الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْخَدِيْعَة ..!

فيصل عوض حسن

2017 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


اَلْخَدِيْعَة ..!

د. فيصل عوض حسن

على مدى شُهورٍ مَضَت، مَلَأَ المُتأسلمون وإعلامهم المُأجور الدنيا ضجيجاً، عن اعتزامهم حَسْمَ التجاوُزات المصرية ضد السُّودان، تارةً استرداد مُثلَّث حلايب المُحتَل منذ عام 1995، وتارةً ثانية برفض (شكلي) لمُنتجات مصر المُلوَّثة، وثالثة بافتعال تنافُس سياحي لا وجود له في الواقع، وغيرها من إلهاءاتهم وتفاهاتهم التي يُكذِّبها واقع علاقاتهم/انبطاحاتهم، وخياناتهم (الفعلية) مع المصريين خصماً على بلادنا ومُقدَّراتنا. وبعبارةٍ أُخرى، سَعْي المُتأسلمون لإلهائنا بأمورٍ (ظاهرها) حق، وباطنها يستهدف تفكيك/تفتيت السُّودان، وإهدار مُقدَّراته وسيادته الوطنية.
آخر فصول الدرامات الإسلامَويَّة، إدِّعاءاتهم بدعم المصريين لحركة مناوي والتي تَبَنَّاها البشير شخصياً، حيث أعلن في اجتماعٍ رسميٍ، عن دَحْر مليشياته لقُوَّات حركة مناوي عند مُحاولة دخولها للسُّودان، واغتنام مُدرَّعات مصرية كانت لدى تلك القُوَّات، وأنَّ لديهم أدِلَّة (قاطعة) تُثبت تَورُّط المصريين في دعم الحركة. وسبق هذا، إعراب البشير عن نفاذ صَبْرِه على تجاوُزات مصر، وإيحاءاته باتِّخاذ إجراءات حاسمة/رادِعَة حيالها. مع مُلاحظة أنَّ المُتأسلمين ذكروا بأنَّهم (حَرَّروا) أكبر مَعَاْقِل حركة مناوي، وهذا يتقاطع مع تصريحاتهم القائلة بأنَّ الحركة حاولت الدخول للسُّودان عبر محوري الجنوب والشمال، فكيف تُحاول الحركة الدخول لمناطق تابعة لها أصلاً؟! والرَّاجح أنَّ مليشيات البشير هاجمت حركة مناوي في مناطقها، ورُبَّما بدعمٍ دولي وإقليمي لصعوبة الهجوم على تلك المناطق تبعاً لإقرار المُتأسلمين أنفسهم، وهذا يعني افتضاح فِرْيَة المُتأسلمين بشأن تسَلُّل حركة مناوي من جهتي الشمال والجنوب، وبالتالي انهيار/تكذيب كل ادِّعاءاتهم الأُخرى التي حاولوا تضليل الرأي العام بها.
بالتوازي مع تلك التصريحات البشيرية، ارتفع ضجيج إعلامه المأجور مع بعض العَنتريَّات الزائفة، كنشر صور ميليشياته وهي في الصحراء الشمالية، ووصولها حتَّى جبل العُوينات في أقصى شمال السُّودان الغربي! ثُمَّ انتهت الدراما الإسلامَوِيَّة، بإيفاد غندور لمصر مسبوقاً بزَخمٍ إعلاميٍ كبير ومُبالغٌ فيه، صَوَّر الزيارة كفَتْحٍ/انتصارٍ لاسترداد الكرامة المفقودة! ورغم كثافة هذه الإلهاءات، إلا أنَّني كنتُ مُتأكداً تماماً من انحطاط/فشل غندور، وأنَّ كل هذه الدرامات (ستارٌ)، لمُصيبةٍ/مصائب وخيانة/خيانات جديدة للسُّودان أرضاً وشعب، وهو ما حدث فعلاً استناداً للمُؤتمر الصُحفي لوزير الخارجية المصري مع مُوفد البشير. وهنا، يجدُر الإقرار بامتلاك غندور لقدراتٍ استثنائية في التضليل والانبطاح، تَجَلَّت بصورةٍ واضحة، في إثبات ولائه/طاعته للمصريين حكومةً وشعب من جهة، مع تلبُّسه لثوب الوطنية والغيرة على مصالح وحقوق بلاده من جهةٍ ثانية. فباسترجاع مُلابسات المُؤتمر الصحفي المُشترك، نجد أنَّ غندور بدأ حديثه واصفاً العلاقة مع مصر بالـ(مُقَدَّسة)، رغم اتِّهام المُتأسلمين المُسبق لها بدعم مُعارضيهم بالسلاح، وأكَّد بأنَّ هذه العلاقة لم ولن تتأثَّر بأي خلاف! ثمَّ تحدَّث عن أهمية المُباحثات واستمرارها، وتوسيع نطاقها لتشمل الجانب البرلماني وعودة ما يُسمَّى برلمان وادي النيل، فضلاً عن النَّواحي الأمنية والمُخابراتية، (مُستجدياً) عطف الإعلام المصري الذي بلغ استخفافه إنكارهم للسُّودان كدولة من أساسه!
ولإضفاء بعض الصلابة الزائفة وإتاحة مساحة لإعلامهم المأجور، قال غندور بأنَّهم لم يتراجعوا عن مزاعمهم بشأن الدعم المصري لحركة مناوي، دون توضيح بدائلهم/خياراتهم وخطواتهم القادمة، وهذا استدراكٌ يبتلع العنتريات الشكلية التي أبداها البشير وعصابته! وبعدها دخل غندور، في تفاصيلٍ لا علاقة لها باتِّهاماتهم الخطيرة التي من أجلها تمَّ إيفاده لمصر، حيث استعرض نتائج لجنة المُشاورات السياسية المُشتركة، و(تطلُّعاته) لتعزيز آلياتها وتجاوُز عقباتها وغيرها من الهيافات. وحينما سُئِلَ عن مَنْع/حظر المُنتجات المصرية، لم تَخْلُ إجابته من المُراوغة والانبطاح، إذ وصفها بالأمر الفني في الوقت (الخطأ)، وسيتم (مُراعاته) بُناءً على معلومات فنية! ونفس المُراوغة، مَارَسَها بشأن تأشيرات دخول المصريين للسُّودان، حيث قال بأنَّ إصدار التأشيرات يتم وفق قواعد وبمُنتهى السهولة واليُسر! وفي سياقٍ مُتَّصل، ووفقاً لحوارٍ بصحيفة اليوم التالي يوم 6 يونيو 2017، نَفى غندور مُناقشته لقضية احتلال حلايب، وقال بأنَّهم ناقشوا عدم التصعيد مع (أشقائهم) المصريين، وأنَّ أمر حلايب متروكٌ للبشير والسيسي، ولم يُنكِرْ جذوره المصرية حينما سُئِلَ عن هذا الأمر، فتأمَّلوا عبقرية الفشل والخِدَاع والانبطاح الكيزاني/الغندوري!
قد يقول قائل، بأنَّ إجابات غندور يحكمها منصبه، وأنَّه حَسَمَ الأمور في الكواليس مع السيسي ووزيره شكري، وغيرها من الدفوعات والحِجَجْ لكنها مُبرِّرات مردودة. فزيارته صَاْحَبَها زخمٌ إعلاميٌ كثيف، وتَصَدَّرَتها ثلاثة مواضيع رئيسية، أخطرها اتِّهام مصر بدعم حركة مناوي بالسلاح، ومَصْدَر الخطورة أنَّ الاتِّهام أتى من البشير شخصياً، وأقلَّ ما كان مُتوقَّعاً هو طرد السفير المصري مُباشرةً! وثاني المواضيع، ضجيجُ المُتأسلمين المُتزايد بشأن الاحتلال المصري لحلايب، وإيحاءاتهم التضليلية باستردادها كتحرُّكات مقاطيع الدعم السريع، تارةً في كُبري الدَبَّة (الذي لا ندري حتَّى الآن علاقته بالموضوع)، وأُخرى بالوصول لجبل العُوينات وغيرها من الإلهاءات! والموضوع الثالث، جَسَّدته مسألة حظر المُنتجات الغذائية المصرية المُلوَّثة، والتي رَاوَغَ فيها مُوفد البشير ولم يُقدِّم إفادات شافية، بل فتح الباب أمام تدفُّقها من جديد، هذا إذا توقَّفت من أساسه! مما يزيد القناعة بأنَّ للزيارة أهدافٌ أُخرى غير مُعْلَنَة، وفي الغالب انبطاحات/خيانات إسلامَوِيَّة جديدة خصماً على السُّودان ومُقدَّراته. والواقع أنَّ البشير وعصابته مُتخاذلون تماماً مع المصريين وغيرهم، فمصر التهمت – بجانب احتلال حلايب – جميع العُموديات النوبية شمال حلفا، بما فيها أرقين التي أصبحت ميناءً بَرِّياً لمصر، وهو احتلالٌ مصريٌ سافر، يتحاشاه البشير وعصابته وإعلامهم المأجور تماماً في أحاديثهم، وكأنَّ هذه العُموديات تتبع لدولةٍ أُخرى غير السُّودان، ولا تزال توغُّلات مصر مُستمرَّة حتَّى شارفوا حدود ولاية شمال دارفور، إنْ لم تدخلها فعلياً. كما مَنَحَ البشير للمصريين مليون فدان بالشمالية (مشروع الكنانة)، وأتاح مياهنا الإقليمية في البحر الأحمر لجَرَّافاتهم، المُدمِّرة لثرواتنا البحرية وشُعَبِنا المُرجانية، مع مئات الآلاف من ثروتنا الحيوانية بأنواعها المُختتلفة (ماشية، أغنام/ضأن، إبل)!
عن نفسي، لا استبعد أنَّ ما جرى مع حركة مناوي، كان بتنسيقٍ مُشتركٍ بين المصريين والبشير وعصابته، للقضاء على أي وجود سُّوداني بمنطقة الحجر النوبي وامتداداتها، وبما يُتيح للمصريين التهام مخزوننا الكبير من المياه الجوفية، وإقامة مشروعاتهم المُختلفة في الأراضي التي يختارونها، وهو أمرٌ يصعُب تحقيقه في ظل وجود قُوَّات الحركة وغيرهم من السُّودانيين، فتمَّ الانقضاض على حركة مناوي مع منع وإبادة كل من يدخل لتلك المناطق مُستقبلاً. ومسألة أطماع المصريين في مياهنا الجوفية، حَذَّرت منها مراراً وتكراراً، خاصةً عقب مُوافقة السيسي على اتفاقية سد النهضة بعد مُمانعةٍ مشهودة. فالحقيقة الثابتة، أنَّ مصر لن تَقْوَى على الاستمرار بدون النيل، وحاجتها للمياه والأراضي مُتزايدة مع ارتفاع مُعدَّلات السُكَّان، وتناقُص حِصَّتها المائية نتيجة لقيام سد النهضة، وهي لا تستطيع مُواجهة إثيوبيا عسكرياً، فأتت كلتاهما (إثيوبيا ومصر) على السُّودان، لأنَّه الحلقة الأضعف في عهد البشير وعصابته المأفونة.
أمَّا تحرُّكات حميدتي ومقاطيعه في الصحراء الشمالية بحجة مُكافحة تجارة البشر، فهي للتمويه والتغطية على وجود المصريين بدارفور والأراضي النوبية، ومُساعدتهم في ابتلاع مياهنا الجوفية والأراضي الصالحة للزراعة. ويدعم هذا الاتجاه، مُسَارَعة غندور بطرح فكرة القُوَّات المُشتركة، لحراسة الحدود ومُكافحة الإرهاب وتجارة البشر، بينما يستهدف إخلاء المنطقة من أي أعين تشهد على خيانتهم للبلاد والعباد! وإلا بربكم كيف تحمي دولة تحتل أراضيك، وأنت تتهمها بمُساعدة مُعارضيك بالسلاح، وتَدَّعي امتلاكك أدِلَّة (دَامِغَة) على هذا الأمر؟ ما الذي يمنعك من تقديم شكوى رسمية للجهات الدولية والإقليمية عن احتلالهم لأراضيك، مدعومة بالأدِلَّة الدَّامِغَة التي تدَّعي استحواذك عليها، بدلاً من هذه المُراوغَة لو كنت صادقاً؟ ولماذا تلتزم ضبط النفس مع المُحتلين وتُمارِس القتل والتشريد والتنكيل بشعبك الأعزل؟!
إنَّ خيانة البشير وعصابته وعَمَالَتِهِم للعالم الخارجي بالميلاد، واستعدائهم للسُّودان وأهله بدا واضحاً منذ مهدهم، وهو عداءٌ لا يعرف حدوداً جُغرافية (إقليم/منطقة) مُعيَّنة، وإنَّما يطالُ كلَّ ما هو سُّوداني، ولم ولن يتوقَّفوا ما لم نَسْعَ نحنُ السُّودانيُّون لإيقافهم، وأكُرِّر ما قلته سابقاً بأنَّ هذه العصابة هي الخيار الأفضل لكل العالم الخارجي الطَّامع في مُقدَّراتنا، وعلى رأسهم الذين نصفهم بالأشقَّاء سواء عربياً أو أفريقياً، لأنَّ البشير وعصابته يُنفِّذون ما يُطلب منهم دون تردُّد حتَّى ولو كان الثمن زوال السُّودان وأهله. ولقد دخل المُتأسلمون الآن مراحل خطيرة جداً من الإجرام، فنحن لم نُعالِج بعد كارثة سد النهضة الذي يُعدُّ خنجر في خاصرتنا، ومهدداً سيادياً لبلادنا ومُستقبل أجيالنا، وفقدنا بأثره جانباً كبيراً من مياهنا السطحية، ليُباغتونا الآن بإهدار مياهنا الجوفية وما تبقَّى من أراضينا.
علينا كسُّودانيين، وأهلنا النوبيين وبدارفور خصوصاً، الإسراع بإيقاف التَغَلْغُلْ المصري/السرطاني في أراضينا، والذي يبدأ بتعجيل اقتلاع البشير وعصابته الإسلامَوِيَّة الخائنة، لأنَّهم أداة العالم الخارجي لتفتيت السُّودان والتهام مُقدَّراته، فلا يُوجد عدو للسُّودان أخطر وأكبر من هؤلاء المقاطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال