الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض أمراضنا الخفيفة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 6 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل شعرت يوماً أنّك لست أكثر من حشرة؟
ربما شعرتَ، وأخفيت هذا الشّعور، انسحبت دون أن يراك أحد، وبينما كنت تتصارع مع ذاتك لأنّك مخطئ على الدّوام، وأنّ العارفين بالحياة يفوقونك خبرّة. لو راجعت نفسك لوجدت أنّك تشعر بذلك ربما في أكثر الأحيان، ترغب في الخروج من هذه الحالة. قد يلزمك بعض السنوات، أو العمر كلّه.
لكلّ مجتمع أمراض، وطرائف، وأسلوب حديث حماسي أو بارد.
في مجتمعنا الذي أنتمي إليه تسود ثقافة الاستبداد بنكهة الإعجاب بالتّميّز. فلو كنت تعيش ضمن عشيرة- وهي النّمط المقبل للحريّة-عليك أن تشعر بأن وزنك وزن ذبابة، وقد تكون قد حضّرت قصيدة شعر لتمدح زعيم العشيرة، لكن هيهات! فهناك من وصل قبلك، وعندما يمنعونك وتخرج من الاجتماع الموسع ذليلاً. تذهب إلى مكان ليس فيه بشر. تشتم العشيرة بصوت عال، تعاهد نفسك أنّك سوف تكون حرّاً، ولن تسمع لهم بإهانتك، ثم تعود إلى منزلك وأنت تمشي على أربع. ترسم الخطط كي تعلو دون جدوى، فقدراتهم ليست كقدراتك.
في مرّة ذهبتَ إلى المنزل مكسوراً اختبأتَ قرب دودة تتسلّق الجدران الترابية لونها أحمر، حاولت أن تصادقها، لكنّك قرفت المكان.
أعرف أنّك تنتمي إلى طائفة رائعة. تحدّثت أمامي بالسّوء عن سلوك القائمين عليها، لم أتجرّأ أن أوافق -مع أنّك كنت على حقّ- لأنّني وافقتك في إحدى المرّات فمسحت فيّ الأرض لأنّني طائفيّة، لذا أتركك تثور ثم تنحني خاضعاً.
رأيتكَ بينما كنتَ ترافق عنترة كي يعلّمك نسج قصائد الفخر، وعندما قلت له "السّيف أصدق أنباء من الكتب" قال لك لا تسرق يا هذا الشّعر. وهل أنت مقتنع بالسّيف؟ احمله إذاً. بإمكانك أن تؤلّف قصائد الفخر. بإمكانك القول: أيها الوطن أنت أغلى من أمّي وأبي، يعتبرونه شعراً، ويسوقونك إلى الموت. لقد قلتها بلسانك. لا تصدّق عنترة يا صديقي. هو مجرد عبد. عاش ومات عبداً. لكن عبوديته أرقى بعض الشيء من عبوديتك. هو ابن السّيد زوج أمّه، وأنت أمّك أمة مثل أمّي لكنّها أمة في بيت عبد. سمعت عنترة يقول لك هذا غاضباً يشت: كنّا نعبّر عن نقصنا بالفخر، لكنّنا نفهم ما نقول، وندرك ما نعمل، أما أنتم فكلماتكم غير مفهومة، وليس لها ترجمات في قواميس اللغة.
تشكو لي أمرك، وأنّك لم تكن يوماً سارقاً ولا ظالماً. أضحكني عجزك. لم يكن عندك القدرة ليس إلا. ماذا و سرقت طعامك وشرابك؟
أراك تجثو على ركبتيك تدعو الرّب: يا رب! هذه الدّائرة من الفقر التي وضعتني بها جعلتها تدخل جيناتي. هي التي أدخلتني في تلك الدّوامة. يا رب! لقد كبرت، وأصبح لدّي عائلة، لا زلت أشعر "بالتّحشّر" كيف أخرج من تلك الدّائرة ؟ تسمع جواب الرّب دون أن تراه: أطع أولي الأمر، تقسم له أنّك لم تخالفهم مرّة، فيقول لك: اشكر على النّعم التي منحتك إيّاها، وترى يداً فوق رأسك فتؤمن أنّ اليد العليا خير من اليد السّفلى، وتنتهي من الدّعاء، وقد طهرّتك الدّموع، وقبلت بوضعك الذي تراه، فمثلك كثيرون. قد يكونون يداً عليا على من هم أدنى منهم، وحشرة أمام الأيدي التي تصفع رؤوسهم. أراك لا زلت تمارس نفس المشاعر تجاه ذاتك. لا بدّ أن يكتشف العلماء يوماً هذه الحالة. يمكن أن يكون اسمها متلازمة " التّحشّر"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا