الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الأزمة القطرية السعودية

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


المتتبع للصراع الحالي الدائر بين قطر و السعودية يظن للوهلة الأولى أن هذا الخلاف هو الأول من نوعه بين الدولتين لأنه أخذ حدّة كبيرة غير مسبوقة, و تراشق اعلامي لا مثيل له, لكن في الحقيقة الصراع القطري السعودي هو في الحقيقة ليس وليد البارحة, و الذي يقول أن هذا الصراع هو بسبب ضلوع قطر في دعم الارهاب, يكون قد غالط الحقيقة, لأن كلتا الدولتين داعمتين للارهاب ماليا و فكريا, فالسعودية تسمح بنشر الفكر الداعشي الوهابي في أنحاء العالم و تقوم بتمويله و تسهيل تنقّل مشايخها بين الدول, و تقوم بدعم داعش في العراق و سوريا, و تقوم بحصار الشعب اليمني, بل و تكذب على اعلامها الشعبي و تقول له أن النصر قريبو هي غارقة في حملة " كرنفالية " منذ 3 سنوات لا تعرف لها حلأّ, أما قطر في حاضنة الفكر الاخواني, و من عباءتها خرجت جبهة النصرة الارهابية, كما تسببت في تأجيج الفتنة في الدول العربية, و التدخل في شؤونها, بسلاحها الاعلامي المعروف قناة " الجزيرة " لذا الاتهامات المتبادلة بين قطر و السعودية حول مسألة الارهاب هي اتهامات أقل ما يقال عنها " مضحكة " لأن الدولتين تقومان بالقتل و تمشي في جنائز الضحايا, فما ان اندلع الخلاف بين الدولتين حتى خفّت حدة القتل و تراجعت داعش في سوريا و العراق و بدأت تظهر نتائج تضحيات الجيش العراقي و السوري.

لا يمكن فهم الجذور العميقة لهذا الصراع الجديد والغريب نوعا ما دون العودة إلى ظاهرة الزعامة الإقليمية, أي أن لهذا الخلاف الخليجي الحالي جذورًا تاريخية لا يمكن تجاهلها بأي حال, لقد دبّ الخلاف منذ أن حاولت كلاً من السعودية والإمارات احتواء إمارة قطر في مهدها قبيل التأسيس على الحدود الحالية, فكانت ذريعة السعودية هي أن قطر هي جزء من إقليم الإحساء, لكن التدخل البريطاني حسم الموقف بالاعتراف بحدود قطر .. لكن على ما يبدوا أن السعوديين لم يستسلموا, فحاولوا محاصرة قطر بعد ذلك في صفقة قامت بموجبها المملكة بالتنازل عن أجزاء من "واحة البريمي" للإمارات العربية المتحدة، وذلك في مقابل الشريط الساحلي المعروف بـ"خور العديد" والذي أصبح حاجزًا حدوديًا طبيعيًا بين قطر والإمارات، وبذلك أصبح على القطريين أن يمروا بأراض سعودية للوصول إلى الإمارات بدلًا من أن تكون هناك حدود مشتركة ومباشرة بين قطر والإمارات، في تدخل سعودي واضح لتغيير الحدود القطرية, فنجد أن التاريخ يحاول أن يقول لنا أن التأمر السعودي على قطر لا علاقة له لا بالارهاب و لا بايران ولا بشيعة بل هو صراع حول النفوذ لأن قطر تحاول التخلّص من التسلّط السعودي على دول الخليج و انهاء الوصاية المفروضة عليها والتي نشأت على خلفية الاتفاقية الأمنية الخليجية التي حوّلت السعودية الى الأمر الناهي داخل مجلس التعاون الخليجي, فلا تعاون و لا غيره داخل هذا المجلس, و انما هو لا يعبّر الا على مصالح السعودية فقط.

الحرب التي تنتج تلقائيًا من الخوف الذي يقع على قوة مستبدة نتيجة صعود قوة ما أمامها .. هذه هي الفكرة التي يجب التحذير منها حاليا في ظل هذا الصراع, المنطقة الخليجية تشهد صراعا كبيرا اضافة الى الصراع السنّي الشيعي و الفوضى المذهبية الحاصلة في الشرق الأوسط, انه صراع حول النفوذ لكن بدأ يكتسب طابعا دينيا, فيمكن تسميته الصراع الوهّابي-الاخواني, وبدأ علماء البلاط في حملات تكفير الاخوان و منظّريهم, فلقد تم طرد القرضاوي من رابطة العالم الاسلامي و ادراجه في دائرة الارهاب, فنلمس أن هناك استغلال للدين في أغراض سياسية في هذا الصراع .. يمكن أن نقول أن الحسنة الوحيدة التي سيجنيها العرب من هذا الصراع هو ادراكهم أن الدين دائما يتم توظيفه من طرف الدكتاتوريات العربية للدّفاع عن مواقع سياسية ليس الا.

نتسائل الأن من المستفيد من هذا الصراع ؟ .. كالعادة في التاريخ هناك منتصرين حقيقيين و وهميين, فالرابح الحقيقي هو الولايات المتحدة كالعادة, ففتحت مصانع اسلحتها و صرفت مخزونها و كانت أخر صفقة سلاح بينها و بين قطر قيمتها 12 مليار دولار, دون ان نتناسى الصفقة الضخمة التي أبرمت مع السعودية قبل ذلك التي قدّرت ب 470 مليار دولار .. لقد تمكّن ترامب من تحقيق ربح على ظهر دول الخليج يعادل ثلث الميزانية السنوية للولايات المتحدة, كما تعتبر ايران أيضا رابحة من الأزمة بفتح مجالها الجوي لقطر بمعدل 200رحلة يوميا، و بدأت تصدير المواد الغذائية إليها فكسبت سوق جديد لتصدير موادها... فهنا نسأل سؤال مهمّا, كيف يفكّر ملك السعودية ؟ بل هل يفكّر أصلا ؟ في الحقيقة أن من يحكم السعوديين هو شاب أهوج ليس لديه أي خبرة في السياسة و الدبلوماسية, لمجرد خلاف تافه بين الدول يقوم بإصدار التهديدات, فلا يبالي بالأوضاع الدولية الحالية و لا يقيم وزنا للأحلاف الدولية و التوازنات الحالية, انه يعادي ايران بكل الأساليب لكن عدائه هذا لا يزيد الايرانيين نفوذا و قوّة و أصدقاء فيبدوا أن بقاء هذا الملك في السلطة يعتبر من مصلحة ايران.

الخلاصة أن الغباء هو ما يميّز العرب في الأزمات, لا يستطيعون استيعاب أن اشعال الحروب بينهم لن يحل المشاكل, بل السلاح لم يعد هو الخيار الأنسب لحلها الحروب اصبحت حروب اقتصاد و تكنولوجيا تتم ادارتها في الغرف المكيّفة, الدول الأروبية أدركت هذا الأمر بعد حربين عالميتين كلّفتها الكثير, أما الأن لم نعد نسمع عن وجود دول أروبية تتحرش ببعضها البعض, لقد كانت اول خطوات اروبا بعد الحرب العالمية الثانية هي ازالة الحواجز بينها لأجل تحقيق أقصى درجات الاتحاد, فوصلت الى ما وصلت اليه حاليا, و ان كان يعاني الاتحاد الأوروبي من بعض المشاكل الحالية و من التأثير الأمريكي عليه الا أن ذلك لا يعني أبدا حدوث أزمات بين الدول الاوروبية فيكفيه أنه نهض بأوروبا, أما العرب لا زالوا يتركون حكّامهم يفعلون ما يشاؤون, ويقولون ما يشاؤون, و النتيجة مزيد من الحروب في المنطقة العربية و القتل و الارهاب و التشريد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار