الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس في تدبر القرآن الكريم لا تأويلا ولا تفسيرا 5

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 6 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6}.
في السور القصار التي شكلت ظاهرة ملفتة في نصوص القران كونها تحمل أولا محمولا مركزا ومكثفا عن قضية عقدية أو معرفية واحدة، يركز فيها النص على الصياغة الفنية من جهة وعلى حصر القصد المعنوي في دائرة محدودة جدا، هذه السور القصار على خلاف من يظن أنها من مكيات النزول وكان سبب تشكلها في هذه الطريقة مرتبط بالوضع المعرفي والأمني للجيل الأول من المسلمين، ومراعاة لطريقة الطرح المركز بدل الخوض في قضايا كبرى وإشكالية، وخاصة أن مواضيع معقدة ومتشعبة ستثير الكثير من اللغط وقلة الإدراك خاصة مأن الغالبية من المؤمنين الأوائل كانوا من طبقة فقيرة أو غير ذات صلة بالواقع الديني، وهذا الرأي وإن كان مقبولا ولكنه ليس كاملا مانعا فقد نزلت سورة النصر كأخر سورة قبل رحيل النبي محمد ص بثلاثة أيام وقد أتخذت نفس الصياغات والأسلوبية في العرض.
ما يهمنا نحن في هذا الوقت ليس مناقشة أسباب النزول والعلة وظروف المجتمع الإسلامس أبان فترة النزول وإن كان مهما ذلك في معرفة القصديات العامة والمساعدة في التدبر، ولكن هذا الأختصاص الذي أشبع دراسة وتحليل وتنوع في الأراء لم يغنينا عن الخوض في مجريات فهمنا للنصر بطريقة التدبر، خاصة وأن الخلط المتعمد الذي مارسه المفرسرون والمتأولون في قراءاتهم ، أنتج لنا تشويشا وأهتزازا حقيقيا للصورة التي يسطرها النص الديني كهدف للمتلقي ويريد من خلالها الوصول إلى أفكار محددة وأجمالية تركز على قضايا أهم من أسباب النزول أو شرح المعاني والمفردات.
في سورة الكافرون نجد هذا التركيز في المعنى القصدي موجه تحديدا إلى من ينكر على النبي في خصوصية توع الإيمان الذاتي أو مصدره، فهذا النص على خلاف ما جاء بأقوال المفسرين لم يتناول مفهوم الكافرين بمعنى الذين ينكرون الإيمان بالأديان أو مصدريتها وضروريتها، بل المعني فيه تحديدا هم المؤمنين بأديان أخرى، فالقضية التي تناولها النص وتسمية هؤلاء بالكافرين مع أن القرآن الكريم والدين الإسلامي لا ينكر إيمانهم ولا يكفر مذهبهم بل لأنهم أدعوا أن إيمان النبي هو جزء من دينهم أو صورة أخرى منه.
هذه القضية الخاصة لم يلحظها أهل التفسير والشرح والتأويل وإنما جعلوا الخطاب موجها لجميع الكافرين وخطابا مباشرا لهم، دون أن يلحضوا أن النص أيضا يذكرهم بعبادتهم ومعبوديتهم، {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2}، فهل من يعبد دين هو كافر لو أفترضنا مثلا أن مفهوم الكفر الشائع هو عدم الإيمان أصلا بالعبادة ولا بالمعبود، فكيف نوفق بين الإنكار والإقرار في نص واحد؟ السؤال الذي لم يجب عليه أحد ولا يمكن فهمه إلا إذا أخرجنا مفهوم الكفر من المعنى الشائع وتحديده بالكفر بالنبي ودينه الجديد.
الحديث هنا مباشر بين من يقول بالإثبات لمن يقول بالإنكار في قضية محددة وخاصة لا أعبد ما تعبدون، بمعنى أن الصورة التي أنتهم عليها في تعيين المعبود وتشخيصها مثلا عند النصارى عندما قالوا أن الله ثالث ثلاثة أو عند اليهود مثلا عندما قالوا يد الله مغلولة أو أننا أبناء الله وأحباءه من جملة مفاهيم عبادية أخرى هي محل النفي وليس ذات المعبود والدليل أنه قال ما تعبدون ولم يقل معبودكم أو إيمانكم بالله أو بالرب الذي يشتركون به ومعه مع ما يؤمن به هو تحديدا.
هذا النص جاء أيضا مركدا وملحقا بنص أخر ينفي عن هؤلاء أن يؤمنوا بما يعبد هو لأختلاف نظرية العبادة عند الطرفين وماهيتها وأسسها العامة، فيقول {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3}، إذا القضية في محورها ومحمولها التأكيد على موضوع شكلية العبادة ومفاهيما ولا تتعلق بحد أخر أو قضية أخرى موجه لعموم الكافرين بالدين والتدين عامة، هذا النفي يقطع من قبل المتكلم أي أنتماء سابق أو لاحق بين الطريفين لا على مستوى إيمان الأول بالثاني ولا بالعكس.
إن مجتمع مكة الذي كان يظن أن مقولات أهل الكتاب من الذين سبقوا النبي في دعوة الإيمان ويصدقون مقولتهم التي كانت تتردد هنا وهناك زعما وترديدا واجهها النص بتكرار النفي والقطيعة بقوله {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4}، النكته هنا تتردد في نفي الحديث الموجه كما يظن البعض أنه لعموم الكافرين ممن لم يؤمنوا أو يتقيدوا بإيمان وأيضا يحصر القضية بين النبي وبين أهل الإيمان الذي ينكرون عليه دعوته الجديدة، فهو يجهز أيضا على فكرة التعديل المحتملة حينما قال البعض أن الأيام كفيله بأن تظهر النبي على حقيقته عندما سيعود بالنهاية إلى عبادة أهل الإيمان من الذين سبقوه في هذا المضمار.
هذا النفي مقرون بنفي أخر تردد لاحقا في النصوص القرآنية ومضمونه أن القطيعة لا بد أن تستمر إلى أجل ما، فقد أخبرتنا تلك النصوص المترادفه بالهدف والنتيجة أن التلاقي غير ممكن إلا في حالتين الأولى هو ترك الدعوى الجديدة والألتحاق بإيمانهم وتدينهم كما في قول النص الذي جاء لاحقا {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120، أو أن يحين الأجل الموعود بتحقق الرجوع الكامل والتام لمحددات الإيمان بالله والدين على قاعدة ظهور الحق المطلق {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }النساء159، لذا كرر النص في هذه السورة القطيعة المتبادلة بين الكافرين بمحمد ص ودينه من أهل الكتاب والدين والإيمان بما يعتقدون فقال {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5}.
الخلاصة التي تصل لها السورة والتي يتمحور عليها موضوعها الرئيسي أن الدين وإن كانمفهومه واحدا في الظاهرـ إلا أن الأختلاف بفهمه بشريا ودنيويا يجعل لكل عبادة ومنظومة إيمانية تخرج عن الوحدة التكوينية التي تستند لها على أنها من مصدر واحد، تجعل من القائل أن يصرح بحقيقة أنكم أصحاب دين ولكم الحق أن تؤمنوا به لأنكم في الأخر مسئولين عن إيمانكم وأعتقادكم الخاص، وأن هذا لا يعني أنكم بكل الأحوال ملزمين بما أدين أنا وأنا ملزم بما تدينون به، على قاعدة أن لكم دينكم ولي دين والجميع سيتوجهون للديان الذي سيحكم لكل منا بما يستحق.
هذه القاعدة الذهبية التي شوهها أهل الدين جميعا بتغيير مضمون أول السورة حينما قال {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1}، وجعلها قضية عامة تنفي عن الأخر صفة الإيمان أو التدين ورتبوا بأعتباطية بشرية مقصودة نتائج لا هي مطلوبة ولا هي مفروضة أصلا بالنصوص الدينية، نتائج التكفير ورفض إيمان الأخر ونصب الإنسان نفسه بديلا عن صاحب الأديان ومنشئها أو المفترض كذلك، إن الأعتباطية في فهم النص الديني لا بد أن تنتج تشويها حقيقيا لمرادات الدين وتخرج النصوص الدينية من هدفها لتسخيرها في قضية صراع الإنسان مع الإنسان في قضية هو أبتكرها وسطرها وحمل بالأخر الدين تلك المأسي والخطايا المدمرة للمجتمع الإنساني، وكلها نتائج لقضايا بدعية بشرعية سيكتشف بعد فوات الأوان أنه هو الخاسر الوحيد فيها {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }طه111.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح