الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [24] النصرانية [Nasiritic]..

وديع العبيدي

2017 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [24] النصرانية [Nasiritic]..

[المسيحية هي يهودية مضافا اليها رسم الصليب!]- نصراني مستيقظ
[كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون]-(ال عمران 79)
Many leader today are feeding their sheep with dust!- Mechael Yousif

امران لم يتوقف عندهما الباحثون المعاصرون، علمانيين ودينين، عرب وأجانب، وذينك هما: [ابعاد مصطلح النصارى، الموقف السلبي من بولس الطرسوسي]. وقد استسهل البعض اسقاط فكرة (الزراية) على موقف القرآن، في حين انها فكرة عبرانية الاصل/(يو 1: 46).
والواقع ان القرآن لم يبتدع شيئا من عنده، بقدر ترجمته الثقافة السائدة في زمنه وبيئته، أي البيئة الثقافية اليهودية، وما يشاع فيها، باعتبار ان يهود العرابيا، كانوا اكثر علما من الأعراب. وهو ما ينطبق كذلك على موقف الادبيات الاسلامية من بولس، الفريسيّ الذي هجر قومه، وتولى [تأليف المسيحية] وتدبيج كتابها المقدس.
وسوف تترسخ تلك الفكرة وتلقى ثرينتها المنطقية، عندما تروج جماعة اخرى فكرة ان عزرا الكاتب هو مؤلف شريعة موسى والمؤسس المهندس للعقيدة والكهنوت العبراني، ومدبج اسفارها. لذلك كنت نظرة الاسلام لكل من السيد المسيح وموسى النبي، مختلفة من جهة، واكثر رقيا، من النظرة لاتباعهما، واتهامهم بتحريف الكلام عن مواضعه، وتأويله حسب هواهم وأهوائهم.
لقد تضمن القرآن تأكيدا على فكرة الاختلاف والتنازع بين الفريقين، وتبادل لغة الاتهامات والزراية بالاخر، التي سادت مجتمع العرابيا بين اتباع موسى وانصار المسيح. وكان دخان تلك الصراعات، يتصاعد من الحبشة ونجران ويصل سماء الحجاز.
ولا غرو ان بيئة الخلاف والاختلاف والتنازع الديني والقبلي في مجتمع العرابيا، كانت المبرر والحافز الرئيس وراء ظهور الاسلام ووواقع الفكر القرآني التوفيقي بين الاثنين. ويقول المجدد الاسلامي المعاصر محمد محمود طه ان لاسلام جاء وسطا، بين تطرف العبرانيين في (النواهي)، وتطرف النصارى في (الاباحات).

[يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله، كما قال عيسى ابن مريم: من أنصاري الى الله؟ قال الحواريون: نحن انصار الله! فآمنت طائفة من بني اسرائيل، وكفرت طائفة، أيدنا الذين امنوا على عدوهم، فاصبحوا ظاهرين]-(الصف 14) يتكفل هذا النص بيان عدة أمور..
1- اشتقاق تسمية (نصارى) بمعنى (أنصار يسوع)، على غرار تسمية تلاميذ يسوع بالحَواريين.
2- بيان طبيعة العقيدة النصرانية والجماعة المعنية بها، وهم (يهود تنصروا)= أي قبلوا اليسوع.
3- بيان افضلية اليهود الذين قبلوا اليسوع/(أيدنا الذين امنوا) على سواهم- الخاسرين.
في موضوع التسمية [نحت المصطلح] نجد المرجعية اللغوية التي عرف بها العرب، النابعة من مفهوم النصر والنصير والانتصار. وكأن المسيح في سؤاله كان ينتظر من البشر من ينصره ويكون نصيرا له، ودعى الذين نصروه بـ[الانصار]، فهو في (حرب) محكومة بفكرة [النصر/ الانتصار].
هاته الاحالة تعبير ميداني مباشر يتناسب مع بيئة البداوة العبرانية والعربية التي تشكل الجماعة القبلية القائمة على النصرة والتحالفات، محورها الرئيس. وتعبير (نصارى) يشترك في جذر مصدر (انصار) الاسلامي في مقابل: (مهاجرين).
الواقع ان تعاليم اليسوع الروحية المتجردة لا تنسجم مع طبيعة بيئة البداوة والقيم القبلية وظروفها التي تتطلب منهم تأمين انفسهم ازاء غزوات وأطماع الاخرين. وهذا يستتبع الى جانب العسكرية القتالية، مفاهيم الثأر والانتقام والفخر والكبرياء. بينما تحث المسيحية على التنازل والتواضع والتسامح والغفران.

النصرانية..
الديانة النصرانية أحدث عهدأ من الديانة اليهودية، قامت بعدها، ونشأت على أسسها ومبادئها، ولكنها كانت أوسع أفقاً وتفكيراً من الأولى. فبينما حبست اليهودية نفسها في بني اسرائيل، وجعلت إلهها إلَه بني اسرائيل شعب الله المختار، جعلت النصرانية ديانتها ديانة عالمية جاءت لجميع البشر. وبينما قيّدت اليهودية أبنائها بقيود تكاد تضبط حركاتهم وسكناتهم، وفرضت عليهم فروضاً ثقيلة، نجد النصرانية أكثر تساهلاً وتسامحاً، فلم تقيد أبنائها بقيود شديدة، ولم تفرض عليهم أحكاماً اشترطت عليهم وجوب تنفيذها. وقد قام رجال الدين النصارى منذ أول نشأتها بالتبشير بها، وبنشرها بين الشعوب، وبذلك تميزت عن اليهودية التي جمدت، واقتصرت على بني اسرائيل.
ولفظة [النصرانية، نصارى]: من الألفاط المعربة. يرى بعضى المستشرقين أنها من أصل سرباني هو: [نصرويو/Nosroyo]، [نصرايا/Nasraya]. ويرى بعض آخر أنها من [Nazerenes] التسمية العبرانية التي أطلقها اليهود على من اتبع ديانة المسيح. وقد وردت في (أعمال الرسل) حكاية على لسان يهود. وبرى البعض أن لها صلة بمدينة (الناصرة) في مقاطعة الجليل، التي كان منها (يسوع) حيث يقال: (يسوع الناصري). أو أن لها صلة بـ[الناصريين/Nasarenes=Nazarenes] احدى الفرق اليهودية القديمة المتنصرة.
وقد كان اليهود يطلقون على من اتبع ديانة المسيح (النصارى). وبهذا المعنى وردت الكلمة في [القرآن] ، ومنه صارت لفظة: (النصرانية) علماً على ديانة المسيح عند المسلمين. وقد وردت لفظة (النصارى) في شعر لأمية بن أبي الصلت: أيام يلقى نصاراهم مسيحهم والكائنين له وداً وقربانـا
كما ذكرها شاعراً اخر قبل الاسلامً في بيت شعر له، هو: اليكَ تعدو قلقا وضينـهـا - معترضاً في بطنها جنينها - مخالفاً دين النصارى دينها
وفي قول لجابر بن حُنىّ: وقد زعمتْ بهراءُ انّ رماحَـنـا رماحُ نصارى لا تخوض إلى دم
وينسب لحاتم الطائي قوله: وما زلتُ أسعى بين نابٍ ودارةٍ بلحيانَ حتى خفتُ أن أتنصّرا
ويقول طخيم بن أبي الطخماء في مدح بني تميم: وإني وإن كانوا نصارى أحبهّم ويرتاحُ قلبى نحوهم ويُتَـوَّق
وينسب لحسان بن ثابت النصراني اصله: فرحت نصارى يثرب ويهودُها لما توارى في الضريح الملحدُ
والدكتور جواد علي على مذهب طه حسين (في الشعر الجاهلي) يرى ان كثيرا م ذلك الشعر موضوع في زمن متأخر. ويرى: [أن قدماء (النصارى) حينما كانوا يتحدثون عن أنفسهم كانوا يقولون [تلاميذ/Discipies]، و [تلاميذ المسيح]. ذلك أنهم كانوا ينظرون، إلى المسيح نظرتهم إلى معلم يعلمهم وكذلك نظروا إلى حوارييه، فورد (تلاميذ يوحنا) وقصدوا بذلك النصارى. وهذه التعابير من أقدم التعابير التي استعملها النصارى للتعبير عن أنفسهم.
كذلك دعا قدماء النصارى جماعتهم بـ(الاخوة) وبـ[الاخوة في الله/Brethren in Lord] للدلالة على الجماعة، وبـ(الأخ) للتعبير عن المفرد. ذلك أن العقيدة قد آخت بينهم، فصار النصارى كلهم اخوة في الله وفي الدين. ثم تخصصت كلمة (الأخ) برجل الدين. وكذلك دعوا: [القديسين/Saints] والمؤمنين والمختارين الأصفياء والمدعوّين، ويظهر أنها لم تكن تعابير علمية، وإنما وردت للاشارة إلى التسمية التي تليها.
وقد كنى عن مجتمع النصارى بـ[الكنيسة/Ecclesia] وتعني (المجمع) في الاغريقية، بمعنى المحل الذي يجتمع فيه المواطنون. فكنى بها عن المؤمنين وعن الجماعة التابعة للمسيح. كما عبر عن النصارى بـ(الفقراء) وبـ(الأصدقاء).
وفي اللاتينية يعرف النصارى بـ[Christians] نسبة إلى [Christos] اليونانية التي تعني [المسيح/ Messiah]، أي (المنتظر المخلص) الذي على يديه يتم خلاص الشعب المختار. و[يسوع هو المسيح]، أي المنتظر المخلص الذي جاء للخلاص كما جاء في عقيدة أتباعه، ولذلك قيل لهم (اتباع المسيح). وقد وردت الكلمة في (أعمال الرسل) وفي (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنتوس).
أما في [القرآن] والأخباريات، فلم ترد اللفظة يونانية الأصل. وانما اقتصرت على لفظة [نصارى، نصراني ، نصرانية]، على النصارى تمييزاً لهم عن أهل الأديان الأخرى. أما مصطلح [عيسوي ، مسيحي]، فلم يعرفا في المؤلفات العربية القديمة وفي الشعر الجاهلي، فهما من المصطلحات المتأخرة التي أطلقت على النصارى. وقد قصد في القرآن بـ(أهل الأنجيل)= (النصارى)، إذ لا يعترف اليهود بالانجيل. وقد أدخل علماء اللغة اللفظة في المعربات.

معنى النصرانية..
يجتمع مفهوم (النصرانية) مع مفهوم (المسيحية) في الاحالة لاشكالية الصلة بين عقيدة يسوع وتعاليمه وبين العقيدة العبرانية الموسوية. تلك الصلة والاشكالية التي يكتنفها الابهام والاختزال بحيث تختفي تماما من دوائر البحث والجدل والوعظ الكنسي.
وبينما يستمر الموقف العبران اليهودي على حاله منذ لحظة الجلجثة، في حال من التجاهل او الاستنكار وانتظار مسيحهم ومخلص اسرائيل، من الصعب فهم الموقف الكنسيفي نسبة كامل اتراث اليسوعي للحضانة اليهودية الرافضة لتبنيه او الاعتراف ببنوته.
في القرون الاولى، كانت النظرة العامة للمسيحية على انها مجرد طائفة يهودية محدثة، او طريقة مختلفة في تاويل شريعة موسى. وعندما وجد الفريسيون عدم التزام اتباع المسيح بالطقوس الموسوية كالصوم وتقديس السبت، بدأ الرفض والمقاومة من طرف اليهود انفسهم.
ولم يكن موقف يسوع مهادنا او دفاعيا في مواجهة الفريسيين وقادة السنهدريم. وهو ما يفهم من موقف بطرس في عظاته الاولى في اعمال الرسل، ورسائل بولس في انجيل الامم. فالخلاف يحدث بعد مرحلة كنيسة انطاكية عندما يرسل كنيسة اورشالوم من يفحص التعليم في كنيسة انطاكية، ولهذا الغرض ينعقد اول مجمع لتلاميذ اليسوع وحضور بولس وبرنابا، ويتقرر فيه فرزهما للامم – اسقاط فرض الختان والتهود- بينما يتم تسمية بطرس والاخرين لتبشير اليهود.
هاه الصورة المنقولة في اعمال ارسل وبعض نصوص الانجيل ليست بالوضوح والشفافية المطلوبة. وهو ما ينطبق على مجادلات وتمخضات القرون الثلاثة الاولى التي تتقرر في نهايتها قانونية اسفار الانجيل وقانون الايمان المسيحي.
ولا يعرف كيف ومتى تم اقرار جمع اسفار التاناك واسفار الانجيل في كتاب واحد يعتبر [الكتاب المقدس] لتباع يسوع، بينما لا يتبع العبرانيون غير اسفار التاناك فقط. في المجامع المسكونية تم اقرار قانونية اسفار الانجيل فقط، دون اشارة لاعتبار التاماك ضمن الكتاب المسيحي.
هل كان ذلك قبل جيروم، ام على يديه. وما طبيعة الاناجيل والكتب المعتمدة في الكنائس البلدانية غير اللاتينية قبل القرن الرابع الميلادي. هذا ما يقتضي البحث والبت ورفع وصاية التعتيم او الحكم المسبق على الباحثين فيه.
مفهوم المسيحية بحد ذاته والمنسوب استخدامه الى كنيسة انطاكية في اعمال الرسل، يحيل ظهور يسوع وتعليم الى مفهوم عبراني ورد في بعض الاسار العبرانية في عبارة (المسيّا)، مما يجعل يسوع جزء من املاءات شريعة العبرانيين. وما يزال نصارى اليوم يؤكدون الادلة التوراتية على حقيقة وجود يسوع وتتميمه نبوات انبياء التوراة. هذا الربط يؤكد احقية اليهود في الوصاية على المسيحية التي هي مفهوم يهودي عبراني غير مستقل بذاته. فليس نسب يسوع فقط مرتبطا بالنسب العبراني لسبط يهوذا اسد اسرائيل، وانما كل تعليمه وعقيدته تتبع التعليم القديم، وهو ما تمثلته تعاليم الكنائس التقليدية الارثوذكسية والكاثوليكية. ولابد ان يوضع اسم موسى وهارون ويهوه قبل اسم يسوع، لرفع حالة التناقض والازدواجية الملتبسة بين يهودية مسيحية او شريعة ونعمة من غير فصل او تمييز. وبين انتظار مجيء المسيح عند اليهود او مجيئه الثاني عند النصارى.
فاصطلاح (المسيحية) تأكيد لعدم استقلالية الايمان والتعليم والعقيدة عن التوراة وفروض الشريعة، وهو ما يتوازى مع (النصرانية)، باعتبارها (يهودية مشيحانية)، أي طائفة يهودية اضافت لعقيدتها رمز الصليب ليس الا.
وبذلك يشط اعتراض المسيحيين على مصطلح (نصارى) العبراني الاصل، والذي نسبه (القرآن) لكلمة (انصار) وليس الناصرة عند العبرانيين/ جليل الامم.
ان استعارة الانجيل بعض الاشارات والنصوص والنبوات من التاناك امر لا بأس فيه. اما الحاق كامل الكتاب العبراني لكتاب يسوع والذي يزيده ضعفين، فهو امر غير منطقي، والتبرايرات المقدمة من قبل المعاصرين، لا تتعدى السذاجة والتلقين المدرسي. علما ان بعض الطوائف المسيحية لا تأخذ ببعض اسفار العهد القديم، والبعض يستثني ايضا بعض اسفار العهد الجديد. مما يستدعي اطلاق مصطلح اكثر دقة ووضوحا.
لقد جاهد يسوع وبولس جهادا مرا وطويلا لمواجهة االاملاءات والتعاليم الطقسية القديمة، لتذهب كل تلك الدهود بلا طائل عقبهما، ويتم تدشين اسفر تتجاوز تعاليمهما ومواجهاتهما مع اليهود وما لقياه على ايديهما. وهذا الخلاف والتناقض حاضر في سياق الكتب الحالية، هو العائق امام فلاح التعليم اليسوعي من جهة، ومبرر هيمنة العقلية والمشروع العبراني السياسي على بشارة المحبة.

يضيف جرجس سال الى ما تقدم من عقيدة (النصرانية)، عطفها على مبدأ (الالهة الام) المستعارة من عشتار الشرقية القديمة، وتتخذ كنائس الشرق القديمة وكثلكة روما عقيدة [ام الاله] وتنسب اليها الشفاعة، اسوة بعشتار/ دايانا القديمة.
وبينما يذكر القرآن تثليث طائفة من النصرانية من [الاب والام والابن]، فان الكنائس التقليدية، تلتزم بقاعدة الثالوث الكتابية [الاب والابن والروح القدس- اله واحد في ثلاثة اقانيم], وفي صلواتها وتشفعاتها وطقوس عبادتها اليومية والدورية – ومنها المسبحة المريمية- تركز على مريم ام الاله القديسة المتشفعة، دون ان يذكر الابن او يسوع المسيح في القداس.
بينما طالب اليهود الرسول بولس الطرسوسي في غلاطية وغيرها، بضرورة دخول الامم في اليهودية أولا، وتطبيق فروضها وأحكامها، شرطا لقبول يسوع المسيح. والاثر الظاهري لتهود الامم هو (طقس الختان). وكان اضطهادهم من القسوة والعنف، ان دفع بولس الى ختان تيموثاوس اليوناني لاسكات اعتراضهم. والامر الثاني، اضطرار بولس نفسه، لحلق شعر رأسه والذهاب الى معبد اورشليم للوفاء بنذر عليه. هذا التعنت اليهودي ايضا كان وراء انعقاد اول مؤتمر للرسل عام (50 م) في اورشليم، انتهى لتخصيص بطرس ويعقوب لخدمة يهود فلسطين، وتخصيص بولس وبرنابا القبرصي لخدمة الامم من غير اهل الختان.
ان التعليم والوعظ المسيحي المعاصر، لا يمر بهاته التفصيلة، -لسبب او اخر-، بينما يعاود هذا التيار ظهوره وتأكيد دعاواه، مع ازدياد نسبة اليهود الداخلين في المسيحية في الولايات الامريكية واسرائيل. واذا كانت طوائف تنسب نفسها للمسيحية، اكثر تطرفا في الانحياز للاسفار والتعاليم اليودية، وترويج اسم (يهوه) الها للعهدين القديم والجديد، وأبا ليسوع المسيح في صلواته الشفاعية، فأن التعليم الامريكي/ اللاهوت الامريكي المبثوث من خلال تكنولوجيا الاتصالات، وجمعيات التبشير الامريكية، يرسخ افكار ومناهج المسيحية الصهيونية، على نفس مستوى اليهودية المسيانية او اليسوعية، سالف الذكر.
والواقع انه لم يكن من السهل على الداخلين في النصرانية فهم قضية معقدة كهذه القضية، وهي قضية كتابية وفلسفية جدلية أكثر منها عقيدة دينيه. وأكثر الداخلين فيها هم ممن دخلوا حديثاً في هذا الدين، ليس لهم الإدراك العميق والخيال الواسع لفهم موضوع كهذا الموضوع والوقوف على جوانبه ومحايثاته طيلة الكثر من الفي عام. سيما وان الكنيسة تتعمد قديم نسخة مختزلة لعقيدتها وابقاء اتباعها نصف عميان في تبعية القادة.

النصرانية والعرب..
قبل وصول المسيحية للعرابيا، كان العرب قد تعارفوا – اجتماعيا- على رفض اليهود لجوهر اليسوعية وتكذيبهم لشخص اليسوع او كونه -المسيح- الموعود في بعض كتبهم المتأخرة. وفي نفس الوقت، يحتمل اليهود خلفيات الصورة العسكرية والسياسية لليسوع/ المسيح، المنتظر ان يتولى بناء مملكة داود القوية ويذبح اعداء اليهود تحت الاقدام.
ويلحظ ان الذين يفندون تلك الطروحات ويبالغون في استنكارها، يتغافلون عن ذكر مصادرها العبرانية، والادبيات الاسرائيلية المذكورة في كتابات المسلمين الاوائل. فلا عذر للمستشرقين في تجاهل الخلفيات، واختزال العنصر العبراني ، التي اكدت ادبيات الانجيل ونصوص التلمود اصولها اليهودية، لتحميل العرب والاسلام كامل المسؤولية.
فواقع النص الانجيلي هو بعبارة واضحة، واقع المقاومة والمناكفة اليهودية لشخص يسوع وتعاليمه واقواله واعماله من جهة، ومتابعة اضطهاد ومقاومة تلاميذه واتباعه من بعده. وتقدم الاناجيل واعمال الرسل والرسائل البولسية، صور المقاومة والتشويش والوشاية، لدى السلطات الرومانية التي اجتهد فيها العبرانيون، لابطال وافشال التعليم الجديد.
ومن غير اعتبار مضامين نصوص الانجيل والتلمود في موضوع اليسوع، ونسبة العبرانيين في مجتمع العرابيا واثار ثقافتهم الاجتماعية، يبقى فهم النص القرآني والموقف لاسلامي من اليهود والنصارى، مشوها وبعيدا عن الدقة العلمية والتاريخية.
ولابد من الاعتبار بجغرافيا الانجيل والبيئة الشرق متوسطية لظهور يسوع ونشاطه والمدن التي اختار منها تلاميذه المقربين. وكانت مقاطعة الجليل الرومانية تشمل ما يشكل اليوم جنوبي لبنان وشمال فلسطين. وفضلا عن بحيرة طبرية التي تشكل رأس مثلث حدودي اليوم [فلسطين- الاردن- سوريا- لبنان] التي كانت مركز الصيد لبطرس ورفاقه، فأن اصل بطرس وكثير من التلاميذ هي صيدا التي طالما تردد عليها اليسوع في كرازته. وان (قانا) الواقعة جنوبي لبنان هي مركز اول معجزة قام بها يسوع المعروفة بمعجزة عرس قانا. والواقع ان جنوبي لبنان وقلب سوريا هي مركز جغرافيا الانجيل، وليست اليهودية ولا اوروشالوم التي ذهب اليها يسوع في نهاية كرازته ليصلب ويموت بوصفها [اورشليم قاتلة الانبياء].
فطبرية وصيدا وصور هي قلب كنعان وقلب الانجيل التي عرفت خطوات اليسوع، وهي قلب الشام وشمال العرابيا. ومن الغريب اختزال حقائق الجغرافيا والتاريخ والمعرفة، لترويج خرائط مبالغ فيها ومعلومات يكتنفها التزوير لاغراض سياحية تجارية، في عملية تحول دراماتيكي، يستحيل فيها الثانوي الى مركز، والاصل الى ثانوي.
واذا كانت المسيحية واليهودية ويتبعها، يتم اسنادها وتوجيهها من قبل المركزية الغربية الامبراطورية والاستعمارية، لخدمة عوامل الهيمنة، وجعل مجتمعات شرق المتوسط والعرابيا ضحية للمخطط الاستعماري، فان وعي سكان المنطقة وشبابها المتعلم، هو معيار الحرية والارادة وتصحيح المعادلات. ومن المؤسف ان يتحول سكان الشرق الاوسط ، اسوة بالهنود والافارقة الى عبيد ومستهلكين للسياسة الانكلوميركية واملاءتها ومنتجاتها.
ان الاديان التي دعت للحرية وتحرير الانسان وقيم المحبة والبناء، تحولت الى اداة للسلطة والتسلط الحكومي اولا، والى اداة للهيمنة والاستعمار وتدمير المجتمعات ونهب البلدان في عهد الاستعمار والعولمة. وهو ما يقتضي الوعي واليقظة، والعودة للذات والروح الاصلية، وعدم الانحناء للشرير او استحلاله بدل [الاله]/ حسب خطة ابليس الاصلية في الكتب الدينية.
وفي هاته المفصلية كان ظهور [الاسلام]، لحظة استحلال الدولة الامبراطورية لروح المسيحية في القرن الثالث، ومصادرة جوهر المسيحية ومركزيتها، وتحويلها وسيلة ضدّ اهلها. اما الزمن الذي دخلت فيه النصرانية إلى جزيرة العرب، فلا يوجد ما يوثقه. وفي بعض مؤلفات رجال الكنائس يردّ ذلك التاريخ الى الأيام الأولى من التأريخ الميلادي. ومن النصوص والاشارات المبكرة لوصول (النصرانية) للعرابيا ما يلي..
1- رسالة الملك ابجر الى يسوع:
كانت اديسا عاصمة مملكة [اوسرين/ Osrhoene] تقع على شاطئ نهر الفرات. ويذكر المؤرخ يوسابيوس انه زار (اديسا) في القرن الرابع الميلادي، واطلع على رسائل متبادلة بين ابجر ملك اديسا ويسوع، يقول في احدها: [لقد سمعت انك تشفي بدون اعشاب او دواء، فتعطي البصر للاعمى، وتجعل الاعرج يمشس، والابرص يطهر. اني اتوسل اليك ان تأتي وتشفيني. وقد سمعت ايضا، ان اليهود يريدن بك الشرّ. فمدينتي هذه مع انها صغيرة، ولكنها دولة منظمة وراقية، وهي تكفي لك ولي]. فجاوبه يسوع قائلا: [طوبى لكم الذين تؤمنون بي مع انكم لم تروني. ينبغي ان اكمل كل ما ارسلت لاعمله، ثم ارجع الى من ارسلني. ولكني ارسل لك واحدا من تلاميذي، ليشفيك ويمنح الحياة لك ولمن معك.]-(جون لوريمر: تاريخ الكنيسة- ج2- ص16) ويضيف يوسابيوس ان الرسول توما ارسل تداوس احد السبعين/(لو 10: 1، 17) الى الملك، وعمل عجائب هناك وبشر بالكلمة. ويوجد في المتحف البريطاني قطعة نقود ترجع للقرن الثاني الميلادي وعليها صورة الملك ابجر الثامن يزين تاجه صليب، ولعله اول ملك مسيحي. وقد ترجم اهل اديسا الاداب اللاغريقية الى لغتهم السريانية، وكان منها ترجمات الانجيل عن الاغريقية قبل عام (200م). ويروى ان فيضانا اجتاح (اديسا) عام (201م) دمر النائس ايضا، فبنيت كنيسة قريبة من قصر الملك يمارسون فيها عباداتهم، في وقت استحال على اتباع المسيح ذلك في مناطق الامبراطورية الرومانية.
2- بولس الرسول والعرابيا..
عرف بولس الرسول/[شاول الطرسوسي- سابقا] على السيد المسيح في طريقه الى دمشق/(اع 9: 3، 8، 19، 22- 23) وذلك في زمن الملك الغساني الحارث الثالث، وهو الذي سعى لاغتياله. وفي رسالته الى اهل غلاطية يقول: [انطلقت الى بلاد العرب، ثم عدت الى دمشق، وبعد ثلاث سنوات صعدت الى اوشليم لاتعرف ببطرس]-(غل 1: 17- 18).
3- اوريجان [185- 254م] في العرابيا..
يذكر اوريجان في سيرته ان ذهب الى العرابيا مرتين، بدعوة من ملك هناك، ليجيبه عن بعض الاسئلة. ويذكر المؤرخ جون لوريمر، انه: [في سنة (213م) سنحت الرصة لاوريجانوس ليسافر الى روما، ثم الى العرابيا. وقيل ان حاكم البصرة العسكري ارسل كتيبة عسكرية تستقبله على الحدود. وكانت له مناقشات مع اسقفها [بيرلس/ Beryllus] الذي كان متمسكا بعقيدة (التبني)، واستطاع اوريجان اقناعه بخطأها، قبل رجوعه الى الاسكندرية]- (كتابه: تاريخ الكنيسة- ج2- ص59).
4- النصرانية في اليمن..
يعتقد ان النصرانية ظهرت في اليمن في القرن الرابع الميلادي. وقد ذكر بن اسحاق النوفلي [704- 767م] في سيرته: [ان موقع ذلك الدين- (النصرانية)- بنجران، ان رجلا من بقايا اهل دين (عيسى ابن مريم) يقال له (فيميون) كان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة، سائحا بين القرى، لا يعرف بقرية حتى يخرج منها الى اخرى لا يعرف بها. وكان لا يأكل الا من كسب يديه، يعمل بناء بالطين، ويعظم يوم (الاحد) لا يعمل فيه شيئا. انما يخرج الى فلاة من الارض يصلي بها حتى يمسي..الخ]-(سيرة ابن اسحاق- ج1- ص44)، منه انتشرت النصرانية بنجران ومنها في بلاد العرب.
وعندما انعقد مجمع انطاكية عام (364م) شارك فيه اسقف عربي اسمه (ثيوتينوس)، وقيل ان اسقفا بهذا الاسم زار اليمن وكرز لملكها بالنصرانية، فقبلها وابتنى ثلاث كنائس هناك. وأدناه نص الصلاة التي رفعتها نساء نجران قبل تنفيذ الحكم بحرقهن في قصة الاخدود بعد ثلاثة ايام من حرق رجالهن: [يا الله اسرع الى نجدتنا- ايها الرب يسوع المسيح انظر الى مذلتنا – ولا تبعدنا عنك، بل امنحنا القوة – ان نسير في طريق الاستشهاد – وحتى نلحق برجالنا – الذين استشهدوا في سبيلك –اغفر لنا خطايانا – واقبل حياتنا ذبيحة مرضية في عينيك!]- (تاريخ المسيحية- ج2- ص19). ويعتقد كل من يوسابيوس وجيروم ان الامبراطور فيلبس الاول [244- 249م]/ (فيليب العربي) كان مسيحيا وانه من اصل عربي، كان معاصرا للاسقف العربي الاول لمدينة اورشليم.

التبشير..
اتخاذ النصرانية ديناً رسمياً للدولة منذ تنصر أول قيصر من القياصرة، سعى الروم في تنصير الشعوب الخاضعة لهم، لا تقرباً إلى الله وحده، بل لتمكين سلطانهم عليهم، واخضاعهم روحياً لهم. لهذا كان من سياسة بيزنطه نشر النصرانية بين أتباعها وفي الخارج وارسال، المبشرين لنشر الدعوة وتأسيس مكاتب للتبشير، وبناء كنائس فخمة جميلة على طراز فني أنيق جميل غير معروف بين من سيبشر بهذا الدين بينهم.
وللبهرجة والفخفخة أثر عظيم في كثير من الناس، فالعين عند أكثرالبشر، تقوم مقام العقل. وقد يكون ما قام به الأحباش في اليمن من انشاء الكنائس العظيمة فيها وتفننهم في تزويقها وتجميلها وفي فرشها بأفخر الرياش والفراش. وبذلك تبهر عقولهم، فتشعر أن للدين الجديد مزايا ليست في دينهم، وأن معابده أفخم من معابدهم، ورجال دينه أرقى من رجال دينهم. وبذلك يأتون اليها.
اذا كانت اليهودية قد دخلت جزيرة العرب بالهجرة والتجارة، فإن دخول النصرانية اليها كان بالتبشير وبدخول بعض النساك والرهبان اليها للعيش فيها بعيدين عن ملذات الدنيا، وعن طريق الرقيق ولا سيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة.
أما هجرة نصرانية كهجرة يهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين، فلم تحدث. لأن النصرانية انتشرت في امبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج، ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، فلم تظلّ النصرانية أقلية هناك، لتضطر إلى الهجرة جماعة وكتلة الى بلد غريب.
وبفضل ما كان لكثير من المبشرين من علم ومن وقوف على الطب والمنطق ووسائل الإقناع وكيفية التاثير في النفوس، تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم،أو حصلوا منهم على مساعدتهم وحمايتهم. فنسب دخول بعض سادات القبائل ممن تنصر إلى مداواة الرهبان لهم ومعالجتهم حتى تمكنوا من شفائهم مما كانوا يشكون منه من أمراض. وقد نسبوا ذلك إلى فعل المعجزات والبركات الإلهية.
وذكر بعض مؤرخي الكنيسة أن بعض أولئك الرهبان القديسين شفوا بدعواتهم وببركات الربّ النساء العقيمات من مرض العقمً، ومنهم من توسل الى الله أن يهب لهن ولداً ذكراً، فاستجاب دعوتهم، فوهب لهم ولداَ ذكراً، كما حدث ذلك لضجعم سيد الضجاعمة، اذ توسل أحد الرهبان الى الله أن يهب له ولداً ذكراً، فاستجاب له. فلما رأى ضجعم ذلك، دخل في دينه وتعمد هو وأفراد قبيلته. ومنهم من شفى بعض الملوك العرب من أمراض كانت به مثل (مارايشو عزخا) الراهب. ذكروا أنه شفى النعمان ملك الحيرة من مرض عصبي ألم به، وذلك بإخراجه الشيطان من جسده.
وفي تواريخ الكنيسة قصص عن امثال هذه المعجزات المنسوبة إلى القديسين، كالتي نسبوها إلى القديس سمعان العمودي المولود نحو سنة (360 م)، يذكرون انها كانت سبباً في هداية عدد من الأمراء وسادات القبائل إلى النصرانية،وبفضل تنصرهم دخل كثير من أتباعهم في هذا الدين. ومعجزات نسبوها الى القديس أفتميوس الذي نصر بفضل هذه المعجزات جمعاً من الأعراب وأسكنهم في أماكن خاصة أنشأ فيها كنائس أطلق عليها في اليونانية ما معناه [المحلة (أو) المعسكر].
ولم يعبأ المبشرون بالمصاعب والمشقات التي كانوا يتعرضون لها، فدخلوا مواضع نائية في جزيرة العرب، ومنهم من رافقوا الأعراب، وعاشوا عيشتهم، وجاروهم في طراز حياتهم، فسكنوا معهم الخيام، حتى عرفوا بـ(أساقفة الخيام) وبـ(أساقفة أهل الوبر)، ودعوا كذلك [أساقفة القبائل الشرقية المتحالفة، وأساقفة العرب البادية]. وقد ذكر ان مطران بصرى كان يشرف على نحو عشرين أسقفاً، انتشروا بين عرب حوران وعرب غسان وقد نعتوا بالنعوت الذكورة، لأنهم كانوا يعيشون في البادية مع القبائل عيشة أهل الوبر.
وقد دخل أناس من العرب في (النصرانية) باتصالهم بالتجار النصارى ومجالستهم لهم. روي ان رجلاً من الأنصار، يقال له (أبو الحصين)، كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما باعوا وأرادوا ان يرجعوا، أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما الى النصرانية، فتنصرا ورجعا إلى الشام معهم.
الاديرة..
وقد كان للأديرة تاًثير مهم في تعريف التجار العرب والأعراب بالنصرانية. حيث وجد التجار في أكثر هذه الأديرة ملاجىء يرتاحون فيها ومحلات يتجهزون منها بالماء، كما وجدوا فيها أماكن للهو والشرب: يأنسون بأزهارها ويخضرة مزارعها التي أنشأها الرهبان، ويطربون بشرب ما فيها من خمور ونبيذ معتق امتاز بصنعه الرهبان. وقد بقيت شهرة تلك الأديرة بالخمور والنبيذ قائمة حتى في ايام الإسلام.
ومن هؤلاء الرهبان ومن قيامهم بشعائرهم الدينية، عرف هؤلاء الضيوف شيئاً عن ديانتهم وعما كانوا يؤدونه من شعائر. وقد أشير إلى هؤلإء الرهبان الناسكين في الشعر، وانهم كانوا يأخذون المصابيح بأيديهم لهداية القوافل في ظلمات الليل.
وقد كانت هذه الأديرة، وهي بيوت خلوة وعبادة وانقطاع إلى عبادة الله والتفكير فيه، مواطن تبشير ونشر دعوة. وقد انتشرت حتى في المواضع القصية من البوادي. واذا طالعنا ما كتب فيها وما سجله أهل الأخبار أو مؤرخو الكنائس عن أسمائها، نعجب من هذا النشاط الذي عرف به الرهبان في نشر الدعوة وفي اقامة الأديرة للاقامة فيها في مواضع لا تستهوي أحداً.
وهي متقاربة عديدة في بلاد العراق وفي بلاد الشام. بل نجد لها ذكراً حتى في الحجاز وفي ونجد وفي جنوبي جزيرة العرب وشرقيها: تتلقى الاعانات من كنائس العراق والشأم ومن الروم، حتى تمكنت من التبشير بين أكثر القبائل. ولولا ظهور الإسلام ونزول الوحي على الرسول في الحرمين، لكان وجه العالم العربي ولا شك غير ما نراه الآن. ولكان العرب على دين النصرانية وتحت مؤثرات ثقافية اجنبية، هي الثقافة التي اتسمت بها هذه الشيع النصرانية المعروفة حتى اليوم.

الرقيق الابيض..
ودخلت النصرانية جزيرة العرب مع بضاعة مستوردة من الخارج، هي تجارة الرقيق من الجنسين، فقد كان تجار هذه المادة المهمة الرابحة يستوردون بضاعتهم من أسواق عالمية مختلفة. ولكن أثمن هذه البضاعة وأغلاها هي البضاعة المستوردة من امبراطوريتي روما وفارس، لمميزات كثيرة امتازت بها عن الأنواع المستوردة من إفريقية مثلاً. فقد كان صنفها من النوع الغالي الممتاز بالجمال والحسن والاتقان ثم بالابتكار وبالقيام بأعمال لا يعرفها من هم من اهل إفريقية. ومن الروميّات والصقليات والجرمانيات من صرن أمهات لأولاد عدوا من صميم العرب. وقد كان أكثرهن، ولا سيما قبيل ظهور الإسلام، على النصرانية. ومن بينهن من خلدت أسماؤهن لتتحدث للقادمين من بعدهم من الأجيال عن أصولهن وعن الدين الذي كنّ عليه.
وقد كان في مكة وفي الطائف وفي يثرب وفي مواضع اخرى من جزيرة العرب رقيق نصراني كان يقرأ ويكتب ويفسر للناس ما جاء في التوراة والأناجيل، ويقص عليهم قصصاً نصرانياً ويتحدث اليهم عن النصرانية. ومنهم من تمكن من اقناع بعض العرب في الدخول في النصرانية، ومنهم من أثر على بعضهم، فأبعده عن الوثنية، وسفه رأيها عندهم.

نصرانية الكعبة..
وقد استدل شيخو من الخبر المروى عن الصور التيً قيل إنها صور الرسل، والأنبياء وبينها صورة المسيح ومريم، والتي ذكر أنها كانت مرسومة على جدران الكعبة، على أنها هي الدليل على أثر النصرانية بمكة. استدل على فكرته هذه بخبر خلاصته أن الرسول حينما أمر بطمس تلك الصور، استثنى منها صورة عيسى وامه مريم. وبخبر ثان ورد عن تمثال لمريم مزوّق بالحلي وفي حجرها عيسى، باد في الحريق الذي شب في عصر (ابن الزبير)، وبخبر ثالث عن امرأة من غسان قيل: إنها حجت في حج العرب، فلما رأت صورة مريم في الكعبة، قالت: بأبي أنتِ وأمي: إنك لعربية. فأمر الرسول بمحو تلك الصور، إلا ماَ كان من صورة عيسى ومريم.

العرب المتنصرة..
نعت الرواة والأخباريون العرب الذين دانوا بالنصرانية بـ(العرب المتنصرة)، تمييزاً لها عن العرب الآخرين الذين لم يدخلوا في هذه الديانة، بل بقيت على ديانة آبائها وأجدادها، وهي عبادة الأوثان. ومن القبائل المتنصرة: [غسان وتغلب وتنوخ ولخم وجذام وسليح وعاملة].
ويلاحظ انهم يطلقون على هذه القبائل أو على أكثرها (العرب المستعربة)، وهم لا يقصدون بذلك نسبها، لأن من بينها كما نعلم من هو من أصل قحطاني على حسب مذهب أهل الأنساب في نسب القبائل. وإنما يريدون من هذا المصطلح القبائل التي كانت قد سكنت ببلادالشام والساكنة في أطراف الامبراطورية البيزنطية وفي سيف العراق، من حدود نهر الفرات إلى بادية الشام. فهو يشمل إذن القبائل النازلة على طرفي الهلال الخصيب وفي طرفي القوس التي تحيط بحدود الامبراطوريتين. وخاصة تلك القبائل التي دانت بالنصرانية وتأثرت بثقافة بني إرم وبلهجتها.
بعد بلاد الشام والعراق وجدت النصرانية لها مواضع أخرى دخلت اليها، هي أطراف جزيرة العرب، كالعرابيا الغربية والجنوبية والشرقية. وتفسير دخولها الى هذه الأرضين واضح، هو اتصالها بطرق القوافل البرية والبحرية في البلاد التي انتشرت فيها النصرانية، ومجيء التجار النصارى والمبشرين مع القوافل اليها.
وتجار النصارى، لم يكونوا على شاكلة تجار يهود: كانوا يرون أن التجارة هي كسب مادي، ولكن التبشير مع التجارة ربح مضاعف، هو ربح في الدارين:.الدنيا والاخرة، فكانوا يغتنمون فرصة وجودهم في البلاد التي ينزلونها لنشر دينهم فيها ثم إن في انتشار دينهم بين سكان هذه المواضع التي يطرقونها كسباً لهم ولبلادهم، وأكثرهم من الروم.
وبتنصر الغرباء، يجدون إخواناً لهم يرون رأيهم، ويعطفون عليهم. ثم إنهم سيفضلونهم في تعاملهم معهم على غيرهم، ويتساهلون معهم ولاشك، ويقربونهم بتنصيرهم من العالم النصراني، وممثل هذا العالم وحماته هم الروم.
وكان أهل (دومة الجندل) خليطا، فهم نصارى، من (عباد الكوفة). ويظهر من خبر أسر خالد لـ(لاكيدر) ومجيئه به على رسول الله، ومن مصالحة الرسول له على الجزية، انه كان على (النصرانية)، إذ لا تؤخذ الجزية من مشرك.
أما (أيلة)، فكان اسم صاحبها في ايام الرسول [يحنة بن رؤبة/ يوحنا بن رؤبة] وهو نصراني كما يدل اسمه عليه، جاء إلى (تبوك) في السنة التاسعة من الهجرة، وكان الرسول بها، فصالحه على الجزية وبقي في محله. وقد دعاه المسعودي (أسقف أيلة). وورد في محاضر بعض المجامع الدينية (أسقف أيلة والشراة).
وكان في وادي القرى نفر من الرهبان، كما ورد ذلك في شعر (جعفر بن سراقة) أحد بني قرة، وهو: فريقان: رهبان بأسفل ذي القرى، وبالشاًم عرافون فيمن تنصـر.
وتعد (طيء) من القبائل التي وجدت النصرانية سبيلاً اليها. وقد ورد ان [أحودما/ المغريان] تنقل بين طيء في سنة (870) اليونانية المقابلة لسنة (559م). وقد كان (عدي بن حاتم الطائي) في جملة الداخلين في النصرانية من طيء. ويذكر انه كان (ركوسيّاً) وفد على الرسول، وأعلن إسلامه. غير ان هذا لا يعني ان النصرانية كانت هي الغالبة على هذه القبيلة، فقد كان قوم منها يتعبدون للصنم (الفلس)، أيام الشرك.
ولم يذكر أهل الأخبار شيئاً يستحق الذكر عن النصرانية في يثرب. وقد أشار القرآن في مواضع عديدة من الآيات المدنية إلى النصارى، غير ان تلك الاشارات عامة في طبيعة المسيح وفي النصرانية نفسها لا في نصارى يثرب وفي صلانهم بالاسلام.
ولم يشر الاخباريون إلى تصادم بين النصارى والمسلمين ولا إلى مقاومة نصارى يثرب للرسول، كالذي وقع بين يهود يثرب وللرسول. وكان في مكة رقيق وموالي يقومون بخدمة ساداتهم، كذلك كان في المدينة نفر منهم أيضا يقومون بمختلف الأعمال التي يعهد أصحابهم إليهم القيام بها.
ولا بد ان تكون لهذه الطبقة من البشر مكانة في هذه المدينة وفي أي موضع آخر من جزيرة العرب. فقد كانت هذه الطبقة عموداً خطيراً من الأعمدة التي يقوم عليها نجيان الاقتصاد في ذلك العهد، فهي بالنسبة لذلك العهد الآلات المنتجة والمعامل المهمة لأساب الأموال وللسادة الأثرياء، تؤدي ما يطلب منها القيام به وما يراد منها إنتاجه بأجور زهيدة وبدقة ومهارة لا تتوفر عند الأحرار من العرب.
ثم إن الأحرار مهما يلغ حالهم من الفقر والفاقة كانوا يأنفون من الأعمال الحرفية ونحوها مما يوكل إلى هذه الطبقة القيام به، لأنها في نظرهم من المهن المنحطة التي لا تليق بالرجل الحر مهما كان عليه من فقر وبؤس، ولهذا كان لا بد من الاستعانة بالموالي والرقيق للقيام بأكثر متطلبات حياة الإنسان.
وقد ذكر أن النصارى كانوا يسكنون في يثرب في موضع يقال له: سوق النبط. ولعل هذه السوق هي الموضع الذي كان ينزل فيه نبط الشام الذين كانوا يقصدون المدينة للاتجار في الحبوب، فصارت موضعاً لسكنى هؤلاء النصارى، ونسب إليهم. وقد ورد أن عمر بن الخطاب استعمل (أبا زبيد) الشاعر النصراني على صدقات قومه، وأن أبا زبيد هذا كان مقرباً من الخليفة عثمان بن عفان من بعده.
وقد كان (أبو عامر الراهب) من (الأحناف) الذين اعتنقوا (النصرانية)، ومن أهل يثرب. ويظهر أنه كان قد تمكن من إقناع بعض شباب الأوس من اعتناق دينه، بدليل ما ذكره علماء التفسير من أنه لما خرج من يثرب مغاضباً للرسول، وذهب إلى مكة، مؤيداً إياهم ومحرضأ لهم على محاربة الرسول أخذ معه خمسين أو خمسة عشر رجلاً من الأوس، فلما أيس من نجاح أهل مكة في القضاء على الرسول فرّ إلى بلاد الشام على نحو ما ذكرت، ليطلب مدداً من الروم يعينه في زحفه على المدينة.
وقد ذكر ابن قتيببة الدينوري: ان النصرانية كانت في ربيعهَ، وغسان، وبعض قضاعة. وقال اليعقوبي: وأما من تنصر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد. ومن بني تميم: بنو امرىء القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة: بنو تغلب، ومن اليمن: طيء ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم.
وطبيعي أن يكون انتشار النصرانية في العرب ببلاد الشام واضحاً ظاهراً أكثر منه في أي مكان آخر. وأقصد ببلاد الشام ما يقصده علماء الجغرافيا العرب من هذا المصطلح. فقد كان لعرب هذه الديار علاقة مباشرة واتصال ثقافي بغيرهم من سكان هذه الأرضين الذين دخل أكثرهم في الديانة النصرانية.
وقد وجدت النصرانية لها سبيلاً بين عرب بلاد الشام وعرب بادية الشام والعراق. فدخلت بين (سليح)، و (الغساسنة)، و (تغلب)، و(تنوخ)،و(لخم)،و(إياد). وقد انتشرت بين عرب بلاد الشام بنسبة تزيد على نسبة انتشارها بين عرب العراق. وذلك لكون بلاد الشاًم تحت حكم بيزنطه، التي تخذت (النصرانية) ديانتها الرسمية.
دخل سادات القبائل والحكام العرب التابعون لهم في هذه الديانة، فصاروا نصارى، ولكنهم لم يأخذوا نصرانية الروم، بل أخذوا نصرانية شرقية/(نسطورية) مخالفة لكنيسة (القسطنطنية)، فاعتنقوها مذهباً لهم. وهي نصرانية عدت (هرطقة) وخروجاً على النصرانية [الأرثوذكسية، الكاثوليكية].
وهي متأثرة بالتربة الشرقية، وبعقلية شعوب الشرق الأدنى، نبتت من التفكير الشرقي في الدين، ولهذا تأثرت بها عقلية هذه الشعوب فانتشرت بينها، ولم تجد لها اقبالاً عند الروم وعند شعوب أوروبة. وكان من جملة مميزاتها عكوفها على دراسة العهد القديم، أي التوراة، أكئر من عكوفها على دراسة الأناجيل.
والنصرانية التي شاعت بين عرب بلاد الشام، هي النصرانية (اليعقوبية)، أو [المذهب اليعقوبي] بتعبير أصح. وهو مذهب اعتنقه أمراء الغساسنة وتعصبوا له، ودافعوا عنه، وجادوا رجال الدين في القسطنطنية وفي بلاد الشام في الذب عنه.
فزعم مثلاً أن الحارث بن جبلة: ملك العرب النصارى، تغلب في مناظرة جرت له مع البطرك افرام [526 - 545م] وأفحمه في جوابه. وكان افرام، وهو على مذهب (الملكيين)، قد قصده لاقناعه بترك المذهب (المنوفيزيتي) والدخول في مذهبه.
ونسبوا إلى المنذر بن الحارث دفاعاً شديداً عن (المنوفيزيتية)،أي المذهب الذى كان عليه الغساسنة من مذاهب النصرانية، وذكروا أنه أنب البطرك دوميان وهو في القسطنطنية على تهجمه على (المنوفيزيتيين)، وعمل جهده في التقريب بين مذهبه ومذهب القيصر، واتصل بالقيصر طيباريوس [578 - 582م] ليعمل على بث روح التسامح بين المذاهب النصرانية وترك الحرية للافراد في دخول المذهب الذي يريدونه والصلاة في أية كنيسة يريدها النصراني.
ويظهر ان بعض الضجاعمة الذين كانوا يتولون حكم عرب الشام قبل الغساسنة كانوا على دين النصرانية. غير اننا لانستطيع ان نحكم على اي مذهب من مذاهب النصرانية كانوا. فذكروا ان زوكوموس، وهو (ضجعم) جد الضجاعمة تنصر على يد أحد الرهبان: وذلك ان هذا الرئيس كان متلهفاً إلى مولود ذكر، فجاءه هذا الراهب، وتضرع إلى الله ان يهبه ولداً ذكراً، فلما استجاب الله له تعمدّ وتبعته قبيلته.
وقد كان مشهد القديس سرجيوس في (الرصافة)، من أهم المزارات التي تقصدها المتنصرة من عرب الشام، مثل الغساسنه وتغلب. وقد تقرب إليه بعض ملوك ألغساسنة بتقديم الهدايا والنذور اليه وبتزيينه وبزيارته، وبالاعتناء بالمدينة وبصهاريجها تكربماً له، وتقرباً اليه، وظل هذا المزار مقصوداً مدة في الإسلام. وقد عدّ التغلبيون هذا القديس شفيعهم، جعلوا له راية حملوها معهم في الحروب، وكانوا يحملونها مع الصليب تبركاً وتيمناً بالنصر.

النصرانية في الشام..
وكانت حاضرة قنسرين لتنوخ. أقاموا في طرفها منذ أول نزولهم بالشام وتنصروا. فلما حاصر أبو عبيدة المدينة، دعاهم إلى الإسلام، فاسلم بعضهم، وأقام على النصرانية بنو سليح. كذلك كان في طرف قنسرين عشائر من طيء، نزلوا بها على أثر الحروب التي وقعت فيما بينهم، واستدعت تفرقهم، فأقاموا عند قنسرين مع القبائل العربية الأخرى التي جاءت إلى هذا المكان.
وكان بقرب مدينة حلب حاضر يدعى (حاضر حلب) يجمع أصنافاً من العرب من تنوخ وغيرهم. فلما جاء أبو عبيدة إلى المدينة، صالح من فضّل البقاء منهم على دينه على الجزية، ثم أسلم الكثير منهم فيما بعد.
وتعد بهراء في جملة القبائل العربية المتنصرة عند ظهور الإسلام. تنصرت كما تنصرت غسان وسليح وتنوخ وقوم من كندة، وذلك لنزولها في بلاد الشام ولاتصالها بالروم.
وقد سكن قوم من (إباد) السواد والجزيرة، وسكن قوم منهم بلاد الشام، فخضعوا للغساسنة وللروم وتنصروا. وهم في جملة القبائل التي لم يأخذ علماء العربية اللسان عنها لمجاورتها اهل الشام، ولتأثرها بهم، وهم قوم يقراون ويكتبون بالسريانية، فتاثروا بهم، لروابط الاحتكاك والثقافة والدين.
وقد ترك لنا رجل من نصارى الشام نصاً قصيرأَ مؤرخاً بسنة (463) المقابلة لسنة (568م)، وهي غير بعيدة عن ميلاد الرسول جاء فيها: [نا شرحيل بر ظلمو بنيت ذا المرطول سنت 463 بعد مفسد خيبر بعم]؛ والمعنى: [أنا شراحيل بن ظالم بنت ذا المرطول بعد مفسد (خيبر) بعام].
هوعلى قصره ذو أهمية عظيمة من الناحية اللغوية، إذ هو النص الجاهلي الوحيد الذي وصل الينا مكتوباً باللهجة التي نزل بها (القرآن). وهو على ما أعلم النص الجاهلي الوحيد أيضاً الذي وصل الينا مكتوباً بصيغة المتكلم. فالنصوص الأخرى التي وصلت الينا والمكتوبة يمختلف اللهجات العربية مدوّ نة كلها بضمير الغائب. وهو أيضاً من النصوص العربية القليلة التي تركها النصارى العرب لمن بعدهم في بلاد الشام.
وقد استغل الروم العربَ المتنصرة بأن أثاروا في نفوسهم العواطف الدينية على المسلمين، حينما عزم المسلمون على فتح بلاد الشام وطرد البيزنطيين منها، وأغروا سادات القبائل بالمال وبالهدايا وبالوعود حتى اشتروهم فصاروا إلى جانبهم.
والمصالح الشخصية هي فوق كل مصلحة عند سادات القبائل، لا تعلوها عندهم مصلحة، فانضموا اليهم، وجاءوا بقبائلهم لتحارب معهم. ومن هذه القبائل العربية التي حاربت مع الروم، غسان. حاربوا معهم في معارك عديدة. ففي يوم اليرموك كانوا في صفوف الروم، وكان رئيسهم (جبلة بن الأيهم الغساني) في مقدمة الجيش الذي أرسله هرقل لمحاربة المسلمين. كان على رأس مستعربة الشام من غسان ولخم وجذام. وقد اشترك مع الروم في حروب أخرى ضد المسلمين.
وكانت (سليح) في جملة القبائل العربية المتنصرة التي حاربت المسلمين. ولما تقهقر الروم وانهزموا، دفعوا الجزية لاحتفاظهم بدينهم. وكذلك كانت [عاملة ولخم وجذام] في جملة القبائل المتنصرة التي ساعدت الروم، وآزرتهم.
كانوا مع الروم في غزوة (تبوك) الاسلامية. وظلوا إلى جانبهم يؤيدونهم حتى تبين لهم أن النصر قد تحول للمسلمين، وأن الهزائم قد حالفت الروم، عندئذ انضمت في جملة من انضم من منتصرة العرب إلى المسلمين لمحاربة الروم.
وكادت قبيلة (تغلب) الساكنة غرب الفرات، أن تفر إلى بلاد الروم وتلحق بأرض الروم، لما غلب البيزنطيون على أمرهم وفتحت بلاد الشام والعراق أمام المسلمين. ولما خيرت بين البقاء على دينها ودفع الجزية وبين الدخول في الإسلام، أنفت من دفع الجزية، ورضيت بدفع ضعف الصدقة التي تؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض.
وقد نزحت (إياد) إلى بلاد الروم ويقيت بها، ثم عاد جمع منها لاخراج القيصر إياهم، فنزلوا بلاد الشام والجزيرة وانضموا إلى اخوانهم في الجنس.
وفي بلاد الشام أديرة بناها عربها في تلك الديار قبل الإسلام. وتغلب على تسميات بعضها الصبغة الإرمية كما في تسمية [مار افريم]، [مار افرايم] و [مار عبدا] ، [مار فايثون]، وغيرها. وكلمة (مار) من كلمات بني إرم. كما تجد الصبغة النصرانية للاعلام واضحة على بعضها كما في [عبد المسيح ، حنة، مارتا، مريم] وأمثال ذلك.
وهي من الأعلام التي اختصت بالنصارى. وذلك بسبب ان النصرانية كانت متاًثرة بثقافة بني إرم، وكانت تستعمل اللغة الإرمية في الصلوات وفي تأدية الشعائر الدينية الأخرى. ولغة بني إرم هي لغة العلم عند النصارى الشرقيين، فكان من الطبيعي استعمال نصارى العرب لهذه اللغة في كنائسهم وبيعهم وأديرتهم وفي دراستهم للدين وما يتصل باللاهوت من علوم. ومن هنا استعمل كتاّبهم قلم بني إِرم في كتاباتهم، ومن هذا القلم تولد القلم النبطي المتأخر الذي تفرع منه القلم العربي الذي كتب به اًهل الحجاز عند ظهور الإسلام، فصار القلم الرسمي للمسلمين.

النصرانية في العراق..
انتشرت النصرانية في العراق رغم ان ديانة الحاكمين لهذا القطر هي ديانة أخرى، وان النصرانية لم تكن في مصلحة الفرس. غير ان الفرس لم يكونوا يبشرون بدينهم، ولم يكن يهمهم دخول الناس فيه، إذ عدت (المجوسية) ديانة خاصة بهم.
وهذا مما صرف الحكومة عن الاهتمام بأمر أديان الخاضعين لها من غير أبناء جنسها، إلا اذا وجدتها تتعارض مع سياستها، وتدعو إلى الابتعاد عنها. ثم إن النصرانية التي انتشرت فيها لم تكن من النصرانية المتشيعة للروم، ولهذا لم تجد الدولة الساسانية من هذه الناحية ما يهدد سياستها بالأخطار، فغضت النظر عنها.
وقد تنصر بعض ملوك الحيرة، وقاموا ببناء الأديرة والكنائس، كما أشار إلى ذلك بعض مؤرخي الكنيسة، كالذي ذكر عن المنذر و النعمان بن المنذر.
وإذا كان كثير من ملوك الغساسنة قد دخلوا في النصرانية فان ظروفهم تختلف عن ظروف ملوك الحيرة. فقد كان الروم، وهم سادة بلاد الشام، على هذه الديانة، وكانوا يشجعون انتشار النصرانية ويسعون لها، ولهذا كان لهذه السياسة أثر في الغساسنة اصحاب الروم، وهم على اتصال دائم بهم بطبيعة حكمهم لبلاد الشام.
أما في العراق، فلم تكن هذه الديانة ديانة رسمية للحكومة، انما انتشرت بفضل المبشرين، وكان انتشارها بين سواد الشعب، قبل الملوك. ولم تضغط الحكومة الساسانية على ملوك الحيرة للدخول في هذه الديانة التي لم يكونوا أنفسهم داخلين فيها، فهي بالاضافة الي كونها ديانة غريبة، لا يعنيهم موضوع انتشارها، ما دامت لا تتعارض وحكمهم في العراق.
وقد كان (هانىء بن قبيصة الشيباني)، ممن كان على النصرانية، وهو من سادات (بني شيبان)، ومات وهو على هذا الدين. وكان في جملة من فاوض (خالد بن الوليد) باسم قومه على دفع الجزية للمسلمين. ومن متنصرة العراق (بنو عجل بنُ لجيم) من قبائل بكر بن وائل. وقد عرف منهم (حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي) الذي قادهم في معركة ذي قار، وكان قائدها جابر بن بجير وعبد الأسود.
وكان منها في أيام بني أمية (أبجر بن جابر)، وهو والد (حجّار)، وقد بقي على نصرانيته في الإسلام. كما كان في الحيرة سراة نصارى اشتركوا مع سراة قريش في الأعمال التجارية مثل (كعب بن عدي التنوخي)، وهو من سراة نصارى الحيرة، وكان أبوه (اسقفاً) على المدينة، وهو يتعاطى التجارة، وكانت له شركة تجارة قبل الاسلام، بالشراكة مع (عمر بن الخطاّب) في تجارة البز، وكان (عقيداً) له، قدم المدينة في وفد من أهل الحيرة إلى النبي ورأى الرسول، فأسلم في رواية، ولم يسلم في رواية أخرى. ويقال انه اشترك في جيش اليمامة الذي أرسله أبو بكر. كما وجهه أبو بكر في رسالة إلى (مقوقس مصر)، ثم وجهه عمر برسالة للموقوقس في أيامه، وشهد فتح مصر.
وقد أخرجت مدينة الحيرة عدداً من رجال الدين، مثل (مار إيليا) وأصله من الحيرة، والقديس (حنانيشوع)، وهو من عرب الحيرة ومن عشيرة الملك النعمان، والقديس (مار يوحنا)، و (هوشاع) الذي حضر مجمع اسحاق الجاثليق عام (410م)، و(شمعون) الذي أمضى أعمال مجمع (يهبالا) الذي انعقد سنة (486م)، و(شمعون) الذي حضر مجمع (أقاق)، و (ايليا) المنعقد سنة (486م) وأمضى في سنة (97 4 م) مجمع (اباي)، و (ترساي) الذي تحزب سنة (4 52م) لنرساي الجاثليق ضد [اليشاع و افرام و يوسف]، وقد حضر مجمع (أيشوعياب الأرزني) الذي انعقد سنة (585م)، و(شمعون بن جابر) الذي نصرّ الملك النعمان الرابع في سنة (594م) على ما يذكره مؤرخو الكنيسة.
وقد كان [مار يشوعياب الأرزوني/Jesujab I.Arzunita] المتوفي سنة (596م) من أصل عربي. درس الديانة في [نصيبين/ Nisibis]، ثم تقّدم فصار أسقفاً على [ أرزون/ Arzu]، ثم ترقى حتى صار بطركا على النساطرة سنة (580م). وقد زار الملك النعمان. وتوسط عند الروم لمساعدة [خسرو ابرويز/ Chosroes Abruizus]، ضد [بهرام/Varames –Beheram] . وقد توفي في خيام (بني معدّ): [المعديين/Maadenes]، ونقل إلى الحيرة فدفن في [دير هند] ابنة النعمانْ.
وقد عثر على آثار كنائس في خرائب الحيرة، وأشار أهل الأخبار إلى وجود الكنائس والبيع والأديرة في الحيرة. وذكر ياقوت الحموي أسماء عدد من الأديرة كانت بالحيرة أو بأطرافها وبالبادية، منها: [دير ابن برّاق] بظاهر الحيرة، و [دير ابن وضّاح"] بنواحي الحيرة.
ومنها [ديارات الأساقف]: وهي جملة أديرة كانت بالنجف ظاهر الكوفة بحضرتها نهر الغدير. و[دير الأسكون] وهو بالحيرة راكب على النجف، وفيه قلألي وهياكل وفيه رهبان يضيفون من ورد عليهم. و[دير الأعور] بظاهر الكوفة بناة رجل بن إياد يقال له (الأعور من بني حذافة بن زهر بن إياد)، و[دير بني مرينا]، بظاهر الحيرة عند موضع جفر الأملاك، و[دير حنظلة]، منسوب إلى (حنظلة بن أبي عفراء بن النعمان)، وهو عم (إياس بن قبيصة)، وكان من رهط (أبي زبيد الطائي)، وهو من شعراء ما قبل الاسلام، ثم تنصر وفارق قومه، ونزل الجزيرة مع النصارى حتى فقه دينهم وبلغ نهايته، وبنى ديراً عرف باسمه، هو هذا الدير، وترهب حتى مات. و[دير حنظلة] بالحيرة، وهو منسوب إلى (حنظلة بن عبد المسيح ين علقمة)، و[دير حنة]، وهو بالحيرةّ كذلك بناه المنذر لقوم من تنوخ يقال لهم (بنو ساطع)، تقابله منارة عالية كالمرقب تسمى القائم، لبني أوس بن عمرو بن عامر، و[دير السوا] بظاهر الحيرة يتحالفون عنده، و[دير الشاء]، و[دير عبد المسيح] وهو بظاهر الحيرة بموضع الجرعة بناه (عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة)، و[دير علقمة] بالحيرة منسوب إلى (علقمة بن عدي بن الرميك بن توب بن أسس بن دبي بن نمارة بن لخم)، و[دير قرة] وهو دير بإزاء [دير الجماجم] بناه رجل اسمه (قرة من بني حذافة ابن زهر بن إياد) في أيام (المنذر بن ماء السماء)، و[دير اللُجّ] وهو بالحيرة بناه (النعمان بن المنذر أبو قابوس)، وكان يركب في كل أحد اليه، وفي كل عيد، ومعه أهل بيته، خاصة من آل المنذر، عليهم حلل الديباج المذهبة، وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب، وفي أوساطهم الزنانير المفصصة بالجوهر، وبين أيديهم أعلام فوقها صلبان، وإذا قضوا صلاتهم، انصرفوا إلى مستشرفة على النجف، فشرب النعمان وأصحابه فيه بقية يومه، وخلع ووهب، وحمل ووصل وكان ذلك أحسن منظر وأجمله.
و[دير مارت/ مارة مريم]، وهو دير قديم من أبنية آل المنذر بنواحي الحيرة بين الخورنق والسدير وبين قصر أبي الخصيب مشرف على النجف، و[دير مار فايثون] بالحيرة أسفل النجف، و[دير مار عبدا] بذات الأكيراح من نواحي الحيرة منسوب إلى (مار عبدا بن حنيف بن وضاح اللحياني) كان مع ملوك الحيرة.
[دير ابن المزعوق]، وهو دير قديم بظاهر الحيرة، و[دير هند الصغرى بنت النعمان بن المنذر] المعروفة بـ(الخَرقٌة)، وكانت به قبور أهلها، بنته هند في ايام (خسرو أنو شروان) في زمنْ مار افريم الأسقف. وأما الدير إلمعروف بـ[دير هند الأقدم]، فنسب بناؤه إلى هند الكبرى، (أم عمرو بن هند).
هذه أسماء اخترتها من بين أسماء أديرة أخرى كثيرة ذكرها الشنابشتي، وياقوت الحموي والبكري، لأن لها صلة بالحيرة وبما جاورها وبالعرب سكان هذه الأرضين.

النصرانية في نجران واليمن..
نشر النصرانية في اليمن رجل صالح من بقايا أهل دين عيسى اسمه [فيميون/ Phemion=Faymiyon]، وكان رجلاً زاهداً في الدنيا مجاب الدعوة سائحاً ينزل القرى لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف فيها، وكان لا يأكل إلا من كسب يده، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد: إذا كان الأحد لم يعمل فيه شيئاً. وبواسطته آمن أهل نجران. وزعم أن "فيميون" عين أحد النجرانيين واسمه "عبدالله بن الثامر" رئيساً عليهم، وجعلهم تحت رعاية أسقف اسمه (بولس).
وفي رواية اسلامية أن أهل نجران كانوا أهل شرك، يعبدون الأوثان وكان في قرية من قراها قريباً من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر، وكان أحد رجال نجران واسمه "الثامر" يرسل ابنه "عبدالله" مع غلمان أهل نجران إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فكان يمر على صاحب خبمة بين نجران وتلك القرية، وقد أعجبه ما رآه من صلاته وعبادته وتقواه، فجعل يجلس اليه ويسمع منه حتى دخل في دينه، وصار يدعو اليه بين أهل بلده. فمن ثم انتشرت النصرانية في نجران.
وان (عبدالله بن الثامر)، أخذ يبشر بالنصرانية، ويأتى بالمعجزات ويشفي المرضى: حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره، ودعا له فعوفي، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران. فدعاه فقال له: أفسدت عليّ أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلن بك ! قال: لا تقدر على ذلك.
فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع على الأرض، ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك، فيُلقى فيها فيخرج ليس به بأس. فما غلبه، قال (عبدالله بن الثامر): انك والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت ذلك تسلطت علي فقتلتني، فوحد الله ذلك الملك، وشهد بشهادة عبدالله بن الثامر، ثم ضربه بعصاً في يده فشجّه شجة غير كبيرة، فقتله، فهلك الملك مكانه.
ولم تصرح هذه الرواية التي يرجع سندها إلى (محمد بن كعب بن القرظي) وبعض أهل نجران، باسم الرجل الصالح الذي أخذ منه (عبداللّه بن الثامر) نصرانيته.
وقد نبّه إلى ذلك الطبري، في اثناء سرده لها، فقال: ولم يسموه باسمه الذي سمّاه به وهب بن منبه. وقد صيرت بعض الروايات (عبدالله بن الثامر) في جملة من قتلهم (ذو نواس) من النصارى، غير ان الطبري، نبه إلى ان (عبدالله) كان قد قتل قبل ذلك، قتله ملك كان قبله.
وزعم البعض أن الذي أدخل النصرانية ونشرها في (حمير)، هو (التبع عبد كلال بن مثوب): أخذها من رجل من غسان ذكروا أنه كان قد قدم عليه من الشام. فما علمت حمير بتنصر التبع وبتغيير دينه وإعراضه عن عبادتها، وثبت بالغساني فقتلته. وقد أشير الى تنصره في القصيدة الحميرية.
أما الرواية الأولى فتنسب الى (وهب بن منبه). وأما الرواية الثانية فتنسب الى (محمد بن كعب القرضي). فالروايتان اذن من مورد واحد هو (يهود). والاثنان من قصاص يثرب. وقد جرّت القصص على ثانيهما البلايا، اذ كان يقص في المسجد فسقط عليه السقف فمات سنة (120) للهجرة.
ولا يستبعد أن يكون المبشرون قد أدخلوا النصرانية إلى اليمن عن طريق الحجاز، فقد كانوا يتنقلون بين العرب لنشر هذا الدين. وليس بمستبعد أيضاً أن يكون قد دخل عن طريق الساحل أيضأَ مع السفن. فقد كان المبشرون يتنقلون مع البحارة والتجار لنشر النصرانية، وقد تمكنوا بمعونة الحكومة البيزنطية من تأسيس جملة كنائس على سواحل جزيرة العرب وفي سقطرى والهند. كما لا يستبعد أن يكون للمبشرين الذين جاؤوا من العراق كما تذكر بعض الموارد النصرانية السريانية دخل في نشر النصرانية في اليمن. و لا سيما نشر النسطورية في تلك البلاد.
وفي التواريخ الكنسية اليونانية: أن القيصر قسطنطين الثاني أرسل في عام (354م) [ثيوفيلوس اندس/ Theophilus Indus]، أي (ثيوفيلوس الهندي)، من جزبرة [سرنديب/ سيلان إلى العربية الجنوبية للتبشير بالنصرانية بين الناس. وقد تمكن من انشاء كنيسة في عدن وأخرى في ظفار وثالثة في هرمز، وعين للمتنصرين رئيساً ثم رحل.
و في سنة (356م) صارت ظفار مقراً لرئيس اًساقفة، يشرف على شؤون نصارى [نجران وهرمز وسقطرى]. وقد عثر على مقربة من خرائب ظفار على أعمدة من [الطراز الكورنثي] وعلى بقايا تيجانها وعليها نقوش صلبان، يظهر أنها من مخلفات تلك الكنائس القديمة، التي شيدت بمساعدة البعثات التبشيرية، وفي أيام الحبشة في اليمن.
وزعم [فيلوستورجيوس/Philostorgius] ان هذا الشعب الذي بشّره (ثيوفلوس) بالنصرانية، هو شعب هندي، كان يدعى سابقاً باسم [شعب سبأ] نسبة إلى عاصمته (سبأ) ويعرف اليوم باسم [حمير/ Homeritae]. وقد توهم عدد من الكتبة الكلاسيك، فحسبوا الحميريين من الهنود، كما ان بعضاً منهم ظنوا ان السبئيين من الكوشيين الحبش. وذلك بسبب صلات هؤلاء بافريقية وبالهند، ولوقوع بلادهم على المحيط الهندي وعلى مقربة من افريقية.
وقد كان من مصلحة الحكومة البيزنطية بعد دخول القيصرقسطنطين في (النصرانية) عام (313م) واتخاذها ديانة رسمية للدولة، نشر هذا الدين في العالم، لما في ذلك من فوائد سياسية ومصالح اقتصادية. فضلا عن الأثر العميق الذي يتركه هذا العمل في نفوس أتباعه المؤمنين، مما يرفع من مكانة القياصرة في نفوس الشعب ويقوي من مراكزهم ونفوذهم على الكنيسة والرعية.
وفي رواية أخرى ان [حمير/ Homeritae] دخلت في (النصرانية) في عهد [انسطاس/ انسطاسيوس] (491م). وكان في جملة من قصدوا القديس (سمعان العمودي) رجال من عرب حمير، وقد رآهم (تاودوريطس) في القرن الخامس للميلاد.
وأما الموارد السريانية، ومنها النسطورية، فتزعم أن تاجراً من أهل نجران اسمه [حنان (أو) حيّان]، قام في أيام يزدجرد الأول [399 – 420م] بسفرة تجارية إلى القسطنطنية، ومنها إلى الحيرة، وفيها تلقن مبادىء النصرانية ودخل فيها. فلما عاد منها إلى نجران، بشر فيها بالنصرانية حتى تمكن من نشرها بين حمير.
وترجع تواريخ البطاركة هذه الحادثة إلى أيام البطرك [معنى/Ma na] الموافقة لحوالى سنة (420م). وقيل أنه في عهد البطرك [سيلاس/ Silas]: [505 - 523م]، هرب لاجئون من [اليعاقبة/ Jakobiten] الى الحيرة، غير أن النساطرة أجلوهم عنها، فذهب قسم منهم إلى نجران، فنشروا مذهبهم بين السكان.
وفي الأخبار الكنسية أيضاً أن رسولي الكلدان الأولين: (ادي) و (ماري) كانا قد سارا إلى بلاد العرب: سكان الخيام، والى نجران وجزائر بحر اليمن. وجاء في المصحف الناموسي: [وبشر الجزيرة والموصل وأرض السواد كلها وما يليها من أرض التيمن كلها وبلاد العرب، سكان الخيام والى ناحية نجران والجزائر التي في بحر اليمن مارى الذي من السبعين].
وللحبش قصص عن انتشار النصرانية في نجران، خلاصتها: ان قديساً اسمه [ازفير/ Azkir]، أقام كنيسة ورفع الصليب وبشّر بالنصرانية في نجران، وذلك في ايام الملك (شرحبيل ينكف) ملك حمير. فاستاء من ذلك (ذو ثعليان) و (ذو قيفان)، وأرسلا رجالهما إلى المدينة لهدم الكنيسة وانزال الصليب والقبض على القديس، وألقوا به في غياهب السجن.
وفي اثناء اقامته فيه هدى قوماً من السجناء إلى النصرانية بفعل المعجزات التي قام بها، فغضب الملك شرحببل عليه، وأرسل إلى القيلين اللذين كانا في نجران، ان يرسلا اليه هذا الرجل الذي فتن الناس، فأرسل مخفوراً اليه. وفي اثناء اجتيازه الطريق إلى عاصمة الملك، ظهرت منه معجزات خارقة، آمن بها عدد ممن رافقوه أو وقفوا على احواله وتعمّدوا على يديه.
فلما وصل إلى ظفار عاصمة شرحبيل، انتهره الملك وحاجه في دينه وعرض عليه كتب (يهود)، ثم أغراه بالذهب والمال، فقال له القديس: [الذهب والفضة فانيان، أما كرستس ساكن السماء فباق]. وقد حرضه عليه أحد الأحبار، فأمر الملك عندئذ بارساله إلى نجران لقتله. فلما بلغ المدينة، قتله اليهود، فمات شهيداً في سبيل دينه.
وتزعم الرواية الحبشية ان نصارى اليمن كانوا يرسلون بهداياهم إلى النجاشى بالضرائب يدفعونها اليه.
وثيل ان احد اساقفة اليمن، كان قد اشترك في أعمال مجمع (نيقية) الذي انعقد سنة (325م). وإذا صح هذا الخبر، فإنه يعني ان النصرانية كانت قد وجدت لها سبيلاً إلى اليمن في القرن الرابع للميلاد.
يتبين من هذه الأخبار أن النصرانية لم تدخل العربية الجنوبية من طريق واحد، وإنما دخلتها من البر ومن البحر، دخلتها من البر من ديار الشام إلى الحجاز فاليمن، ومن العراق أيضاً مع القوافل التجارية المستمرة التي كانت بين اليمن والعراق. ودخلتها من البحر بواسطة السفن اليونانية ودخلتها مع الحبشة كذلك الذين كانوا على اتصال دائم باليمن وببقية العربية الجنوبية منذ أيام ما قبل الميلاد.
وقد كانت نجران أهم موطن للنصرانية في اليمن، ولعلها الموطن الوحيد الذي رسخت هذه الديانة فيه في هذه البلاد. وقد اشتهرت نجران بالحادثة التي وقعت فيها، حادثة تعذيب النصارى، وأخبار الكنيسة التي أنشأها الأحباش فيها وعرفت بـ(كعبة نجران) او (بيعة نجران). ويصفها ابن الكلبي: أنها كانت قبةّ من أدم من ثلاث مئة جلد، كان اذا جاءها الخائف أمن، أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أرفد. وكانت لعظمتها عندهم يسمونها كعبة نجران، وكانت على نهر نجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغل من ذلك النهر عشرة آلاف دينار، وكانت القبّة تستغرقها. وكان ينفق عليها من غلّة ذلك النهر. وكان فيها أساقفة معتمون، هم الذين جاؤوا إلى النبي، ودعاهم إلى المباهلة.
وقد صالح أهل نجران خالد بن الوليد، في السنة العاشرة من الهجرة، ودخل أكثر سكان المدينة في الإسلام. أما من بقي على دينه من النصارى، فقدفرضت عليه الجزية.
ويذكر أهل السير ان اسم (عاقب)/ حاكم نجران في ايام النبي، هو (عبد المسيح) رجل من كندة. وقد قدم على رأس وفد من أهل نجران إلى يثرب، فقابل الرسول، وتحدث معه. وكان معه (الأيهم) وهو سيد نجران يومئذ، و(أبو حارثة بن علقمة) احد بني بكر بن وائل، وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم يومئذ، وله مقام عظيم عندهم، وقد شرف فيهم، ودرس كتبهم حتى حسن علمه بدينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّلوه، وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه وأجتهاده في دينه!.
وإذا صح أن عاقب نجران كان (كندياً)، وأن اسقفها كان من (بكر بن وائل)، فإن ذلك يدل على أن الرئاسة عند النصارى العرب، لم تكن تتبع العرف القبلي في الزعامة، وإنما كانت عن تنسيب واختيار، وأنا لا استبعد احتمال وجود مراجع دينية عليا، كانت هي التي تتولى النظر في ادارة الكنائس، وفي تعيين رجال الدين وفي النظر في المشكلات التي تقع بين النصارى، أو بين النصارى وغيرهم، وفي أمر مساهمة النصارى العرب في المجامع الكنسية التي تنظر في المسائل العامة للطوائف.
ويرى البعض أن [السيد و العاقب] أسقفي نجران اللذين أرادا مباهلة الرسول هما من ولد (الأفعى بن الحصين بن غنم بن رهم بن الحارث الجرهمي)، الذي حكم بين (بني نزار بن معد) في ميراثهم، وكان منزله بنجران.
وقد كان لنصارى اليمن كنائس أخرى غير كنيسة (نجران): منها كنيسة عظيمة في (صنعاء)، هي (القليس) التي اكتسبت شهرة عظيمة في كتب الأخبار والتواريخ وهي كنيسة أبرهة، من أصل [اكلسيا/Ecclysia] اليوناني بمعنى الكنيسة، وموضعها الآن [جامع صنعاء] على ما يظن. وقد أبدع الأحباش في تزيينها وتجميلها، وأنفقوا عليها مبالغ طائلة.
كما كانت كنائس في [مأرب و ظفار]. وقد عهد الأحباش بتدبير شؤون كنيسة (ظفار) إلى أسقف شهير يقال له [جرجنسيوس/ جورجيسيوس/ جرجيسيوس]. وهو مؤلف كتاب [شرائع الحميريين]. وله مناظرات مع اليهود.
وقد بقيت النصرانية قائمة في اليمن في أيام الإسلام.
ففي الأخبار الكنسية أن رئيس بطاركة النساطرة (تيموثاوس)، نصب في أواخر القرن الثامن للميلاد أسقفاً لنجران وصنعاء، اسمه (بطرس). وفي (الفهرست) لابن النديم، أنه التقى براهب من نجران يدعى (حساّن)، كان قد انفذه الجاثليق إلى الصين، ليتفقد مع خمسة أناسي من النصارى أحوال نصاراها، فعاد منها سنة (377 هـ)، وأخبره بعجائب تلك البلاد. وفي حوالي سنة (1210م) كان في منطقة صنعاء خمسة أساقفة، وأسقف في مدينة (زبيد) وأسقف في (نجران)، وكان في حوالى سنة (1250م) أسقف في عدن.

المذاهب النصرانية
لقد أصيبت النصرانية بما أصيبت به أكثر الأديان من تشقق وتصدع وانفصام، فظهر فيها شيع وفرق، تخاصمت فيما بينها وتجادلت. وكان أكثر جدالها في موضوع طبيعة المسيح وعلاقة الأم بالابن، وفي موضوع النفس، وقدعقدت لذلك جملة مجامع كنسية للنظر في هذه الآراء والحكم على صحتها أو فسادها، وفي أمر اًصحابها، اجتمع فيها مندوبون من مختلف الأماكن وبينهم بعض ا الأساقفة العرب. غير انها لم تتمكن من القضاء على النزعات المختلفة، فظهرت فيها جملة مذاهب، حرمت المجامع أصحابها، وحكمت ببدعتهم وبخروجهم على التعاليم الصحيحة، وطلبت من بعضهم الرجوع إلى الدين الصحيح، غير ان منهم من أصر على رأيه، وتحزب له، وبشّر به، فوجد أنصاراً وأعواناً انتموا اليه وتسموّا به.
لقد فتح بولس الرسول وأتباع المسيح الآخرون ميداناً واسعاً من الجدل في موضوع المسيح: هل المسيح إنسان، أو هو ربّ، أو هو من خلق الرب.. و هل هو والربّ سواء، أو هو منفصل عن الربّ.. هذه الأسئلة وأمثالها مما يتصل بطبيعة المسيح شغلت رجال الكنيسة، وكتّلتهم كتلاً: كل كتلة ترى أن رأيها في الطبيعة هو الرأي الصواب، وأنه هو الدين الحق القويم، وأن ما دونه ضلال وباطل. فظهرت المذاهب: شرقية وغربية، وانقسمت الكنيسة على نفسها، فظهرت من الكنيسة الواحدة كنائس. ولا تزال تنشق، ويزيد عددها وتظهر أسماء جديدة لمذاهب لم تكن معروفة في النصرانية القديمة.
لقد كان [الناصريون الأولون]، وهي التسمية القديمة التي عرف بها النصارى، في فوضى فكرية. فلم تكن تعاليم المسيح مفهومة عندهم ولا مهضومة، وكانت تفاسير تلاميذه غير منسقة ولا مركزة تركيزاً يكفي لتوجيه الناصريين وجهة معينة واحدة. ثم إن تعقب اليهود والرومان للنصارى وتنكيلهم بهم، وخوف الناصري على حياته وعلى ماله إذا تظاهر بدينه: كل هذه كان لها أثر خطير في المجتمع النصراني الأول. ولولا جلد بعض التلاميذ وتفانيهم في الدعوة، وتركيزهم لتعاليمها وتبويبها وصقلها، لما كان للنصرانية ذكر باق حتى الان.
وليس في استطاعة أحد الزعمُ بأن هذه (النصرانية) التي تركّزت وتثبتت على هذه الصورة التي نشهدها، هي (النصرانية) التي جاء بها [يسوع المسيح] وكان عليها (الناصريون)، أي أقدم أتباع يسوع. فـ(النصرانية): هي سلسلة تطورات وأفكار وآراء وضعها البارزون من الاباء، ثم إنها كأكثر الأديان تأثرت بمؤثرات عديدة لم يكن من الممكن على الداخلين فيها التخلص منها. فدخلت فيها وصارت جزءاً منها، مع أن بعضها مناهض ومناقض لمبادئ هذا الدين.
وتولد عن هذا الجدل ظهور [الآربوسية/ أتباع آريوس]، و[السبيلية/Sabellians]، وأتباع [الثالوث/Trinitarians]، ومذاهب أخرى نبعت من تلك البلبلة الفكرية التي أظهرها الاختلاف في طبيعة المسيح. وثمة فرع من (الأريوسية)، أي من أتباع أريوس ، أطلق عليهم القديس ايلاريوس اسم (أقاقيين) نسبة إلى (أقاقيوس)، كان معروفاً بين العرب. كانوا يقولون إن المسيح ليس هو ابن الله، لأن من قال ذلك جعل لله زوجة.
وقد كان لـ[بولس السميساطي/ Paul of Samosata]، رأي في المسيح، حتى قيل انه رأى نفسه في منزلة المسيح، وقد حكمت الكنيسة عليه بالهرطقة، وحرمته، وأعلنت خلعه عن أسقفية أنطاكية، وكان من المقربين إلى الملكة (الزباّء)، لهذا لم تنفذ ما جاء في حكم الكنيسة عليه.
ونظراً إلى ما أحدثته هذه الآراء اللاهوتية من انقسام وتفرق في صفوف النصارى، وما تركته من أثر خطير في الأحوال الداخلية للامبراطورية، عزم قسطنطين على عقد مؤتمر للتوفيق بين هذه الآراء وتنسيقها، فعقد مجمع [نيقية/Nicaea] في سنة (325م) حضره آريوس للدفاع عن نفسه وحضره جمع من الأساقفة المخالفين له لمحاكمته ولاثبات هرطقته وخروجه على الايمان الصحيح. وكانت النتيجة الوحيدة لهذا المؤتمر وضع بيان دقيق عن الثالوث، والحكم بفساد رأي آريوس وبخروجه على عقيدة النصرانية الصحيحة، ووضع تعريف للايمان الصحيح.
وعقب هذا المجمع عقدت عدة مجامع، للنظر في مشكلات جابهت الكنيسة الاولى، عقد بعضها في القسطنطنية فعرفت بها، وعقد بعض آخر في [أفسوس/431م]، وفي [خلقدونيا/Chalcedon] عام (451 م). ولكنها لم تستطع ان تعيد الوحدة إلى الكنيسة، فانقسمت إلى عدة كنائس، وحدث الانفصال الأكبر في سنة (1054م) حيث تجزأت الكنيسة الكبرى للامبراطورية إلى كنيستين: كنيسة غربية استعملت اللغة اللاتينية لغة رسمية لها، وكنيسة أرثوذكسية هي الكنيسة الإغريقية الأصلية، وذلك بسبب خلافات بسيطة ليس لها أثر خطير في جوهر العقيدة.
أما الشرق، أي آسيا وافريقيا، فقد سبق نصاراه نصارى الغرب في تحطيم وحدة الكنيسة، فظهرت عندهم كنيسة الاسكندرية القبطية والكنيسة النسطورية والكنيسة اليعقوبية، في زمان مبكر سبق انفصال الكنيسة اللانينية عن الإغريقية بزمان طويل.
ومن بين الذين حضروا بعض تلك المجامع الكنيسية، واشتركزا في جدالها ومناقشاتها ووقع على قراراتها ومحاضرها، أسماء أساقفة بشروا بين العرب، وأساقفة يظهر أنهم كانوا من أصل عربي بدليل أسمائهم العربية الخالصة أو المنقولة إلى اليونانية والسريانية. وقد عرف بعضهم بأساقفة الخيام.
ومن اولئك أسقف عرف باسم بطرس، وقع على أعمال مجمع (أفسوس) بصفة كونه (أسقف محلة العرب)، والأسقف (تاوتيموس أسقف العرب) الذي وقع على أعمال مجمع (انطاكية) الذي انعقد عام (363م). ومن بين أساقفة القدس في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس للميلاد، أسقف من أصل عربي، اسمه الياس [494- 513م].
فالأساقفة الذين كانوا يديرون أمور النصارى العرب ويبشرون بين القبائل الوثنية، أسهموا في الجدل الديني الذي قام أكثره على بحث موضوع طبيعة المسيح واشتركوا فيه، وبذلك نقلوا إلى العرب هذه الأبحاث اللاهوتية التي شغلت بال العالم المتمدن منذ القرن الأول للميلاد فما بعده.
وكانت أهم مشكلات النصرانية يومئذ مشكلة شغلت بال المؤمنين، ثم بال الحكومة البيزنطية بعد تنصرها وبال أتباعها المؤمنين، وشغلت العالم الغربي حتى بعد عصر النهضة، مشكلة أطاحت برؤوس الالاف من الناس باسم الكفر والايمان، البدعة والحق. وكان في جملة ما أسهم فيه رؤساء أديرة اقليم العربية وضع رسالة مضمونها دستور الايمان، كتبها أولئك الرؤساء، ووجهوها الى يعقوب البرادعي، ردّوا فيها على رأي يحيى النحوي في تثليث الجوهر الفرد، وذلك بين السنتين [570- 578م]. وقد وقعها (137) رئيساً لـ (137) ديراً في اقليم العربية الممتد من شرقي بلاد الشام إلى الفرات.
ومن بين فرق النصرانية، أو الفرق التي هي بين بين: بين النصرانية والصابئة دين يقال له (الركوسية). وهناك قوم يقال لهم (الأريريسيون): هم [فلاحو السواد] الذين لا كتاب لهم. وقيل (الاريسيون): قوم من المجوس، لا يعبدون النار، ويزعمون أنهم على دين ابراهيم... وقيل إنهم أتباع (عبدالله ابن أريس) رجل كان فيِ الزمان الأول قتلوا نبياً بعثه اللّه اليهم، وقال بعضهم في رهط هرقل فرقة تعرف بـ(الأروسية).
وهناك شيع عقائدها مزيج من [اليهودية والنصرانية]. وجدت سبيلها في جزيرة العرب، مثل [الابيونيين/Ebionites] و [الناصربين/Zazarenes] و [الكسا ئيين/Elkesaites].
ومن المذاهب النصرانية التي تدخل في حدود موضوعنا: المذهب النسطوري والمذهب اليعقوبي، وهما من المذاهب الشرقية، التي ظهرت وانتشرت في الشرق، ووجدت لها مجالاً وانتشاراً في العراق وفي بلاد الشام ومصر والحبشة وجزيرة العرب.
النسطورية..
المذهب النسطوري ينسب الى البطرك [نسطوريوس/ نسطور/Nestorius] من [جرمانيقية/Germanicia]، و هي (مرعش) المتوفى سنة (450م)، وله رأي ومقالة في طبيعة المسيح. فجعل للمسيح طبيعتين/ اقنومين: أقنوم الإنسان يسوع، وأقنوم الله الكلمة. وذكر ان مريم هي بشر ولدت بشراً، هو المسيح الذي هو إلَه من ناحيهَ الأب الإلَه فقط.
وتستند تعاليم نسطور وآراؤه إلى الجدل الذيَ أثاره من تقدمه من الأباء في موضوع طبيعة المسيح، والانشقاق الذي حدث نتيجة لهذا الجدل. وأكثر من أثر فيه وكون له رأياً في المسيح هو [ديودورس/Diodorus] أسقف [طرسوس/Tarsus] و (ثيودور المصيصي) [393 - 28 4 م] تلميذ (ديودوؤوس).
وفي انطاكية وقف نسطور على آراء هذين العالمين، وكان قد ترهب وسكن هذه المدينة في عام (428م) وتحمس لها وّبشر بها بين الناس، فأثار غضب رجال الكنيسة المعارضين لتلك الآراء، فصاروا ينددون به.
ولنشاط نسطور في بث هذه الأفكار وعدم تراجعه عنها، طلب اليه المثول أمام مجلس اجتمع فيه كبار رجال الدين لمحاكمته عرف بـ(مجمع أفسوس) انعقد في عيد العنصرة من عام (431م)، وبعد محاكمات ومناظرات قرر المجتمعون الحكم بهرطقة هذه الآراء وبمخالفتها للمبادىء العامة التي تدين بها الكنيسة، وعزله من أسقفية القسطنطنية حكماً رسمياً. ومعنى ذلك مقاومة القائلين بهذه الآراء واضطهادهم والتضييق عليهم في حكومة لها كنيسة خاصة ترى أنها على الحق وأن ما دونها على عمى وضلال.
و كانت [الرها/ Edessa] أهم مركز ثقافي للنساطرة، ومن أهم معاقل الأدب السرياني. أمَّها كثير من طلبة العلم السريان للتثقف بها، ولا سيما في عهد الأسَقف [ايباس/ Ibas]: [436-457 م] الذي انتخب أسقفاً لهذه المدينة بعد وفاة أسقفها [ربولا/ Rabbula ] في عام (436م). ثم نالت [نصيبين/Nisibis] مكانة كبيرة في النسطورية، خاصة بعد وفاة (ايباس)، وانتخاب [نونوس/Nounus] أسقفاً للمدينة، وكان هذا متأثراً بالآراء البيزنطبة كارهاً للنسطورية. لذلك رأى النساطرة الانتقال عن (الرها) إلى أماكن أخرى لا أثر لنفوذ هذا الأسقف عليها. فكانت (نصيبن) الموقع المختار من بين هذه الأماكن، ونالت الحظوة عند رجالهم، واحتلت مكانة (الرها) في العلم.
ولكن الأسقف (نونوس)" كان أسقفاً واحداً من عديد من رجال الدين الرسميين الذين يمثلون كنيسة الروم، التي سبق ان حكمت حكماً رسمياً بهرطقة نسطور. لذلك كان على النسطورية مواجهة الاضطهاد والمقاومة في أي مكان من الأماكن الخاضعة للروم، أو التابعة لكنيستهم، وللكنائس المعارضة لآراء نسطور.
لذلك فكر النساطرة في حمل آرائهم ومعتقداتهم إلى بلد كالعراق أملوا ان يتمتعوا فيه بحربتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، لمعارضته للامبراطورية البيزنطية وتشجيعه كل حركة مناوئة لها، ثم لأن له حكومة ذات دين آخر بعيد عن النصرانية، فهي اذن لا تتدخل في أمور المذاهب النصرانية إلا إذا كانت مشايعة للروم، وليست النسطورية من هذه المذاهب.
وقد أظهر الشاه، استعداده لحماية (النساطرة) ومنحهم الحرية الدينية وحرية التبشير بمذهبهم بين رعاياه، كما أظهر رغبته في الاستفادة من علمهم ودرايتهم، فاختارهم للاعمال التي لم يكن فيها متخصصون من أتباعه، وسمح لهم بالتدريس وبتهذيب الناس وبتعليمهم الفلسفة اليونانية، ولا سيما فلسفة أرسطو والطب. وغدت [سلوقية/Seleucia] على نهر دجلة قبالة العاصمة (طيسفون) مركزاً ثقافياً خطيراً ينافس (الرها) و (نصيبين). وصار هذا المركر من أهم معاقل النسطورية والتبشير في العراق وفي سائر اًنحاء انبراطورية الفرس.
ومن هؤلاء النساطرة تعلم عرب العراق وعلى رأسهم أهل [الحيرة النسطورية]، ومن الحيرة انتقلت إلى جزيرة العرب. ولما كانت السريانية هي اللغة الرسمية لهذه الكنيسة، صارت هذه اللغة بهذه الصفة لغة نصارى العرب، بها يرتلون صلواتهم في الكنيسة وبها يكتبون، وإن كانت بعيدة عنهم غير مفهومة لدى الأكثرية منهم.
لقد كانت على كل حال لغة رجال الدين. وجلهّم من رجال العلم في ذلك الزمن. فهي عندهم لغة للدين وللعلم، كما كانت اللاتينية لغة للدين والعلم عند الرومان، والإغريقية لغة للدين والعلم عند اليونان، والعربية عند المسلمين.
والذين اعتنقوا (النصرانية) من اهل الحيرة، هم (العباديون)، وبينهم قوم كانوا على مذهب القائلين بالطبيعة الواحدة، أي مذهب اليعاقبة، وبينهم من كان على مذهب آخر.
وقد تسربت (النسطورية) إلى العربية الشرقية من العراق وايران، فدخلت إلى (قطر) والى جزر (البحرين) و(عمان) و(اليمامة) ومواضع أخرى. وورد في أسماء من حضر المجامع النسطورية اسم اسقف يدعى (اسحاق) اشترك في مجمع النساطرة الذي عقد سنة (576م)، كما ذكر اسم أسقف آخر يدعى (قوسي)" اشترك في مجمع سنة (676م). وقد كانا أسقفين على (هجر). كذلك وردت أسماء أساقفة من النساطرة تولّوا رعاية شؤون أبناء طائفتهم في جزيرة (دارين) وفي جزيرة (سماهيج) وفي مواضع أخرى من الخليح، تولى بعضهم أعماله قبيل الإسلام وعند ظهوره، وتولى بعضهم رعاية شؤون أتباعه في أوائل عهد الإسلام.
ومن الحيرة انتقلت [النسطوربة] إلى (اليمامة) ف،(الأفلاج) فـ(وادي الدواسر) إلى (نجران واليمن). وصلت اليها بالتبشير وبواسطة القوافل التجاربة. فقد كانت بين اليمن والحيرة علاقات تجارية وثيقة، وكانت القوافل التجارية تسلك جملة طرق في تنمية هذه العلاقات وتوثيقها. وقد قوي هذا المذهب ولا شك بعد دخول الفرس إلى اليمن، لما عرف من موقف رجاله من كنيسة الروم، ولما كان لأصحابه من نفوذ في بلاط الشاه ومن صداقته لهم.
اليعقوبية..
اليعقوبية او [اليعاقبة/ Jacobite church]، و يدعون بـ[المنوفسيتيين/Monophystte=Monophysite] أيضاً، أى القائلين بالطبيعة الواحدة، لقولهم إن للمسيح طبيعة واحدة وأقنوماً واحداً، فقيل لهم من أجل ذلك (أصحاب الطبيعة ألواحدة)، هم مذهب من مذاهب الكنيسة الشرقية، نسبة إلى [يعقوب البرادعي/Jacabus Baradaeus] ويسمى بـ[جيمس/James] أيضاً، المولود في حوالى سنة (500م) في مدينة [الأجمة/Tela=Tella] من أعمال (نصيبين) في شرقي [الرها/Edessa] والمتوفى سنة (578م).
ولد في أسرة كهنوتية، وتتلمذ لـ(ساويرس) الذي صار رئيساً على بطركية (أنطا كية) في عام (514م). ثم اضطر إلى مغادرة انطاكية الى مصر لاختلافه مع رجال الدين في هذه المدينة في طبيعة المسيح، إذ كان يقول بوجود طبيعة واحدة فيه، ومنه أخذ يعقوب رأيه هذا في المسيح.
وذهب يعقوب في حوالى سنة (528م) إلى القسطنطنية، لحمل القيصرة [ثيودورة/Theodora] علي التأثير في الكنيسة وحملها على الكف عن اضطهاد القائلين برأيه في طبيعة المسيح. وقد مكث في (القسطنطنية) خمسة عشر عاماً، وسعى سعياً حثيثاً في نشر مذهبه والتبشير به، وهذا ما أوقعه في نزاع مع بقية رجال الدين هناك لخروجه على تعاليم (المجمع الخلقيدوني) الذي عين التعاليم الثابتة في طبيعة المسيح.
وكان يعقوب أسقفاً على [الرها/Edessa] في حوالى سنة (541م). وكان (الحارث بن جبلة) من المقدرين له، والمحبوبين عنده، لذلك كان ممن توسطوا لدى بلاط (القسطنطنية) للسماح له بالخروج منها، وللتوفيق بين آرائه وآراء الكنيسة البيزنطية. كما توسط له (المنذر) لدى بيزنطه للغرض نفسه.
وكان من جملة تلاميذ "يعقوب" والمبشرين بتعاليمه [أحودمة/ أحودمى] الذي اغتيل بأمر كسرى أنو شروان في [2 آب 575م]. وكان من المبشرين النشيطين، ذهب الى (بني تغلب) وبشّر بينهم، وقد عرف هؤلاء عند السريانيين بالأعراب سكنة الخيام، وأقام بينهم كهانأَ ورهباناً، وبنى لهم ديراً عرف فى السريانية بـ(عين قنا) أي (عين الوكر) وديراً آخر بـ(تكريت) سمي (دير جلتاني). وكانت في ايامه أسقفيتان على العرب: أسقفية عرفت بأسقفية العرب، وأسقفية التغلبيين أو (السن) وكرسيها بـ(عاقولا/ عاقول). و(عاقولا) هي موضع (الكوفة). أما كرسي أسقفية العرب، فكان في (الحيرة).
كذلك كان من تلاميذه [جيورجيوس/ جرجيس] و (غريغور)، وقد تمكنا بنشاطهما وتبشيرهما من نشر هذا المذهب في بلاد الشام وبين الأقباط والأرمن.
وقد بذل [شمعون الأرشامي/Shem on of Beth Arsham] و [مراثا/Muratha] جهداً كبيراً في نشر هذا المذهب بين أهل العراق، وصارت (تكريت) القاعدة الكبرى للمذهب [اليعقوبي] في العراق، وبقيت محافظة على هذا المركز في ا لاسلام.
وقد دخل أكثر الغساسنة في هذا المذهب، وتعصبوا له، وطالما توسطوا لدى الروم في سبيل حملهم على الكف عن اضطهادهم والتنكيل بهم. ظلوا مخلصين لهذا المذهب إلى ظهور الإسلام. وقد نعت بعض ملوكهم بنعوت تدل على تنصرهم وتدينهم، مثل: المحبين للمسيح والمؤمنين.
وقد وردت في بعض المخطوطات اشارة إلى كاهن نعت بـ[كاهن ذي العزة والمحب للمسيح البطرك المنذر بن الحارث]، كما أنعم القياصرة على بعض ملوك الغساسنة بألقاب لا تمنح في العادة إِلا لمن كان على دين النصرانية.
وتذكر تواريخ اليعاقبة قصصاً عن بعض هؤلاء الملوك يشير إلى ذكائهم وتمسكهم في قواعد هذا المذهب وتعلقهم به، ودفاعهم عنه، وافحامهم بذكائهم وبعلمهم أيضاً لخصوم هذا المذهب من أصحاب المذاهب الأخرى ممن أرادوا اقناعهم بالخروج من المذهب اليعقوبي ونبذه، مع ميلهم إلى التوفيق بين المذاهب ومنع الفرقة بين النصارى.
كالمناظرة بين البطرك افرام [526 - 545م]، وهو من بطاركة الملكيينن والحارث بن جبلة ملك الغساسنة وهو على اليعقوبية. وقد أفحم فيها الملك الحارث خصمه على ما يدعيه اليعاقبة بذكائه وبقوة بديهته وحجته. وكذلك تعنيف المنذر بن الحأرث للبطرك دوميان في أثناء زيارته للقسطنطنية، لتهجمه على اليعاقبة واثارته بهذا الهجوم الفرقة بين النصارى، وطلبه منه الاتفاق مع (فولا) بطرك اليعاقبة على التآخي وتوحيد المساعي، ومنه الذي ذكروه عن هذا المنذر أيضاً من كتابته إلى القيصر طيباريوس للتدخل في حمل البطرك والأساقفة على ايقاف حملاتهم على اليعاقبة، ولكي يسعى في اطلاق الحربة لجميع النصارى، وأن يصلي كل واحد منهم أينما شاء وحيثما شاء.
وكان لليعاقبة مشهد مقدس يحجون اليه للتبرك به والنذر له، هو مشهد القديس [سرجيوس/ سرجيس] في مدينة [سرجيوبوليس/ Sergiopolis]، وهي (الرصافة). وكان عرب بلاد الشام اليعاقبة يتيمنون به، ويضعون صورته مع الصليب على راياتهم أملاٌ في الفوز في المعارك. والى هذا القديس أشار الشاعر الأخطل بقوله: لما رأونا والصليب طالعـاً ومار سرجيس وموتاً ناقعا
وأبصروا راياتنا لوامـعـاً خلوّا لنا راذان والمزارعا
مما يدل على أن شهرة هذا القديس ظلت بين النصارى حتى في أيام الإسلام. وطالما قصد الأعراب كنيسة هذا القديس لتعميد أبنائهم هناك. وقد كانوا يعقدرن العقود عند قبره، ويقسمون الايمان عنده، دلالة على التشديد فيها وصدقهم في الوفاء. وكان أمراء الغساسنة يبالغون في تعظيمه والاحتفاء به، ويقصدونه للتبرك به، على عكس نصارى الحيرة الذين امتهنوا (القبر) في حروبهم مع الغساسنة، واعتدوا على المدينة. وقد كان نصارى الحيرة على مذهب نسطور في الأغلب، كما كانوا من الوثنيين، ولذلك لم تكن لسرجيوس في نفوسهم منزلة ومكانة. وقد أشار المؤرخ يوسابيوس القيصري، الى رأي كان عند بعض نصارى العرب، خالفوا به مذهب الكنيسة إذ قال: ونحو هذا الوقت فام آخرون في بلاد العرب منادين بتعليم غريب عن الحق. إذ قالوا إن النفس البشرية في الوقت الحاضر تموت وتبيد مع الجسد. ولكنهما يتجددان معاً يوم وقت القيامة!. وليس في هذا الكلام كما نرى، أية اشارة إلى أولئك النصارى العرب، ولا إلى مواضع سكنهم. وكل ما يفهم منه ان خلافهم وقع في زمن قريب من زمنه، وانه كان في موضوع الروح. وقد جودل القائلون بهذا الرأي، ونوقشوا في مجمع انعقد سنة (246م)، عرف بـ(مجمع العربية/ Council of Arabia].
الابيونية..
[الأبيونيون/ Ebionites]: جماعة من قدماء اليهود المتنصرين عرفوا بهذه التسمية العبرانية الأصل التي تعني (الفقراء)، لا يعرف عن كيفية ظهورهم ونشوء عقيدتهم على وجه صحيح أكيد، وكل ما يمكن أن يقال عن معتقداتها إنها مزيج من اليهودية والنصرانية، وإنها نصرانية بنيت على أسس ودعائم يهودية، فهي [نصرانية يهودية] في وقت واحد.
وهم يعتقدون بوجود الله الواحد خالق الكون، وينكرون رأي بولس الرسول في المسيح، ويحافظون على حرمة يوم السبت Sabbath وحرمة يوم الرب. وقد ذهب بعض قدماء من تحدث عنهم إلى انهم فرقتان بالقياس إلى مولد الابن المسيح من الأم العذراء.
ويُعتقد أكثرهم ان المسيح بشر مثلنا، امتاز على غيره بالنبوة، وبأنه رسول الله، أرسله إلى الناس أجمعين. فهو رسوله ولسانه الناطق برسالته للعالمين. وهو نبي كبقية من سبقه من الأنبياء المرسلين. وقد آمن بعض منهم بعقيدة العذراء وولادتها للمسيح من غير اتصال ببشر، غير ان بعضاً آخر منهم، آمن بان المسيح ابن مريم من يوسف فهو بشر تمامأَ، وأنكر الصلب المعروف، وذهب إلى ان من صلب، كان غير المسيح، وقد شبه على من صلبه، فظن انه المسيج حقاً. ورجعوا إلى انجيل متى بالعبرانية [The Gospel of Mathew] وأنكروا رسائل [بولس/Paul] على النحو المعروف عند بقية النصارى.
الناصرية..
[الناصريين/ Nazarenes]: فرقة لا تتوفر معلومات وافية عن أصلها وعن كيفية ظهورها. وأكثر ما يعرف عنها مستمد مما كتبه عنها [أفيفانيوس/Epiphanius] و [جيروم/Jerome] وقد أدخلهم (أفيفانيوس) في جملة [الهراطقة/Heratics]، وذكر انهم يعتمدون النسخة العبرانية لانجيل متى، [The Gospel of Mathew] وانهم ظهروا في غور الأردن.
وهم يعترفون بألوهية المسيح [ابن الله]، وولادته من (عذراء): مريم، كما يعترفون برسائل القديس بولس، ويحافظون على [ناموس موسى/Mosaic Law/ شريعة موسى]،. وهم يرون ان ميلاد المسيح شيء خارق للعادة، وانه [المولود الأول من الروح القدس]، وان تعاليمه، هي متممة للرسالات السابقة ومكملة لها. وقد راعوا حرمة السبت، وما يختص بالأكل وبالختان.
الكسائية..
[الكسائيون/Elkesaites]: فرقة ظهرت في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني للميلاد في وادي الأردن، ومعناها اللغوي (القوى الخفية)، في لغة بني إرم، و (المتخفون)، أو المتسترون تحت الكساء في لغتنا. وقد نبعت من اليهودية. وهي تنسب إلى رجل اسمه [Elkesai]/ (الكسائي): صاحب كتاب نسب اليه.
يحافظ (الكسائيون) على الختان وعلى حرمة السبت وعلى سائر أحكام الشريعة الموسوية، وينسب اليه أنه كان يرى تحريم أكل اللحوم. والظاهر ان ذلك من وضع المستخفين بتعاليمه. وإنما كان يحرم أكل ذبائح الوثنيين وما أهلَّ للاوثان.
وقد حتم على أتباعه التوجه إلى بيت المقدس في صلواتهم، ومنع التوجه إلى الشرق. وهو يعتقد بوجود إلَه واحد، وباليوم الاخر، وبملائكته. ويرى أن [الشياطين هي النجوم] الكائنة في المناطق الشمالية من السماء.
ومن أهم تعاليم (الكسائيين) –الإغتسال-، أو ما يقال له [التعميد/Babtism]، وذلك بالاغتسال في النهر أو في البئر لغسل الأدران من الأجسام وتطهيرها. ويسمي المغتسلُ [باسم الله العلي العظيم/ بسم الله الرحمن الرحيم]، ويستعمل الغسل في الشفاء من الافات كذلك، مثل عض الكلب المكلوب أو الحيوانات المؤذية واخراج الأرواح الشريرة من الجسم. ولذلك يمكن تسمية هذه الفرقة بـ(المغتسلة)، لجعلها (الغسل) من أهم أركان الدين.
وللخبز والملح اهمية خاصه لدى أصحاب هذا المذهب، فهما بمثابة العهد عندهم. وهم في ذلك على شاكلة يهود، حيث يتمثل [العهد/ Convenant] عندهم بـ(الملح والخبز). ويقسمون بهما الايمان. وللايمان عندهم قدسية كييرة، فلا يجوز لأي إنسان كان أن يحنث بيمينه، أو يخالف ما أقسم عليه، وإلا كان عقابه عند الله عظمياً.
والعرب يقيمون للقسم بـ(الخبز والملح) وزناً عظيماً عندهم، يحلفون بهما كما يحلفون بالله. ولا يجوز الحلف كذباً بهما. ولا زال الناس يقسمون بالخبز والملح قسمهم بالمقدسات.
وقريب من مذهب (الكسائيين) في الاغتسال ما يذهب اليه الصابئون فيه. فللغسل لتطهير الجسم من الآثام الظاهرة والباطنة ومن الأرواح الشريرة مقام كبيرعند الصابئة، ولهذا نراهم يختارون السكنى عند الآبار والأنهار.
الفطائرية..
[الفطائريون/ Collyridiens]: فرقة بالغ أصحابها في عبادة مريم وفي تأليهها، وكانوا يقدمون لها نوعاً من القرابين أخصها أقراص (العجين والفطائر)، لذلك عرفوا بـ(الفطائريين). ويبدو انهم فرقة قديمة جمهورها من النساء، وقد ورد ذكرهم في سفر ارميا في غير موضع/ [ار 44: 17- 19، 25]. وقد ذكرهم أفيفانيوس في كتاب الهرطقات.
وعلى عكس هؤلاء كان من دعوا بـ[Antidicomariantes]: أنكروا على مريم دوامها في التبتل، فسموا لذلك بالمعادين لمريم.
ـــــــــــــــ
• ابن اسحاق: السيرة النبوية- ج 1- دار الحديث- القاهرة- 1998م
• د. جواد علي: (المفصل في تاريخ العرب)
• جون لوريمر: (تاريخ الكنيسة)- ج2- منشورات دار الثقافة المسيحية- القاهرة- د. ت.
• د. غسان خلف: (موجز تاريخ لبنان)- دار منهل الحياة- بيروت- 2014م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سمك لبن تمر هندي
معلق قديم ( 2017 / 6 / 12 - 16:36 )
كم هائل من المعلومات نقلها السيد كاتب المقال ومزجها دون تدقيق ولم يتبع خطا واضحا فجاء كلامه خلطا مفككا متعارضا في كثير من الأحيان

عموما للأستاذ الكاتب فضل البحث

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح