الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الاستفتاء في كردستان العراق

صالح بوزان

2017 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


حبذا لو نبحث موضوع الاستفتاء في كردستان العراق بعيداً عن العواطف والشعارات. فالقرارات المصيرية تفسدها العواطف. هناك حقيقتان بات الجميع يدركها. الأولى أن الكرد يريدون أن تكون لهم دولة. والثانية أن السبب الرئيسي الذي يدفع الكرد لإقامة دولة لهم هو أن الشركاء الفرس والأتراك والعرب كانوا أسوء الشركاء عبر التاريخ. جرت تطورات عديدة في عقولهم تحت تأثير الزمن. لكن موقفهم تجاه الشعب الكرد بقي على حاله. بقوا متكاتفين مع بعضهم بعضاً ضد الكرد رغم كل اختلافاتهم في القضايا الأخرى. وبالتالي عندما يحدد الكرد في أي جزء من أجزاء كردستان شكل الحقوق التي يريدونها فهم واقعيون في مطلبهم. يأخذون بعين الاعتبار الواقع وتوازن القوى الداخلية والإقليمية والعالمية. يعني هذا الكلام أن القرار الكردي في حق تقرير مصيره مرتبط بمدى استعداد الشريك لتغيير نظرته التاريخية لهذه الشراكة. وإذا قرر الاستقلال أخيراً يعني ذلك أن الشريك لم يترك له خياراً آخر. فالكرد يعلمون أن الدول الكبرى تتوفر فيها عوامل التطور والتقدم والحضارة أكثر من الدول الصغرى. لكن الاستقلال قد يصبح لا مفر منه إذا كانت هذه الدول الكبرى سجناً مقيتاً.
كانت هذه المقدمة ضرورية لبحث موضوع استفتاء اقليم كردستان العراق بعيداً عن الضجة التي يثيرها الاعلام المعادي للكرد وردة فعل الإعلام الكردي الشعبوي. لا بد هنا من توضيح بعض الأمور. هذا الاستفتاء والاستقلال الذي قد يتبعه يخص هذا الجزء من كردستان وليس له أي تأثير كبير على باقي أجزاء كردستان سوى من الناحية المعنوية. وحتى هذه الناحية المعنوية أصبحت قليلة بعد هذا النهوض الكردي العام. في الوقت نفسه قد يجلب هذا الاستقلال في زيادة ضغط الفرس والعرب والترك على القضية الكردية في الجزء الكردستاني التابع لهم تحسباً من تكرار التجربة. مما يستدعي من الحركة الكردية في هذه الأجزاء أخذ الحيطة والحذر من مؤامرات جديدة.
لا شك أن هذا الاستفتاء والاستقلال الذي قد يتبعه لا يعني إقامة دولة كردية لجميع الكرد. هناك بعض الكرد يعيشون في أوهام جميلة (الظاهرة الكردية السورية على الفيسبوك) بأن هذه الدولة الجديدة ستقوم لاحقاً بمهمة تاريخية لتوحيد كردستان. لكن حقيقة الأمر أن هذه الدولة ستكون دولة صغيرة ومتواضعة في كل المناحي مقارنة بالدول التي تجتزئ كردستان. زد على ذلك أنها لا تملك منفذاً بحرياً للتواصل الاقتصادي مع دول العالم ومحاطة بأربع دول محكومة حسب تراثها بعدائها لهذه الدولة خشية من القضية الكردية في جزئها الكردستاني.
ربما لن يؤدي الاستفتاء حتماً إلى استقلال هذا الاقليم. المؤشرات الداخلية والإقليمية والدولية تميل إلى هذا المنحى حتى الآن. لكن الاستفتاء ضروري في سبيل اتخاذ القرارات التاريخية الصحيحة. تبقى نقطة الضعف في هذا الاستفتاء أنه يجري في الوقت الذي يوجد خلل سياسي داخل حكومة الاقليم. هذا الخلل واضح من خلال تنافس الأحزاب الرئيسة فيما بينها. لم يترسخ بعد في الاقليم المبدأ الديمقراطي الأساسي حول الأكثرية البرلمانية الحاكمة والأقلية المعارضة. هناك صراع يجري بين هذه الأحزاب على قضايا هي دون ذلك. تتشابه عقليات قادة هذه الأحزاب جميعاً. تبدأ بأولوية الحزب على الشعب وأولوية الثروة على الدولة. عندما يطلب قادة هذه الأحزاب تقاسم السلطة فيما بينها فهي في الوقت نفسه تطالب بتقاسم الثروة. ولا توجد عدالة على هذا الصعيد. فحركة غوران هي في المرتبة الثانية برلمانياً. لكنها أجبرت أن تكون في المرتبة الثالثة في الائتلاف الحكومي بعد حزب الاتحاد الوطني. سبب هذا التعامل كون هذه الحركة لا تملك بيشمركة خاص بها لتهدد بفتح معارك داخلية تجبر الأطراف الأخرى للرضوخ إلى التقاسم المناسب. عندما حدث الخلاف بين حزب الديمقراطي الكردستاني وحركة كورن أُبعد ممثلي الأخير عن الحكومة والبرلمان بقرار حزبي من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني. بينما لا يستطيع هذا الحزب التعامل مع الاتحاد الوطني بنفس الطريقة. لأن ذلك سيؤدي إلى إعادة الاقتتال الكردي- الكردي. فشل الحزبان التاريخيان توحيد البيشمركة في جيش عصري يقاد من مركز واحد حتى الآن. وفشلا في توحيد ميزانية الحكومة بحيث تكون فوق ميزانية الحزبين. لم يتغير وضع السلطة في الاقليم منذ أكثر من ربع قرن. هناك إدارة في هولير يتحكم بها الحزب الديمقراطي الكردستاني وعلى رأسه السيد مسعود البرزاني وعائلته. وهناك إدارة في السليمانية يتحكم بها الحزب الاتحاد الوطني وعلى رأسه عائلة الطالباني وورثته. يحكم اليوم السيد مسعود البرزاني كرئيس للإقليم بشكل غير دستوري. فحسب الدستور انتهت ولايته مع كل تمديداتها القانونية. لكن الأمر لم يتغير لأن نفوذه فوق سلطة الدستور.
ليس صحيحاً ما يشاع أن السيد مسعود البرزاني رجل تركيا وأن ورثة جلال الطلباني رجال إيران أو بعض الجهات في بغداد وأن حركة كوران التي أسسها السيد نوشيروان مصطفى تعمل ضد التوجه الكردي الحالي في الاقليم. هؤلاء القادة جميعهم مناضلون تاريخيون. غيروا ولاءاتهم عدة مرات من أجل قضية شعبهم (قد نقبلها أو لا نقبلها). من ينكر هذه الحقيقة إما غير مستوعب للتاريخ أو لغاية لا علاقة لها بالشأن الكردي. ليس للسيد مسعود البرزاني منفذ غير تركيا سياسياً وتجارياً. وليس لورثة السيد طلباني منفذ غير ايران سياسياً وتجارياً. وهاتان الدولتان تدركان هذه الحقيقة وتستغلانها في تعزيز تواجدهما وتأثيرهما على أربيل والسليمانية. وبالتالي ستبقى هاتان الدولتان لهما نفوذ في هذا الاقليم حتى بعد تشكيل دولة كردية مستقلة. وبالتالي ستصبح الدولة الكردية في هذا الاقليم مستقلة وغير مستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي