحين الفقراء من الحق في الأرض والماء واستغلال الثروات الطبيعية وتنمية اللغة والثقافة الأمازيغية.

إن ما تتعرض له الطبقة العامة والفلاحون الفقراء والكادحون من استغلال مكثف له جذور تاريخية تمتد إلى مرحلة المقاومة المسلحة للفلاحين الفقراء ضد الاستعمار المباشر، الذي عمل على عزل البوادي عن المدن بعد الانتصار النسبي لتحالف الإقطاع والاستعمار على المقاومة الشعبية بقيادة الفلاحين الفقراء، وتم تهميش الأمازيغية/ البنية الفوقية لكونها تؤثر على القوى المنتجة/ البنية التحتية باعتبارها فكرا و لغة وثقافة/الحركة المعرفية التي جعلت الأمازيغية مكونا أساسيا ذو البعد الهوياتي بالمنطقة في علاقة جدلية بتطور القوى المنتجة، وهكذا يتم استغلال الأمازيغ في ظـل الحماية القانونية للنظام القائم من خلال ممارسة التهميش عليهم لضرب حقهم في استغلال الأراضي الثروات الطبيعية، وبالتالي استغلال قوة عملهم في الضيعات ومعامل التلفيف تحت الحماية القانونية لمدونة الشغل الرجعية التي تمت المصادقة عليها من طرف الأحزاب البرلمانية والنقابات الحزبية و البيرقراطية، الشيء الذي يعطي الشرعية للطبقات المسيطرة من أجل المزيد من الاستغلال المكثف للطبقة العاملة وفتح المجال أمام مزيد من الاستغلال المكثف للثروات الطبيعية وبالتالي حرمان الفلاحين الفقراء من حقهم في الأرض والماء والثروات الطبيعية و تنمية اللغة والثقافة الأمازيغية.

ويشكل العمل على إبراز الطرح التقدمي للقضية الأمازيغية في الساحة السياسية عبر النضال الثوري أمر لا مفر منه ومطروح بحدة على القوى الثورية ، وذلك عبر إبداع أشكال نضالية ملموسة وأطروحات نظرية تقدمية لإبراز موقع الأمازيغية في الصراع الطبقي من اجل تحقيق الثورة الإشتراكية وبناء المجتمع الإشتراكي، ذلك لمواجهة الطرح الرجعي للقضية المدعوم من طرف الأحزاب البورجوازية وأشباه المثقفين المسخرين من طرف النظام القائم، من اجل تفكيك قيود الفكر الأصولي والتسخير الأيديولوجي للدين الذي يقيد ويستعبد الفلاحين الفقراء لتسهيل استغلالهم وتهميش اللغة والثقافة الأمازيغية، مما يفسح المجال أمام قوى الظلام للتغلغل في أوساط الجماهير الكادحة التي ترى في أطروحاتها الظلامية منفذا لمحاولة الخلاص من القهر والفقر والظلم الممارس عليها، مما يعطي الشرعية لهجوم الرأسمالية الإمبريالية على حقوق الشعوب بقيادة الإمبريالية الأمريكية التي تستهدف الثروات الطبيعية والتراث الثقافي والحضاري والهوياتي، الذي بلغ مداه في الآونة الأخيرة من خلال ما يسمى بأحداث 11 شتنبر التي تم استغلالها كذريعة لغزو الشعوب وضرب مصالحها باسم “محاربة الإرهاب”، والتي انطلقت من أفغانستان باعتبارها بؤرة توتر عرفت صراعا مريرا بين المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية منذ أواخر السبعينات تم فيها توظيف عنصر الدين/الإسلام السياسي لمواجهة المنظومة الاشتراكية في محاولة لتوظيف الدين/الإسلام السياسي كنقيض للحركة الإجتماعية و المعرفية الاشتراكي، وبعد إسقاط المنتظم الإشتراكي عملت الامبريالية الأمريكية على محاربة القوى الأصولية بأفغانستان والتي تمت تنميتها بالأمس من طرفها لاستغلالها ضد المد الاشتراكي، وهرعت الأنظمة العربية الرجعية والتي ساندت قوى الإسلام السياسي بالأمس إلى مباركة المخطط الإمبريالي المدعوم من طرف الشركات المتعددة الاستيطان والمؤسسات المالية الدولية لتصفية حركات الشعوب ضد المد الاستعماري للرأسمالية الإمبريالية، التي اتخذت عنصر الدين/الإسلام السياسي إيديولوجية لاستباحة استغلال ونهب الثروات الطبيعية للشعوب وتدمير تراثها الثقافي وبالتالي طمس هوياتها، الشيء الذي يفند إدعاءات الباحتين البورجوازيين الذين يريدون مقارعة اللغة باللغة والدين باللغة لتوظيف الدين ضد الأمازيغية.

أمام هجوم الرأسمالية الإمبريالية على مكتسبات الشعوب بمباركة الأنظمة الرجعية تعتبر الخصوصيات المحلية ذات البعد الهوياتي من بين آليات الدفاع الذاتية للطبقات الشعبية ضد الاستغلال و نهب الخيرات، عاملا من بين العوامل الأساسية في الصراع ضد الطبقات المسيطرة من رأسماليين و ملاكين عقاريين كبار، هكذا فإن الأمازيغية باعتبارها المكون الأساس في الهوية المغربية تعرف تهميشا ممنهجا من طرف النظام القائم في محاولة لإبعادها عن الصراع حول السلطة، بعدما تم توظيف مفاهيم المقدسات كخطوط حمراء لا يجب تجاوزها بإضافة البعد الوطني كمكون أساسي في ظل المرجعية الإيديولوجية للقومية العربية، التي كذب التاريخ أطروحاتها حول قدرتها على قيادة الصراع ضد الرأسمالية الامبريالية لكون منطلقاتها تتجاهل تنوع مكونات المجتمعات واعتبار الشرق مركزا للصراع تحكمه قدسية العربية كلغة دين وحكم ، وأصبحت الهوية العربية ذات المرجعية الدينية أيديولوجية تعتمدها النظام القائم في السيطرة وقمع حركات التحرر، ويعتبر الطرح التقدمي للقضية الأمازيغية في بعده الطبقي أمرا ضروريا في الصراع ضد الطبقات المسيطرة، ويجب إبداع أشكال عملية ملموسة وأطروحات فكرية تقدمية لإبراز موقع الأمازيغية في الصراع الطبقي لمواجهة الطرح الرجعي المدعوم من طرف القوى البورجوازية، كما يطرح على القوى الثورية العمل على مواجهة قيود الفكر الميتافيزيقي التي تربط الأمازيغ بالشرق العربي ارتباطا مثاليا، الشيء الذي يفتح المجال أمام حركات الإسلام السياسي للتغلغل في أوساط الجماهير الشعبية لتضليلها عن مواقع الصراع الطبقي، ولن يتأتى ذلك إلا بالارتباط اليومي بالطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء والكادحين والتشبث بمكتسباتها التاريخية في صراعها مع البورجوازية، ويعتبر العمل على فضح أسس النظام القائم باعتباره نظاما تابعا للرأسمالية الإمبريالية متجاهلا الواقع المادي/التاريخي للأمازيغية ذي البعد الطبقي أساسيا في كل مشروع نضالي يستهدف التغيير، وذلك بإعلان الصراع السياسي لبلورة الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين والطبقة البورجوازية من أجل بناء أسس المجتمع الإشتراكية، الذي يجب أن يستمد شرعيته من وضع دستور ديمقراطي يعترف بحقوق الأمازيغية كهوية وثقافة ولغة في ظل الاعتراف الدستوري للمناطق ذات الخصوصيات المحلية بالإستقلال الذاتي الذي يجب أن تتحكم فيه الطبقة العاملة في مصير الثروات الطبيعية، وذلك بتوجيه الإنتاج نحو التنمية المحلية التي ترتكز إلي الحق في التعليم والصحة والشغل والسكن كحقوق أساسية وحماية البيئة الطبيعية التي ترتكز إلى الحق في الأرض والماء والثروات المعدنية والبحرية وتنمية اللغة والثقافة الأمازيغية.

انطلاقا مما تم ذكره يعتبر الطرح التقدمي للقضية للأمازيغية عاملا أساسيا في الصراع الطبقي في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على ثروات الشعوب وتراثها الحضاري والثقافي ومكوناتها الهوياتية، الذي يتم تنفيذه من طرف الطبقات المسيطرة والتي تعمل على إخضاع الأمازيغ بعد تفكيك نمط الإنتاج المحلي الذي يرتكز إلى نظام الجماعة داخل المجتمع الأمازيغي، بعد فقدان تنظيماته الذاتية بعد الانتصار المرحلي لتحالف البورجوازية والإقطاع على تحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وتجريد البوادي من أداتها الدفاعية/جيش التحرير الذي يعتبر الامتداد النضالي لحركة الفلاحين الفقراء ضد الاستعمار المباشر، وعزل البوادي عن المدن التي تعتبر معقل الطبقة العاملة الحليف التاريخي للفلاحين الفقراء، وبتفكيك تحالف الطبقة العاملة بالمدن والفلاحين الفقراء بالبوادي يكون تحالف قوى الاستغلال/البورجوازية والإقطاع قد حقق انتصارا مرحليا مكنه من الاستيلاء على السلطة بعد الاستقلال الشكلي بتواطؤ مع القيادات البورجوازية لأحزاب “الحركة الوطنية”، مما يطرح على القوى الثورية التي تعرضت للقمع والاعتقال والتقتيل خلال سنوات القمع الأسود في محاولة من النظام القائم لعزلها عن الحركات النضالية للجماهير التي تعرضت بدورها للتقتيل خلال انتفاضاتها، يطرح عليهم و بإلحاح العمل على وضع آليات عمل لبناء تحالف طبقي لخدمة القضية الأمازيغية من اجل بلورة أشكال نضالية متطورة لمواجهة هجوم الرأسمالية الإمبريالية على مصالح الطبقات الشعبية، من أجل بلورة مفهوم المجتمع الإشتراكية و محاسبة المسؤولين عما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطبقات الشعبية، والذين يحاولون تبرئة أنفسهم وإلقاء المسؤولية على الجمعيات الإجتماعية للنهوض بالتنمية، في الوقت الذي تسعى فيه الرأسمالية الإمبريالية للوصول إلى الاستغلال المباشر للثروات الطبيعية للشعوب عبر دور الجمعيات التنموية والثقافية التي يتم تسخيرها لتنفيذ المشاريع الطبقية للطبقات المسيطرة.

إن تحديات المقاومة المطروحة اليوم على الحركة الأمازيغية باعتبارها تعمل في مجال عريض يعرف تهميشا ملحوظا ويعتبر مجالا حيويا تستهدفه الرأسمالية الإمبريالية، يطرح على القوى الثورية اعتبار الحركة الأمازيغية التقدمية حليفا استراتيجيا في مواجهة السياسات التبعية للنظام القائم، من أجل إزالة صفة القدسية عليها ومواجهة الاستغلال الاقتصادي الذي تمارسه الطبقات المسيطرة بتحالف مع الرأسمالية الإمبريالية، لوضع أسس بناء المجتمع الإشتراكية الذي تتمتع فيه المناطق ذات الخصوصيات المحلية بالإستقلال الذاتي في ظل دستور ديمقراطي يضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره وضمان الحقوق الدستورية للغة والثقافة الأمازيغية، ويعتبر نضال الجمعيات الإجتماعية و الثقافية في الصراع الطبقي ضد الرأسمالية الإمبريالية أساسيا لكونه يحتل موقعا هاما في الحركة الاجتماعية الإحتجاجية التي يشهدها المغرب، وهي ذات حدين فمن جهة يتم دعمها وتمويلها من طرف الرأسمالية الإمبريالية كما هو الشأن بالنسبة لجمعيات السهول والجبال والوديان بالمغرب التي تحاول احتواء جمعيات الفلاحين الفقراء، التي يعتمد عليها النظام القائم في بلورة مفهومه للتنمية الذي يرتكز إلى السياسة التبعية للشركات المتعددة الإستيطان والمؤسسات المالية الدولية عبر فتح المجال للاستثمار الرأسمالي وشرعنة تفويت المؤسسات الفلاحية والصناعية والمالية الوطنية على حساب قوة عمل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين، ومن جهة ثانية نشأت التنظيمات الذاتية للجماهير من فروع نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية وثقافية وتنموية وضمنها الحركة الأمازيغية التقدمية، التي أصبحت في الآونة الأخيرة تطرح مطالب دستورية تعبر عن مواقف سياسية واضحة حول النظام القائم مما دفع بالنظام إلى محاولة احتواء نضالاتها عبر تأسيس “المعهد الملكي للأمازيغية” لطمس معالم نضال الحركة الأمازيغية، وانخرطت في بلورة أهدافه فاعلين سياسيين وثقافيين من الحركة الأمازيغية، وقد تم تأسيس هذا المعهد خارج الشرعية القانونية ووفق دستور ممنوح لا ديمقراطي لا يعترف بالحقوق الأمازيغية مما يضع الأمازيغية خارج الشأن العام الشعبي الذي يؤسس فيه الشعب للخط الديمقراطي للهوية الأمازيغية باعتبارها مكونا أساسيا في الصراع من أجل التغيير، ويطرح اليوم أمام القوى الثورية تكثيف الجهود من أجل بناء علاقات نضالية مع الحركة الأمازيغية التقدمية في أفق الإستقلال الذاتي للمناطق ذات الخصوصيات المحلية من أجل تقرير مصير الشعب المغربي في أبعاده المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل البناء الإشتراكي ولن يتأتى ذلك إلا في ظل تحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين، لمواجهة السياسات التبعية للرأسمالية الإمبريالية التي ينهجها النظام القائم خدمة للرأسمال المالي في اتجاه تصدير الثروات المعدنية والفلاحية إلى الدول الغربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024