الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا (3).

جعفر المظفر

2017 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القسمان السابقان من هذه الموضوعة كانا محصورين بمقارنة وصفية خلت تماما من اي حوار أو مجادلة فقهية. لذلك لم تكن هناك إشارات إلا لتلك التي تتناول إنعكاس الفقهي العام, أي الديني هنا, على الإجتماعي والسياسي.
لقد ظل الأمر محصورا في المقارنة بين حالة إنسجام ديني وتاريخي على الجانب الإسرائيلي في مقابل خصومة ثقافية بين التاريخي والديني على الجانب المصري, وكانت إحدى الدلالات أن الشخصية المصرية تجمع في خزينها الثقافي ما بين خصمين لدودين هما الحضارة الفرعونية, التي تشكل عمق التاريخ الحضاري المصري وبين الدين الإسلامي الذي يعتبر الفراعنة كفارا.
غير أن الملفت للنظر, رغم هذه الإزدواجية أن المسلمين, عبر دولهم التاريخية المتعددة سواء في مصر أو في سوريا أو العراق لم يذهبوا إلى تدمير الآثار الفرعونية في مصر أو الرومانية في سوريا, فظلت هياكل تلك الأمم دون تدمير على الرغم من تناوب مختلف الدول الإسلامية التي تشكلت عبر التاريخ., وقد يجعلنا ذلك نفطن إلى أن تدمير صروح هذه الحضارات القديمة, كذلك الذي تم في سوريا (تدمر) وفي العراق (نينوى) من قبل الإسلاميين التكفيرين الإرهابيين (داعش) لم يتم بمعزل, أو فلنقل إنه جاء متماهيا مع رغبات ونوايا صهيونية يهمها إزالة التاريخ الحضاري للمنطقة العربية الذي هو في معظمه خصم للثقافة الصهيونية ذاتها.
في المقابل, الشخصية الإسرائيلية تخلو تماما من هذه الإشكالية التي يخلقها التناقض بين الديني والقومي بل يمكن ملاحظة العكس وهو وجود حالة التماهي بين العاملين: موسى هنا بطل قومي ونبي أيضا مقابل فرعون البطل القومي المصري ولكن الكافر بعيون المسلمين عامة ومن ضمنهم المصريين, وأقول المسلمين لأن الأقباط المصريين ليسوا بذوي علاقة هنا بهذه الإشكالية.
فأن ذكرت أن المجتمع الإسرائيلي يحمل تماهيا بين الديني والقومي فلأنها صفة خاصة باليهودية ذاتها والتي أدت بدورها إلى تضيق رقعة الإشكاليات التي تخلقها المناهج الأخرى البعيدة عن التلازم بين الديني والقومي كما هو الأمر مع الإسلام خاصة.
لكن حالة التماهي اليهودية التي هي حالة إيجابية عابرة يوم تم وضعها في خدمة تأسيس الدولة الإسرائيلية سوف تحمل في رحمها إسقاطات إنغلاقها التدميرية ضد ذاتها, مثل العناكب التي تأكل أطفالها, لكونها تخلق صعوبة كبيرة في التآلف أو التفاعل مع المحيط, إذ نحن هنا أمام حالة يكبلها التماهي نفسه بقيود ليس من السهل كسرها, وسوف نكتشف سمك هذه القيود وصلابتها ومقدار ما تنتجه هذه من أضرارحينما نتابع حركة الدولة الإسرائيلية منذ تأسيسها في أواخر الأربيعينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
من هنا فإن ما هو إيجابي على مستوى محلي, بحدود الدولة الإسرائيلية الحالية, الذي كنا قد إستقطعناه من واقع المقارنة مع الحالة المصرية, كان خلق في الأصل مشاكله الكبرى التي عاشها اليهود مع المجتمعات الأوروبية المحيطة والتي أسست لها الإنعزالية التي كانت اساسا في توليد الشعور بالكراهية العارمة ضدهم, وربما هي في الأساس ذات الإشكالية التي اسست لها اليهودية مع المجتمع الفرعوني المصري والتي أدت حينها إلى طرد اليهود من مصر.
وهكذا نرى أن التماهي أو التداخل بين الدين والقومية قد خلق إشكالية إنسانية حقيقية تسببت لليهود بسيول من الكوارث, فاليهودية المنغلقة على ذاتها كانت وراء سلوك العزلة التي فرضها اليهود على أنفسهم داخل المجتمعات الأوروبية حيث شكل اليهود كوميونات خاصة بهم كانت أشبه بمجتمع داخل مجتمع وحتى دولة داخل دولة. وقد ادى التطرف في حالة الإنسجام والتماهي بين اليهودية والعنصر اليهودي (التي حسبتها, وصفا, صافية من إفرازات التناقض بين التاريخي والديني كتلك التي فرزتها ظاهرة التنوع التاريخي المصري) أدى إلى مردودات عكسية سلبية فتاكة على صعيد عالمي, فاليهودي كان أغلق بابه على نفسه إلى درجة العزلة فبدا غريبا وكأن لا علاقة له بتلك المجتمعات, ثم أدت طبيعة النشاطات التي كان يعتاش عليها, ومن أهمها ممارسة الربا, إلى نشوء كراهية عامة رسخت في الأذهان صورة اليهودي التي رسمها شكسبير لشايلوك المرابي في مسرحيته الشهيرة تاجر البندقية.
إن عامل الكراهية الدينية في مجتمعات مسيحية توارثت كراهية شخصية (يهودا الإسخربوطي) وأسقطتها على عموم المجتمع اليهودي, مضافا إلى سلوك الإنعزالية الذي رسخته حالة التماهي اليهودية بين الدين والقومية المغرقة في الذاتية العِرقية والمتناقضة بشكل صارخ بين عالمية المسيحية والإسلام, سوف يساعداننا على العثور بسهولة على اسباب الكراهية الشديدة التي إنفجرت, مسيحيا, في وجه اليهود الأوروبيين.
وإذ نتوقف أمام المجازر التي حدثت ضدهم في أوروبا, ومن أهمها الهولوكست النازي, فإن علينا أن لا ننسى دور اليهود أنفسهم في التهيئة النفسية والثقافية لتك المجازر لنلقي باوزاره على هتلر والنازية لوحدهما, أي أننا مطالبون هنا بالوقوف أمام طبيعة الدين اليهودي المغلقة بإحكام على صلة الدم العِرقية, ثم عنصرية اليهود (شعب الله المختار), لنرى كيف خلق التماهي السياسي التاريخي الديني اليهودي وضعا متفجرا ضد اليهود أنفسهم وبخاصة في تلك الفترة الملتهبة ما قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك