الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء عاجل: اليمن والطاعون القادم!

منذر علي

2017 / 6 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إنَّ الأحداث والحقائق التي عرضها ويعرضها بعض المثقفين عن نتائج التطرف، وأعراض التخلف، كاضطهاد المفكرين وغير ذلك، صحيحة، لا مِرَاء فيها. ولكن رُويَ أنَّ التاريخ أحتفظ بتلك الوقائع الدامية، وكشفها للناس عبر العصور، ليس لأنها الأحداث المأساوية الوحيدة، التي عصفت بالمجتمعات في فترات مختلفة من تاريخها، بل لأنها شملتْ مفكرين وأدباء بارزين، قل نظيرهم في التاريخ العربي والإسلامي. ولكن ، من الواضح ، أنَّ التاريخ أهمل ذكر أولئك ، الأقل شهرة والأقل أهمية، الذين قُتلوا كالذباب، عبر التاريخ، كما يقتلون اليوم بأعداد مهولة في وطننا ، المعطوب بالتخلف والفوضى والحروب. وهذا يعني أنَّ التاريخ لم ينصفْ، ولن ينصفَ كل الضحايا من أبناء البشر، الذين قتلوا غيلة وغيرة، من قبل أقلية طاغية من إخوانهم، المحسوبين على الجنس البشري، ألاَّ في ظل دولة العدل والحرية التي طال أمد انتظارها.
على أنَّ السؤال الجوهري هنا ، هو ، كيف أنَّ تلك المراحل المظلمة من التاريخ، نجحت في إنتاج مفكرين بارزين من طراز رفيع كابن المقفع ، والحلاج ، وابن رشد، والرازي ، وطه حسين ، ونجيب محفوظ ، والمهدي بن بركة ، وعبد الخالق محجوب، و محمود طه ، ونصر حامد أبو زيد ، ومهدي عامل ، وحسين مروة ، وغيرهم، بينما المراحل الراهنة من تاريخنا ، لم تنتج سوى الأوباش والأوغاد والعدم؟
أليس الماضي، على قبحه الفظيع، يبدو أقل بؤساً من تاريخنا الراهن، وهذه مفارقة محزنة؟
نحن اليوم نُقتل بالآلاف ، وربما بعشرات الآلاف، كالذباب ، ليس فقط جراء العدوان الخارجي والداخلي، ولكن أيضاً بفعل الأوهام والمزاعم ، التي تحكم وعينا وحياتنا. فالناس محاصرون بالجهل، ومنقسمون قبلياً وموزعون على عدد لا يحصى من الأوهام. وفي بلادنا اليوم، على سبيل المثال، ثمة من يعتبر القتل بطولة، والعمالة وطنية، والجهل حكمة، والجنون منتهى العقلانية.
في مجتمعنا المثقل بالبؤس والجهل والكآبة ، ليس فيه من هو نظير لابن رشد ، أو طه حسين ، أو حامد أبو زيد ، أو مهدي عامل، أو حسين مروُّة. ولو كان هناك أمثالهم، ربما لما تدهور بنا الحال وسقطنا في هذه الهاوية السحيقة. ولو كان هناك من هو في مستوى تألقهم الفكري ، و ساءت الأحوال ، في ظل وجودهم، وشاهدوا ما يطفح به الواقع من قبح، ربما أنهم كانوا سيموتون حزناً وليس اغتيالا وغدرا. ولو كان الواقع الاجتماعي والثقافي، قد أنتج لنا مفكرين وأدباء على هذا المستوى الرفيع من الكفاءة ، لكنا تسامحنا، مؤقتاً، مع واقع الحال، واعتبرنا تلك التضحيات ضريبة لمزيد من الإبداع والحرية، ولكن الموت اليوم ذو طابع عدمي ، والواقع القائم لم ينتج سوى البؤس والخراب، ومزيد من البؤس ومزيد من الخراب.
وفي بلادنا، فأنَّ الشهداء النابهين ، على قلتهم ، من رفاق درب الحرية والتقدم ، الذين أنتجهم الواقع اليمني ، غُدر بهم، و لم يعد يذكرهم أحد، إلاَّ لماماً ، ناهيك عن أنْ يستلهم الناس شيئاً من مواقفهم وبطولاتهم الاستثنائية. من يتذكر اليوم عبد الله باذيب ومواجهته الفكرية للاستعمار البريطاني، ودفاعه الجسور عن وحدة الوطن؟ ومن يتذكر اليوم علي عبد المغني ودوره المتميز في الثورة اليمنية؟ ومن يتذكر اليوم عبد الغني علي ، ودوره الريادي في التخطيط للاقتصاد الوطني والسعي الدءوب لبناء الدولة اليمنية؟ ومن يتذكر اليوم فيصل عبد اللطيف الشعبي ودوره البارز في قيادة الحركة الوطنية والتحررية؟ ومن يتذكر اليوم عبد القادر سعيد، الشخصية الاستثنائية اليسارية الملهمة ؟ ومن يتذكر اليوم عبد الفتاح إسماعيل، المناضل النموذجي والشاعر والقائد الثوري، الذي تميز بالكفاءة والنزاهة والإخلاص لقيم العدل والحرية ؟ ومن يتذكر اليوم سالم ربيع علي، الثوري النادر، والوطني الكبير والقائد الجماهير الذي لا نظير؟ ومن يتذكر اليوم إبراهيم الحمدي، الوطني الاستثنائي وأحد رواد بناء الدولة الحديثة. ومن يتذكر القائد السياسي الشجاع الدكتور عبد السلام الدميني ؟ ومن يتذكر اليوم جار الله عمر، القائد اليساري الفذ ، صاحب الرأي السديد والرؤية السوية ، التي كانت ترى أبعد من الزمن، ومن يتذكر اليوم الوطني الكبير فيصل بن شملان ، ومن يتذكر اليوم عيسى محمد سيف القائد الفذ والمناضل الوطني والقومي البارز؟ من يتذكر العظيم عمر الجاوي ، الوحدوي النادر والوطني الكبير وأحد أبرز قادة المقاومة الشعبية ، وغيرهم، وغيرهم ؟
اليوم الوطن في الأسر ، وقادة الرأي لا يعرفون ماذا يريدون ، والناس يهتفون لأناس على درجة فظيعة من التشوه السياسي والقبح الأخلاقي ، أمثال عبد الملك الحوثي، وعلي عفاش ، و منصور هادي وعيدروس الزبيدي ، وهاني بن بريك، ومحسن الأحمر وسلطان العرادة ، والشيخ الزنداني وغيرهم. لا بد أنًّ لهذا الزمن القبيح، أبطاله الأكثر قبحاً وانحطاطا!
ولذلك يمكن القول أنَّ أسوأ المراحل التاريخية، ليست تلك التي تنتج مفكرين وأدباء ، وتنتج في نفس الوقت ، من هم قادرين على قتل أناس، مثل المهدي بن بركة ، وفرج فوده ومهدي عامل وحسين مروة ، وابن المقفع، وعبد الخالق محجوب ، ولكن المراحل التاريخية الأسوأ ، هي التي لا تنتج المفكرين ، وإنما تنتج القتلة و الجهلة ، المتضافرون من أجل إنتاج الخراب ودمار الأوطان. ولذلك أجد نفسي متوافقاً مع الرأي القائل: أنَّ القادم أسوأ، ولكن ليس من زاوية المقارنة بالماضي الأقل سوءاً، وإنما من زاوية ما سيأتي به المستقبل الأكثر سوءاً، حيث يعجز المرء عن تصور رعبه المحتمل إذا استمرتِ الْحرب، وتواصل التدهور والانحطاط.
وما لم نسعَ لوقف الحرب، بشكل عاجل ، وتوفير الغذاء ، وإنقاذ الشعب من المجاعة ، وعلاج الكوليرا ، وخلق توافق وطني تاريخي ، لتحقيق الاستقرار ، وبناء دولة قوية ، قادرة ، ليس فقط، على مواجهة التطرف الديني ، ولكن على تحقيق قيم العدل والحرية ، فأننا مقبلون على مرحلة الموت الأسود ، الطاعون ، الأشد فتكاً في تاريخ الإنسانية . أوقفوا الحرب ، وهذا نداء موجه للعالم ، ما لم فأن الطاعون قادم لا محاولة !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على