الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية عشق سليمة مراد باشا - 1 -

لطيف الحبيب

2017 / 6 / 19
الادب والفن


لطيف الحبيب
19.6.2017
حين يصرخ مسلم لا اله الا الله
عليك الهروب والنجاة بحياتك
رواية " مطيرجي بغداد " ص 202
يروي الكاتب العراقي ايليا عميري بعد هجرته الى اسرائيل في خمسينيات القرن المنصرم في روايته " مطيرجي بغداد " الصادره في اسرائيل عام 1992 والمترجمة الى اللغة الالمانية 1998صدرت عن دار نشر اوربا في فينا وميونخ " سير حياة الكثير من العراقين طبائعهم وموتهم عشقهم وحبهم , يؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ العراق ويهوده وقائع حركة الشارع العراقي, قصة حب وعشق سليمة مراد باشا , حقائق محملة بالسرد الروائي لم تفقد وقائعها ,خصبها وواقعيتها بفعل مخيلة الراوي فهي تنحي منحى السيرة الذاتية.كيف اغرم والده بالمطربة سليمة مراد ؟ يسرد تفاصيلها باسهاب وادق التفاصيل .
" عندما ارسل جدي موشي ابنه سلمان من العمارة الى بغداد ليدخل المدرسة، انتقل الذي سيسمى أبو كعبي في المستقبل لشقيق والدته، خاله" شاك" العازف الماهرعلى العود وآلة القانون اللتان وفرتا لسلمان متعة الاستماع و اثارتا اهتماما ثم ولعا بأصواتهما السحرية .كان الخال شاك يملك تسجيلات المغني ونجم السينما "محمد عبد الوهاب" ,يغنى معه عندما يسمع التسجيلات , في احد الايام عاد الخال شاك الى بيته , شاهد سلمان وهويحتضن العود الكبير، ماسكا الريشة وضاربا على الاوتار مقلدا عبد الوهاب ,ابتسم وقال ربما ابن أخته قد ورث موهبته الموسيقية، وعرض على سلمان أن يعطيه دروس في الموسيقى . كلما شعر والدي بالحنين إلى الوطن ، لجا الي الموسيقى ,يسارع كل يوم في انجازواجبه المدرسي والمنزلي، ليتسع الوقت لممارسة تمارين الموسيقى مع خاله شاك , كانت ساعات تعلم الموسيقى الشيء الوحيدالأكثر جمالا في العالم لديه ,اصبح العازف المتفرد في جوقة المدرسة ,طلب منه الغناء على شرف "الملك فيصل " الذي سيحضرالحفل بمناسبة الحفل الختامي لطلبة الصفوف المتوسطة للمدرسة الثانوية وتنبأ له بمستقبل عظيم . في الليلة التي سبقت الحفل ,"حلم انه على خشبة المسرح ينظر في القاعة, كان الملك يجلس وحيدا, اصيب بالصدمة حتى حنجرته تيبست, والعود لم تهتز أوتاره ولم يطلق تلك الاصوات الشجية ,فاق يقظا مستحما في العرق. خاله شاك والده موشي حضرا خصيصا من العمارة , حاولا تهدأته لاستقبال هذا الحدث وتحمله ، في ذلك المساء رافقهم توفيق ثابت مدير المدرسة، الى خشبة المسرح حيث الملك ووزرائه في مقدمة المسرح , الاستشاريون والحرس الملكي بملابسهم البلاطية وزيهم العسكري يحيطونهم من خلف مقاعدهم ,الضيوف الآباء وكادرالتعليم والطلاب يتجمعون ايضا خلفهم .
كان والدي مضطربا يرتجف من الإثارة , والوجه الوحيد الذي كان يعرفه هو وجه الخال شاك الذي رافقه في التمرن على هذه القطعة مرات عديدة . عندما انتهى، قوبل بتصفيق حماسي حتى الملك شارك فيه. في اليوم التالي مكالمة هاتفية من القصرالملكي، طلبت من ابي سلمان الحضور الى حفل يقيمه الملك فيصل ,جدي موشي لم يرغب في الحضور وحذر من الملوك العرب ومستشاريهم ، فكلهم شاذون جنسيا وسيئي السمعة , الا انه وافق فقط عندما اعلن توفيق ثابت، مدير المدرسة، ومسلم استعداده لمرافقتنا إلى مكان الاحتفال,انبهر جدي حين رأى قصر الملك الرائع و حبس والدي انفاسه، ولكن ابتسامة الملك أسرت أبي وقال انه يعرف جدي الاكبر واني جدي موشي احسن بارسال ابنه للمدرسة في بغداد, قال والدي ,: اقر الملك بجمال صوتي ، وحثني على مواصلة دراسة الموسيقية, سالني إذا كان لديي طلب خاص ,فوجئ سلمان عميرى تماما، وعبر عن شكره للملك، واعلمه لايحتاج شيء ,وفي نفس اليوم وصل طرد مرسل الي عنوان الخال شاك ,الة عود مطعمة بالزخرفة الدمشقية وبطاقات تهنئة وشكر من للملك. يعتقد سلمان انه كان يحلم. ولكن على الرغم من ذلك سيواصل الموسيقى والغنىاء مع الفنانين اليهود مثل أكرم داوود و صالح الكويتي وكان صديقا لهم، بعد أن أكمل المرحلة الثانوية، ورفض طلبه من قبل كلية القانون، سجل في كلية المعلمين. كانت وظيفته الأولى في مدرسة "الوطنية الابتدائية " بادارة مرب شهير "عزرا حداد". عند حصوله على أول راتب له، غادر بيت خاله شاك، استأجرغرفة في الطابق الاعلى ,الى جانب عمله كمعلم في التعليم. اكمل دراسة الجامعية في القانون, في حفل تعميد سكنه الجديد ليلة الجمعة أرسل له والده زجاجة من النبيذ الجيدة والغالية كان عليه ان يتلو صلاة يوم السبت وحيدا. "شعرت وحيدا كنت جائعا، حزين, لشيء ما لا اعرفه " خرجت من المنزل, سحبت خارج الدار دون هدف "حدثني عن ذالك بعد سنوات والدي سلمان ", وقف أمام فندق" الجواهري "الذي يقام فيه هذه المساء حفلا, لم يسبق له ابدا ان زار حفلا غنائيا , لكنه هذا المساء سيدخل الحفل الغنائي في الفندق ومن مصرفه الخاص ومن ماحصل عليه من راتب أخيرا, اختار لنفسه مكانا في مربع قرب المسرح وطلب عرقا, بعد فترة وجيزة ظهرت المغنية" سليمة باشا "على خشبة المسرح ,حينها كانت ملكة مسرح بغداد, يسحروهج عيونها النارية الحضور,غالبيتهم من وجوه المجتمع المعروفة, تعرف سلمان عميرى على بعضهم, والدي كان قد سمع غناء سليمة من قبل، لأنه لا يوجد بيت أو مقهى، يخلومن راديو يبث اغانيها، ولكن في الحقيقة وعلى الطبيعة صوتها كان ارخم ,"لم يكن لدي أي فكرة عن سبب تحديقها المستمر في وجهي ,ظننت انه مجرد وهم وتصور لأني شربت كثيرا من العرق", في منتصف الليل خرج من الفندق ،، وذهب على مضض إلى المنزل وسقط نائما في ملابسه ."حدثني أبي مؤخرا قال لي": مساء اليوم التالي حضر ابى الى مكان العرض مبكرا ، سعيا للحصول على نفس الطاولة القريبة من المسرح ارتقت سليمة باشا إلى المسرح، دارت عينيها بين الحضورتبحث عنه , خلال فترة الاستراحة, أحضر له النادل صينية تحوي وجبة خفيفة صغيرة وزجاجة عرق,بعد ذلك، بدا والدي يحضر كل ليلة وتأتي صينية ويخبره النادل "هذا هو من سليمة باشا " . كان ابي حينها صغيراالسن وعديم الخبرة لمعرفة كيف يتصرف , في إحدى الليالي جلس "أبو سعدون"، صاحب الفندق البدين الى طاول أبي و بجانبه وقال بعد بضعة ملاحظات مهذبة أنت معلم، أليس كذلك؟ سأل والدي كيف عرفت ذلك؟ " يا صديقي" في بغداد،الجميع يعرف كل شيء " نحن نعيش في مدينة صغيرة قال أبو سعدون ورفع كأسه بصحة أبي واكمل حديث : "أنا أبحث عن معلم خاص، وأنا مستعد أدفع خمسة أضعاف المعتاد" ,انحنى ابو سعدون الى الامام ليتحاشى نظرات سليمه له وهو يشير اليها هامسا الى ابي "انها لاتعرف القرأة والكتابة , اخبرني والدي لاحقا "هذا ما أخافني!! طلب وقت للتفكير والتشاور, في اليوم التالي في غرفة المعلمين سأل أبو إبراهيم، معلم اللغة. " هل أنت جاد؟"واستمربحديثه : هناك رجال يدفعون ثروة من أجل أن يكون معها في جلسة, لقد فتحت لك أبواب الجنة. لماذا لا توصي لي عندها.؟؟ في الليلة التالية اخبروالدي "أبو سعدون" وقال انه موافق على تدريسها واتفقوا على موعدا الساعة لأولى .ارتدى سلمان بدلته الوحيدة، الصيفية البيضاء، اختيار ربطة عنق حمراء، وتعطر بالكولونيا، مشط وسرح شعره الى الخلف ,أخذ عربة نقل إلى الباب الشرقي ,امام دار سليمة، يتمشى رجل اشيب الشعر ذهابا وايابا في ملابس بالية وكأنه شبح. عندما اقترب والدي من باب الدار ، بدا الرجل الرث وكأنه يحاول ان يقطع الطريق عليه و يمنعه من دخول البيت بعينيه ونظراته الشرسة . عدد قليل من الساكنين في هذا الحي يعرفون والدي، يجلسون على الشرفات في المنازل المجاور وينظرون اليه بشفقة ، كما لو كان حملا يقاد الى الذبح , اعتبرت المغنيات مومسات فاسقات خليعات ونساء ساقطات , ممكن أن تتمتع بغنائهن وأدائهن وغنجهن ، ولكن من المعيب والمخجل ان تخرج معهن او يراك احد معهن او تدخل دورهن , شهرة سليمة احالتها الى خطر وشبهة اخلاقية كبيرة, وزعم أن العشرات من المعجبين انتحروا هياما بها . صبية خادمة فتحت الباب وتصرفها المؤدب الصداقي هدأ من روع ابي , اصطحبته الى الصالون,وضعت على الطاولة جرة ماء بارد ثم اخبرته مبتسمة " ستحضر مدام سليمة حالا " ثم انسحبت خارجة ,بعد دقيقة ظهرت مدام سليمة مبتهجة ابتسامة عريضة تعلو وجهها . جلست بجانبه وبدأ في الدردشة معه باعتباره صديقا قديما، حتى أن والدي شعر بالراحة فورا. وهي كذالك.بدأ الدرس، وكانت مفاجأة كبيرة لوالدي أنها كانت أمية فعلا, ورغم البثورعلى وجهها كانت سليمة جذابة، امرأة ساحرة , روح متألقة رائعة طعمة، وهذا يجعلك ان تكون سعيدا متلألئ معها ,أبي لم يعرف كم استغرق الدروس، بعد انتها الدرس دعته سليمة باشا لمرافقتها إلى الفندق مساء , رفض أبي الدعوة ,انه يعرف أن أكثر من شيخ ووزير يعشقها ومولع بها ,وأن حياته لا تساوي كثيرا ولا قيمة لها إذا رأوا فيه منافسا لهم بحبها . وبالإضافة إلى ذلك، كان يشعر بالحرج، قبل كل شيء، لانه معلم يحظى بالاحترام وبثقىة الآباء الذين اولوه رعاية أطفالهم , ومن غير المتوقع والخطيئة ان تكون له أمرأة من بين النساء مثل سليمة . حينما غادر ابي دار سليمة , مازال الرجل الاشيب امام الدار نائحا صارخا " سليمة !! سليمة انا افديك بروحي !! ,ماذا أفعل معه ؟ قالت سليمة باشا معتذرة بينما يحاول سائقها تخويف الرجل لابعاده ,"أعطيتك حياتي ، واموالي،" صرخ الرجل خلفها الا أنها اختفت في سيارتها الليموزين ,وانطلقت ملوحة بيدها. " همس الرجل لأبي وبصق في وجهه نار الغيرة.احذر " قائلا: انها سوف تفعل بك مثلما فعلت بي ويكون حالك مثل حالي أنت لا تزال شابا لا تفسد حياتك معها،! هرب والدي في أول سيارة مرت في الطريق، تدفعه رغبة ملحة لا تقاوم للتوجه إلى الفندق.
قبل ان ترتقي سليمة باشا خشبة المسرح، ارسلت الى والدي زجاجة من الكونياك الفرنسي مع سجائر تركية ومزات شهية وحين غنت له " كلبك صخر جلمود ما حن عليه " كان ابي غارقا في تذكر ملامح وجه ذاك الشبح رجل يحوم أمام منزلها . بعد ثلاثة أشهرتمكن ابي من تعليمها القرأة والكتابة والحساب ، وبعض الشيئ من التاريخ كانت سريعة الاستيعاب وحادة الذاكره . لالتقاط كل ما فقدته في حياتها السابقة خفيفة الدم وذاكرتها جيدة، وكانت حريصة ومثابرة جدا، انشدت بفترة وجيزة قصائد طويلة حفظتها عن ظهرقلب لاادخال الفرحة الى قلب معلمها واسعاده ,وحين كان يشرح لها شيئا ما كانت تجلس على السجاد الفارسي وتستمع اليه بأنتباه شديد,وبعد أسابيع قليلة من بدأ الدروس كانا، مثل " النار واللهب " كما عبر عن ذلك والدي إذا توقفا عن تعلم أوممارسة الحب شربا وغنا معا عندما يغنى لها بشوق "انا عبد لك " تترقرق الدموعه في عينيها ,تطوى نفسها وتتكور في حضنه مثل قطة مهجورة، وتحكي له عن طفولتها ووحدتها و زواجها الفاشل, لقد هجرها زوجها قبل المهر لأن عائلته ضغطت عليه كثيرا ,في ذلك الوقت بدأت الرقص والغناء في حفلات خاصة صوتها وجاذبيتها جعلتها ان تكون اسما بارزا سرعان ما أحاط بها الفنانين والممثلين وشيوخ ورجال الأعمال الأثرياء والسياسيين, نوري سعيد باشا كان صديقا لها ,قدمت من خلاله وفي منزله الكثير من المساعدت معارفها واصدقائها اليهود . محاصرة بمعجبيها أينما ذهبت ,كانت نجمة، غنت في حلب، في بيروت، في القدس حتى في باريس , كل سيدة أعمال ذكية كانت تعاملها بعناية، وتدفع لها بسخاء ,امتدحها الكتاب وقدموا كتبهم اهداء لها والشعراء كتبوا القصائد لها . الآن زوجها يريد أن تعود اليه ولكن بعد فوات الأوان , رغم انها مازالت تحبه الا انها امتنعت عنه اعتزازا بكرامتها . كان والدي يعرف أن مشاعر سليمة بالنسبة له مزيج من مشاعر الطالب الودية لمعلمه ، او الهروب من حاجة المعجبين الذين يريدون كلهم نفس الشيء , لذلك، كان تعذبه الشكوك عما إذا كانت تحبه حقا, ربما كان نفسه ليس على قناعة . يقرأون معا قصص حزينة، قصائد رومانسية وشاهدوا أفلام لغريتا غاربو . حينما تطفئ الأنوار، تعطي سليمة اشارة الى السائق يدلفون السينما متسليلين هي متحجبة وهو بنظارة سوداء , في بعض الأحيان أنها تحضر سباقات الخيول أو تقوم برحلة على متن قارب. وعند منتصف الليل، عندما تنتهي حفلتها يذهبون إلى المدينة، وتأخذهم الفة بغداد وكأنها تتنفس لهم وحدهم مدينتهم فقط .رغبت سليمة ان يرافقها والدي في كل مكان، ولكنه رفض ذلك , لا يريد ان يكن من توابعها حياته تدور حولها فقط ,تمسك بوظيفته كمعلم الاحتفاظ بعمله الى جانب دراساته القانونية التي تميز فيها كثيرا .جاءت دعوة من طرف الباشا. لم تكن لديه رغبة للذهاب الى الحفل ,كان من المعروف أن الباشا مغرم بسليمة ، وكان عربيا، وعربيا مرة واحدة يبقى عربيا , من يدري، ربما يقوم أحدا بتسميمه هناك أومن يطعنه بسكين في ظهره, ومع ذلك أصرت سليمة حلفت أن لا شيء يمكن أن يحدث له، اشترت له بدلة رمادية أنيقة من المركز التجاري المرموقة "اورزدي باك" بالإضافة إلى قميص أزرق فاتح وربطة عنق ملائمة. عند وصولهم إلى القصر، انحنى الحارس الشخصي للباشا لها وقادها إلى صالون كبير حيث وجد والدي المكان المخصص له على الطاولة ، في حين اتجهت سليمة الى الموسيقيين تبادلت بعض الكلمات معهم ,على الفور، احاط المعجبين بها ، ملأ والدي كأسا من الويسكي ليتوازن, ويأخذ جرعة من الشجاعة, ولكن قبل أن يتمكن من أخذ رشفة، جاء الباشا متجها ،, " نحوه قال نوري السعيد"السلام عليكم، يا بك" حبس والدي أنفاسي,"وعليكم السلام السيد رئيس الوزراء ,رد والدي ونهض من مكانه " ا رجوك ان تبقى جالسا قال الباشا, لكن والدي ظل واقفا ,واضاف"ما اسمك؟ قدم والدي نقسه ردا على سؤاله, آه، قال باشا ابن عم بيت عميري بلهجة يهودية هل أنت من اقارب سليمة ؟ لا أجاب والدي ، "أنا مجرد معلم " , قال الباشا," لم أكن أعتقد أنها لا تزال ترغب أن تتعلم: غامزا لابي " أساعدها لتحسين أداها في العربية الأدبية" رد ابي"قال الباشا شيئ مهم جدا ارجوك ان تشعركأنك في منزلك تماما " ثم لوح لخادمه الشخصي وهمس في أذنه شيئا ومشى بعيدا , شعر والدي ان أعين الرجال الذين كان يعرفهم فقط من الصحافة تراقبه الان ، هدأ قليلا وبدأ يدق نغمة على كرسيه، في محاولة للتخلص من انفعاله .عاد النادل مرة اخرى حاملا صينية واطباق ، رتبها على الطاولة وقال: "هذه الأطباق من مطبخ الباشا الشخصي ..انها لذيذ. ولكن على الرغم من أن والدي لم يعد يخاف من تعرضه للتسمم، كان متوترا للغاية للحصول على شيء للأكل, بين الحين والآخركان ابي يرمق الباشا بنظرة من مقعده قرب المسرح. وخلال الاستراحة جاءت سليمة وجلست الى جانبه جميع الضيوف يحدقون في وجهها ,"لماذا لاتأكل سألته سليمة . "طعام الباشا لذيذ ومشهور" "ألا ترين أن الجميع يحدق بنا ؟ من يستطيع أن يأكل مع كل هذه النظرات ؟ كنت في انتظارك. "جيد"، قالت سليمة، ربتت على يده وذهبت الى مائدة الطعام , احد الجنرالات , صدره مغطى بميداليات اتجه الى سليمة واشاد ومدح عرضها الغنائي ، وتساءل: عن الذي يرافقها. عندما سمع الجواب، مسد على شارب الكبير دعاهم الى جولة خاصة في طائرته الخاصه قال "اتعهد لكم وقتا جميلا في الهواء " " أنت حلمنا جميعا " قالت سليمة شكرته ، واعتذرت انها متعبة ويجب ان تنهض مبكرة صباحا. رمق الجنرال والدي سلمان بنظرة طويلة ومتغطرس ثم انحنى ومشى بعيدا , فجأة تذكر والدي وسرت قشعريرة: في جسده كان الرجل " محمد الطيار "، قائد القوة الجوية العراقية، وهو ضابط وحشي سيئة السمعة حد قول الاستشاري لحقوق الإنسان"، تحدثت سليمة الى ابي وحذرته " خذ حذرك منه ، بحثت عيونها عنه ورأى القلق بادي عليها ,ولكن على خشبة المسرح، جلست ,وارتسمت أجمل ابتسامة على جهها ,غنت أغاني متنوعة تذكر فيها العديد من أسماء الضيوف,حركاتها شغلت و أسرت الجمهور حتى غنوا معها ,اخر اغانيها اهدتها الى الباشا نورى السعيد . تصفيق مدوي اعقب نزولها من المسرح، استقبلها حشد متحمس حاصرها, الباشا قبلها على كلا الخدين. عندما غادرواالقصر كان محمد الطيار جالسا في سيارته الليموزين عند المدخل ، مراقبا والدي وهو يرافق سليمة في سيارتها ويغادران القصر معا . أمضوا ثلاث سنوات معا , والدي معشوق ومدلل سليمة ,اهتمت به حبته وهامت به عشقا, وضعت تحت تصرفه سيارتها وسائقها ,جهزت منزله بهاتف ,قدمت له مبالغ طائلة من المال, اشترت له احسن الاعواد الدمشقية واجملها لكن الجنود الفيصليون حطموا العود الدمشقي الجميل في هجموهم على بيتنا ليلة القبض على عمي حصقيل الشيوعي . (لأن أمي لا تعرف قصة العود الدمشقي ,حاول ابي كظم حزنه وأخفاء دموعه ) ,في نهاية السنة الثالثة رافق ابي مدام سليمة الى لبنان، قضواعطلة الاسترخاء في بلاد الأرز. كان خاله شاك ينتظره حين عودته من لبنان اضافة الى والده ووالدته، الذين قطعوا الطريق الطويل من العمارة الى بغداد ,انفجرت والدته في بكاء مرير، لم يفرح او يصفق احد, جهشت العمارة كلها بالبكاء بسبب علاقته مع سليمة وفضيحته بهروبه معها , لم يتقدم احد للزواج من شقيقاته ,لم يرغب رجل في مصاهرة عائلته , شقيقاته كنا مرتين في الأسبوع يتوجهن ويقدمن صلاة القبور ويقمن بزيارة الانبياء "حزقيل وعزرا "على أمل التخلص من اللعنة التي لحقت بهن لعصيان اخيهن وارتكابه المعاصي. حاول والدي أن يقنع الناس أن سليمة كانت امرأة جيدة، تبرعت بسخاء، واوقدت الشموع في كل السبت يوم الغفران كانت تصوم, وفعلت كل شيء لمساعدة اليهود. يدور الخال شاك في فناء الدار مثل أسد في قفص حتى انه صرخ أخيرا هل استقبلتك وربيتك في بيتي لتقوم بهذا الفعل المشين ؟ آمل أن يكون هناك من يطلق عليك النار بسببها، احد من هؤلاء الجنرالات وكبار الضباط، التي تدور معهم اليوم هذا وغدا ذاك , جلس جدي شاحب الوجه وبدا منكسرا قال :حالما تحصل على ما يكفيها منك سترميك جانبا
واذا كانت تنوي أن تثير فيك الفزع والخوف فلقد نجحت . الضغط كان كبيرا جدا على ابي من عائلته ومجتمعه , شقيقاته مهددات بالبقاء عانسات ,لن يستطيع العيش مع مدام سليمة حياة سوية مع عائلته فقرر ان ينفصل عن سليمة والاختفاء من حياتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع