الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الثقافة النسقيّة عند الناقد الأدبي عبد الله الغذامي - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة العاشرة - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 6 / 13
مقابلات و حوارات


" الثقافة النسقيّة عند الناقد الأدبي عبد الله الغذامي " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة العاشرة - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg


يقول الناقد الأدبي عبد الله الغذامي : "الثقافة النسقيّة تعطي قيّما متخيّلة وافتراضيّة تصطنع فروقاً غير عقلانيّة وغير دينيّة بين البشر، وتُوهم أنّ هذا هو الطبيعي"

أ - 10 - البروفيسورة خديجة زتيلـي، ما قراءتك لفكر الناقد عبد الله الغذّامي، في الخطيئة والتكفير، هويات ما بعد الحداثة، القبائلية، العرقية، المذهبية...؟

خديجة زتيلـي:

عبد الله بن محمّد بن عبد اللّه الغذّامي ناقد أدبيّ وثقافي ومن بين أبرز الوجوه العربيّة اليوم في المشهد الفكري المعاصر وهو من مواليد عام 1946 بمدينة العنيزة السعوديّة، من مؤلّفاته: ((الموقف من الحداثة ومسائل أخرى)) – ((المُشاكلة والاختلاف: قراءة في النظريّة النقديّة العربيّة وبحث في الشبيه المختلف)) – ((النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة)) – ((رحلة إلى جمهوريّة النظريّة: مقاربات لقراءة وجه أمريكا الثقافي)) – ((الفقيه الفضائي: تحوّل الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة))، ومؤلّفات أخرى. ويوسم أوّل عمل له في مسيرته الفكريّة بـــ ((الخطيئة والتكفير: من البنيويّة إلى التشريحيّة قراءة نقديّة لنموذج إنساني مُعاصر)) الذي صدر عام 1985 وقد أعيد طبعه ستّ مرّات بعد هذا التاريخ، ويعدّ هذا الكتاب، الذي أثار الكثير من الجدل والنقاش عند صدوره، من الدراسات الرصينة والرائدة في مجال النقد الثقافي والأدبي وشاهدا على ميلاد نصّ متفرّد أصبح بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن من بين أهمّ المرجعيّات التي لا غنى عنها للدراسات التي تروم تقصّي الأدب والفكر المعاصرين، ولعلّ إعادة طبعه في كلّ مرّة ونفاذ النسخ من المكتبات بشكل سريع ليقف دليلا على شغف القرّاء به وإقبال الناس عليه نظرا لما يضمّ بين دفتيه من أطروحات.

ويركّز كتاب ((الخطيئة والتكفير)) بشكل أساسي على المناهج العلميّة الجديدة كالبنيويّة والتفكيكيّة والتأويليّة والنقديّة التي انبرى الغذّامي لتقديم تطبيقات لها في سياق حوار علميّ ومنهجيّ رصين يهدف إلى تقديم خطاب ثقافي عربي جديد يجمع بين النظريّة والتطبيق، طامحاً في سبيل إدراك تلك الغاية إلى تفكيك القديم منه واستشراف آخر مستقبلي ينصاع إلى الضوابط المنهجيّة التي يقترحها مشروع الغذّامي النقدي. وفي حقيقة الأمر فقد سرى إيقاع هذا النقد في كلّ الأعمال التي ستأتي بعد ((الخطيئة والتكفير)) وتسرّب إليها، وهي غاية كان ينشدها الغذّامي منذ الوهلة الأولى مُعزّزا إيّاها بالمفاهيم التي بإمكانها رعاية مشروعه النقدي وإحداث نقلة نوعيّة فيه. ويتكئ الكاتب في ((الخطيئة والتكفير)) على مجموعة كبيرة من المفكريّن الغربيّين من أمثال ياكوبسون ، تودوروف ، فراي ، بارت ، دريدا ، فوكو ، دو سوسير ، بياجيه ، وغيرهم ممن تشبّع الغذّامي بفكرهم واستعار منهم الكثير من المفاهيم والمصطلحات وتعاطى معها بوعي كبير، كما توسّل بها في مسلكيّة نقد الثقافة العربيّة وشِعرها وأدبهـا وفي قلب معايير هذه الأخيرة رأسا على عقب، فأثار بذلك حنق الثقافة التقليديّة التي كانت ولا تزال متمسّكة بقناعاتها التي لا تبغي أن تحيد عنها. ويجب القول أنّه ما كان لجهده أن يُلفت الانتباه لولا طريقته في التعامل مع التراث الثقافي وتوطين المفاهيم التي استعارها من المناهج الغربية فيه، كالتفكيكيّة على سبيل المثال لا الحصر، فيكون بذلك قد حقّق الانسجام والتواءم بين القدامة والحداثة بدل التنافر والتناطح بينهما وكرسّ مشروعيّة الوحدة في الاختلاف.

ويتيحُ لنا هذا النصّ فرصة للاطّلاع على ما عاناه الرجل قبل الاهْتداء إلى الطريق الذي سلكه، فلم يكن من اليسير بمكان على الغذّامي تحطيم التُخوم المصطنعة بين الماضي والحاضر، وتفكيك المفاهيم الغائرة في التقاليد الأدبيّة المتوارثة والراسخة فيها، والتملّص من أسْر اليقينيات القديمة، ففي اعتراف يتّخذ مكانه في الصفحات الأولى من كتابه يقول الغذّامي: «تحيرتُ أمام نفسي، وأمام موضوعي، ورحتُ أبحث عن نموذج أستظلّ بظلّه، مُحْتميا بهذا الظلّ عن وهج اللوم المصطرع في النفس، كي لا أجترّ أعشاب الأمس... وما زلتُ في ذلك المصطرع حتّى وجدتُ منفذا فتح الله لي مسالكه، فوجدتُ منهجي، ووجدتُ نفسي. واستلمَ لي موضوعي طيّعاً رضيّاً وامتطيتُ صهوته امتطاء الفارس للجواد الأصيل»، ولعلّ في هذه الأسطر القليلة ما يُعْرب عن قلق الرجل الفكري. إنّ الفتوحات النقديّة الغذّاميّة وشتْ بنفسها لأوّل مرّة في باكورة أعمال الغذّامي ((الخطيئة والتكفير))، لِتُحيط أعماله اللاحقة بها وتُعَمّقها فتعلنُ بذلك عن ميلاد ناقد لا يُهادن أبداً ولا يخشى في النقد لومة لائم.

قد يكون البون شاسعا نسبيّا بين عام 1985 تاريخ صدور أوّل كتب الغذّامي وبين عام 2009 وهو العام الذي صدر فيه كتابه الموسوم بــ ((القبيلة والقبائليّة أو هويّات ما بعد الحداثة))، لكنّ الأمر الأكيد في كل مراحل الكتابة عند الغذّامي هو اهْتِجاسه بالتغيير وتفكيك الأنساق والكشف عن مزالقها والبحث عن البدائل الممكنة لتوطين القيّم الإنسانيّة والعقلانيّة فيها. وقد يكون مُفيداً للقارئ أن يعرف أنّ كتاب الغذّامي عن ((القبيلة والقبائليّة)) كان في الأصل سلسلة من المقالات التي طَرَحها الكاتب في (جريدة الرياض) السعوديّة، وأنّ الصيت الذي حازته تلك المقالات وتفاعل القُرّاء معها أيّما تفاعل هو الذي ألهمَ الكاتب بتعميقها وتوسيعها وإخراجها في صيغة جديدة، وطَبْعها في مؤَلّف يختزل عُصارة فكره وموقفه من قضايا إنسانيّة وجوهريّة تتربّع اليوم على صدارة نقاشات العولمة وما بعد الحداثة. فمن دواعي إنجاز هذا الكتاب أنّ الغذّامي رصد صورتين مُتناقضتين في العالم المعاصر: تتمثّل الصورة الأولى في العودة القويّة للهويّات الأصوليّة، مثل الطائفيّة والعُنصريّة والعِرقيّة والمذهبيّة والقَبائِليّة، وفرض أنساقها الثقافيّة المتعاليّة التي تُرسّخ مركزيّة الذات انطلاقاً من إلغاء الآخر وإقصاءه، مع تراجع المعاني الإنسانيّة الكُبرى عن الحريّة والوحدة والمساواة، ولا يقتصر هذا الأمر على البلدان العربيّة وحسب بل وحتّى في أوروبا وأمريكا أيضاً. أمّا الصورة الثانيّة في المشهد المعاصر فتتمثّل في الانطباع العام لدى الناس كون هذه المرحلة التاريخيّة هي زمن العقلانيّة والعلم والانفتاح الكوني، ولا شكّ أنّ الصورتين الأولى والثانيّة تتناقضان تماماً.

فكيف نُفسّر تنامي ظاهرة عودة الهويّات الأصوليّة في زمن ما بعد الحداثة يَتساءل الغذّامي؟ كيف نعود إلى القبائليّة في زمن التعليم المتطوّر والصَحوات الدينيّة والثورة المعلوماتيّة الهائلة التي قرّبت كلّ أجزاء العالم من بعضها البعض واخْتصرتْه في قرية صغيرة؟ هل هذا الأمر مردّه إلى عجز التعليم على نشر الوعي وتحقيق أهدافه التربويّة؟ أم أنّ انتشار تلك الأصوليّات إنّما يُعزى إلى أسباب أخرى؟ لا غرو أنّ المدينة الحديثة لا تختلف عن القبيلة القديمة في نسقيّة كل واحدة منهما، فظاهرة العُنف والاضْطهاد والاستعْباد الاقتصادي هي سمات مُشتركة بين النسقيْن القديم والحديث معاً كما يشرحه الغذامي مُستعيناً في تحليل فكرته تلك بآراء بعض الكتّاب والفلاسفة ممن بحثوا في هذا الموضوع، ومن شأن هذا التوصيف أن يُسوّغ الحديث عن ظاهرة صراع الأنساق وسعي كلّ واحد منها لفرض سُطوته وهيْمنته، وتَوق النسق الشديد لإملاء شروطه، وكذلك شغفهِ الدائم بفرض إكراهاته. لقد أدخل صراع الهويّات الجذريّة العالم في جِدالات عقيمة أدّت إلى القتال وسفك الدماء وإلى الحروب الطاحنة التي أهلكت البشر والشجر والحجر، وانتهتْ إلى تمزيق الأوطان وطمس إنسانيّة الإنسان.
ويبحث كتاب ((القبيلة والقبائليّة)) مفهوم النسق و النسق المتعالي ، وماهي الحيّل التي يلجأ إليها لفرض مفاهيمه ومُصطلحاته، كما أنّه يقف على مسلكيّته في تحويل الطبيعي والفطري إلى مشروع مُنحاز وعرقي يقوم على الفِئويّة والتمييز والعُنصرية وإقصاء الآخر. فكيف تتبدّى الحقيقة عند الغذّامي، من خلال تفكيكه لظاهرة عودة الهويّات الأصوليّة في زمن ما بعد الحداثة، كظاهرة القبائليّة الرديفة للعُنصريّة؟ فشتّان بين مفهوم القبيلة ، كقيمة اجتماعيّة وأخلاقيّة واقتصاديّة، و مفهوم القبائليّة بوصفها مفهوماً مُنحازاً وعُنصريّا وعِرقيّا ينتهك حُريّة الآخر ويسعى جاهداً لصناعة نسقٍ متعالٍ، وإنّ التفريق بين هذين المفهومين لَيَنْسحب، في الوقت ذاته، على مفهوم العِرق والعِرقيّة، العُنصر والعُنصريّة، المَذْهب والمذهبيّة، و الطائفة والطائفيّة. فلا جدال أنّ أَمْنَنا الإنساني وتعايشنا على هذه الأرض المشتركة بسلام سيظلّ مُرتهنا لمدى تفهّمنا للعبة النسق ولحيلهِ التي يفرض بها وجوده، وضرورة سعينا لتجاوزها مع يقظتنا الدائمة بأنّ هدف النسق يكون دومًا تحويل الطبيعي والفطري والجميل إلى قُبح نسقي ؟!. يتشكّل كتاب الغذّامي من مقدّمة وفصول ستة إذْ يوضّح في الأولى موضوعه ومَقاصده مُركّزا على الفضاء الاصطلاحي والسياقات التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة له، ويستعرض بعدها فصول العمل فيفكّك مضامينه لتسويغ القول الغَذّامي وعرض موقفه النقدي من القضايا المطروحة في الكتاب.

كان مَطْمح الحداثة عقلانيّا وليبيراليّاً، وكانت تعِدُ بالقضاء على الفروق العرقيّة وتجسيد القيّم الانسانيّة والحضاريّة وتذويب الأعراق والثقافات المختلفة في صيغة كليّة واحدة تتجاوز التصنيفات العُنصرية التي كانت سائدة، ولكن مرحلة ما بعد الحداثة كما يشرحها الغذامي في كتابه ((النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة)) في الفصل الأوّل منه - الذي يتحدّث عن مرحلة ما بعد الحداثة - أفسدتْ هذا المسعى النبيل وحطّمتْ المشروع الذي أطلقته الحداثة وجاءت لكي «تُفجّر الهوامش وتكشف عن عجز الوعْد العقلاني الليبيرالي في تحقيق العدالة والحريّة وتضع الكلّ أمام الحقيقة القاتمة التي لم تستطع العقلانيّة الأوربيّة معها منع الحروب والكوارث الاقتصاديّة والأخلاقيّة وكان هذا إخفاقاً لكلّ وعود الحداثة» كما أردف قائلا في ذات المصدر في ص 43 منه. فعدم القدرة على ترك العادات القديمة وفشل الدمج الثقافي وتغوّل المطامح الفئويّة وبقاء ظاهرة التمييز وفق اللون والعرق واللّغة كشفَ بشكل واضحٍ وصريحٍ عن فشل الحداثة في تحقيق مشروعها الذي وعدتْ به، ووسط هذه الإخفاقات الجليّة تفجّرت الهويّات وخرجتْ إلى العلن لتكشف عن وجهها القبيح، وهي من سمات ما بعد الحداثة، وتُعدّ في الوقت الراهن مسألة مُعقّدة تُهيمن على المشهد الإعلامي والسياسي والثقافي العالمي بكل تداعياتها ومآسيها التي أزهقتْ الأرواح بدمٍ باردٍ. وتُفصح ظاهرة العرقيّة المنتشرة اليوم، كالنار في الهشيم، عن قٌبحها وبشاعتها، فهي تمثّل قمّة كل الهويّات التي برزتْ في زمن العولمة وما بعد الحداثة، وفي فلكها تدور القبائليّة التي تَتَأسّس على العُنصريّة وهي من الهويّات القاتلة.

من الأهميّة بمكان الإشارة إلى القيمة البالغة التي تكتسيها نصوص الغذّامي في نقد المنظومات، العلميّة والأدبيّة والثقافيّة والسياسيّة المعاصرة شرقها وغربها، ومحاولاته الجادّة لتفكيك الواقع وفق منهجيّات تَمكّن الرجل منها وأجاد توظيفها، وينطوي كتاب ((القبيلة والقبائليّة)) على عدّة معاني ولعلّ أهمّها -في نظري- ضرورة عودتنا المتمرّسة إلى التاريخ المحلّي والعالمي واستقراءه لاكتشاف خباياه، فالكثير من المشاكل الراهنة تمتدّ خلفياتها إلى الزمن البعيد، فعندما نكون قادرين على قراءة تاريخنا الإنساني بلا تحريف أو تزييف أو مبالغة يمكننا عندئذ أن نفكّك الواقع الراهن بموضوعيّة ونمرّ إلى المستقبل ونحسن المرور إليه. وهناك، فضلا عن كلّ ما قيل، معاني كثيرة وكثيرة جدّاً يتضمّنها الكتاب بعضها باحَ بها هذا المقال وأخرى سيكتشفها القارئ عند عودته إلى قراءة كتاب ((القبيلة والقبائليّة)) والتمعّن فيه، وأخيرا وليس آخرا يمكن القول أنّ المرء بوسعه الاختلاف مع بعض أطروحات الغذّامي ومواقفه الفكريّة كما فعل بعض خصومه من النقّاد، ولكن لا يمكنه إنكار أهميّة الرجل والقيمة العلميّة الكبيرة لما ترك وحرصه على التميّز والاجتهاد، وقد لا نبالغ إذا قلنا أنّ المشهد النقدي العربي المعاصر سوف لن يكتمل بدون استدعاء الغذّامي ومُنجزاته الفكريّة، فقد نافح الرجل عن مشروعه بلا هوادة واستغرق منه العمر كلّه في سبيل إنجازه.

انتظروا قادمنا من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة العاشرة الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران