الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (6):

بشاراه أحمد

2017 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صَادِقُ البُرْهَانِ عَلَىْ زَيْفِ فِرْيَةِ بَشَرِيَّةِ القُرْآنِ:

الإشكالية السادسة لدى الكاتب في مشروعه الذي ينادي فيه ببشرية وتناقض القرآن الكريم, جاءت هذه المرة تحت عنوان ((... هل نتقى الله حق تقاته أو ما إستطعنا .؟! ...)),, إذ أن هذه الإشكاليات المعرفية والموضوعية المتعاقبة التي يتدحرج فيها هذا الكاتب ككرة الثلج,, تجعلنا نظن أن الله تعالى قد قهره على أن يظهر "بجلاء" جوهر القرآن النفيث "قهراً", فجعله يخرج ما بداخله كل ما من شأنه تشويه القرآن الكريم,, فإذا به يأتي بما يجعل القاصي والداني يقف على أدق التفاصيل لكل آية وكلمة وحرف وشكل, وتثبت يقيناً إعجاز كتابه الله تعالى في وآياته وصدق رسوله وإحكام وحيه,, وقد رأينا في الإشكاليات السابقة أن هناك أموراً كثيرة قد أصبحت واضحة لعامة الناس فضلاً عن خاصتهم وأهل الحل والعقد منهم,, لأنها ظهرت كذلك مباشرة من مصدرها الأصلي دون رتوش ولا تزويق ولا تلوين, والذي أظهرها قد قصد إخفاءها فغبن.

كالعادة,, نجد هذا الكاتب مهموم بهيمنة القرآن الكريم على الدين كله ولو كره الكافرون, إذ أنه كلما تعمق فيه وجده كذلك, وكلما خاض فيه لم يظهره وأدرك أنه لن يستطيع له نقباً,, فهو كلما رأى إعجازاً وإحكاماً فيه جن جنونه وواصل التنقيب هنا وهناك بين آياته, وهام على وجهه وسط غابات من المراجع والدراسات والأبحاث الفكرية الشخصية للمخلصين لربهم من العلماء وطلبة العلم بالمكتبات الإسلامية وبمخلفات المستشرقين والخوارج, بجانب الخانعين الخاضعين لتلبيس وليهم إبليس من الكفرة والأفاكين,, فكلما وجد شيئاً لم يستطع إستيعابه وبلوغ غايته وفهم بيانه هرول مسرعاً إلى لوحة المفاتيح ليقول بأنه وجد بالقرآن الكريم تناقضاً,, فما أن ينظر الشخص العادي إلى حيث أشار يعرف أين يُوجد هذا التناقض.

و لعله في إشكاليته هذه وجد شيء من تقارباً ظاهراً - وفق معاييره وقدراته الفكرية - بين آيتين إحداهما في سورة آل عمران, والثانية في سورة التغابن, وحيث أنه لم ولن يستطيع فهم الإختلاف الجوهري بينهما ظن أن هناك تناقض في القرآن الكريم, لأن في الآية الأولى كان المطلوب من المؤمنين أن يتقوا الله "حق تقاته", بينما في الآية الثانية كان قد طلب منهم أن يتقوا الله "ما استطاعوا", لذا عبر الكاتب عمَّا شكل في وجدانه وما يتفق مع مراده وتوجهه,, لدرجة أنه قال: ((... هل نتقى الله حق تقاته أو ما إستطعنا .؟!...)), فكان هذا هو عنوان إشكاليته هذه.

وبنى على ذلك اللبس موضوعه هذا حيث قال فيه: ((... هذا التناقض سبق أن قدمته فى الجزء الأول ولكن لا بأس من إعادة نشره من باب تبيان الأسباب التى تستدعى تغيير النصوص فى المطبخ المحمدى ...),
وهذا يعني - في رأيه - أن هناك تغيير في نصوص الآيتين بلا دراية ولا علم ولا حكمة إلهية فإدعى إنها « في المطبخ المحمدي » - هكذا كان تعبيره.

فنجد أنفسنا هنا أيضاً في مواجهة مع سوء المعرفة بلغة البيان وإشكالية عدم إستيعاب التراكيب اللغوية المحكمة, لذا كان لزاماً علينا أن نقِّوم هذا العوج والعرج الذي يعاني منه الكاتب كثيراً.

كما قلنا فيما سبق ونكرره الأن لمرات عديدة أن عجز الكاتب عن فهم القرآن الذي يتطلب سلطان البصيرة والعقيدة الإيمانية أو على الأقل "الحياد" والأمانة العلمية, فليس غريباً أن يضل ويشقى وراء غايته التي لن يبلغها ما دامت السماوات والأرض حتى يلج الجمل في ثم الخياط. لذا ليس مستبعداً قوله هنا: ((... يطل علينا التناقض والتردد بشكل فج فى آيتين أحدهما يأمر فيها الله المؤمنين أن يتقوه حق تقاته ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ) ال عمران 102 . وآية أخرى يأمر بتقوته بقدر ما نستطيع ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن 16 . فهل يتقى المؤمنون الله حق تقاته أم بقدر إستطاعتهم ؟!...)).

ها قد أدخل هذا الكاتب نفسه في ورطة لن يستطيع الخروج منها, وقد أطَّر نفسه وقيدها بهذا القول الذي سيحسب عليه وسيطوقه ما بقي على قيد الحياة,, وذلك للآتي:
1. ظن أن هناك تناقض ما بين قول الله تعالى في سورة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 102), وهي آية تتحدث "حصرياً" عن الإيمان بالله الذي لن يقبل فيه الكسور, فهو لا يقبله إلَّا كاملا مكتملاً مخلصاً 100% لذا إشترط فيه « حَقَّ التَّقْوَىْ »,,, وما بين قوله تعالى في سورة التغابن: (فَاتَّقُوا اللَّهَ « مَا اسْتَطَعْتُمْ » وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 16).

وهي آية تختلف تماماً - معنىً وغايةً - عن الآية السابقة لأن التقوى فيها متعلقة "بالعمل", حيث الإجتهاد والتنافس والإستطاعة المتفاوتة بين المأمورين, ويستحيل أن يطلب الله من المؤمنين المستحيل, بأن يطلب منهم تقواه في العمل "حق التقوى" ولكنه طلب منهم (تقواه فيه ما إستطاعوا لذلك سبيلاً). ولكن!!! أنى لهذا الكاتب أن يفهم هذا التباين في المقاصد والمدلولات والأهداف حتى لو حاول ذلك ما دام أنه ليس خالياً, ولا حراً من هوى وشنآن لا يخفى على أحد؟؟؟

2. فما دام أن فهمه أو هواه قد قاده إلى الإعتقاد والتصريح بأن التباين بين الآيتين في المقاصد والبناء هو تناقض وتردد بشكل فج كما يدعي,, ولم يستطع التفريق بينهما رغم إحكامهما وكمال بيانهما وإبيانهما,,, فليس غريباً منه أن يقول في نهاية فقرته هذه متسائلاً: (... فهل يتقى المؤمنون الله حق تقاته أم بقدر إستطاعتهم ؟...), ثم يقول متناقضاً ((... وآية أخرى يأمر بتقوته « بقدر ما نستطيع » ...)), ولعله لا يدري أو يدرك أن الله تعالى لم يوجه أمراً لغير المؤمنين من كفار والمشركين ومن باب أولى الملحدين,, ولنذكره بأول آياية من هذا القرآن بعد الفاتحة قال فيها (الم 1), (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ 2), فهل هو من المؤمنين فضلاً عن المتقين إبتداءاً؟؟؟.

نقول له إن المؤمنين يتقون الله كلتا التقويين: يتقونه في الإيمان والتوحيد (حق تقاته 100%), قبل الموت, ويتقونه في العمل والتقرب إليه والإستزادة من الخيرات والتنافس في ذلك (بقدر إستطاعة كل منهم), Doing one s best. فالله واسع عليم, غفور حليم,, غني حميد.
فبعد تفنيدنا لعبارته الأولى,, نعمد الآن إلى تدبر الآيتين لنقف على مقتضيات ومقاصد كل منهما وتوجهها,, ولكن, يجب أن نأخذ كل آية منها في محيطها من السورة التي جاءت بها, وهذا يقتضي أخذ بعض الآيات التي قبلها وبعدها لنقف على الغاية من الآية وعملها بالسورة بدقة, فيما يلي:

ففي سورة آل عمران:
أولاً: مخاطباً نبيه الكريم عن أهل الكتاب, قال تعالى له: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ 98)؟
ثم قال له: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ « تَبْغُونَهَا عِوَجًا » - وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ - وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 99), واضح جلياً أن الآيتين تتحدثان عن الإيمان والكفر مع الصد عن سبيل الله, وأعلمهم انه ليس بغافل عما يعملون.

ثانياً, ثم الله تعالى - مخاطباً المؤمنين هذه المرة - قال لهم محذراً من مكايد وتربص فريق من أهل الكتاب بهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ 100), وهذا تنبيه واضح للمؤمنين للحذر من هؤلاء الشياطين الذي يسعون إلى رد الذين أمنوا إلى الكفر معهم, حسداً من عند أنفسهم, كما يفعل الكاتب وأقرانه الآن,

ثم الله معاتباً المؤمنين, ومذكراً إياهم بالإعتصام به واللجوء إليه طوقناً للنجات من كيد الحاسدين قال لهم: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 101), ثم ذكرهم بأن طوق النجاة لن يكون سوى تقوى الله قلباً وقالباً, قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا « اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ » وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 102), واضح هنا أن الله تعالى يتحدث عن "الإيمان الخالص" فقط ولم يقل شيئاً عن عمل أو إنفاق, وهذا يتطلب من المعتصم أن (يُشَمِّرَ,, ويَحْذَرَ) حتى يأتيه اليقين, وهذا هو المقصود (بحق التقوى).

وليؤكد الله على هذا الإعتصام بالإخلاص في الإيمان مطلقاً وضع آلية عملية لذلك, قال لهم فيها: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ « إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا » - وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا - كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 103), صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (إنَّمَا يَأكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الغَنَمِ القَاصِيَةُ) أو كما قال.

ثالثاً,, الله تعالى في سورة التغابن, قد طلب من المؤمنين طاعته وطاعة رسوله, ثم حذرهم من مغبة التولي عنها, لأن الرسول ما عليه إلَّا البلاغ المبين, قال لهم: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 12), وعليكم تحمل تبعة ومغبة ذلك أمام ربكم. ثم أمرهم بالتوكل عليه لأن توكل المؤمنين لا يكون إلَّا على ربه, فقال لهم في ذلك: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ « فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » 13),, إذ لا مجال للنجاة من مكائد شياطين الجن والإنس غير هذا الخيار,, وهو الحذر مع التوكل على الله, فمن توكل على الله فهو حسبه.

و حذَّرهم من عداوة بعض الأولاد والأزواج المحدقة بهم, ثم دعاهم للعفو والصفح والغفران, فقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا « إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ » - وَإِن « تَعْفُوا » « وَتَصْفَحُوا » « وَتَغْفِرُوا » - فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 14), فهو سيغفر لكم ويرحمكم مقابل غفرانكم لهم ورحمتكم بهم, فالتحذير لإتقاء الشر وليس للإنتقام ومقابلة شرهم بشر مثله منكم.
ثم حذرهم من خطر آخر أشد ضرراً من سابقه, وهو فتنة الأموال والأولاد أيضاً, التي قد تلههم عن ذكر الله دون أن يشعروا بهذا الخر فيفوتهم أجر الله تعالى لهم يوم القيامة, فقال لهم مكذراً: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 15).

واضح أن عداوة بعض النساء (الزوجات) وبعض الأولاد, وفتنة الأموال والأولاد متعلقة بجمع المال والشح في إنفاقه,, لذا حذرهم الله تعالى أن يؤثر ذلك على تقوى الله فيهم وفي غيرهم والتقصير في واجباتهم مما يقلل من إستحقاقات أصحاب الحق عليهم,, فقال لهم محذراً: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ...), لأن المطلوب يلزمه إجتهاد كبير وحرص مثله, كما أن العمل والتقوى فيه لا تكونان إلَّا بالإستطاعة, لذا وجههم لما هو خير لهم وأحوط, قال: (... وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ...), ثم محذراً إياهم من البخل وكنز الذهب والفضة وحرمان مستحقيها منها من الفقراء والمساكين والمحتاجين في الأقارب والمجتمع, وأن يتجنبوا الشح في الإنفاق, فشجعهم,,, قال: (... وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 16), فمن أراد الفلاح فعليه تفادي الشح.

ثم فتح لهم أبواباً واسعة للإستزادة من التقوى عبر الصدقات والإحسان, فسماها قرض لله تعالى وأكد لهم انه سيضاعفه لهم أضعافاً كثيرة يوم القيامة, وهذه هي التقوى في الإنفاق, فليكثروا فيها ما إستطاعوا لذلك سبيلاً,, قال لهم: (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ 17). معنى هذا أن التقوى هنا هي الإستزادة من العمل الصالح بصفة عامة ومن سبل الإنفاق في سبيل الله بصفة خاصة وذلك بالتخلص من الشح وشهوة المال والنساء والأولاد والكنز.

خلاصة ذلك يتضح أن الآية الأولى متعلقة بالإيمان الصادق, لذا المطلوب فيه "حق التقوى", ولا يجز فيه القليل أو الناقص بأي قدر ويجب على المؤمن أن يحرص . أما الآية الثانية فهي معنية بحث الناس على تحري تقوى الله تعالى في العمل الصالح بصفة عامة وفي الإنفاق في سبيل الله بصفة خاصة لذا فالتقوى فيها "بقدر الإستطاعة", وفيها التنافس والتسابق إلى مرضاة الله ورضوانه.

رابعاً: هناك نماذج كثيرة من القرآن الكريم تؤكد مقاصد كل من الآيتين السابقتين من عدة سور نعرضها منها ما يلي:
(أ),, الآيات المتعلقة بحق التقوى: لأنها متعلقة بالإيمان الصادق بالله منها:

1. قوله تعالى في سورة الحشر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18), المطلوب هنا "حق التقوى", فالأمر متعلق بالإيمان.

2. وفي سورة النساء, قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا 131), وصاهم بحق التقوى.

3. وفي سورة الأعراف قال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 26), أشار إليهم بالخير كله وهو "حق التقوى".

4. وقال في سورة الفتح: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى » وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 26), وكلمة التقوى هي "حق التقوى", فأكرمهم بأن ألزمهم إياها.

(ب),, أما نماذج الآيات المتعلقة بالتقوى بالإستطاعة, منها ما يلي:

1. قوله تعالى في سورة البقرة: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ 197), ما أستطعتم لذلك سبيلاً,

2. وفي سورة الحج, قال: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ 37), ما إستطاعوا لذلك سبيلاً.

وهذا العرض يؤكد أكثر أن الإيمان لا يتجزأ, ولا تقبل فيه الوسطية بل التطرف إن جاز التعبير, لأن الله تعالى يريد الإستمساك بالعروة الوثقى, لذا فهو يقول في سورة البقرة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ - « فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ » - فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 256), وهذا هو حق التقوى.

أما تقوى الله من خلال العمل والطاعة والتطوع فإنها تقوى بالإستطاعة (ما إستطعتم), لأنها تتزايد وتتناقص حسب الإستطاعة والإستعداد to do your best
هذا - ببساطة شديدة - هو مدلول ومقاصد كل من الآيتين التين أشكلتا على هذا الكاتب, فلننظر ماذا قال عنهما فيما يلي؟؟؟.

الآن الكاتب - يختم هواجسه تلك, وهو يصور مفاهيمه الخاطئة العجيبة الغريبة, وقد جاءنا بهذه التركيبة التي قال فيها: ((... شئ غريب بالفعل , فالمُفترض أن الإله له رؤية ونهج وحكم يريده وهذا محدد منذ الأزل فرضاً , ويعلم جيداً ما يريده كما يعلم بإمكانيات البشر وقدراتهم كونه عالم الغيب وحده , فإما يريد من المؤمنين أن يتقوه حق تقاته أو ما إستطاعوا فإذا كان يُريد حق تقاته فلا داعى لما إستطعتم , وكذلك لو يرضى بما إستطاعوا التقوى فلا معنى أن يأمر بحق تقاته , وهذا يعطينا معنى واضح لبشرية النص لن يسعفها فكرة النسخ لأنه ستصيب الله بالتردد والغفلة والعجز والجهل عن معرفة الغيب وتحديد مشيئته وإرادته ...)).

للقارئ أن يستشف لنا أي درجة من العقلانية أو الموضوعية أو المنطق في هذا القول الشذر مذر, الذي لا علاقة له بأصل الموضوع إبتداءاً. فماذا يريد مبتدعه ليوصله للآخرين؟؟؟ ... على أية حال نحن لا نرى فيه أكثر من لغو حديث دون العصف الذهي فيما لا شئ, وإن كانت الفكرة قد تراود الكثيرين, فيكون بذلك قد ساعدهم على إلقاء الضوء على هذه النفطة بقدر معقول و لكنه لم يقف عند حد الفكرة, بل عيبه انه إفترض أحكاماً من عنده تتجافى مع المنطق والموضوعية تماماً.

ثم واصل عصفه في شتى إتجاهات, ولكن كلها ضلت طريقها للحقيقة,, وقد صور ذلك كله بقوله أيضاً ((... ولكن الحدث الذى صاحب الآية سيمنحنا رؤية واضحة بأننا أمام نصوص بشرية لحماً ودماً وإنفعالاًً يتم صياغتها وفقا لإرادة ومزاج الجمهور وبشكل ساذج ...)),

عفواً أيها الكاتب,, من أين جئت باللحم والدم والإنفعال والجماهير والأمزجة يا عزيزي؟؟؟ كل ذلك من آيتين خاطب رب الناس عباده المؤمنين, قال لهم إن التقوى لدي لها معيارين,, تقوى إيمان وتقوى عمل,, أما الأولى فلن أقبلها ناقصة, لأنها متعلقة بالإيمان بي وحدي وتوحيدي, وهي « حق التقوى » لا غير,, أما المعيار الثاني للتقوى ففيه فسحة لأنه مرتبط بالعمل والتطوع, وهذا الأخير متعلق بالإستطاعة,, علماً بأن هذا المعيار منطقي وموضوعي لأن العمل يتفاوت خاصة إذا كان مرتبطاً بالإنفاق ويستحيل أن يقوم أحد أو جماعة بالعمل 100% فأي حال مهما بلغوا من الدقة والحرص والحذر, ولو إتفق أن حدث ذلك من أحد مرة أو مرات فهذا من قبل الصدفة لا أكثر, فعمل البشر ناقص مهما كانت درجة الإتقان والحرص والإجتهاد, لذا قبل الله منهم أن "يَتَّقُوهُ فيه ما إستطاعوا لذلك سبيلاً", فما شأنك أنت بهم, وما التصور الخيالي الذي تسخر به من نفسك لتصل إلى سراب بقيعة ألا وهو التوهم ببشرية القرآن الكريم,, وها قد سخر منك وأعنته أنت نفسك على ذلك كما ترى... ثم ماذا؟

أراد الكاتب أن يضع لإشكاليته وطرحه نوعاً من الزخم بالتحلية والزركشة لعله يغطي التالف منها والسالف, والمخالف,, فقال: ((... فيذكر لنا الطبرى: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " آل عمران : 102 قال : جاء أمر شديد , قالوا : ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه ؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بالآية الأخرى : " اتقوا الله ما استطعتم" ... بلا بلا بلا .....)), حسناً ماذا تعني هذه الفقرة بكاملها, وماذا أضافت لمكتوبك من بيان؟؟؟ ..... للاسف الشديد مزيد من الضلال والتوهان,, أو لعل الكاتب قد نسي أن يذكر لنا متى أوحى الله تعالى بهذا البهتان, وعلى من نزل وحيه, وكيف كان ذلك؟؟؟ ..... أما إن كانت إجتهادات من أفراد, فهي غير ملزمة لأحد بأي حال, خاصة إذا كانت بعيدة عن روح الآية الكريمة ومعطياتها المحكمة المبينة.

ثم ماذا بعد أيها الكاتب, وماذا بقي لك من عصف سالب لم تضمنه في فقراتك هذه,,, وماذا تعني أو تريد أن تقول في عبارتك هذه التي تقول فيها: ((... وفى أسباب التنزيل للسيوطى : روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما أورد محمد قوله وإنْ تُبْدوا ما في أنفسِكم أو تُخْفوه يحاسِبْكم بهِ اللهُ , فإشتدّ ذلك على أصحابه، فأتوا محمداً ثم جثوا على الرُّكب فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا. غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما فعلوا ذلك نسخها الله بقوله : لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها , فمن هنا ترى أن محمد كان يتقلّب مع قومه ويدور معهم حسب ميولهم وأهوائهم ليرضيهم وهذا من السياسة .!! .. أية تنزل فلا تجد قبول من الجمهور فيتم حذفها وإستبدالها بآية أخرى فألسنا أمام كتابات بشرية لم تعتنى بأى درجة من الكياسة ...)).

بالطبع لا,,, أنت حالم, ولست أمام كتابات بشرية ولكننا نحن الآن أمام خطرفات وسخافات هزلية, أما الآيات التي جئت بها فلا علاقة لها إطلاقاً بكل كلمة وحرف جئت به في هذه الإشكالية التي فرضتها على الناس ولم تستطع أن تبلغ بها حافة المربع الأول بعد.

على أية حال فلننتظر معاً تقييم وتعليقات القراء الكرام فهم أصحاب هذا الحق, فقط أود أن أذكر الكاتب بأنه يتحدث دائماً بغير مرجعية من عنده لا من التاريخ ولا من الأدب ولا من المكتبات العلمية والعلمانية والإلحادية والنصرانية,,, فإلى أين تقود سفينتك هذه وهي كما ترى مشرفة على الغرق إن لم تكن قد غرقت بالفعل.

تحية طيبة للقراء والقارءات الكريمات,

بشاراه أحمد عرمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah