الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدرسة الفوالق والجيولوجيا.. أم مدرسة الإنسان والتاريخ..؟ الطبيعة الصماء الخرساء أم الطبيعة الحية الناطقة..؟

بشير صقر

2017 / 6 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تدور حاليا فى وسائل الإعلام وعلى صفحات الفيسبوك معركة تخص قضية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير بين مدرستين الأولى تعتمد الجيولوجيا والفوالق.. فى ترسيم الحدود ومن ثم اعتبارها أساسا لتأييد نقل الجزيرتين للسعودية ، والثانية تعتمد مقولة أن الجيولوجيا بمفردها لا تصلح أساسا للفصل فى هذا الموضوع بل إن التاريخ هو العنصر المحورى فى ذلك الفصل وهو ما يؤيد مصرية الجزبرتين.


المدرسة الأولى تعتمد على الطبيعة الصماء الخرساء ، بينما المدرسة الثانية تعتمد الطبيعة الحية الناطقة ، والتارخ هو من يجعل الطبيعة ناطقة استنادا لما مر بها من تغيرات وأحداث على مدى الزمن.

ومعيار الفوالق والجيولوجيا يعنى تحديد الحدود استنادا إلى الطبيعة الصماء أو الخرساء ، أما الطبيعة الحية اوالناطقة فتعنى بإيجاز أن هناك تاريخاً ؛ وزمناً يمر؛ واستقراراً لبشرعلى الأرض؛ واستخداماً لها ؛ ودفاعاً عنها .

فالإنسان كأحد الكائنات الحية التى ظهرت على الكرة الأرضية فى فترة ما من تاريخها لم يكن قادرا على التعرف على تضاريسها وأبعادها وشكلها إلا بجهد جهيد وعلى فترات زمنية متباعدة نسبيا ، واكتشف أولا الأجزاء المجهولة منها وعمّرها أو استعمرها وطور بعضها ؛ كما اكتشف كرويتها وأدرك أنها أقرب للبيضة فى الشكل؛ وتَعرّفَ على مناخاتها واكتشف القواعد الحاكمة لها واستفاد من بعضها وتجنب سلبيات بقيتها، وغاص فى أعماقها ليكتشف طبقاتها وبحارها وكائناتها الحية، وصعد إلى الأعلى ليتعرف على طبقات الهواء الجوى المتتابعة وما يعلوها من فراغ ويكشف عن قوانينه وكيف أن غلاف الهواء حمى الأرض من أذى الجزءغير المرئى من أشعة الشمس وحذر من مخاطراختراقه.


ولو غاب الإنسان عن ذلك كله.. أو لو لمْ يكن موجودا .. ما كان للكرة الأرضية نفع أكثر من كونه متحفا للطبيعة الصماء الخرساء . وهو ما يعنى أن الإنسان هو من لعب الدور الأكبر فى كشف الطبيعة وثناياها واكتشاف قوانينها والدورالأهم فى استخدامها وتعميرها وتيسير الحياة عليها .
باختصارهو من استنطقها وأسهم فى مساعدتها على التعبيرعن نفسها بلغة تفهمها- وإن بدرجات متفاوتة - الكائنات الحية التى تعيش عليها بما فيها الإنسان .


ومن جانب آخر هو من اكتشف الزراعة والصيد واخترع الرعى ونشرها؛ كما اخترع الصناعة وتعرف على ما فى جوف الأرض من غازات وسوائل ومعادن ومركبات واستخدمها؛ كذلك اكتشف الكائنات الحية الدقيقة وحدد منها النافع واستفاد منه والضار وتجنب مثالبه.
باختصار الإنسان هو من أسس التاريخ الحى للأرض وواكبه ؛ والتاريخ هو من سجل للإنسان دوره هذا وحفظه. وكلاهما معا - الإنسان والتاريخ - يمثلان العامل الحاسم فى رسم حدود الطبيعة وكذلك حدود الدول.


ولأن قارات الكرة الأرضية لم تكن بهذا الوضع فى أزمنة أخرى سحيقة ولأنها باستثناء استراليا تتكون من دول عديدة متجاورة أومتداخلة..يَسْهُل رسمُ حدود القارات فيها فى صلتها بالجزر والبحار المحيطة لكن الأمر يختلف فيما يتعلق بالحدود بين الدول.
ولأنه من المعروف أنه (لا دول دون بشر ودون حدود ) ، وحيث أن الإنسان والتاريخ لعبا دورهما فى إيجادها .. لذا يمكننا تسمية حدودها بالحدود الحية .. أو بالطبيعة الناطقة ، وهو ما يختلف عن حدود القارات فى علاقتها بالبحار والجزر المحيطة وتسمى بالحدود الصماء أو بالطبيعة الخرساء.


وإزء أهم الكائنات الحية وأكثرها تأثيرا فى كوكب الأرض ( الإنسان ) وإزاء قرينه الذى يسجل له دوره ويحفظه ( التاريخ ) لا يمكن لنا أن نهمل أو نتجاهل أو نلقى وراء ظهرنا بدورهما المزدوج عندما نتحدث عن ترسيم حدود الدول.

.. أى لا يجب أن نلجأ للجغرافيا والجيولوجيا فقط لأن ذلك معناه أن الحدود ثابتة منذ أزمان سحيقة لا تتغير وأن عامل الزمن وما يجرى فيه من أحداث جسام لا قيمة له . مع أن سر الأرض كامن فيما يجرى عليها من أحداث وتغيرات وتبدلات ( طبيعية وإنسانية ) كالبراكين والزلازل والتصحر وتغير مجارى الأنهار والبحارأو مصباتها ومنابعها وغيرها ، ومن هجرات بشرية ونزوح واكتشافات لمناطق جديدة واستيطان ..إلخ ، ونعتقد أن الاتجاه الذى يسعى لاعتماد ( قصة الفوالق والجيولوجيا ) لترسيم الحدود هو بالأساس نابع من مصالح محددة أى من موقف سياسى محدد لذلك ؛ يهمه إسقاط التاريخ من المعادلة برمتها ليُبْقى فقط على الفوالق والجيولوجيا على عكس الموقف الآخرالذى لا يستهدف مصالح سياسية ضيقة أو أنانية بقدر ماهو موقف مستند على الحياة والتاريخ .


ولأن التاريخ يفضح أعداءه ويساند المُقرّين بدوره وحقه فى خلق وتبْيان الحقائق وتسجيل وقائع الحياة وتطورها.. فإنه يرفضُ أصحابَ مدرسة الفوالق والجيولوجيا الذين يعتمدون على الطبيعة الصماء الخرساء فى ترسيم الحدود، ويناصرأصحابَ مدرسة التاريخ والطبيعة الحية الناطقة.


ليس كل البشر يؤمنون بالتاريخ وبالإنسان كجنس :


أقر علماء البيئة فى العقود الأخيرة بزيادة الغازات الناتجة عن استخدام الوقود الأحفورى ( كالفحم والبترول والخشب وبقايا النباتات كالأرز والقمح) وأكد آخرون المخاطر الناجمة عن اجتثاث الغابات فى تغيير نسب مكونات الهواء وكذا مخاطر عوادم المصانع ووسائل النقل التقليدية فى اختلال كثافة الغلاف الجوى المحيط بالأرض مما أفضى لتغيرات فى درجات حرارتها وأسهم فى انصهار أجزاء من جليد المحيطات والأنهار القطبية بما له من نتائج بالغة الخطورة على ارتفاع مياه المحيطات والبحار بالدرجة التى تنبئ بإغراق أجزاء من أراضى المعمورة خلال العقود القليلة القادمة . ورغم هذه التأكيدات من مختصين ، ورغم المخاطر الملموسة والبادية فى الأفق ورغم ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات تتعلق بالمناخ شملت كل أرجاء الكرة الأرضية .. إلا أن هناك من الأفراد والمجموعات البشرية من يتجاهل تلك المخاطر الآزفة ويفعل كل ما من شأنه مفاقمة الكارثة. يستمرهؤلاء فى اجتثاث الغابات التى تلعب دورا هاما فى موازنة الزيادة فى إنتاج غاز ثانى أكسيد الكربون، ويستخدمون الوقود الأحفورى بما يوسع ثقب الأوزون الذى يلعب الدور الأهم فى مفاقمة الاحتباس الحرارى الذى تعانى منه البشرية منذ عقدين ويذيب جليد المحيطات والأنهار القطبية بما يعنى إغراقا وشيكا لمساحات ليست محدودة من اليابسة بآثاره المدمرة.


وعلى نفس المنوال يسعى نفس الأفراد والمجموعات البشرية تقريبا لتغيير حدود عدد من الدول على النطاق العالمى وخصوصا فى منطقة الشرق الأوسط (كمصر والسعودية وسوريا والعراق وليبيا ) إضافة إلى أفغانستان من خلال تصدير الثورات البرتقالية ونشر الإرهاب بالتدخل المباشر أومن خلال جيوش الإسلام السياسى ( كالقاعدة وداعش، والنصرة وطالبان وغيرها ).


ويأتى ترسيم الحدود بين مصر والسعودية - والذى جرت خطواته الأولى فى إبريل 2016- ضمن هذا المسار جنبا إلى جنب مع عمل دءوب لإحاطة إسرائيل بحدود آمنة من ناحية الجنوب ( مصر ) والشرق ( الأردن ) والشمال ( سوريا ولبنان).

ولأن القضية الشائكة ( تيران وصنافير ) لا تدخل ضمن المماحكات المعتادة المعروفة بين دول الجوار فى العالم التى تخضع للتنافس على بعض آبار البترول أو الحصول على منفذ بحرى للتجارة ، أو الحاجة لتمرير أنبوب غاز عبر أراضى دولة منافسة ؛ بل تنفرد بوضع بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية ، يتمثل فى ترك البحر الأحمر نهبا لأعداء تاريخيين وللشراكة السعودية الأمريكية المعروفة مع دولة إسرائيل، وتعرية الساحل الغربى المصرى للبحر الأحمرمن الحماية ضد تسلل فصائل الإسلام السياسى وداعميهم ، وهو ما يعزل شبه جزيرة سيناء من الشمال والشرق ويتركه عرضة للتهجير والتفريغ من سكانه الناجم عن هزال الأمن.. بخلاف ما يتردد عن إمكانية إقحامه فى مخططات تصفية القضية الفلسطينية.


ولا تحظى مؤامرات الأعداء بنفس الخطورة التى تمثلها المواقف والتفسيرات السياسية أوالتبريرات الأيديولوجية والعلمية التى تنفثها مجموعات المدعين وعلماء الجيولوجيا.

فالجيولوجيا- التى هى علم طبقات الأرض الصماء الخرساء- قد تشرح حالة جغرافية لكنها وحدها لاتفسر أو تبرر وضعا سياسيا تاريخيا يحمل كثيرا من الأحداث والدراما وينطق بكثير من الحقائق ، كما سبق القول.

وعليه فـ " هؤلاء المفسرون " لايملكون من الأدوات - باعتبارهم ليسوا سياسيين – ما يمكنهم من القول الفصل؛ بل لديهم من المواقف والمصالح والانتماءات ما يبقيهم منحازين لحاكم أو عهد أو حكومة .. وليس للوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا