الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجلاوزة والجلواز وعلي الوردي

سلام كاظم فرج

2017 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


هموم الثقافة (الجلواز والجلاوزة وعلي الوردي)
سلام كاظم فرج....
عاش المثقف العراقي عقودا عديدة من الزيف والتزييف والتهميش فآثر المثقفون معظمهم الصمت وفضلوه على بيع أقلامهم لسلطة غاشمة لا تستحي من قتل الناس على الشبهات ولا تتورع من قتل الشاعر والصحفي على تأويل خاطئ....
بعد الاحتلال الميمون توفر هامش من الحرية كبير.. وأتيح للناس الكتابة بحرية.. ومع انتشار المواقع الالكترونية أصبحت الكتابة متاحة للجميع.. بل ان بعض المواقع تنشر الغث من الكلام وتنزل إلى حضيض الفكر حتى أمست لها تلك سمة تعتز بها.. وانتشرت أيضا مواقع رصينة تعتمد رصانة الفكرة وتحتفظ بحد معقول من سلامة اللغة والبحث الرصين.. إلا أن الميزة المشتركة لكل تلك المواقع هي الحرية المطلقة في الكتابة سيما إن اختيار الأسماء المستعارة متاح أيضا وذلك يوفر حرية بفضاء أكثر سعة.. وهكذا وجدنا أنفسنا وقد غادرنا مرحلة الصمت اللاإنساني والرعب من الكلمة...
لكن لكل حركة في التأريخ أثمانها.. فكما إن احتلال نابليون الغاشم لمصر جلب معه المطابع وفتح الإبصار على بعض ما تيسر من صناعة الغرب
فإن احتلال قوات التحالف للعراق أتاحت حرية عمل الأحزاب وحرية الصحافة وحرية النقد.. وما يسمى بالتعددية والتداول السلمي للسلطة... وبين هذا وذاك كم هائل من السلبيات رافق تلك الحركة التاريخية ومن الطبيعي أن يكون هنالك من رحب بهذا التغيير ويحاول أن يسير به إلى ذراه المفترضة وهي الاستقلال النسبي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحضارية بما تتضمنه من مفاهيم كحقوق الانسان والحرية وكل ما نعرفه عما يسمى بالحضارة والتقدم ..
والتمتع بصداقة الدول التي ساهمت في ذلك التحرير من الدكتاتورية.. وهنالك من يرى إن ما حدث ردة إلى الخلف مفتوحة على نهايات وخيمة ويحذر من الركون الى صداقة الدول التي ساهمت بإسقاط النظام الشمولي الدكتاتوري....... كل ذلك أمر طبيعي ومفهوم.. ومتاح للجميع أن يدلوا بدلوهم......
هذه مقدمة سقناها للحديث عن ظاهرة مضحكة مبكية في عالم الكتابة الالكترونية وحديث الثقافة.. وتشكل هما من همومها
...
وسأقتصر على نموذج واحد يمكن ان تقاس عليه بقية الإطروحات....
كتب احد العراقيين الفضلاء في موقع رصين له حضوره في عالم الادب والثقافة... ..( قبل عشرات السنين كتب الدكتور علي الوردي رحمه الله في مقدمة احد كتبه عبارة تستحق ان تكتب بالذهب وهي :" العراق بلد الجلاوزة" وكلامه هذا كان قبل ان يأتي حزب البعث وجلاوزته الذين اخضعوا العراق بالحديد والدم، وهكذا اصبح يوم يمر في حياتي ارى واتأكد ان العراق ليس الا بلد للجلاوزة وصفة هؤلاء انهم يريدون ان يتمتعوا بالسلطة والقوة والمال والنفوذ وماعدا ذلك غير مهم....)..
انتهى الاقتباس... الجلاوزة هم شرطة السلاطين والولاة ومفردهم جلواز..والجلواز عادة ما يكون مفرغ الضمير والوجدان من الإنسانية ويتميز بالطاعة التامة لسيده والخسة والنذالة عندما يتعامل مع بني جلدته.. وقد تعود العراقيون أن يطلقوا على سراكيل الإقطاع بالجلاوزة وعلى شرطة العثمانيين بالجلاوزة.. وبعد مجيء البعث للسلطة ابتكر شعار نفذ ثم ناقش وهو في التطبيق نفذ ولا تناقش وهكذا حول ألبعثيون حزبهم إلى حزب جلاوزة...
الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي كتب عن هذه الظاهرة في كتابه المهم(دراسة في طبيعة المجتمع العراقي). وأشار لها في مواضع متفرقة من كتابه التأريخي الاجتماعي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق... والوردي في كتابيه تحدث عن مراحل تاريخية محددة تبدأ بعيد سقوط بغداد على يد المغول 1258 وحتى نهاية خمسينات القرن العشرين.. وتحدث عن مواقف طريفة لأولئك الجلاوزة وتعاليهم على الناس وتخاذلهم أمام الأسياد.. وربط كل ذلك بطبيعة المجتمع شبه الإقطاعي وقد طغت الأمية والجهل .... إلا أن الموضوع الأهم في كل كتب الوردي هو ازدواجية الشخصية العراقية وتذبذبها بين قيم البداوة وقيم المدنية وله مثال لطيف عن الدون جوان الحاج عليوي.. فهو دون جوان مع النساء لكن
حين يتعلق الأمر بأخته أو ابنته... يرجع إلى شخصية الحاج عليوي...
المهم في الموضوع إن الوردي قد مر على موضوعة الجلاوزة والجلواز
مر الكرام كما مر على كثير من الظواهر الاجتماعية ومنها الشذوذ الجنسي
والروح البدوية القبلية.. وظاهرة الشقاوات.(القبضايات).. وظاهرة الفرهود ايام الانفلات الامني... وظاهرة ازدواجية رجال الدين وما سمي بوعاظ السلاطين.وأفرد لذلك كتابا خاصا... وظاهرة الحجاب والسفور والنقاب... وقد تحدث عنها بإسهاب موضحا ان الشذوذ ترجح كفته كلما كان هنالك تشددا في فرض الحجاب والنقاب.. وتحدث عن القبعة الغربية والطربوش التركي والسدارة وكيفية تقبل المجتمع لكل منها.. وتحدث عن مواقف الناس من الظواهر الجديدة كمدارس الاناث وشراء الراديو وهل الراديو حرام ام حلال...كذلك الغرامفون والتدخين والاستماع الى الاغاني.. والرقص ... الى اخره من الظواهر وقد تقصى ردود افعال العراقيين وتقبلهم التدريجي دون ان ينسى ان يتطرق الى مواقف المرجعيات الدينية المختلفة.. كذلك تناول ثورة العشرين بروح الباحث الرصين لا روح المتحيز الهتاف .. وكان يميل ويحبذ الحضارة الغربية ويدعو إلى الاقتداء بها ويفضح التخلف الذي سببه الاستعمار العثماني الممتد لخمسة قرون وأثره على نفسية العراقي الفرد..
لنعد إلى تعميم الأخ الكاتب.. واعتباره إن العراق بلد الجلاوزة..ومستندا الى علي الوردي.. هذا الأخ لم يقرأ علي الوردي.. بل سمع سمعا في المقهى أو غيرها.. فامتشق القلم وقول الرجل مالم يقل.. والمصيبة إن مثله كثر.. وتحول التبسيط والاقتباس المزيف إالى ظاهرة.... وانا أنقب في الكوكل وجدت ان فطحلا اخر كتب مثل ما كتب.. الوردي كتب عن اللواط ايضاوأسباب استشراءه في مناطق معينة وانحساره في أخرى.. ... فهل يصح ان نقول رحم الله الوردي لقد قال ان العراق بلد............. وتحدث عن خلافات الشيعة والسنة وسخرمن لاجدواها ...... فهل يعني هذا ان العراقيين لا هم لهم الا حديث الشيعة والسنة وهو البلد الذي تخرج منه الاف العلماء والادباء.. الوردي يتحدث عن ظواهر محددة ولفترة محددة.. لكنه ركز على عمق الإزدواجية في شخصية الفرد العراقي.. وشخص أسبابها وإمكانية تجاوزها
وكل ذلك يتلخص في المزيد من التمدن والعمران كما ذهب الى ذلك استاذه الاول ابن خلدون..

لكن الاخ الكاتب يذهب بعيدا ليقول لنا ان العراقيين غير قابلين للإصلاح.. فالذي مع التجربة الديمقراطية الحالية هو جلواز يريد ان يحافظ على امتيازاته.. والذي ضدها هو جلواز ينتظر فرصته وما علم إن الجلوزة أخس معيشة توفر.. قوامها الذل.. والانكسار.. ولا يتمناها إلا القلة القليلة من البشر الممسوخين...... ولا يمكن لعلي الوردي أن يهين كل العراقيين.. بل كان يتحدث عن الولاة وجلا وزتهم.. وشتان بين سلطة بني عثمان وما نريده لعراق متحضر ناهض.. ولو أخذنا بنصيحة الأخ لاقتصرنا على النواح والبكاء على الأطلال كما يفعل هو.. وكما هجا بطريقة ذئبية كل من يتصدى للعملية الديمقراطية الراهنة سلبا او إيجابا.. ولتركنا الساحة فعلا لأراذل الناس... وكأن احتلال العراق نهاية العالم وهو ينسى إن الشرق الأوسط كله محتل...
ذلك هم بسيط من هموم الثقافة العراقية الراهنة....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد