الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود العلاقة بين السياسي والمثقف

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


منذ ان وعينا العمل السياسي في بداية سبعينات القرن الماضي ، ونحن نطرح التساؤل عن ماهية العلاقة بين رجل السياسة ، وبين المثقف ، وما هي حدودها ؟ فمنّا من كان يعتبر ، ان المثقف هو القارئ ، ومنّا كان يعتبره منتج الأفكار الذي يؤثر في مسيرة المجتمع ، والتأثير كما يكون ايجابيا ، فهو قد يكون سلبيا ، اي مثقف مرتبط بقضية ام مثقف انتهازي ، حسب الدور الذي يلعبه المثقف في المجتمع . لكن شخصية رجل السياسة ظلت غامضة اللهم اعتباره مكيافيليا ، و قامعا ، ومتسلطا ، وناهبا .
لكن لنعيد التساؤل : ما هي العلاقة بين ما هو سياسي وما هو ثقافي ؟
اعتقد ان العلاقة بين الاثنين ، هي علاقة متوترة ، على الرغم مما قيل بوجود تناغم بينهما في اغلب الحالات ( مثقف السلطة ومثقف الشعب ) . واعتقد انه نقاش طويل حول ( الواو ) الفاصلة بين ( سياسي وثقافي ) . فهل هي ( واو ) العطف ام ( واو ) الضم ؟
تاريخيا ومنذ ان خلق الله الأرض وما عليها ، كان هناك توثر بين الحاكم ، رجل السياسة ، ورجل الحكم ، وبين المثقف . فرجل السلطة ،هو رجل تدبيرٍ للواقع وتسييرٍ له ، وبالتالي فهو مرتبط بما هو قائم ، وله مصالح يجب ان نحافظ عليها لكي تستمر سلطته ونفوذه ، فهو في عمقه أميل لان يكون محافظا .
أما المثقف ، فيختلف تصوره ، لأنه ليس مرتبطا بالواقع كما هو ، وذلك بحكم ثقافته التي تجعله ذا بعد ( يوتوبي ) واستشرافي ، ودائما على مسافة من الواقع ، لا من حيث كونه يعيش على هامش الواقع ، وينخرط في الفكر والتأمل والتساؤل والنقد ، بل أيضا من حيث موقعه الاجتماعي كشخص هامشي ، لا ينخرط في السيرورة الإنتاجية ، لذلك نظرا لموقعه الدوني الذي يضعه فيه المجتمع السياسي ، فهو يحاول أن يرد عليه بالقول : إن الفكر هو أساس المجتمع ، وان المجتمعات لا تستطيع أن تتقدم وتتطور ، ولا أن تشتغل وتتقدم ، إلاّ عن طريق الفكر .
فالمفكر ممزق بين صورته عن نفسه ككائن مزود بثقافة ووعي ، ومن المفروض ان يكون المجتمع قد أعطاه المكانة اللاّئقة به ، وبين واقعه الدوني ، وهو واقع مُهمّش ، وأحيانا ينتظر رجل السلطة ان ينعم عليه . لذلك يحاول المثقفون أن يظهروا ككائنات فريدة ، تمتلك الحكمة والرأي السديد ، وان المجتمع محتاج إليهم .
فهي علاقة متوترة إذن ، بين السياسي ورجل السلطة ، وبين المثقف ، فهناك مجال الواقع اليومي ، والتدبير ، والمصالح اليومية الملموسة ، وهناك مجال الثقافة ، الأمل ، استشراف المستقبل . وحتى لو قفز بعض المثقفين من مجال الثقافة الى مجال السياسة ، فذلك لا يغير طبيعة العلاقة بين شكلين مختلفين . كما ان الذي يقع في هذه الحالة ، ولدى خروج المثقف من حقله ،هو ابتلاع الساسة له ، فيصبح واقعيا أكثر ، وبراغماتيا أكثر ، ومسالما ، لان للسلطة إغراءاتها ، وآلياتها ، وميكانيزماتها . وحتى ولو حاول المثقف المحافظة على سمته الثقافية ، فهو يجد نفسه قد ذَابَ في بَوْثقة السلطة ، لِمَا فيها من امتيازات . فانتقال بعض المثقفين الى مجال السياسة ، لا يغير طبيعة بعض الحقول ، لان لكل حقل محدداته ، وآلياته ، و قيمه ، وطقوسه.
كذلك عندما يريد رجل السياسة ان يصبح مثقفا ، فهو ينتقل الى ميدان آخر له ميكانيزماته الأساسية ، فما حدث في تاريخ البشرية ، يثبت انّ ما من شخص استطاع ان يجمع ، بين كونه سياسيا ، ومثقفا ، ومفكرا ، لان الثقافة والفكر يتطلبان وقتا وتفرغا . أما النشاط السياسي ، فهو نشاط يومي ( خطب ودهاليز ) . وهذا لا يسمح للفاعل السياسي بمواصل تكوينه الفكري ، ونحن نلاحظ ان الأساتذة الجامعيين الذين ينتقلون من حقل الفكر الى حقل السياسة ، يذوبون فيها ( فالأستاذ عبدالله العروي ، كان صاحب قلم غزير وسيّال ، قبل التحاقه بالديوان الملكي ، لكن بعد ان عيّنه الراحل الحسن الثاني مكلفا بمهمة بالديوان ، جف قلمه بالكامل ، والخطورة انه لم يوفق في تقمص السياسي الجديد الذي ترك الثقافة ، وعندما حاول الانسلاخ من السياسة والعودة إلى الثقافة ، لم يفلح كما كان قبل التحاقه بالديوان الملكي ، بل أضحى المسكين يضرب أخماس في أسداس ، في كتابات لا معنى لها ، ودون قيمة ثقافية . إن نفس الملاحظة سجلناها للعديد من اليساريين ، الذين اغرقوا الثقافة بكتاباتهم المتنوعة ، من شعر ، وقصة ، ورسم ، وكتابات سياسية ، أثناء مرحلة النضال قبل الاعتقال ، او اثناء الاعتقال في السجون ، او لمّا فروا الى المنفى كلاجئين سياسيين ، لكن بمجرد ان اصْطفُّوا مع النظام ، حتى جفّت أقلامهم بالكامل ، لان الفن ، والشعر ، والقصة ، والكتابة ، قضية ، وعندما تموت القضية ، تموت وتجِفُّ الأقلام عن الكتابة ) . وبينما نلاحظ ان مستواهم الثقافي يبدأ بالاضمحلال ، نجدهم اكتسبوا مهارات أخرى ، وقدرات مغايرة خطابية انتهازية . لكن فيما يخص التحليل ، والحس النقدي ، والتفكير العميق الذي يوفره العمل الجامعي ، والتفرغ للفكر ، يصبح في التلاشي ، ومن ثم فأنا أقول بمصطلحات السوسيولوجي الفرنسي ( بُورْديو ) لكل حقل جاذبيته ، ومغناطيسيته ، وقيمه ، وطقوسه الخاصة . والفرق ان المثقف دائما يكون حرا ، مرتبطا بفكره ،وبمشروعه ، وقضيته ، وشعبه ، في حين يكون السياسي مرتبطا ، وعبدا لنزواته ، ومصالحه ، وعدوا للشعب الذي يوظفه في تحقيق مآربه . فالمثقف الملتزم دائما يكون حبيب الشعب ، والسياسي يكون عدوه ، لأنه ينافقه . وكلما ابتعد المثقف عن الحاكم بأمر الله ، كلما تعلق به السياسي . وبينما ينتهي المثقف دائما فقيرا ، ينتهي السياسي غنيا ثريا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي