الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْخُذْلَاْنْ ..!

فيصل عوض حسن

2017 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


اَلْخُذْلَاْنْ ..!

د. فيصل عوض حسن

وفقاً لصحيفة اليوم التالي في 22 مايو 2017، أعلن والي القضارف عن استرداد (كافة) الأراضي الزراعية بالفشقة من الإثيوبيين، وسيتم زراعتها بواسطة مُزارعي القضارف. ولمزيد من التضليل وحَبْك الكَذِب، أكَّد الوالي قيام (جسر العطبراوي)، وتوفير العَبَّارات لتمكين المُزارعين من الزراعة في الموسم الجديد، والمُضِيِّ في تنمية الشريط الحدودي، ومُحاربة (الجماعات المُتفلِّتة) السَّاعية لزعزعة أمن الولاية و(الجارة إثيوبيا)!
بعدها بثلاثة أيَّام، ووفقاً لصحيفة الجريدة في 25 مايو 2017، كَذَّبَ مُزارعو الفشقة (إدِّعاءات) الوالي باسترداد أراضيهم، وقالوا في بيانٍ رسميٍ أنَّ أراضيهم ما زالت (مُغْتَصَبَة)، وطالبوا الحكومة باسترجاعها والإسراع بترسيم الحدود مع إثيوبيا. ومن جانبه، أكَّد نائب الفشقة (المُستَقِل) بالبرلمان، استمرار التَوَغُّل الإثيوبي بالأراضي السُّودانية وفي مساحاتٍ شاسعة! وفي سياقٍ مُتَّصل، كَشَفَ عضو مجلس الولايات مُعتصم عبد الجليل لآخر لحظة في 7 يونيو 2017، عن استحواذ إثيوبيا على أكثر من (2) مليون فدان من أراضي الفشقة، التي وصفها بالـ(مُغْتَصَبَة)، وأضاف بأنَّها أراضٍ استحوذ عليها الإثيوبيون عُنوةً ويجب إعادتها، مُؤكِّداً استمرار تشريد المُواطنين السُّودانيين، وتزايُد جرائم القتل بسبب انعدام الأمن والاستقرار! بينما ابتلع الوالي تصريحاته السابقة، ولم يُكَذِّب بيان المُزارعين، أو يعترض على إفادات كلٍ من نائب الفشقة بالبرلمان، أو عُضو مجلس الولايات المُشار إليها أعلاه حتَّى الآن!
الجدير بالشرح والتذكير، أنَّ الأطماع الإثيوبية قديمة ومُتجذِّرة، إذ بدأت مشاكلنا الفعلية معها عقب سقوط المهدية، فانتهزها منيليك الثاني والتهم أجزاءً واسعة من أراضينا على رأسها إقليم بني شنقول، ووافق البريطانيون لاحقاً في اتفاقيتهم مع منيليك عام 1902على أيلولة ذلك الإقليم لإثيوبيا، شريطة عدم إقامة إثيوبيا لأي مشروعات مائية على مجرى النيل الأزرق، رغم علم بريطانيا بأنَّ بني شنقول تتبع للسُّودان الذي كان آنذاك تحت سيطرة الحكم التُركي، وهي معلومة تاريخية لا يُجادِلْ فيها عاقل! والخطأ التاريخي الأوَّل، هو عدم استرجاع بني شنقول للسُّودان مع الاستقلال، رُبَّما (التزاماً) باتفاقية 1902، ومع هذا كان هناك أمل لاسترجاعها، لأنَّها آلت لإثيوبيا باتفاقيةٍ (مشروطة)، ويُمكن نقض الاتفاقية أو تعديلها كما فعلت إثيوبيا مُؤخَّراً، حينما أعلنت (صراحةً) عدم اعترافها/التزامها بجميع الاتفاقيات السابقة، لكونها تمَّت في زمن الاستعمار، وهي ذريعة اتَّخذتها لتُقيم سد النهضة! وهذه كانت – ولا زالت – فرصتنا لاستعادة بني شنقول للسُّودان بنفس مُبرِّراتهم، إلا أنَّ البشير مَنَحَ إثيوبيا (صَك) الأحقية الأبدية بذلك الإقليم، ووَقَّعَ على اتِّفاقية سد النهضة وضَيَّعَ حقوق السُّودان بشكلٍ مُركَّب، مَرَّة بمُحاولة وأد آمال استرجاع الإقليم، ومَرَّةً ثانية بالمُوافقة على السد (الكارثي) دون أي فوائدٍ معلومة، أو ضماناتٍ مُوثَّقة في اتفاقياتٍ رصينةٍ وواضحة المعالم.
وخُذلانُ المُتأسلمين وتخليِّهم عن سيادتنا الوطنية مُتعاظم ومُتتالي، فقد سبق ذلك صَمْتُ البشير وعصابته على احتلال إثيوبيا للفشقة، وتَغَافلوا عن تعدِّياتها المُستمرَّة بصوةٍ مُتعمَّدة! ومن جهةٍ ثانية، ورغم استخدام إثيوبيا لميناء بورتسودان، دون معرفة عوائد/مردود ذلك الاستخدام بالأرقام وأثره على اقتصادنا حتَّى الآن، وافق البشير وعصابته على بناء ميناء إثيوبي داخل السُّودان! ولقد كتبتُ عن عَجْرَفَة ديسالين وتأكيداته لبرلمانه، بأنَّهم (سيحصلون) على أرض الميناء المزعوم، دون إشارةٍ لكيفية الحصول عليها (شراكة أم استئجار أم شراء)، وما هي التزاماتهم وحقوقهم تجاه السُّودان صاحب الأرض الفعلي! والمُصيبة الأكيدة، أنَّ إثيوبيا ستلتهم جميع المناطق السُّودانية التي تربطها بذلك الميناء، ويُؤكِّد هذا الاتجاه (أكاذيب) إقامة خطوط السكك الحديدية، مما يعني احتلالاتٍ إضافية لأجزاءٍ عزيزةٍ من بلادنا.
والواقع، أنَّ إهدار البشير لسيادتنا الوطنية لن يتوقَّف، لأنَّه يسعى لإنقاذ ذاته المرعوبة خصماً علينا، وهو ما دفع الطَّامعين والمُغامرين لاستغلاله/ابتزازه، ولا نُبالغ لو قُلنا أنَّ أكبر مُهدِّداتنا السيادية سببها البشير (شخصياً)، وبصفةٍ خاصَّة الاحتلالين الإثيوبي والمصري وتبعاتهما. فالبشير استجاب لابتزاز الدَّولتين، عقب تورُّطه هو وعصابته الإسلامَوِيَّة، في مُحاولة اغتيال مُبارك بأديس أبابا عام 1995، وبمرور الوقت أضافت الدَّولتين عاملاً آخر لابتزاز البشير، وهو موضوع المحكمة الجنائية الذي ترتعب أوصاله بمُجرَّد ذكرها، فبدأوا بمُغازلته بهذا الموضوع، ودونكم ما أَوْرَدَته صُحُف 10 يونيو 2017، بشأن دعوة من وصفتهم بديبلوماسيين مصريين وإثيوبيين في مجلس الأمن، لتعليق تحقيقات الجنائية ضد البشير، واحتفاء إعلامه المأجور بهذه (الجَذَرَة)! غير أنَّ اللافت في الموضوع والجديرٌ بالتنبيه، هو إغفالُ المُتأسلمين وإعلامهم (المُتعمَّد) للاحتلال الإثيوبي تحديداً، بل وقيامهم بتضليل الرأي العام، على نحو تصريح والي القضارف أعلاه! وهناك أيضاً، على سبيل المثال وليس الحصر، التصريحات الـ(مُوثَّقة) لوزير الداخلية الأسبق ومُساعد البشير الحالي، يوم الجُمعة 7 أكتوبر 2011 عن اكتمال أعمال لجنة ترسيم الحدود بين السُّودان وإثيوبيا، ورفع أعمالها للبشير ورئيس الوزراء الإثيوبى (آنذاك) ملس زيناوي الذي مات وشِبِع موت، وحتَّى الآن لم تُرَسَّم الحدود! مع مُلاحظة أنَّ ديسالين، رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، نَفَى أمام برلمانه (أكاذيب) المُتأسلمين بشأن ترسيم حدود إثيوبيا مع السُّودان، وأكَّد قاطعاً بطَرْحْ ملف الحدود كاملاً على شعبهم لنقاشه والتقرير بشأنه قبل بدء الترسيم، وهو ما تفعله الدول المُحترمة مع شعوبها حرصاً على مُقدَّراتهم! علماً بأنَّ الاتحاد الأفريقي وجَّه بـ(إنهاء) ترسيم الحدود بين جميع البُلدان الأفريقية قبل نهاية عام 2016، وذلك وفق تصريحات وزير خارجية المُتأسلمين (غندور) أواخر عام 2015 وهي مُوثَّقة (أيضاً)!
إنَّ المُعطيات المُوثَّقة أعلاه، تُؤكِّد خُذلان البشير وعصابته وأنَّهم أكبر وأخطر أعداء السُّودان، فهم الذين أهدروا سيادتنا الوطنية وجعلوا بلادنا عُرضة للاحتلال الآخرين، بصمتهم الفاضح على التوغُّلات الخارجية المُتلاحقة في بلادنا، والكذب الصريح للتغطية على تلك الاحتلالات، وادِّعاء استرداد الأراضي المُحتلَّة وفق ما أشرنا أعلاه، بدلاً من اتِّخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادتها فعلاً. ومن جهةٍ ثانية، تُؤكِّد المُعطيات أعلاه، أنَّ أطماع دول الجوار في السُّودان كبيرة، خاصَّة إثيوبيا ومصر، من واقع تدخُّلاتهما المُتلاحقة والمُتزايدة، بسبب البشير المُتخاذِل وعصابته المأفونة، والذين سيهربون مع أوَّل هَبَّة أو فوضى يسعون لإحداثها بالبلاد، فغالبيتهم يحملون جوازات سفر أجنبية (تكفُلْ) لهم الحماية اللازمة وقت ما يحتاجونها، ومن الصعوبة مُحاسبتهم ومُعاقبتهم لو هربوا، كما يصعُب استرجاع مُمتلكاتنا التي منحوها للآخرين باسم السُّودان، وبالتالي سنكون مُلزمين سيكون بتسديد التزاماتنا لاستعادة أملاك الدولة.
المُحصلة، أنَّ حديثي ليس لإثبات خُذلان المُتأسلمين، وإنَّما للتوعية وتثبيت/توثيق إجرامهم للتاريخ، ومُحاولة توحيد وحشد الطاقات لإفشال مُخطَّطاتهم لبيع وتمزيق البلاد. والمجال ما يزال مُتاحاً لإنقاذ ما تبقَّى من البلد، ومُعالجة هذا الخُذلان تقع علينا نحن السُّودانيُّون تبعاً للمساحة المُتاحة لكلٍ مِنَّا، ووفق تخصُّصاتنا وقُدرتنا على تكييفها لصالحنا، ومن ذلك على سبيل المثال، إسراع الأخوة القانونيين الشُرفاء سواء كانوا مُستقلِّين أو بالكيانات السياسية (مدنية/مُسلَّحة) أو مُنظَّمات المُجتمع المدني، بتقديم (عرائض) دولية وإقليمية رصينة، لتثبيت حقوق السُّودان كخُطوةٍ عاجلة واحترازية، بدءاً بسد النهضة باعتباره مُهدِّداً سيادياً خطيراً جداً على مُستقبل بلادنا وأجيالها، ويُمكن استخدام نفس مُبرِّرات إثيوبيا في نقضها للاتفاقيات السابقة، وعلى الأقل نعمل لتأطير اتفاقية السد وإدخال الشروط والبنود الضامنة لحقوقنا، وهو أمرٌ سبقتنا عليه الكيانات المدنية والسياسية الإثيوبية حينما سمعوا بمسألة ترسيم الحدود، حيث قاموا برفع مُذكِّرة لأمين عام الأُمم المُتَّحدة يرفضون فيها الخروج من أراضينا التي أحتلُّوها عُنوةً، مما دفع برئيس وزُرائهم ديسالين للالتزام أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة في ترسيم الحدود إلا بعد الرجوع للشعب، كما أشرت أعلاه، وتجدون أدناه رابط خبر المُذكرة.
وبالتوازي مع جهود وتحرُّكات الأخوة القانونيين، نعمل نحن السُّودانيُّون، على اختلاف مشاربنا وأحزابنا وعقائدنا ومناطقنا، على تجاوُز الفِتَن التي غرسها المُتأسلمون بيننا، ولنقف صفاً واحداً لاقتلاع هذه العصابة المأفونة من الجذور باعتبارهم عدوَّنا الأوحد. ولنعلم بأنَّنا جميعاً ضحايا لبطشهم الذي طَالَ كل السُّودان، بدءاً ببورتسودان وكسلا ودارفور والمنطقتين وكجبار ومدني والقضارف والخرطوم وغيرها من المناطق! والخوف والصَمْتُ لم ولن يُحافظوا على بلدنا، التي كان المُستعمر أكثر حرصاً عليها من هؤلاء السَّاقطين! وانتظار العالم الخارجي أيضاً لن يخدمنا، لأنَّ العالم كله يدعم بقاءهم طمعاً في مُقدَّراتنا ولثقة الآخرين في عمالتهم وخيانتهم، نحن فقط المعنيون بإحداث التغيير المنشود، الذي لا يكون بمُتابعة تفاهاتهم كإعفاء هذا أو تَعْلِيَة ذاك، فهم جميعاً سَّاقطون وخَوَنَة وعُملاء ومُجرمين، ولا يُرجى منهم خير.. وللحديث بقية.



ملاحظة هامَّة:
عقب إكمالي لهذا المقال، قرأتُ تصريحاً للسفير الإثيوبي بالخرطوم لصحيفة المجهر السياسي 18 يونيو 2017، يُعلن فيه عن اكتمال الترتيبات الخاصَّة بالتحويلات المالية بين الخرطوم وأديس أبابا، واكتمال ربط البلدين بالسكة حديد والنقل البري وتخصيص نقطة جمركية واحدة، وذلك في إفطارٍ أقامه للـ( إعلاميين ).. فتأمَّل ..!


للإطلاع على نص الالتماس (العريضة) الإثيوبية كاملاً إليكم الوصلة التالية:

http://www.ethiomedia.com/1010ideas/4791.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس