الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بخارى؛ سمرقند، حلم الطفولة...

هاشم عبد الرحمن تكروري

2017 / 6 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بخارى؛ سمرقند، حلم الطفولة...
لعلَّ في إعلامنا في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين ما فيه إثراء للعقل وإغناء للنفس ونزهة للروح على الرغم من بدائيته ومحدودية مصادره، فقد كان يحرص ذلك الإعلام على تقديم كل مفيد في مجال العلم والتاريخ والإنتاج التلفزيوني والإذاعي، فقد كنا نرى المسلسلات التلفزيونية التاريخية التي تتحدث عن امجاد العرب والمسلمين وفتوحاتهم التي طالت قارات العالم القديم بأكمله لدرجة أصبحت فيها دولة الإسلام لا تغيب عنها الشمس ولا تعزب عنها غمامة وليس أدل على ذلك من قول الخليفة العباسي الأسطورة هارون الرشيد:" امطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك"، ومن تلك المسلسلات ما كان يتناول بلاد المسلمين ما وراء النهر" بخارى؛ سمرقند" وقد تركت تلك المسلسلات في نفس ذاك الطفل الصغير الكثير، حتى اصبحت حلماً يراوده صغيراً عاكفاً على تحقيقه كبيراً حين يأذن الله بذلك، ولعل في فيلم السيف والمارد الذي اهتم بعرض جانب الخيال وسحر ذلك المكان ما جعلني أزداد شغفاً بتلك البلاد، فتعالوا معي لنذهب بجولة تاريخية جغرافية في تلك البلاد حتى يَهلُّ موعد زيارتها، وَرَدَ أول ذكر لبخارى كموقع في مصادر صينية عائدة إلى القرن السابع الميلادي، غير أن دراسة النقوش القديمة تكشف أن الاسم المحلي للمدينة هو ويهارا بالإنجليزية أي الدير أو الصومعة، قد ضُرب على مسكوكاتها قبل القرن السابع الميلادي بقرون، كذلك لا يستبعد أن تكون كلمة «بخارى» محرّفة عن الكلمة السنسكريتية "فيهارا"، وهي البلدة التي اندمجت في بخارى وورد ذكرها عند جغرافي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وفي رواية اخرى "بخارى" أسم مشتق من كلمة " بخار" المغولية التي تعني العلم الكثير، وسميت بهذا الاسم لوجود كثير من العلماء فيها، وتوجد عدة أسماء أخرى لها منها: أرض النحاس، ومدينة التجار، وبخارى الشريفة، وبخارى العظيمة، وأطلقت المصادر العربية اسم" بخارى خداة" على سكان بخارى الأصليين وقد ضنت المصادر القديمة بمعلومات عن تاريخ بخارى قبل الإسلام على أن تاريخ هذه المدينة الزاخر الغني بالأحداث الجسام يبدأ بعد الفتح الإسلامي لها...
تقع مدينة بخارى في وسط واحة كبيرة على المجرى الأدنى لنهر زرفشان، وعلى ارتفاع نحو 220 متر فوق سطح البحر وعلى خط الطول 64 درجة و38 درجة شرق غرينتش وخط العرض 39 درجة و43 دقيقة شمال خط الاستواء، وهي إحدى مدن بلاد ما وراء النهر، وطبقا للملحمة الشعرية الإيرانية شاهنامة، فقد تأسست مدينة بخارى على يد الملك سياوش ابن الشاه كيكاوس، أحد الملوك الأسطورية من أسرة بيشداديان. اختار سياوش هذا الموقع نظرا لتعدد أنهاره ومناخه الدافىء ولوقوعه على طريق الحرير، ويعود تأسيس مدينة بخارى بشكل رسمي إلى عام 500 قبل الميلاد في المنطقة المسماة آرك؛ وعلى الرغم من ذلك فقد سُكنت واحة بخارى منذ زمن أقدم بكثير، فقد ربط الأثري الروسي "كوزمينا "حضارة زمان-بابا التي وجدت في واحة بخارى منذ الألف الثالثة قبل الميلاد بانتشار الهنود الإيرانيين عبر آسيا الوسطى. منذ 3000 قبل الميلاد، حيث ازدهرت حضارة العصر البرونزي المتقدم التي عرفت باسم حضارة ساباللي في مواقع مثل: فاراخشا وفاردان وبايكند وراميتان، وفي العام 1500 قبل الميلاد أدت عوامل مجتمعة: الجفاف؛ واستخدام الحديد؛ ووصول بدو آريان، إلى تحرك عمراني من المناطق النائية إلى واحة بخارى، وبحلول عام 1000 قبل الميلاد اندمج شعبي ساباللي وآريان في حضارة مميزة، وفي العام 700 قبل الميلاد ازدهرت هذه الحضارة الجديدة والتي عرفت باسم حضارة سوقديانا في المدن بطول وادي زيرافشان، التي كانت جزءا من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية، وبحلول 500 قبل الميلاد توسعت تلك التجمعات العمرانية لتندمج في كيان واحد بنى حوله سور، وبذلك ولدت مدينة بخارى، لكن تاريخ تأسيس بخارى غير معروف بالضبط، فأقدم قطع الفخار التي عثر عليها في المدينة تعود إلى عصر المملكة الإغريقية البخترية، وهي الفترة التالية لحملات الإسكندر الأكبر، وفي زمن الساسانيون كانت هذه المنطقة مزدهرة بالتجارة الخارجية. أمّا الفتوحات فأغلب الروايات تتفق على أن أول من اجتاز النهر من المسلمين إلى جبال بخارى هو عبيد الله بن زياد والي خراسان سنة 54 هـ / 674 م، وكان على عرش بخارى في ذلك الوقت أرملة أميرها التي تجمع أغلب المصادر على تسميتها "خاتون" وهو لفظ تركي معناه «السيدة»، وقد أرسلت خاتون إلى الترك تستمدهم لنصرتها، فلقيهم المسلمون وهزموهم، فطلبت خاتون الصلح والأمان فصالحها عبيد الله بن زياد على ألف ألف درهم. ثم ولَّى الخليفة معاوية بن أبي سفيان (41- 60 هـ/687- 706 م) سعيد بن عثمان بن عفان خراسان سنة 56 هـ، فقطع النهر وغزا سمرقند وحملت خاتون إليه الأتاوى وأعانته بأهل بخارى، ويذكر النرشخي (286- 348 هـ/899- 959 م) أن خاتون حكمت 15 سنة بوصفها وصية على ابنها القاصر طغشاده. لكن الحكم الإسلامي لم يتوطد في تلك المنطقة إلا في خلافة الوليد بن عبد الملك (86- 96 هـ) حينما ولَّى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين (75- 95 هـ) قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان (86- 96 هـ) وأمره بفتح ما وراء النهر، حيث فتح قتيبة بخارى في العام 90 هـ ، وكان حاكمها آنذاك "وردان خداه"، الذي استنجد بالسّغد (الصغد) والترك فأنجدوه، لكن قتيبة انتصر عليهم بعد قتال عنيف، وجُرح خاقان الترك وابنه، وملَّك قتيبة طغشاده بخارى بعد أن أجلى خصومه عنها. وقد قُتل طغشاده في العام 121 هـ في معسكر والي خراسان نصر بن سيَّار على يد دهقان من دهاقين بخارى، ويذكر النرشخي أن أهل بخارى كانوا يُسْلِمون ثم يرتدون حين يغادرهم العرب، فلما فتح قتيبة المدينة رأى أن أفضل وسيلة لنشر الإسلام بين السكان هو أن يُسكِن العرب بينهم، فأمر أهل بخارى أن يعطوا نصف بيوتهم للعرب ليقيموا معهم ويَطَّلعوا على أحوالهم فيظلوا على إسلامهم، ومن الطبيعي أن يجد إجراء قتيبة مقاومة تجلَّت في موقف قوم ذوي قدر ومنزلة رفضوا قسمة بيوتهم ومتاعهم، فتركوها جملة للعرب وبنوا خارج المدينة 700 قصر بقي منها إلى عهد النرشخي قصران أو ثلاثة كانت تسمى قصور المجوس، وبنى قتيبة المسجد الجامع داخل حصن بخارى سنة 94 هـ/712 م وكان ذلك الموضع بيت أصنام، فلما ازداد انتشار الإسلام لم يعد ذلك المسجد يتسع لهم فبُني مسجدٌ آخر بين السور والمدينة في عهد هارون الرشيد (170- 193 هـ)، وقد درج ولاة خراسان في مرو منذ عهد قتيبة على تولية عامل أو أمير إلى جانب الأمير المحلي، وفي القرن الثالث حينما نقل أمراء خراسان مركزهم إلى نيسابور بقيت بخارى تابعة إدارياً للطاهريين ولاة خراسان، حتى سنة 259 هـ/873 م. ثم ولّى نصر بن أحمد الساماني أمير سمرقند أخاه إسماعيل بخارى بناء على طلب أهلها وعلمائها، ولما تُوفي نصر سنة 279 هـ/892 م أصبح إسماعيل حاكماً لما وراء النهر، واعترف به الخليفة أميراً على خراسان وما وراء النهر، وأمست بخارى عاصمة للدولة السامانية ومركز إشعاع للعلوم والصناعة إلا أنها لم تبلغ في العظمة والثروة شأن سمرقند. وقد وصف الجغرافيون العرب بخارى في العصر الساماني، حيث ذكروا أن المدينة أُعيد بناؤها أكثر من مرة لكثرة الخراب الذي ألم بها عبر العصور، ويفرق الجغرافيون في بخارى بين أقسام ثلاثة، القلعة (القهندز في الفارسية الحديثة) والمدينة (الشهرستان في الفارسية) والضاحية أو الرَّبَض الذي يقع بين المدينة والسور الذي بُني حول المدينة في العصور الإسلامية، فقد ضمت القلعة التي كانت خارج المدينة قصر «بخارا خداه»، وقد اتخذ السامانيون قصراً لهم فيها، ومع أن القلعة خُرِّبت مِراراً إبان القرنين السادس والسابع الهجريين /الثاني والثالث عشر الميلاديين، فقد أُعيد بناؤها في موقعها نفسه الذي شُيِّدت فيه أول مرة، وإضافة إلى قصر القلعة، بنى نصر الثاني الساماني (301-331 هـ/914-943 م) قصراً في ريجستان ضم دواوين الدولة العشرة التي يذكر النرشخي أسماءها، ويُشير المُقَدَّسي الذي زار المنطقة نحو سنة 375 هـ بأن دار الملك كانت ما تزال قائمة، وقد فقدت بخارى كثيراً من أهميتها السياسية بعد سقوط الدولة السامانية العام 389 هـ/999 م، وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري بنى شمس الملك نصر بن إبراهيم من الفرع الغربي لخانات إيلك (ت 472 هـ) قصراً في جنوبي المدينة أُطلِقَ عليه اسم شمس آباد، وأقام مكاناً للصيد والقنص بقربه، ولكن هذا القصر اندثر في عهد خلفه خِضْر خان، وكانت بخارى موطن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري، وموطن الشيخ الرئيس ابن سينا الفيلسوف الطبيب (370- 428 هـ)، وظلَّت المدينة معقلاً للإسلام ومركزاً للعلوم الدينية في عهد انحطاطها السياسي، حيث شهد القرن السادس ظهور أسرة مرموقة من العلماء فيها هي أُسرة آل برهان التي اعتمد عليها القره خطاي في حكم بخارى، وكان يُطلق على زعيم هذه الأسرة اسم الصدر، وفي العام 604 هـ/1207 م انتقل حكم بخارى إلى علاء الدين محمد بن تكَش خوارزم شاه الذي جدَّد بناء القلعة وشيَّد بعض المباني. وفي الرابع من ذي الحجة عام 616 هـ/10 شباط 1220 م استسلمت بخارى لجيش جنكيز خان، ونُهِبَت المدينة وأُحرقت إلا المسجد الجامع وبعض القصور، ولكنها لم تلبث أن استعادت عافيتها بعد ذلك، إذ يرد ذكرها مدينةً مأهولةً ومركزاً للعلوم في عهد خلفاء جنكيز خان، وكانت محنة "المغول" أن نزلوا بظاهر المدينة في الرابع من ذي الحجة عام 616 هـ/10 شباط 1220 م، وتمكنوا من اقتحامها ودخل "جنكيز خان" المسجد الجامع بفرسه، وأذن لجنوده، فقاموا بأعمال النهب والسلب والتخريب في المدينة. وظل الحال هكذا حتى ظهر نفر من جند السلطان "محمد خوارزم شاه" كانوا مختبئين في المدينة، وكانوا يقومون بغارات ليلية على "المغول"، فغضب "جنكيز خان" وأمر بإشعال النار في المدينة. وظل "المغول" يحكمون المدينة فترات طويلة من تاريخها، ولا تتوافر معلومات واضحة عن طريقة حكم هذه المدينة في السنوات الأولى من حكم المغول، وكل ما يعرف هو أن «المُلاَّ» والأشراف كانوا معفيين من الضرائب أسوة بكهنة الأديان الأخرى، وأن أميرة مغولية مسيحية بَنَت المدرسة الخانية في بخارى على نفقتها الخاصة، وأن العلامة المشهور سيف الدين باخرزي (ت 659 هـ/1261 م) عُين مدرساً لهذه المدرسة ومتولياً لها، وأنشأ أحد أشرافها المعروف باسم مسعود بك مدرسة أخرى، سميت بالمسعودية نسبة إليه، في ميدان بخارى، وكان يتعلَّم في كل من هاتين المدرستين نحو ألف طالب، وفي العام 671 هـ/1273 م استولى جيش أباقا حاكم فارس المغولي على بخارى وهدَّمها وشرَّد سكانها، ثم أُعيد بناؤها، ولكنها خُرِّبت ثانية في العام 761 هـ/1359 م من قبل مغول فارس، ويبدو أنه لم يكن لبخارى أهمية في الحياة السياسية لبلاد ما وراء النهر في عهد التيموريين، وفي نهاية العام 905 هـ (صيف عام 1500 م) استولى الأوزبك بقيادة محمد شيباني على بخارى، وبقيت تحت سيطرتهم حتى الثورة الروسية، وكانت دولة الأوزبك كجميع حكومات البدو الرُحَّل ملكاً لكل أعضاء الأسرة الحاكمة، ولذلك انقسمت إلى عدد من الإمارات والولايات الصغيرة، وكانت سمرقند عادة هي عاصمة الخان، وهو أكبر أفراد البيت الحاكم سِنّاً. وقد اتخذ أميران من آل شيبان وهما عبيد الله بن محمود (918-946 هـ/1512-1539 م) وعبد الله بن اسكندر (964-1006 هـ/1557-1598) بخارى عاصمة لهما، وفي عهديهما استعادت بخارى مكانتها مركزاً لحياة سياسية وثقافية، واتخذ أمراء السلالة التالية وهي الاستراخانية بخارى مركزاً لهم وفقدت سمرقند أهميتها، وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) نشطت العلاقات التجارية بين الإمبراطورية الروسية والإمارات الأوزبكية، وأخذ الروس يطلقون في القرنين السابع عشر والثامن عشر اسم البخاريين على كل التجار والمهاجرين من آسيا الوسطى، كما أطلقوا الاسم نفسه على سكان تركستان الصينية التي سمَّوها بخارى الصغيرة، وبوفاة الخان عبد العزيز (1055-1091 هـ/1645-1680 م) انتهت آخر حقبة عظيمة من تاريخ الأوزبك، فقد استقل عدد من الأمراء في ولاياتهم واقتصر حكم الخان المقيم في بخارى على نطاق ضيق من مملكته، وفي العام 1740 استولى نادر شاه الصفوي على بخارى، ولكنها استعادت استقلالها بعد وفاته، وتولى الحكم فيها سلالة جديدة، وفي عهد الأمير مظفر الدين شاه (1860-1885) ازداد نفوذ الروس وتغلغلهم في بلاد ما وراء النهر، واضطر الأمير مُظفَّر إلى التخلي عن أجزاء واسعة من أراضيه لهم، ولم يتعرض الروس للعاصمة بخارى التي اتسع نفوذها غرباً في العام 1873 على حساب خانات خيوة (خوارزم سابقاً)، وفي عهد الأمير عبد الأحد خان (1885-1910) اتفقت كل من روسيا وإنجلترا، التي كانت صاحبة النفوذ في أفغانستان، على رسم الحدود السياسية بين بخارى وأفغانستان، على أن يكون نهر بانج Pandj هو الحد الفاصل بينهما، ونُظمت العلاقات بين بخارى وروسيا، وأُعلن قيام إمارة بخارى عام 1887، وفي العام 1918 بعد قيام الثورة الشيوعية في "روسيا" استولى الثوار على "بخارى" وقاموا بتخريب المدينة، تخريبا لا يقل عن تخريب التتار لها، واستمرت إمارة بخارى حتى العام 1920 حين سيطر الروس سيطرة نهائية عليها، وفي العام 1924 أعلن قيام جمهورية بخارى، ولكنها ما لبثت أن قُسمت بين جمهوريات طاجكستان وأوزبكستان وتركمنستان، وصارت بخارى إحدى المدن المهمة في جمهورية أوزبكستان، وبقيت بخارى تحت حكم الاتحاد السوفييتي حتى حقبة التسعينيات حيث سقط الاتحاد السوفيتي واستقلت جمهورية أوزباكستان والتي تضم بين مدنها بخارى وسمرقند، نوظراً لأهميتها الثقافية فقد تجلى اسم بخارى في العديد من أعمال الأدب الفارسي، وعرّف علي أكبر دهخدا اسم بخارى على أنه " المليء بالمعرفة "، وقد أكد جلال الدين الرومي هذا المعنى مادحا المدينة بقوله -بخارى منجم المعرفة- وفى الملحمة الرومانسية -اورلاندو العاشق- التي كتبها الإيطالي ماتيو ماريا بوياردو، يطلق على بخارى اسم أبوراكا التي وصفت بأنها مدينة كبيرة في كاثاي، وذكرها ياقوت الحموي في الجزء الأول من معجم البلدان حيث قال:" بُخَارى هي أعظم مُدُن ما وراء النهر وأجلها، ويُعبَر إليها من آمُل الشّطّ، وبينها وبين نهر جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك الأمارة السامانية" ، وذكرها بطليموس في كتاب الملحمة:"طول بخارى سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، وطالعها الأسد تحت عشر درجات منه لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان، ويقابلها مثلها من الجدي، وبيت ملكها مثلها من الحمل، وبيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيُّوق ثلاث درجات، ولها في الدُّب الأكبر سبع درجات"،وقال أبو عَوْن في زيجه:"بخارى عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع، وأما اشتقاقها وسبب تسمية بخارى بهذا الاسم فإني تطلْبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدَتُها، عهدِي بفواكهها تُحمَل إلى مَرْوَ، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمس عشرة يوماً، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخاً، وبينهما بلاد الصّغد"، وأهم آثارها: قبة السامانيين، ومسجد نمازكاه الذي شيد بالقرن السادس الهجري، ومئذنة كاليان التي أنشاها أرسلان خان في العام 1127م، ومسجد بلند، وحوض "ماء لب": الذي شُيِّد بأمر أحد مسئولي بخارى، والحوض يكسوه الحجر الجيري، وحوله حدائق غنَّاء، هذا فيما يخص الحبيبة بخارى أمّا شقيقتها الكبرى سمرقند فلها من التاريخ الآتي...
تقع سمرقند كأختها الصغرى بخارى في آسيا الوسطى وتحديداً جمهورية أوزباكستان حالياً وهي ثاني أكبر مدنها على الإطلاق، ومعنى إسمها:"قلعة الأرض"، وقد وصفها "إبن بطوطة" بقوله: " إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالاً، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبئ عن هِمَم أهلها، وفي العام (87هـ ـ 705 م) تم الفتح الإسلامي لها على يد القائد المسلم"قتيبة بن مسلم الباهلي"، ثم أعاد فتحها مرة أخرى عام (92هـ ـ 710م)، وبعد الفتح الإسلامي قام المسلمون بتحويل عدد من المعابد إلى مساجد لتأدية الصلاة، وتعليم الدين الإسلامي لأهل البلاد. ، وفى بداية الغزو المغولي للمدينة؛ قام "المغول" بتدمير معظم العمائر الإسلامية، وبعد ذلك اتجه "المغول" أنفسهم بعد اعتناق الإسلام إلى تشييد العديد من العمائر الإسلامية، خاصة في العهد التيموري، وذلك على مدى (150) عامًا هي فترة حكمهم لبلاد ما وراء النهر من (617هـ ـ 1220م) إلى عام (772هـ ـ 1370 م)، وقد اتخذ "تيمورلنك" "سمرقند" عاصمة لملكه، ونقل إليها الصُنَّاع وأرباب الحرف لينهضوا بها فنيًا وعمرانيًا، فكان عصر "تيمور لنك" بحق عصر التشييد والعمران. ـ وفى القرن (19م) استولى الجيش الروسي على بلاد ما وراء النهر ومنها مدينة "سمرقند". ـ وفى سنة (1918 م) بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا استولى الثوار على مدينة "سمرقند" وظلت تحت سيطرتهم إلى أن سقط الاتحاد السوفييتي في عا1992م،وقد اشتهرت "سمرقند" بكثرة القصور التي شيدها "تيمورلنك" ومنها: ـ قصر دلكشا (القصر الصيفي)؛ وقد تميَّز بمدخله المرتفع المزدان بالآجر الأزرق والمُذَّهب، وكان يشتمل على ثلاث ساحات في كل ساحة فسقيه. ـ قصر باغ بهشت (روضة الجنة)، شُيِّد بأكمله من الرخام الأبيض المجلوب من "تبريز" فوق ربوة عالية، وكان يحيط به خندق عميق ملئ بالماء، وعليه قناطر تصل بينه وبين المنتزه. ـ قصر باغ جناران (روضة الحور)، عرف هذا القصر بهذا الاسم لأنه كانت تحوطه طرق جميلة يقوم شجر الحور على جوانبها، وكان ذا تخطيط متقاطع متعامد. ـ مدرسة بيبي خانيم ؛ وتميز تخطيط هذا الأثر؛ حيث اعتمد على صحن أوسط مكشوف، وأربعة إيوانات و مدرسة وخانقاه وضريح الأمير تيمورلنك، وقد شيد هذا المجمع الديني قبل عام (807هـ ـ 1405 م) المهندس الأصفهاني "محمد بن محمود البنا" ميدان داجتان ؛ وبدأ تكوين هذا الميدان في عهد "تيمورلنك" وكان يقوم بعرض فتوحاته في، ومن أهم أعلام سمرقند: "محمد بن عدي بن الفضل أبوصالح السمرقندي" توفى في العام (444هـ) و"أحمد بن عمر الأشعث أبوبكر السمرقندي" وكان يكتب المصاحف من حفظه، وتوفى في العام (489هـ)، و"أبومنصور محمد ابن أحمد السمرقندي"، فقيه حنفي له كتاب "تحفة الفقهاء"، ولسمرقند قصة جميلة مع الإسلام وقائد المسلمين قتيبة؛ نوردها لكم ...
نادى غلام: ياقتيبة ( هكذا بلا لقب ) فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟ قال : اجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا، التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة ؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية، قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟ قال قتيبة : لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك، قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة ، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل، ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !!
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا؟ فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به، وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، طالبين بعودة الجيش إلى المدينة والعيش معهم، بقي لنا أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة، فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة ألتي تعتبر من الأساطير، هذا قليل من كثير تاريخ هذه البلاد وعظمتها، التي أتمنى أن يأتي اليوم واكون في ضيافتها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ