الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإحتكام الى الشعب

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2017 / 6 / 20
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


توقفت، أو على الأقل، تراجعت لحدود كبيرة إمكانيات حكومة العراق الناقصة السيادة، في مجالات إرشاء دائرة واسعة من الإنتهازيين وحتى بعض المحتاجين أفراداً وجماعات، وذلك بفعل تراجع مواد النفط، وتعاظم عمليات السطو على الأموال والممتلكات العامة، والفساد السائد في كل مفاصل الدولة، وفي كل جوانب دورها الإجتماعي والإقتصادي والسياسي. يُضاف الى ذلك متطلبات الجهد العسكري ورواتب موظفي الجهار الحكومي، حيث إبتلعا الكثير من موارد البلاد، ولم يوفر ذلك الجهد والتضخم البيروقراطي ما يقابلهما على صعيد مستوى الأمن المطلوب للمواطنين في أرجاء البلاد المختلفة "الآمنة" منها أو المضطربة، وذلك بسبب تعمق الفساد ومحاربة الحس الوطني أيضاً.

تزامن مع تراجع الموارد تراجع ملحوظ في إمكانيات التعبئة والشحن الطائفيين، بفعل البؤس والمخاطر والموت والتهديد الذي أصاب وشمل الجميع، خارج الدائرة الضيقة من المنتفعين وسلطتهم الفاسدة والفاشلة. هذا دون تجاهل الفوارق الملموسة نسبياً في كردستان إذا ما قورنت بحال المركز.

لقد تلمست الفئات الفقيرة من كل العراقيين أنهم مجرد وقود في معركة ليست في صالحهم أو صالح مستقبل بلادهم، وإنكشفت لحدود بعيدة الكثير من حالات المكر والخداع الذي يمارسه القادة الطائفيين من كل الجماعات، وإن جهدهم الرئيس ينصب بإتجاه خدمة مصالحهم الضيقة، الشخصية منها والعائلية فقط، بعيداً ليس عن المصالح الوطنية، بل حتى عن مصالح الطائفة التي يُفترض أنهم يُمثلونها. وفي حالات كثيرة يكون زعماء الطوائف المتناحرين في جبهة واحدة ضد عامة الشعب لحماية مواقعهم في السلطة والمال.

يمكن لهذين العاملين؛ نقص الموارد والإنحسار الملحوظ للمد الطائفي شعبياً، أن يفتحا آفاقاً جديدة أمام القوى الوطنية الأخرى خارج إطار العملية السياسية الفاشلة والفاسدة التي صممها الإحتلال، وحتى لتلك القوى التي تريد التراجع عن تورطها لتعزيز إمكانات شن نضال عادل ومقنع لأواسط واسعة من مختلف الفئات الإجتماعية المتضررة من الحالة السائدة في العراق.

توقفت معظم مصانع البلاد، التي كانت تلبي جزءاً من إحتياجات المجتمع، وتراجعت الزراعة، وكذلك جميع الخدمات العامة، ولاسيما أكثرها أهمية: التعليم والصحة والبنى التحتية لخدمات الكهرباء والماء والسكن والإتصالات والمواصلات ... الخ. وتتواصل على الصعيد الإقتصادي عمليات حلب النفظ فقط، وهذا ما حرص عليه المحتل وفقاً لمصالحه، ولتغذية مؤسسات الدولة العاجزة.

ومن مؤشرات خطورة الحالة العراقية الأخرى، أن هناك إجماعاً في أوساط كل دارسي الأوضاع الراهنة يُفيد، بأن الطرف الأضعف في المعادلة القائمة حالياً، هو الحكومة المركزية في بغداد، وهي عاجزة عن السيطرة على مراكز القوى حتى في بغداد نفسها. وإن معظم القوى المهيمنة على القرار السياسي في البلاد، ظلت أسيرة للأنانية في أبشع صورها، الى جانب غياب الشعور بالمسؤولية الوطنية، ويوشك الشعب على فقدان الثقة بالجميع، أو أن يذهب الأخضر بسعر اليابس كما يقال.

يدفع مجملُ ما تقدم وغيره الكثير، بالضرورة الى الإعتقاد، بأن الشروط الموضوعية للتغيير متوفرة، بل أكثر من متوفرة فقط، ولكن الخيبة كل الخيبة في القوى السياسية، التي تدعي أنها تسعى لخلاص الشعب من خلال التصدي للأوضاع الشاذة. إن الخلل الحاسم في عملية التغيير يكمن في عدم التوازن الضروري بين الشروط الموضوعية والذاتية لقوى التغيير المفترضة أو الواقعية. هذا الأمر شروطه واضحة، وعلى رأسها وجود تنظيم أو تنظيمات حصينة البناء وواقعية البرامج، وترى أن برنامجها الأساسي لن ينفذ إلا من خلال الإمساك بالسلطة السياسية. إن ممهدات الأعمال الحاسمة تبدأ بالقضايا التي تحظى بأكبر إجماع وطني، وقبل كل شيء يكون في ذهن الناشط أو الحزب السياسي أن المواطن لكي يشترك في معركة حقوقه، ينبغي أن يشهد أعمالاً وشعارات تحظى بثقته.

في هذه الأجواء إنطلقت دعوات مخلصة في معظمها لوحدة أو تعاون قوى اليسار، وتضافرت معها عوامل أخرى، أعطتها دفعاً قوياً، منها بعض دعوات ونشاطات قوى يسارية مشهود لها. ولكن بكل آسف وقبل أن تترسخ الدعوة، جرى طرح خلافات غير واعدة، بما فيها الإختلاف حتى على دوافع تلك الدعوات. وهناك من قال: إنها جاءت شعوراً بالمسؤولية التاريخية، وهناك مَنْ أرجعها الى الإحساس الذاتي بالضعف والعزلة، ولم يستبعد آخرون حتى ما وصف بمحاولات رفع العتب.

ومن جانب آخر يُمكن إرجاع عدم ترسخ تلك الدعوات المخلصة، وبروز التنافر على السطح للمعنيين وغير المعنيين الى عوامل أساسية، تكمن في الدعوة أو الدعوات نفسها، وهذا يتطلب أولاً التحري عن أسباب التنافر وضعف الحصلية. أرى الحالة على النحو التالية: إن الشعب العراقي يواجه مصيراً تدميرياً بالمعنى الحرف للكلمة، وطبيعة مثل هذه المخاطر تجعل مصالح العديد من الفئات الإجتماعية معنية بمصير البلد ككل، وليس مجرد مصير فئة منه، وقد جرت الإشارة الى بعض تلك العوامل في الأسطر السابقة.

وعليه تكون الدعوة للوحدة الوطنية هي الهدف الرئيس والأوضح والأعمق والأكثر قدرة على رص الصفوف، وهو لا يتعاض مع الدعوة الى وحدة أو تعاون قوى اليسار بل يعطيها دفعة قوية الى أمام. لقد حان الوقت للإحتكام الى الشعب مباشرة، والإحتكام الى الشعب ليس شعاراً رومانسياً، بل هو ميدان للعمل الحقيقي الذي يمليه واقع الحال.

ربما قوى اليسار بحاجة الى تحديد مواقعها ونظراتها الإجتماعية وتصوراتها لسبل حل الأزمات، أكثر من الدعوة لوحدة اليسار، لأن ذلك يضع مقدمات حل الإختلاط في الهوية الإجتماعية للأطراف اليسارية، التي تستنفذ بعضها البعض الآخر، نتيجة لذلك الإختلاط.

إن خلط الأهداف والتصارع على الإختلاط نفسه، وليس على الأهداف العامة، يفتح الباب من الناحية العملية أمام كل أنواع الصراعات غير المجدية، والتي لا نفع منها في هذه المرحلة القاهرة الحالية تحديداً، وهي صرعات لا تخدم القوى السياسية، كل على حدة، ولا الشعب عامة. وعلى الجميع إن يعلم بأن مقومات الحياة نفسها في العراق باتت مهددة.

من حق كل طرف وطني أن يتبنى النظرية والبرامج، التي يرى فيها تعبيراً عنه وعن مصالحه، ولكن في الوقت نفسه ليس في مصلحة النضال الوطني الراهن، على سبيل المثال، أن يدعي الإشتراكي الديمقراطي أنه عمالي، والعكس صحيح. إن شعارات: الوحدة الوطنية، وإستكمال السيادة، وتحقيق الأمن ودحر الفساد والإرهاب والعدوان، شعارات ومهمات ملحة، لا تستقطب اليسار فقط، وإنما تستقطب وتشمل ما هو أوسع وأبعد، أي كل ما يهم مصير البلد ومستقبل الشعب، ومَنْ يهتم بهما. وعلى كل طرف وطني ويساري أن يصفي أوضاعه الداخلية أولاً، لأن ذلك يخلق حيوية وفعالية داخلية، ويعطي مصداقية أكبر للتعاون مع الأطراف الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كان ماركسياً وانقلب إلى إصلاحي
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 20 - 17:29 )
وها عبد الحميد برتو ينقلب إلى إصلاحي والعوض بسلامة الشيوعيين

اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024