الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم الأمريكي .. أم كابوس عالمي؟؟ .........(1)..........

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تـــمـــهـــيـــد:

لا أحد منا يمكنه أن يتجاهل الحقيقة المرة التي تقول: بأننا كعرب ـ ومنذ ألف عام ـ في حالة تراجع وانكسار وهزائم مستمرة ، وأن إبداعنا وإنتاجنا الفكري والعلمي قد توقف منذ ذلك التاريخ .. وأن كل ما نفعله الآن هو إعادة إنتاج ما سبق لنا إنتاجه ـ وفي مرحلة التخلف تحديداً ـ بصور وأشكال وطرق مختلفة، خصوصاً في مجال الدين والفكر الديني!.
هذا لفكر الديني الذي رسي بعضه أخيراً ـ وبعد توقف الاجتهاد فيه ـ على شواطئ التطرف والتكفير والقتل الجماعي، وبطرق وحشية همجية جاهلية لا تنتمي إلى جوهر الإسلام الحضاري، ولا إلى مشاكل المجتمع الحقيقية، ولا إلى العصر الحديث وقضاياه وإشكالاته العصرية المتنوعة!!
وهذه الحقيقة التاريخية المرة نفسها قد أنتجت لنا ظواهر سلبية كثيرة مصاحبة لها لا يكاد يحدها حد ولا يحصيها عد، بعضها عربية إسلامية خالصة كظاهرة الإسلام السياسي والاسلامويين الجدد(1)، بمختلف مدارسهم وشعبهم وتقسيماتهم ومسمياتهم وتوجهاتهم!
وهناك حقيقة يجب الانتباه إليها جيداً وهي: أن هذه الظاهرة العربية الإسلامية الخالصة، صادفت عند نشأتها ـ بعد سقوط الخلافة العثمانية ـ مشاريع ومصالح دولية تعد لترتيب أوضاع المنطقة العربية.. فتداخلت هذه المشاريع الدولية مع هذه النشأة الإسلاموية وشكلت أحد جذورها البارزة، وجعلت للاثنين مصالح مشتركة، أجبرتهما على الدخول في مساومة تاريخية بعيدة المدى.. فتولدت عنهما معاً ظواهر غريبة ومريبة كثيرة تحتاج منا إلى وقفات كثيرة .
من هذه الظواهر:
ظاهرة الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي، سواء في السياق التاريخي الذي أوجب تلك الثورات، أو من خلال التدخل الخارجي الذي انحرف بها مسارها التاريخي، وجيرها في النهاية لصالح المشاريع الدولية والاسلاموية المشتركة !!

ومنها ظاهرة تقوية الأطراف البدوية على حساب الكيانات العربية الحضارية العريقة، كمصر والعراق وسورية، بحيث تأخذ مشيخة صغيرة مثل قطر أدوار هذه المراكز الحضارية العربية، الإقليمية والريادية وتحل محلها في قيادة الأمة !!

ومنها ظاهرة الأممية الاسلاموية ودورها في تقوية الأقليات ـ كأقلية الكرد في المشرق والأمازيغ في المغرب العربي مثلاً ـ وعلى حساب حقوق الأكثريات العربية في الوطن العربي، وإحلال فكرة الأممية الإسلامية محل الفكرة الوطنية أو الفكرة العربية الجامعة لأبناء الأمة كلها، وطبعاً على حساب وجود وسيادة الدولة الوطنية العربية وكيانها المعروف تاريخياً!.

فجميع هذه الظواهر المريبة والمخيفة تحتاج إلى وقفات ودراسات موضوعية كثيفة ومعمقة.. لأن هذه الظواهر هي التي تصوغ (لنا الآن) نسيج وضعنا المدمر الراهن، وتتعداه إلى تفاصيل مستقبلنا القريب والبعيد على حد سواء!.

فنحن الآن على مفترق طرق وعلينا جميعاً واجب تلمس طرف الخيط، الذي أوصلنا إلى كل ما نحن فيه اليوم من دمار شامل وخراب كامل وضياع فكري وسياسي واجتماعي واقتصادي.....الخ علنا نصل من خلال هذه المحاولة إلى طرف هذا الخيط الآخر، وإلى ما يمكننا من أن ننقذ البقية الباقية من وجودنا كعرب وكمسلمين أيضاً!!
****
وقبل الدخول في هذه الدراسة علينا أن نؤكد على حقيقة مهمة جداً وهي : أن كل تلك الظواهر العربية التي نريد دراستها تقع ضمن إطار ظواهر عالمية أوسع منها بكثير كظاهرة ما يعرف بــ " الحلم الأمريكي " مثلاً!.
وهذه الظواهر العالمية وإن كانت تستعصي على الفهم أحياناً ـ لكنها وفي الوقت ذاته ـ تشير إلى جهات دولية بعينها، يعرفها الجميع ويخافها الجميع ويخضع لها الجميع بدرجات متفاوتة!.
أهمها ظاهرتان :
أولهما : أن عالم القرن الواحد والعشرين قد اختلف نوعياً وجوهرياً، وفي كل ظواهره ومظاهره وقواه العالمية عن عالم القرن العشرين.. فذك ـ أي القرن العشرين ـ كان قرن الشعوب وقرن حركات التحرر الوطني العالمية وحركة القومية العربية وحركة عدم الانحياز وقرن القادة التاريخيين الكبار، كعبد الناصر وتيتو ونهرو ونكروما وسكارنو وكاسترو.....الخ كما أنه كان قرن الثورات الكبرى [الروسية والصينية والعربية (23 يوليو (1952والكوبية] وثورات جميع الشعوب الأفروآسيوية والأمريكية الجنوبية.. وكان هو أيضاً قرن تصفية الاستعمار وتحرر الشعوب من ربقته ونيلها لاستقلالها السياسي، وتحقيقها لإنجازات تحررية وتقدمية كبرى!.
لكنه أيضاً ـ وفي الوقت نفسه ـ كان قرن الحربين (الأوربيتين) العالميتين الأولى والثانية، وقرن المعسكرين الكبيرين المتناطحين، وقرن الحرب الباردة والحروب بالإنابة عنهما........الخ .
لكن ما يلفت النظر بقوة هو: أن العقد الأخير من عمر ذلك القرن العشرين ـ وهذا هو المريب ـ شهد تصفية شاملة لأغلب معالمه التحررية والتقدمية البارزة تلك!.
فقد تمت تصفية المعسكر الشرقي المقابل للمعسكر الغربي، كما تم تشويه مرحلة التحرر الوطني وتشويه قادتها التاريخيون في جميع أنحاء العالم تقريباً.. وكذلك تم تجريد أغلب الشعوب من استقلالها السياسي ومن كل ما أنجزته في كفاحها المرير خلال ذلك القرن!.
وتبعت هذه التصفية الشاملة عودة سافرة وظافرة للاستعمار الغربي العريق إلى تلك المناطق وشعوبها، والتي استعبدها طويلاً ـ وبرضا تلك الشعوب أحياناً ـ ومن خلال عملية (بلف تاريخية كبرى) أصبحت بموجبها تلك الدول الاستعمارية العريقة، صديقة ومنقذة لنفس الشعوب التي استعمرتها واستعبدتها طويلاً سابقاً، وأصبحت ـفي نظرها ـ محررة ومنقذة لها من حكامها المستبدين، ومجردة إياها في الوقت ذاته ـ وبنعومة سامة ـ من بقايا انجازاتها التحررية، التي حققها لها قادتها التاريخيون من ذلك الاستعمار البغيض خلال حقبة الصراع المرير معه!.

وثاني هذه الظواهر المريبة هي : ما إن لفظ ذلك القرن العشرون أنفاسه الأخيرة وأطل قرينه الواحد والعشرون بلسانه (الدموي) حتى تحول عالمنا هذا كله إلى عالمٍ أمريكي بامتياز، وممهداً الطريق لأن يصبح هذا القرن الجديد الواحد والعشرين "قرناً أمريكياً" بكامله وبامتياز أيضاً، في كل تفاصيله السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية .............إلخ !! .
فيا ترى هل أن هاتين الظاهرتين ـ وبداخلهما ظواهر فرعية كثيرة ـ قد حدثتا بفعل القوانين الطبيعية التي تحكم التاريخ والحضارة والمجتمعات الإنسانية؟ .. أم أنهما حدثتا بفعل فاعل قد يكون معروف للبعض، أ أنه لا زال مجهولاً للبعض الآخر؟

لقد انقسمت الآراء ـ كما هي العادة ـ حول هاتين الظاهرتين إلى فريقين:
فريق يرجعهما إلى القوانين الطبيعية التي تتحكم بالحياة وظواهرها المختلفة، والفريق الآخر يرجعهما إلى ما عرف في الأدبيات السياسية والفكرية الأمريكية بــ ((الحلم الأمريكي))!. أي أنه، يرجعهما إلى عمل إنساني واع ومنظم يطلقون علية اسم (المؤامرة) أو نظرية المؤامرة أحياناً!!
****
لقد انبهر الكثيرون بهاتين الظاهرتين وبما وصلت إليه المسيرة الإنسانية في هذه اللحظة الأمريكية الفارقة من التاريخ، فعدها البعض إنجازاً أمريكياً خاصاً، وللإنسان الغربي الأبيض عموماً.. والمتفوق على جميع الأجناس البشرية الأخرى!!.
ومن هئولاء الذي انبهروا بهذه اللحظة التاريخية الأمريكية انبهاراً شديداً، الأمريكي من أصل ياباني (فرانسيس فوكوياما)! فجاء كتابه الشهير (( نهاية التاريخ..وآخر البشر)) تعبيراً عن انبهاره الشديد بها.. فكان مضمون كتابه هذا يستبطن معناً واحداً هو: أن الأمريكيين هم ((..آخر البشر )) المتفوقين والمبدعين على كوكب الأرض هذا، وأن نظامهم الليبرالي الديمقراطي هو آخر النظم الوضعية المتكاملة.. وما بعده عقم كامل للبشرية بأجمعها!!
بينما خافها البعض الآخر وتوجس منها شراً مستطيرا.. وتحت هذا الإحساس كتب الفرنسي (ألان مينك) كتابه المهم جداً ((القرون الوسطى الجديدة))(2) والذي تنبأ فيه بعودة البشرية القهقرى إلى القرون الوسطى ـ في هذا القرن الواحد والعشرين تحديداً ـ وإنها ستسبح في (جاهلية ظلامية) جديدة وحروب أهلية دموية متواصلة، وهيمنة للعصبيات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، يتبعها انقسام وتقسيم شديد للمجتمعات والكيانات الوطنية، وقيام كيانات سياسية دينية وعرقية وطائفية بديلاً عنها، مع اختفاء أو تجاهل كامل للقوانين الدولية والعقلانية السياسية، واضمحلال شبه تام للأفكار الوطنية والقومية وحتى الإنسانية......الخ
ويبدو أن فوكوياما قد خدر تماماً ـ من حيث يعلم أو لا يعلم ـ بذلك ((الحلم ألأمريكي )) ليقول كل ذلك الهراء.. بينما كان مينك على عكسه تماماً، إذ رأى ـ أيضاً من حيث يعلم أو لا يعلم ـ ذلك الحلم الأمريكي كابوساً أسوداً قد حط على البشرية كلها، وأدخلها في متاهات دموية لا نهاية لها!.
ورغم هذا التناقض الكبير بين الرجلين إلا أنهما كانا متفقين ـ بالنتيجة على الأقل ـ على أن كل ما حدث خلال القرنين الماضي والحالي، وحتى ما قد يحدث في هذا القرن مستقبلاً له علاقة مباشرة بالطموح الأمريكي و "الحلم الأمريكي" بالسيطرة على العالم!
[يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــع]
[email protected]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
(1) ونحن هنا نفرق بين (الإسلاميين) الذين يعملون لوجه الله وخدمة للإسلام والدعوة الإسلامية ، وبين (الإسلامويين) الذين يعملون وفق أجندات خارجية أو تسخير الإسلام لخدمة قضايا سياسية أو لقيام دولة دينية!.
(2) أنظر صحيفة " المحرر " الصادرة في باريس العدد : 234 بتاريخ 3 / 1 / 1994:وما كتبه د.غسان الرفاعي حول كتاب " القرون الوسطى الجديدة " ومضمونه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف