الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من يقظة للعرب ( 3)

فتحي علي رشيد

2017 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


أولا :الحدود والأوطان والإلحاق( ترسيم الحدود )
تكاد مشكلة موافقة البرلمان المصري على ضم جزيرتي الصنافير وتيران إلى المملكة العربية السعودية أن تخلق أزمة كبيرة لدى الشارع المصري , جعلت قوى وأحزاب مصرية معروفة بوطنيتها وثورييتها ,أبرزها حزب "كرامة " بقيادة "حمدين صباحي " المرشح السابق لرئاسة الجمهورية العربية المصرية تتصدى للقرار وتتهم الحكومة المصرية الحالية بالخيانة .الأمر الذي قد ينذر بحدوث مصادمات وأزمة خطيرة في مصر.
وأؤكد في هذا المضمار على أنني لست من المؤيدين للسيسي ولا مع حكم العسكر , ولكن لا بد من ضرورة التوضيح ل "صباحي "وغيره :إذا أردتم أنتم (حركة ستة إبريل وحزب الكرامة وحزب الدستور..إلخ ) التصدي لحكم العسكر بقيادة السيسي , فإنني وحرصا على قضيتكم في المواجهة الحق أعتقد أنكم بهذا الشأن اخترتم القضية الخطأ للمواجهة .
ولقد وجدت في هذا النزاع الراهن حول الحدود مع السعودية فرصة مناسبة للتوضيح وذلك من خلال سنوات طويلة من التقصي والبحث حول مسألة حدود الوطن العربي ولأشير إلى أهميتها البالغة اليوم ومستقبلا , ولكافة القوى والقادة والنخب والشعوب العربية . وبخاصة السورية منها كونني تعمقت كثيرا بمسألة ترسيم الحدود السورية مع كل من فلسطين ولبنان والعراق وتركيا والأردن , وهي الدراسة التي قام بها المرحوم الدكتور ياسين زكريا عام 1950, وحصل يومها على شهادة الدكتوراه من جامعة باريس (1)
ومع أنني نشرت عددا من المقالات والأبحاث حول تلك المسألة ,عام 2000 إلى عام 2002 في صحيفة الكفاح العربي , إلا أنني لم أتمكن من نشر كل الحقائق المتعلقة بترسيم الحدود بين الدول العربية (2) .وبمن قام بها ولمصلحة من .وأكتفي هنا بالاشارة إلى أولا : إلى أن اتفاقية عام 1923 التي أبرمتها الحكومتين البريطانية والفرنسية ووقع عليها كلا من الجنرالين الفرنسي "بولية " و"نوكامب " الانكليزي . والتي وقعت عليها عصبة الأمم عام 1924 دون التدقيق في ماتم الاتفاق عليه ورسمه في الخرائط , وتم التوقيع عليه , وبين ماتم ترسيمه على أرض الواقع فعلاً . فالامر الهام جدا أن يعرفه الجميع حسب ماذكر الدكتور ياسين أن ترسيم الحدود على أرض الواقع تم من خلال وضع رجوم الحجارة , أوأحجار "الديكسترو" من قبل مهندسين يهوديين بما يتفق مع ما كانت تسعى إليه الحركة الصهيونية , كي تضمه إلى حدود دولتها المستقبلية بما يحقق لها الأمن والقدرة على الضرب والمواجهة .
وهذا من شأنه أن يفهم منه أولا : أن تلك الحدود التي نتمسك بها ونتقاتل عليها لم نضعها نحن العرب , بل وضعها لنا أعدائنا , سواءأكانوا فرنسيين أو انكليزأو يهود صهاينة بالإتفاق فيما بينهم أو بينهم وبين الأتراك والفرس من وراء العرب أو من دون علمهم أو إرادتهم .ليصبح المطلوب منهم بعد ذلك التمسك بتلك الحدود والدفاع عنها , كما لو كانت حدودا منزلة من السماء .
وأشير ثانيا : إلى أن الاتفاقية جعلت لفلسطين حدودا تمتد على شكل لسان بعرض مئتي متر وعمق كيلومترين ضمن الأراضي السورية والأردنية . بما يجعل إسرائيل المستقبلية ( وريثة فلسطين) تسيطرعلى منابع المياه , وتهدد كلا من سوريا والأردن .وبما يجعلها تسيطر على الشواطئ الشرقية لبحيرة طبرية خلافا للقواعد الدولية لرسم الحدود بين الدول .
وأؤكد ثالثا :على أن هناك ثلاثة خطوط للحدود مع فلسطين المحتلة . أولها المحددة حسب اتفاقية ( بوليه ـ نوكامب ) عام 1923 , والثانية المتفق عليها استنادا لاتفاقيات الهدنة , ( الأخضر خط الهدنة الموقع عام 1948 ) الذي تجاوزت فيه إسرائيل على تلك الحدود .ثم ثالثاخط الحدود الذي رسمته القوات الإسرائيلية بالقوة العسكرية خلال حروبها العديدة في أعوام 1956 ,1967 , و1973 , وحرب عام 1982 مع لبنان والذي أصبح له مع إسرائيل خط رابع سمي بـ" الخط الأزرق " رسمه "تيري رود لارسن " عام 2001 والذي تقع خلفه أربع وعشرين منطقة وقرية ونقاط مراقبة لبنانية حساسة تحتلها إسرائيل .
ونشير هنا إلى أن الحكومة المصرية عام 1949 ( بعد الهدنة وخلافا لما تم الاتفاق عليه فيها ) تخلت عن قرية أم الرشراش الفلسطينية بطيبة خاطر لإسرائيل ,التي حولتها عام 1952 إلى ميناء " إيلات " .الذي أصبح أهم ميناء لإسرائيل كونها تمكنت من خلاله الوصول إلى كل سواحل إفريقيا , والهند والصين وجنوب أسيا .
ونذكر هنا بأن عبد الناصرالذي يُجِلٌه السيد "حمدين " كثيرا قد سمح للبواخر الإسرائيلية المرور من مضيق جزيرة تيران بعد حرب عام 1956بعد اتفاق رعاه أيزنهاور مع احتفاظ مصر بحق إغلاقه عندما تتعرض للخطر .ومع أنه أغلقه قبل حرب حزيران ,إلا أنه عاد ففتحه للملاحة الإسرائيلية عام 1978 . ثم ترك السادات المجال مفتوحا لقوات الطوارئ الدوليةلأن تقيم على جزيرة تيران مطارا خاصا تقيم فيه قواتها لمراقبة الحدود و لمنع تكرار ماحصل عام 67 19.
ونحن هنا لن نجادل في من هو أحق بهاتين الجزيرتين من الناحية القانونية بين بلدين عربيين وجارين ,مع أنهما تتبعان حسب قانون البحار الدولي للسعودية . على الرغم من أنها تركتها تحت الحماية المصرية عام 1932 بعد أن أنشئت المملكة .
وهنا نسأل : أيهما أفضل أن تتبع وتخضع الجزيرتان للقوات الدولية , أم أن تتبع من الناحية القانونية للسعودية بما يمكنها من إقامة ثلاثة جسوربينها بكلفة أربعة ملياردولار تربط مابين مصر والسعودية, بما يمكن المواطنين والتجار والمزارعين المصريين من التنقل براً بسياراتهم بين البلدين دون عناء ركوب البحر ,وبما يوفر على المصريين الكثير من الأموال ,إضافة لكون ذلك سوف يعززالتجارة والعلاقات الأخوية بين البلدين ؟ أكثر مما هي عليه حاليا بين البلدين , وعلى حساب اتفاقية الكويز(3 ) الموقعة مع أمريكا عام 2014.
نؤكد أنه ليس من الخطأ التنازل اسميا عن جزر قاحلة للسعودية والتي يمكن أن تنعكس ايجابيا على حياة الشعب المصري أكثر من السعودي . وإنما كان الخطأ في التنازل عن ام الرشراش , وعن فتح مضائق تيران للملاحة الإسرائيلية و بلغ الامر الى الخيانة في إبرام اتفاقات كامب يديفيد والتمسك بها , في السماح لإسرائيل المرور في قناة السويس , وفي التنازل عن السيادة الكاملة عن سيناء . و الخيانة في تقديم الغازالمصري لإسرائيل بأقل من سعر تكلفته , في اشتراك مع إسرائيل في حصار غزة .
كما كان الخطأ في التنازل عن الأهواز ( 25 ألف كم من أرض العراق الحاوية على 70% من نفط إيران ) لإيران منذ عام 1925 ,و في السكوت على ضم إيران لجزر طنب و أبو موسى .و في سكوت السوريين على ضم تركيا لحوالي ثلث مساحة سوريا منذ عام 1936. وفي السكوت على اعتبار البطيحة وحواف بحيرة طبريا الشمالية الشرقية خاضعة لإسرائيل .و في السكوت عن ضم أراضي الحولة المنزوعة السلاح لإسرائيل قبل عام 67 وعدم المطالبة بها , في السكوت على احتلال الجولان وفي قبول اعتبار لبنان دولة مستقلة بينما هي تاريخيا وإداريا وجغرافيا محافظة سورية . في السكوت على الاحتلال الاسباني لسبتة ومليلة وجبل طارق ..إلخ
ماينطبق على الحدود بين السعودية ومصر يتكرربذات الأسلوب بين جميع البلدان العربية تحت مسميات مختلفة ( لن نتوسع في إيراد اسماء المناطق المختلف عليها في هذا المجال الضيق جدا ). بما قد يؤدي إلى خلق نزاعات مسلحة بين الدول العربية مستقبلا . والأهم هو أن فتح الحدود بأريحية بين الدول العربية يصبح مطلبا قوميا شعبيا مطلوبا ـ خاصة إذا كان سيؤدي , وهو سيؤدي حتما إلى تمتين العلاقات التجارية بينها ويقوي اقتصادياتها ويقرب بين شعوبها وحكوماتها .
ثانيا : الدول الوطنية ـ
يعرف الجميع أن جميع الدول العربية الحالية كانت حتى عام 1832 تابعة من الناحية القانونية والإدارية للدولة العثمانية , ولم يكن بينها لاحدود ولاجوازات سفر,أونقاط مراقبة وتفتيش أو جمارك . بما كان يسهل على المواطنين والمفكرين والتجار والعمال والفلاحين العرب ومنتوجاتهم من التنقل بحرية. تذكروا الخط الحديدي الحجازي المنشأ عام 1898 والذي كان يصل مابين اسطنبول وحلب ودمشق وفلسطين والأردن والحجازحتى مكة ومن شاهد بقايا الخط الحديدي الذي يمر في وادي "جلين " تجاه حيفا يتعجب كيف تم تمديده فوق الأنهار والبحيرات وعبر الجبال . ويدرك عظمة تلك الدولة والسلطة والنفوذ التي كانت وراء تمديد تلك الخطوط التي اعتقد أن الدول العربية مجتمعة ستعجزعن إشادة مثيلات لها ولو بعد خمسين سنة .
بما كان سيؤدي إلى تنشيط كل أنواع المبادلات المفيدة للجميع , من دون أي قيود وبما كان سينعكس بفعالية وقوة ومنعة على الجميع .وأنا شخصيا ماأزال أذكر ماكان يترد حتى عام 1950 , سواء في سوريا أوفلسطين ,على ألسنة كبار السن " سقا الله أيام العصملي " . حيث كان الجميع يترحمون على الأيام التي كانوا فيها موحدين ومتواصلين ولو في ظل دولة غير عربية .
من يعرف ذلك أو يتذكره سيعرف لماذا نحن اليوم ضعفاء ومهترءين .وهنا أعود مجددا للتاريخ لاهميته لفهم حاضرنا المأساوي لأننا من دونه لن نفهم جذور أية مشكلة وفهم الحقائق المرتبطة بها , والتي من خلالها يمكن وضع حلول صحيحة لها . ولعل أهم مشاكلنا القديمة واستمرار كثير منها حتى اليوم ,ينجم عن التسرع في اتخاذ المواقف إزاء ما سيستجد من أمور, دون العودة لجذور المشكلة من جميع النواحي التاريخية والقانونية والفكرية والأخلاقية , بما يؤدي إلى تقديم حلول مبتورة لها , ومن دون التمحيص في أسبابها القديمة ومن دون عملية ربط دقيق بين الماضي والحاضر .
يتسرع الكثيرون حتى اليوم في القول ,بأن القضاء على الدولة العثمانية كان يهدف إلى القضاءعلى الخلافة الإسلامية , ويتوهمون أن ذلك كان مؤامرة صهيونية غربية على الإسلام والمسلمين وقد ساهم القوميين العرب فيها من خلال تحالفهم مع الإنكليز واليهود من دون تدقيق في التاريخ .
في حين أن الحقائق التاريخية تؤكد على أن من قضى على الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية لم يكونوا العرب بل الأتراك أنفسهم ( حزب الاتحاد والترقي ) عام 1909 عندما أزاحوا السلطان عبد الحميد عن السلطة , وذلك قبل أن يظهر مايسمى الشريف حسين وثورته العربية الكبرى المزعومة بسبع سنوات . وتبين أن من تنازل عن جميع حقوق الدولة العثمانية في البلدان العربية كان الأتراك في اتفاقيتي سيفرولوزان ومؤتمر الصلح الذي عقد عام 1919 .وأن من حل الخلافة الإسلامية كانوا الأتراك بزعامة "أتاتورك " عام 1924 , وأنه لم يكن للقوميين العرب أي دور في أي من تلك الأفعال .
ومن المهم التأكيد على أنه نشأ عن هذين الأمرين عدة مشاكل .أولها تنازل تركيا عن الأراضي العربية للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وليس للعرب أصحاب الأرض الأصليين والحقيقيين .والثانية في تقبل (الثوار ) العرب حكم هذه الأرض مجزأة ومقسمة حسب ماشاء ورسم وخطط الانكليز والفرنسيين والصهاينة .والثالثة في تقبل الشعوب والنخب العربية لنشوء حكومات هشة أوعميلة وتابعة , حكومات وحكام عينها أو فرضها عليهم الانكليز والفرنسيين والأمريكان عنوة .والرابعة في كون الشعوب والنخب العربية ماتزال حتى الآن تتمسك بتلك الدول والحدود والحكومات وتدافع عنها رغم معرفتها بذلك ,ومعرفتها بأن ذلك يتناقض مع مصالها كشعوب .وعلى الرغم من أن تلك النظم والحكومات كان يجب أن ينتهي منذ أن تنازلت تلك الحكومات عن أجزاء من تلك الأراضي التابعة لها تاريخيا . لغيرها من الدول .أو لعدم قدرتها في الدفاع عنها وعن شعوبها .

ثالثا :العمالة والتبعية والإلحاق ـ
النقطة الأساسية الثالثة والأهم التي نسعى إلى لفت الانتباه إليها من كل ما سبق . هو أن قيام دول صغيرة مجزأة سهل على الدول الاستعمارية وضع ملوك ورؤساء عليها (الملوك فيصل وعبدالله ,وعبد العزيز.والإمام يحيى وسلاطين عمان والبحرين والخليج ,,إلخ ورؤساء جمهوريات كلا من مصر وسوريا ولبنان ) , لذلك لم يكن بوسع هؤلاء الحكام إلا أن يكونوا أوفياء للإنكليز ,ومن ثم للأمريكان أكثر مما هم أوفياء لشعوبهم وبلدانهم , وأن ينفذوا مايطلبوه منهم بدءا بالتمسك بالسلطة الحاصلين عليها دون وجه شرعي ( بما يكرس التجزئة ) ,وبالتالي الالتزام بتصدير الموادالأولية واستيراد ماتصنعه البلدان الاستعمارية ,بما يؤدي إلى منع التنمية العلمية والاجتماعية بما يحول دون نشوء صناعات متطورة , وبما يبقي تلك البلدان وشعوبها تعتمد على تصدير المواد الزراعية ( قطن قمح زيوت خضار وفواكه )أو ثرواتها الباطنية ( نفط غاز ملح فوسفات ) أو مواد استهلاكية مثل الجلود والألبسة والأحذية والعلكة والشيبس , بما يجعل شعوب تلك البلدان فقيرة ومعتمدة في حياتها على الدول الغربية والصناعية المتقدمة لاستيراد المواد والأجهزة والألات والآليات والأدوية والأسلحة ..إلخ بما يؤدي إلى نهب كل فائض الانتاج ( خيرات تلك البلدان وثرواتها , وجهود وعمل ابنائها ) وبما يجعل اقتصادياتهم تابعة وملحقة بالغرب , وووجودهم وأمنهم بحاجة للأمريكا والغرب للدفاع عن بلدانهم بما يجعلهم أيضا تابعين سياسيا وثقافيا . وعندما يسعون إلى مخالفة ذلك تتم إزاحتهم .
وهناك الكثير من الأدلة والوقائع تؤكدعلى أن الأمريكان ( ومن خلفهم الصهاينة ) عندما لايرضون عن أي حاكم أو حكم ( يسمى لفظا نظاماً ) أوعندما لايعجبهم سلوكه ,أو عندما يخالف أوامرهم ,أو عندما تنتهي مهمته وخوفا من صحوة شعبية يصبح من الصعب عليهم التحكم بها ,أو..إلخ .وهناك دائما الكثير ممن يصطفون على الدور ينتظرون الفرصة المناسبة للإنقضاض على السلطة .وهذا مافعلوه مع كل من عبد الناصر وصدام حسين و وزين العابدين ,وحسني مبارك ومعمر القذافي , وأحضروا فورا بمن هم أسوأ منهم . ولذلك فهم يقبلون حتى اليوم بعلي عبد اله صالح وبشار الأسد وعبد العزيزبوتفليقة وحسن البشير , وبكل الملوك والأمراء العرب, كونهم يلتزمون بتفيذ ما يطلبونه منهم .
واللافت للنظر أن الحكام العرب ـ على عكس مايفعله أغلب حكام بلدان العالم الثالث , يعملون على منع إقامة تكتل اقتصادي عربي , بل يقيمون مزيدا من الحواجزالأمنية والجمركية , ويضعون العوائق السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية , بما يحول في المستقبل دون تكامل وتطور ونمو دولهم وشعوبهم وتجارهم وبضائعهم ومثقفيهم وعلمائهم .
والمؤسف فعلا إلى ما انتهينا إليه في ظل هذه الأنظمة والحكام حتى وصلنا لمن يتغنى ببلدانها وحكامها الفاشلين ( أنا سوري يانيالي ,وأنا لبنيني ماأحلاني ,وأنا عراقي ما أعظمني ,وانا دمي فلسطيني ,ولبنان فوق سابع سما وفوق الدني كلها , ومصر أم الدنيا ,,إلخ )في الوقت الذي يرزح فيه الشعب اللبناني على أرض الواقع تحت ضغط القمامة "الزبالة "والديون الخارجية , ويقع ثلاثة أرباع الشعب المصري تحت خط الفقر, وثلاثة أرباع الفلسطيننين بلا وطن ..إلخ ) .
رابعا : تأبيد التجزئة والتبعية والتخلف :
نلفت النظر إلى حقيقة جرى تجاهلها كثيرا تتعلق بتفسير سبب ثبات ودوام هذه الأنظمة على الرغم من فسادها وعدم صلاحيتها . لذا من المفيد أن نتذكر أن الانكليزوالأمريكان بعد أن قاموا بتقوية النزعة القومية لدى الشعوب العربية وأضعفوا الرابطة الدينية , أصبح من السهل عليهم فك عرى الترابط الروحي والسياسي والاقتصادي بين العثمانيين المسلمين والعرب , وبعد أن حققوا مهمتهم في فصلهم عن الدولة التركية ,أصبح من السهل عليهم تقسيم بلدانهم وتجزئتها , ومن ثم الانفراد بكل طرف على حدة بما يجعلهم يخضعون ويتبعون لهم ويتعلقون بأذيالهم ( وهو ماأكدعليه كلا من جورج أنطونيوس وألبرت حوراني وفيليب حتي في كتاباتهم الكثيرة ) ) . ثم عملوا خلال فترة الانتداب على تقوية النزعة القطرية والانفصالية ( التي سميت فيما بعدمن قبل الماركسيين والحكام بالروح الوطنية ) ,بحيث أصبح في كل بلد طبقة من الحكام والتجار والمثقفين والمشايخ ( التي تهلل للحاكم في بلدها ) مستفيدة من التجزئة تدور في فلكها نخب وفعاليات اقتصادية هشة .فباتوا جميعهم حريصون على بقاء دولهم منفردة .عندها كان لابد من تثبيت هذه الوقائع والعمل على دوامها من خلال كيان سياسي جامع ومفرق ( جاذب ونابذ ) أطلقوا عليه اسم جامعة الدول العربية :
وللتأكد من ذلك راجعوا ماقاله "انطوني إيدن " وزير خارجية بريطانيا عام 1941 أمام مجلس العموم البريطاني " إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ,وبأنها سوف تعمل وترمي إلى وحدتهم الاقتصادية والسياسية "وبناءعلى موافقة وزارة المستعمرات على هذه الخطوة عام 1943 دعى "ايدن " كلا من مصطفى النحاس ( مصر ) وجميل مردم بك ( سوريا ) , وبشارة الخوري ( لبنان ) , ولانقول أمرهم إلى الاجتماع والإسراع بتشيكل جامعة الدول العربية .وهكذا تشكلت هذه الجامعة المانعة , بدلالة أنها منذ تشكلها وحتى اليوم ركزت في ميثاقها على على فكرة استقلال الدول العربية ,وأكدت على بقاءها (من ناحية )منفصلة ومتباعدة ومتنافرة ,بحجة الحفاظ على سيادتها واستقلالها ,ومنع التدخل في شؤونها الداخلية .(ومن ناحية أخرى ) على تجميعها في تكتل قومي شكلي ( باعتبار أن قراراته حتى المقررة بالاجماع ليست ملزمة إلالمن يوافق عليها ) بما يفهم منه أن اجتماعات مجلس الجامعة أو اجتماع الملوك والرؤساء عدى عن كونها لهذا السبب ستكون مضيعة للوقت إن لم يتم الالتزام بها ’ فإنها تهدف عند الأزمات والملمات والكوراث والهزائم إلى الاجتماع وإطلاق الخطب النارية ,ولامتصاص نقمة الشعوب والنخب الثائرة ,(كذب وتلفيق وخداع ) , بدلالة انعقاد مجلس الجامعة والملوك والرؤساءعشرات المرات دون أن ينفذوا بنداواحدا مما تم إقراره . وهو ما انتقلت عدواه إلى الأحزاب القومية .
فحزب البعث العربي الاشتركي ,وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية رغم رفعهم لشعار الوحدة وتبنيهم لفكرة القومية العربية ( أمة عربية واحدة ..) منذ سبعين عاما ,لم يحققوا هذه الوحدة حتى فيما بين قطرين حكمهما حزب البعث ( سوريا والعراق ) أربعين عاما . والأدهى من ذلك أن هذه الأحزاب وهؤلاء الحكام لم يعملوا حتى على توحيد شعوبهم في أقطارهم المنفردة . فالوقائع على الأرض تشير ( خاصة الأخيرة ) إلى أنها ساهمت في الابقاء على القبلية والطائفية والجهوية والمذهبية .وجمعت الناس على النفاق والكذب تحت شعار زائف كلنا عرب وكلنا أخوة . لكنها عملت على أرض الواقع في جعل ابناء القبائل والطوائف والمذاهب والأديان الأقليات ونخبها تتجمع شكلا دون أن تتوحد فكريا وقلبيا . فصارت تقف إلى جانب بعضها كما هو الحال في لبنان , منقسمة على نفسها شاقوليا إلى مدن طوائف (اثنياوطائفيا وقبليا ) وأفقيا ( من الناحية الطبقية والمصالح المتنافرة )وغير متحدة وغير متضامنة , بل ومتنافسة ومتصارعة ومتقاتلة . لذلك باتوا كلهم خلال المئة سنة الماضية ( منذ الانتداب ) حريصون على تأبيد ماخلقه الاستعمار أكثر من الاستعمار ذاته بحيث إن حضر أو غاب تحقق مايريده .
وهنا كمقدمة لما سنبحثه في مقال آخر نشير إلى أن جامعة الدول العربية الست المجتمعةعام 1945 استثنت دولة فلسطين من اجتماعاتها , كونها( على حد ماجاء في بيان الملوك والرؤساء العرب ) تخضع لصك الإنتداب الصادر عن عصبة الأمم المتحدة عام 1922. وكأن بقية حكومات الدول الست الموقعة على بيان التشكيل لم تك يومها خاضعة لذات الإنتداب .فالكل يعرف أن القوات العسكرية لبريطانيا وفرنسا في ذلك التاريخ كانت ماتزال تحتل كل تلك الدول,فهي لم تخرج من سوريا ولبنان إلا عام 1947 ومن مصرإلابعد عام 1952 ومن العراق والأردن إلابعد عام 1959..إلخ .مما يعني ويفهم منه ويؤكد على أن أحد أهداف جامعة الدول العربية كانت التمهيد لإخراج فلسطين من خارطة الوطن العربي لتقديمها لليهود الصهاينة ,تنفيذا للوعدالذي قطعته الحكومة البريطانية على نفسها عام 1917 ,وللالتزامات التي وقعت عليها في صك الانتداب أمام عصبة الأمم المتحدة ( الاستعمارية ) عام 1922. بما يفهم منه أن أحد أسس وأهداف انشاء جامعة الدول العربية كان ومازال يرمي إلى نبذ فلسطين لجذب وتقبل دولة اليهود , وهي ماسميت ب " دولة إسرائيل " وليس من المستبعد أن يكون هناك ثمة قبول قديم جديد بها كي تسود .
فتحي رشيد
15/ 6 / 2017
هامش للتوضيح
(1 ) الدكتور ياسين زكريا من مواليد القلمون عام 1928حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون لبحثه في " الحدود السورية من الناحية التاريخية والقانونية ", أصبح مديرا لمكتب الشؤون القانونية في وزارة الخارجية , لمدة عشر سنوات , ثم عين سفيرا في روما ثم طهران ,وبعد أن أصيب بجلطة دماغية وتعافى تقاعد ,وقدم الدراسة لوزارة الخارجية السورية لتقوم بترجمتها لكنها نامت عنها ووضعتها في الأدراج . ومن المؤسف أنني على الرغم من أنني صرفت الكثير من الوقت والمال معه وتحت إشرافه للمساعدة في ترجمة فصولها أثناء إقامته الطويلة في دار الحنان للمسنين في المزة, إلا أنني لم أتمكن من نشرها لعدم قدرتي على أخذ موافقة ابنائه المقيمين في أيطاليا على إعطائي حق نشر ماكتبه والدهم .ومن المؤسف أن أقول أنه لم يخرج في جنازته بعد أن غادر الحياة عام 2009 , سوى بضعة أشخاص .
(2) إذا كانت بعض الصحف رفضت نشر مقالات تتضمن بعض مما جاءفي كتاب الدكتور ياسين ,فكيف ستسمح بنشر كل ماجاء في الكتاب ؟
( 3) اتفاقية الكويزموقعة بين الحكومة المصرية والولايات المتحدة عام 2014 , تقضي بأن يدخل 11% من الانتاج الإسرائيلي ضمن البضائع المصرية المصدرة ,بما يسمح باعفائها من الرسوم الجمركية في أمريكا .الأمر الذي سيجعل ربع الاقتصاد المصري على الأقل ـ تابعا وملحقا بالاقتصاد الإسرائيلي والأمريكي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع