الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس في تدبر القرآن الكريم لا تأويلا ولا تفسيرا 6

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 6 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بسم الله الرحمن الرحيم
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7}
من السور القصار التي أهتمت كثيرا بالجانب الأخلاقي بأعتباره العمق الأهم والأجدر في تأسيس العلاقات الدينية، ومنحت الدين صورته الإنسانية المحورية هي سورة الماعون، لعل الأهم والمهم في هذا النص القصير نلك المقارنة الظاهرة بين من لا يؤمنون بالدين ويكذبونه وبين (المتدينين) والذي أشار النص لهم بالمصلين وهم بعيدا عما تطلبه الصلاة كركن إيماني ظاهري يمنح الإنسان صورة خارجية تدل على الإيمان والتقرب من الرب بالصلاة.
النص يبدأ بأستفهام ساخر وأستعلام عن حال فئة من الناس شعارها تكذيب الدين، أي إن هناك حالة مستهجة من صاحب النص تجاه من يكذب أو لا يؤمن أن هذا الدين فضلا عن كونه أداة ربط ومحمول للمد العقلي في تعامل الإنسان مع واقعه على أساس من قضيتين هما الخير والحق، فيقول عن مثل هؤلاء وصفا وتحديدا بأنهم لا أخلاقيون في جانب تعاملهم مع قضيتين مهمتين ضرب عن كل قضية بمثل، فالمكذب بالدين لا يتعامل مع قضية التيتيم ونتاجها وجود يتيم بحاجة إلى رعاية مجتمعية تساعده في تجاوز حالة الفقد الروحي والإنساني بخلو عالمه من الأبوة أو الأمومة أو كلاهما.
النص هنا لم يشر إلى اليتيم المعوز أقتصاديا أي تحديد اليتيم بالفقير فقط، بل أشار إلى قضية أكبر وأعمق ولها بعد إنساني وأخلاقي وأجتماعي ونفسي فضلا عن الأثار الجانبية التي تتركها الحالة هذه في الذاكرة البشرية، (الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) بمعنى أن الإنسان حتى يكون عنصرا إيجابيا في المجتمع لا بد أن يملك إحساس المشاركة مع الأخر مهما كان الأخر وبالأخص أصحاب الحاجة وأصحاب الظرف الغير سوي، والدعوة المطلوبة هنا ليس في إطعام أو إسكان أو تلبية حاجة معينى بل أكبر من ذلك هي أن يدعه ويدعوه كفرد له حق أجتماعي وجوبي مساوي لكل أفراد المجتمع، وأي تمييز سلبي سوف يجعل من هذا الفعل تصرف لا إنساني ولا أخلاقي.
فالذي لا يدع اليتيم لأنه يفتقد للعنصر المحفز والداعم للقيم الأخلاقية والتي دائما ما تأت على شكل أو أوامر دينية يعتقد الناس بها على أنها قيم جمعية لا بد منها لأن مشرعها هو الخالق الرب ديان الدين، وبذلك تتحول هذه القيم الأجتماعية إلى أسس وركائز في وعي الإنسان ومحفزات للترقي، فمن لا يدع اليتيم ويتعامل معه على أنه حالة متساوية غير ناقصة هو المتدين الذي يؤمن بأن أخلاقه بمنشأها العام لا تقبل أن نتعامل خلاف ذلك، هذا لا يعنيبأي حال من أن ما يصفهم البعض من المتدينين بأنهم كفار أو لا دينيين أو ملحدين ليس لهم صلة إيجابية وحقيقية مع الأيتام، بل الواقع يقول غير ذلك، ولكن الكافر ومن يتبع بالوصف قد أستمدوا أخلاقهم وقيمهم الإنسانية من ملخص إيجابي للعلاقات الكونية والتجربة البشرية عموما وكان الدين أحد أهم مصادرها، فالكافر أحيانا تجد عنده خزين كبير وإيجابي من القيم السامية ويتعامل معها على أنها أساسياته السلوكية ، وبرغم من أنه لا يؤمن بالدين عموما ولكنه لا ينكر ولا يقول أن هذه القيم في جزء كبير منها هي قيم من التجربة البشرية بعنصريها المعرفي التجريبي أو العلاقة الدينية.
الشيء الأخر الذي يذم به النص الديني من لا يؤمن بالدين هي نكران الأخير على قضية التكافل الأجتماعي بين البشر وخاصة الفقراءوتحديدا منهم المساكين، فالفقير أعم بالنص من المسكين حيث أن الأخير هو من لا يستطيع الحراك أو أستولت عليه السكينة والمسكنة من السعي للحصول على ما يحتاج، أما الفقير فهو من لا يملك المال بالرغم من قدرته على تحصيله لكن العنصر الموضوعي الحولي هو الذي يمنع، فالمسكين صاحب علة ذاتية تمنعه من طلب الرزق أو السعي له بينما الفقير هو من كان ضحية الواقع وقوانينه ومعادلاته الأقتصادية، فمن لا يحض ولا يشجع ولا يسعى لإطعام هؤلاء المساكين يشارك من حيث يعلم أولا يعلم بزيادة الضر الذي قد يؤدي إلى هلاكهم وأفنائهم، بينما الدين يأمر دوما بقضية الخير وأن من أحيا نفسا كأنما أحيا الناس جميعا.
إلى هنا تنتهي القضية الأخلاقية الأولى والتي تتعلق بما قلنا بمن يكذب بالدين، أما الوجه اللا أخلاقي الثاني من المعادلة فتلك التي أشار فيها النص للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، والسهو هنا ليس عن شكلية أو مواقيت أو طبيعة الصلاة، بقدر ما هي سهو عن القيم الجوهرية المطلوبة من المصلي أن يتمتع بها حتى يكون مرمنا حقيقيا، ومنها من لم تنهه صلاته عن أرتكاب الخطيئة أو الفحشاء أو المنكر والبغي، لا قيمة لها وهي عمود الدين كما يقال، فحتى تكون الصلاة تامة لا بد للمؤمن أن يمنحها الحرية التامة في أن تضبط سلوكه وتساهم في إيجابية في بناء الذات المؤمنة المتفاعلة مع قضايا الوجود والإنسانية.
الذم للمصلين الغافلين عما في الصلاة من عوامل معززة للسلوك الإيجابي والتقويم الذي يجعلها أداة رقابة عقلية أكثر من كونها طقس يؤدى وينتهي مفعوله مع أنتهاء أخر فعل، المصلي الحقيقي والذي لا يسهو عن صلاته هو الذي يفسر كل فعل أو قول أو تصرف يصدر منه على أنه مفسد للصلاة فيحذر منه أو أنه موافق لروح الصلاة ومشجع لها فيدركه ويعمل به.
إذن الصلاة الحقيقية هي الصلاة التي تربط المصلي بمن يصل له برابط حقيقي وجداني ذاتي خالص، لا علاقة للخارج به ولا علاقة للأخر فيها إلا في حدود ما تنهى المصلي من أداء المنكر أو الأمتناع عنه، فالصلاة رابط خاص وذو أتجاه واحد صعودا ونزولا بين العابد والمعبود، وإذا حول المصلي هذه العلاقة وشعبها فسيكون أمام حالة رياء ونفاق تخرجه من العنوان وتطيح بأمله وهدفه من الصلاة.
وتأسيسا على ذلك فكل صلاة وهنا جاء النص بمثل مقارب ومقارن لحالة الذم التي تقدم في قضية المنكر للدين، وهي قضية المشاركة والتكافل البشري بين أفراد المجتمع وأرمز لعموميتها بقضية الماعون، أي أن لا فرق بين مصلي ساهي عن جوهر وعلية الصلاة وبين الذي يكذب بالدين من أن الطرفين لا يمكنهما من أن يبذلا الماعون للناس أستجابة للعوامل النفسية وظهور فعل الأنا المتضخمة التي ترى بأحقيتها في التنعم وأنها غير مسئولة عن الأخر وعن اللا توازن بين أفراد وطبقات المجتمع، وترمي في العلة بذلك على الرب وعلى إرادته {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }يس47.
الملخص المستنتج من السورة أن القيم الأخلاقية ليست حكرا على فئة تنتسب أو لا تنتسب للدين، ولكن ما يظهر من سلوكيات البشر الإيجابية هي من شروط التصديق بالإيمان الديني والأنضباط بما فيها من حوافز للخير والحق، فقد يكون الفرد زاعما أنه مؤمنا ولكنه يفعل كما يفعل المكذب بالدين، وقد يكون الفرد غير مكذب بالدين ولكنه غير مبال في الألتزامات الدينية ولكنه يعمل من جانب أخر بالمستوجبات الدينية الأخلاقية، وهذه القضية أخرجها النص من دائرة الكفر والإيمان إلى دائرة التصديق والتكذيب الذاتي بالدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شيزوفرانيا الاسلام
محمد البدري ( 2017 / 6 / 13 - 04:31 )
يستحيل القول بان سورة الماعون التي تحض علي اطعام اليتيم والمسكين والمحتاجين عامة انها ايه اخلاقية او اتت لتكمل الاخلاق وتحض علي ترابط اجتماعي تحت شعار حاجات الجهاز الهضمي لاننا لو بنظرة شاملة تضم نصوص القرآن دون تجزئة علي قاعدة انه من مصدر واحد متسق ومتناغم مع ذاته فاننا نجده علي استعداد بل ويحض علي قتل البشر بحجة تكذيب الدين ثم يدعوهم كما في اول سورة النساء باستباحة النساء الارامل بعد قتل ازواجهم واهلهم تحت مبرر القسط في اليتامي الذين انتجتهم حروب القتل ضد من يكذب بالدين. انها شيزوفرانيا الاسلام يا سيدي الفاضل.


2 - شيزوفرانيا الإسلام
عباس علي العلي ( 2017 / 6 / 14 - 18:45 )
مساء الخير صديقي عندما نكون أكثر عقلانية وأكثر واقعية في قراءة نص أدبي فدائما ما نضع أنفسنا بدل الفكرة ونسقط ذاتنا على نتيجة القراءة مهما كانت، لا أدري كيف أستنتجت من السورة أنها دعوة لقتل من يكذب بالدين وأنها لا صلة لها بالقضية الأخلاقية، أظن لو أدعيت شيئا أخر من خلال قراءة ما بين وفوق وتحت السطر ربما نجد مبرر ، أما أنك تقذف بالتهم دون أن تعط دليل مقابل ما طرحته في المقالة ، أظن كذلك أن الامر يحتاج إلى وقفة تأمل

اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي