الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان و حرية الضمير في تونس الثورة

إقبال الغربي

2017 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حكمت محكمة تونسية على أربعة شبان فبشهر سجن بعد إيقافهم لاجهارهم بالإفطار في حديقة عامة . و يأتي هذا الحكم في تناقض تام لدستور البلاد الذي يتضمن مبدأ حرية الضمير . ودعت جمعيات حقوقية إلى مظاهرة للتنديد بهذا الحكم القضائي و للحد من ظاهرة ملاحقة المفطرين في تونس.
و لا تزال حرية الضمير تثير الكثير من الجدل و تواجه التردد و الازدواجية في ارض الإسلام. تمثل حرية الضمير أو الوجدان واحدة من الحريات الفردية الأساسية وحقا جوهريا من حقوق الإنسان. وتكمن أهميتها في أنها شرط وجوب للديمقراطية و الحداثة ، أي للعيش المشترك داخل مجتمع ضامن و صائن لكرامة الإنسان،. ومع ذلك، وربما بسبب ذلك، فإن إقرارها في الدساتير والقوانين، والاعتراف للفرد بحق التمتع بها وممارستها في كامل أبعادها ما زال منقوصا. و لعل السبب يكمن في أن حرية الضمير تتموقع ضمن مفارقات و توترات العلاقة بين الفرد و الأمة بين الدين و الدولة .
و علينا الإقرار بان إن مفاهيم حرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية الضمير وغيرها من الحريات العامة؛ هي بالأساس حقوق حديثة وسليلة عصر الأنوار وما بعده. فهي ووليدة نضالات الإنسان ومقاومته عبر التاريخ من أجل نحت تصور جديد لوجوده في علاقته بالغيب وبالآخر وبالدولة، وهو تصور حوّل سلّم القيم من مجال السماء إلى مجال الأرض وفصل بين الفضاء الخاص و الفضاء العام و بين الديني و السياسي أي فصل بين المواطنة و الإيمان .
بيد أننا اليوم بإمكاننا تجاوز التوتر بين ثقافتنا و الحريات العامة و منها حرية الضمير و الاعتقاد و تحقيق المصالحة المنشودة بين "خصوصياتنا" من جهة و بين روح العصر و قيمه العقلانية و الإنسانية الرافضة للتوتالترية الدينية و لمحاكم التفتيش من جهة أخرى . و للنجاح في هذا الرهان علينا الاعتماد على القراءة التاريخية و المقاصدية لديننا الحنيف التي ستعيد صياغة الوعي الجمعي و ستحصن الأجيال الشابة ضد التزمت و الإرهاب . و هذا ما سعى إليه الإمام المصلح محمد عبده في قولته الشهيرة "لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين " . وهي نفس الفكرة التي صاغها الزعيم الأزهري سعد زغلول في شعاره "الدين لله و الوطن للجميع ".

إن القرآن الكريم احتوى صراحة وبلا تأويل على دعوة إلى حرية الاعتقاد.
فالآيات التي تكرس الحريات الدينية صريحة . وهي لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". الآية 256 من سورة البقرة
"وَلَوْ شاء ربك لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". الآية 99 من سورة يونس.
" فَمَنْ شاء فليؤمن وَمَنْ شاء فليكفر". الآية 29 من سورة الكهف
وأما آية الردة "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ، وَهُوَ كَافِرٌ فَأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولائك أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (الآية 217 من سورة البقرة )، فقد جعل الله سبحانه و تعالى عقابها أخروياً، ولم يربطها بأي جزاء دنيوي. كما أن آيات الحرب والجهاد، موجهة إلى من يقاتل المسلم فقط، وليست موجهة إلى الكفار في ديارهم. وآيات القتال كانت أيضا مخصوصة ومرتبطة بأحداث تاريخية محددة و بإطار زمني معين.
القراءة التاريخية الموضوعية والمقاربة النسبية لنصوصنا المقدسة تؤسس للحرية . وهي تساعدنا على الارتقاء من هذيان النرجسية الدينية التي رحابة الفكر الكوني الإنساني .كما تعني أيضا القطع مع المسلمات الني تقدم الإسلام على انه وصي على الجنس البشري و مكلفا بتخليص الإنسانية جمعاء من الشرك و الضلال. و علينا أن نتذكر دائما أن سلامة الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية هي نتيجة اتفاقيات و تعاقد و دساتير و قوانين تقوم كلها على مبادئ الديمقراطية والحرية الدينية و الحريات العامة .
فالديمقراطية هي أساسا ضمان حقوق الأقليات التي من حقها تجسيد قناعاتها و المجاهرة بها بكل حرية و استقلالية دون أن تكون عرضة لأي حساب أو عقاب أو إقصاء . من الواضح أن الديمقراطية تضمن التعبير عن الإرادة الشعبية من خلال حكم الأغلبية، لكن من الواضح أيضا أنها يجب أن تضمن أن الغالبية لن تستخدم قوتها و نفوذها و سيطرتها على دواليب الدولة لانتهاك الحقوق الأساسية للأقلية و إلا تحولت إلى طغيان الأغلبية . وهو ما يفسر الحرية التي تتمتع بها جالياتنا المسلمة و المجاهرة بدينها في الغرب و التي تتمتع غالبا بمساندة مادية و معنوية من طرف الدولة العلمانية .
فهذه الأقليات المسلمة لها حرية بناء جوامع و تأسيس جمعيات و تنظيم صلوات عامة في الشوارع دون أن تخدش هذه الممارسات التي تتعارض مع الأعراف و التقاليد الجماعية مشاعر الأغلبية الغير مسلمة أو تستفزها .

فالديمقراطية إذن و حقوق الإنسان ومنها حرية الضمير و المعتقد هما متلازمان كوجه الورقة و قفاها. بل إن احترام هذه الحقوق هو الذي يعطي للديمقراطية شرعيتها النهائية و يحمي في نفس الوقت سيادة الشعب من الانزلاق في دكتاتورية الأغلبية.
وتعتبر حرية الضمير من مسؤوليات الدولة المدنية . وهي من الأسس التي تقوم عليها ومن الغائيات والمقاصد التي تؤسس عليها شرعيتها و مصداقيتها . وهو ما ذهب إليه الفيلسوف سبينوزا عندما أكد "أن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان، أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #