الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدمغتنا أمام المغسلة العربية، والإسلاميّة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 6 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


القتل الجماعي والفردي لا يدفعك للبكاء بل للغضب، لا يمكن أن تبكي جثاميناً تكوّمت على بعضها بفعل السّارين، أو بفعل السباحة في الدّم، هذا أمر طبيعي تعودنا عليه. لا دموع أمام تلك المناظر التي تبثّها لنا القنوات العربية، والناطقة بالعربية المموّلة من قبل من يريد إفناءنا كشعب من على وجه الأرض.
البارحة وقفت أمام صورة أب كردي يقف في وضع الاستعداد ويحيي ابنه الشّهيد تحيّة عسكرّية. لا أعرف ملابسات الموضوع، لكنّني نمت واستيقظت وأنا أذرف دمعي لا إرادياً. أذرفه ليس على الشهيد بل على الأب، فلا أحد عرف بحرقة قلبه في تلك الليلة سواي، وكأنّني به يقول: لم أنجبك كي تموت.
بغض النّظر عن عدالة أيّة قضيّة فإننا خلقنا لنحيا، وعندما نقول نموت ويبقى الوطن ، فكيف يمكن للوطن أن يبقى لو متنا؟ سوف يموت معنا.
قبل سنين طويلة. حدث معي موقف مشابه، فقد عرض فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية أمّاً تدوس في بطن ولدها المقتول للتوّ بتهمة الخيانة، وهنا أورد عكس الحالة الأولى. بكيت أيضاً حتى الصّباح. لماذا قتلتم هذا الفتى؟ ولماذا جلبتم أمّه لتدوس في بطنه؟ هل هو موقف طبيعي؟
في مرّة رأيت ستة فتيان فلسطينيين يقتلون لأنهم خونة، فقد أطلقوا عليهم النّار، ولا زالوا يتخبطون بدمائهم. لا زالوا يحاولون تحدّي الموت. كانوا في السادسة عشر من عمرهم، ولا يمكن لفتى أن يخون، أو لا يخون، فالخائن عادة يكرّم.
بكيت مرة أخرى لأنّ صديقتي في القامشلي مات أولادها في تفجير، وبقيت هي على قيد الحياة. لم أتواصل معها ولا مع عائلتها لأنّني لا أعرف ماذا سوف أقول. بكيت من أجلها وصليت من أجل أن تموت ،ولا تكمل حياتها مع ذلك الحزن الذي لا طاقة للبشر على احتماله.
أتحدّث عن الموت، وليس عن عدالة القضايا التي يموت من أجلها النّاس.
سألت صديقتي اللبنانية التي تعيش في الإمارات، وهي شيعيّة من الجنوب، -كانت عائلتها تنتمي للحزب الشيوعي ثم أصبحوا من حزب الله- لماذا تتحجبين، وقد كنت لا تؤمنين بالحجاب؟ أجابت: لا تستطيعين استيعاب الأمر. نحن في الجنوب لنا قصص لا يفهمها غيرنا. تحدّثت لي كيف قتل حزب الله أخاها كخائن، وكيف توسلت أمها لهم جميعاً أن ينتسبوا لحزب الله كي لا يقتل إخوتها البقيّة مع أنّ بعضهم يعيش خارج لبنان، وقالت لي بالحرف الواحد: لو سكنّا في المريخ سوف يطالنا- أي حزب الله-. هذا كان قبل الثورة السورية بزمن طويل يومها كان المعارضة السورية الحاليّة تمجدّ حزب الله، وترفع أعلامه، وفيما بعد قالوا كنّا نجهل الأمر.
ما هو المطلوب منّا اليوم؟
مطلوب منّا أن نغسل دماغنا بأنفسنا، أو أن يكونوا مضطرين لغسله بالقوة.
علينا أن نموت، فقد اخترنا ثقافة الموت عن سابق إصرار وتصميم. نموت من أجل إسقاط النّظام. نموت من أجل الإسلام. نموت من أجل الوطن. نموت من أجل محاربة الإرهاب، نموت من أجل هذه القضيّة وتلك القضيّة، ولا نفكر بشعار مثل شعار " نعيش من أجل الوطن" ،"نعيش من أجل المستقبل" إنّها ثقافة الموت.
من يعرف الأوضاع عن كثب في بلادنا العربية، وفي سورية بشكل خاص. سوف يتأكّد أنّ عائلة الشهيد تعاني من المجتمع، وربما من الفقر، والسجين يخرج من السجن ليرى نفسه معزولاً وأحياناً يرغب بالعودة إليه. لا تصدّقوا ذلك التمجيد للشهداء. هو فقط في ساعة الدفن لتمجيد راية من الرّايات.
لا أعرف الفرق بين القاتل والمقتول عندما يموت الاثنان. قد يصنّف كلاهما كبطل محارب بين جماعته، وذويه، فقد أصبحنا كلّنا نقتل كلنا.
إذا كنا نموت كي نقضي على الإرهاب فللإرهاب" ربّ يحميه" ولا تفيد بندقيّة شاب في مقتبل العمر في القضاء عليه. توسّلوا إلى ربّ الإرهاب، وصلّوا له من أجل الخلاص، ويمكنكم الصّلاة أمامه باللغة العربية. أقوى دول العالم تشارك في القضاء عليه. دعوها تعمل وحدها.
هل نلوم العالم لأنّه وقف متفرّجاً على ألمنا كما يقال؟
لم يقف العالم متفرّجاً. بل كان يرى عن كثب، ولا تبرئة له في الصمت أمام تلك الدّماء، لكن لو لم نلم أنفسنا نكون في خطأ أشد، فنحن من باع سواء للدول العربية أو غير العربية، ونحن من كرّسنا الفضاء والقلم ليس للدفاع عن الشّعب بل لتأييد ذلك البلد العربي، أو غيره، ونحن من قبضنا ثمن انشقاقنا عن النّظام أي نحن فاسدون عندما كنّا معه، وعندما تركناه.
من نحن؟
بالطبع الفئات السياسية التي بيدها المال والسلاح، وليس الشعب الأعزل الذي يقتل على مدار السّاعة. نحن هي السّلطات السياسية المتنوعة التي تحكم سورية فعلاً، والتي تتلقى أوامرها من تجّار السلاح، والمخدرات، و نحن ليس الشّعب السوري الذي تأكله النيران، فهو لم يعد يعنيه من الحياة سوى رغيف الخبز وحياة أبنائه.
تبين أنّه لا إسلاميين في سورية، فكلّ الفصائل الإسلامية يقبض قادتها مبالغ طائلة، وأمامهم المغسلة حيث نقف بالصّف لنغسل أدمعتنا، وربما نكون مضطرين أحياناً.
سورية لم تكن علمانية يوماً، ولا إسلاميّة مع أنّ الإسلام كان ولا زال مصدراً من مصادر التّشريع، لكن الحياة الطبيعية لم تكن بذلك السّوء.
لو بدأنا للتوّ الدّعوة من أجل الحياة، وعدم تمجيد الموت. لو لم يتجند الشباب والقصر بالقوة في المليشيات ، وتركناهم يتعلّمون ويمارسون الحياة. لو رفضت النساء المشاركة في القتل فليس من طبيعة المرأة حبّ الدماء. لو، ولو، وكلّها أمنيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طابـــور البــقر
ركاش يناه ( 2017 / 6 / 15 - 16:03 )


طابـــور البــقر
_________


إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة ... فلا بـــد أن يستجيب القــدر

لكن إذا ما هتفت ابواق الممات ... فلا نــــهاية لطابـــور البــقر

يا حزنى على شرقنا التعيس

....


2 - النعي والطور البحراني
جلال البحراني ( 2017 / 6 / 16 - 14:22 )
النعي والطور البحراني
ومن منا لا يبكي! بمناسبة وفاة الإمام علي
المحيط الوسط التربية المجتمع أقوى عشرات المرات من الفرد
مثل
سأضع ملف قراءة حسينية، بحرانية (هذه الطريقة يختص بها البحارنه شرق السعودية وبعض جنوب العراق، الناصرية البصرة)،، حتى طريقة قرائه المقامات، مثل الدشت الرست البيات إلخ، تختلف عن إيران و شمال العراق
ما يميز البحارنه في القراءة عموما حتى عن جنوب العراق، هو أن المأتم الحسينية تتحول لعمل كورالي أوبرا، (عفوية ومن تلقاء نفسها)، إسمعي الخلفية كأنها هارموني! ربما السبب هو صغر المجالس، القرى، التكرار عبر عشرات الأجيال
لاحظي الشيخ العصفور، يدعو الأخرين للمشاركة، لكنهم ليسوا بحاجة له هو فقط، مايسترو، هم يسبقونه، الكل يتسابق على أن يصبح جزء من الكل، جزء من الجماعة،، و من لا يحب أن يكون جزء من الجماعة!؟ طبعا الموضوع أكبر بكثير من نظرياتنا!
https://www.youtube.com/watch?v=3u4och5nlsc


3 - حزب البعث دمرت دولتان حكمتها!
حميد كركوكي ( 2017 / 6 / 16 - 15:11 )
الفكر البعثي الشمولي العفلقي دمرت دولتان حكمت هما { سوريا و العراق } لأن حزب البعث حزب قومي برجوازي و شوفيني و نازي عربوي سادي!

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟