الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كذبة، بطعم شفتين!..
يعقوب زامل الربيعي
2017 / 6 / 10الادب والفن
كذبة، بطعم شفتين!.
قصة قصيرة
........
أحيانا ، ما تدين لك السهول الرحبة بوجودها. تردُّ عليك بروحها. تطلق همهمات قريبة منك، أو تحرك يديها، بفعل القرابة أو الصلة بالعنصر الواحد. أما أن تشعر، أو تحس بتلك الانفاس تلهث قريبة منك، أو يزداد نسب شفتيها ، أو بعض اصابعها على جزء من جسدك أو تحط شفتين كملاك على شفتيك لبرهة طارئة، فذلك ما يجعل ثمة مني، قلباً، يمكن لبعض الارواح أن تُخبأ فيه الاشياء السعيدة.
هذا ما حصل لي خلال اليومين الماضيين، عندما حاولت، كما أعتدت غالبا، أن أخذ بعض قيلولة لما قبل المساء. عندما تمددت على سرير النوم، ولأني في العادة صيفاً، أترك مكيف الهواء يمنح جو الغرفة بالهواء البارد، لهذا كنت احرص أن أغطي كامل جسدي بشرشف قطني خفيف نوعا ما. هذا أيضا جزء مني يحاول النوم، وجزء آخر، كما طائر النزوات، يتنقل كفكرة يقظة، من مكان لمكان، ومن تلألأ لغموض، ومن رقابة لمحيط عشوائي، متابعاً رغبته، إلى لاحد لتجاوز طلباته، كأن لا شيء يجرؤ على طيرانه الجامح.
كم حاولت أن أقع في البياض البهي، لأتمدد في الغاب المترامي الاطراف، منحدرا إلى اقانيم النوم الأثيري خالق الاشياء الثابتة والمتحولة، تلك الفضيلة، التي تنظم سلوك الجسد، بما تمنحه من رضا لكذبة الشعور، بأن هذا الزمن لمديد.
كنت أحيانا أذهب باتجاه معاكس لهذا الرفيق البغيض والذي يلازمني اثناء محاولة النوم ليلا أو وقت القيلولة، لما يتيح له رأسي من فرص يحاول فيها أن يقطف مني زهرة متعة الرضا تلك، وكثيرا ما كنت أفشل في المناورة، أو التخلص منه بصعوبة كبيرة.
في أحد اليومين تلكما، انشددت كثيرا لجسدي. كنت بين اليقظة والنوم السعيد. بيني وبين إلهة لبلاب الانغمار، فسحة قشرة خفيفة لملامسة نصف شحوب الحياة الباردة، حين شعرت بسبابة يدٍ ناعمةٍ والاصبع الوسطى، تمران سريعاً، كما تفعل ربات المياه الشابة، لحظة تمرُر أصبعيها مروراً حميماً، أو كما عهد الاشباح اللطيفة، في مجال الفراغ البسيط بين أبهام وسبابة قدمي اليمنى. وفي أقل من اللحظة، انتبهت روحي، كما طفل لم يمانع أبويه من ملامسته. حين نظرت لموضع الملامسة وفيما بعد حولي، لم يكن من أحد، وحتى أن الباب ما يزال مغلقاً، والغطاء مازال يلف قدميَّ. عندها لم يفتأ الحب إلا أن يكلمني بالنعومة المهموسة، وبما لم يكتشفه الحب دائما.
أيها العمق الغيور، ليست ملامستك شائعة، ولا ثمارك البيضاء اليانعة تستطيع أن تُعْبرَ بالإشارة أو باكتشاف ما يوحي بالوصول لنضارة العهد المنشود، لحظة نشعر بالحيف أمام صوت عظامنا تتساقط تباعا، أو حين تكف عن النموّ نتيجة ذل السخونة والبرودة، وأسر السهر المضني.
وأنت يا " نرسيس " العلامة الجنسية المثلية، وغدة الهموم الضاغطة، ألا تكف من الاستهزاء من شاكٍ يرفع يديه إلى السماء صارخاً: " ليت هذا الانعكاس على مرآة المياه الصافية يبتلى بالحب ".
وتدور الساعات دورتها للأمام أبدا، ويأتي وقت العصر الآخر من جديد، وتأتي الحاجة للقيلولة ثانية. وبين غابة القسوة والتمنع، وبين وشاح الثلج الأبيض، أشعر بأن لا طائلة من مكابدة المراوغة، او التمسك بعنقها. لأن ما سيأتي بالضرورة ، سيأتي ولو بعد حين. بين تحولات جسدي المشدود دائما وبين محاولتي للاسترخاء، حين بدأت أعماقي السفلى تتوسل عمق اللجة الاثيرية، أحسست بنوع من الاختطاف الشبيه ببتلات أقحوانة، لشفتين تستقصي طريقهما لشفتيَّ كما حادث مفاجئ مظللاً بالحد المعقول ليترك أثرا من قُبلة وديعة ولكن سريعة كانت تُحْظرُ عيدها الخجول النضر. في تلك البرقة من الزمن، شعرت بأنفاس امرأة حيّة وبطلاء لحمي يخشى ان يترك أثراً كابيا، يمس وجهي.
كانت الشفتان الناعمتان طوراً من أطوار التوسل الخجول الممنوح على سرير الملامسات المدهشة.
لم اعد أشعر بعدها بأهمية وجود الاعشاب من أي نوع كانت، ولا بالقشور حين تتدلى من بعض الأشنة الميتة، ولا بالخزف القديم خوف أن يتكسر تحت قدم هاجسي إلى أجزاء دقيقة. جل ما كنت فيه، هو احساسي بالذروات العالية. مقاداً بلا شراع وبلا مجذاف فوق عشبة تمتلئ بالقُبل والأذرع المشرعة بانتظار عناق موشى بالعيون السابلة، تستدرج الاصابع لعالم السدى باللحمة. من أجل نسيج يكفي امتداد ثروات الكون قاطبة.
بعد تلك الليلتين، ثمة من سمعته يقول:
ــ " ليس بميسور مرء، أن يعيش بكل الجهات. وأن الاستفسار الارجواني لا يصير سليل تمدن المشاعر، ما لم ترى كأنك الداخلي، وأنك بوصفه مأواك اللدن. وأن انتقالك من لون لآخر، هو ذاته كما تغير أشعة الشمس على سطح موشور من الزمرد. تأكد أنه لا يمكنك أن تلمس أي من ربات الينابيع تمتلك روح الطوفان، بغير طيران سريع في فضاء من الوهم أحيانا"!
وحيث، للخيلاء طائرٌ أبيضٌ يتدين بدين نشيده الحاذق، كانت الضفاف تردد صوت الشعر النوراني.
هكذا تحولت أحاسيسي إلى هاجس كروي لذيذ وإن بقيت تحت جناح الحزن. وأن تلك الملامسات والانفاس تحولت على الغالب لصوت مداريّ شفاف أخذ يخف متسللا إلى شعاب تلك المساحة القديمة التي ظلت مجدبة، مانحاً كائني الحالم مشاهدة فريدة لكثير من الاشياء، شبيهة بديمومة سلام دائري يمكن الشعور فيه من أي بقعة من بقاعه. فكما أهمية الزهور التي تنبت في ربيعها السريع، لابد أن تمنح رئة الارض موسما آخراً من الانفاس اللينة. وأن الأرض، لكونها عالم كروي، لذروة عظيمة، تتمتع بمزية نادرة لا يمكن لبعض الاجسام التي لها وجه واحد أو أكثر أحيانا أن تكون كما الأرض، هي وحدها من تمنح الاحاسيس تلك اللفتة العبقرية التي تجعل منها لعين القلب مسكنا موفور الوجود من جميع الجهات.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م
.. الموسيقى التصويرية لتتر نهاية مسلسل #جودر بطولة النجم #ياسر_
.. علمونا يا أهل غزة... الشاعر التونسي -أنيس شوشان-