الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثأر المسلوب!

محمد مسافير

2017 / 6 / 22
الادب والفن


جلس إلى جانب أبيه الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان لا يزال يقاوم الفناء، يحاول إبلاغ ابنه بما فطن به أخيرا، عله ينجو وأهله من هلاك محتم:
- إنهم لا يبالون بالإنسان، لا تهمهم المروج باخضرارها، ولا الطبيعة بعطائها، ولا الحيوان بأنسته، لقد أخذهم الجشع إلى ما يهلكنا جميعا، يقضون الساعات الطوال، في التفكير في طريقة جلب الدرهم الأخير من جيوبنا، وها أنذا أمام عينيك، وأنا لم أبلغ بعد الخمسين، قد تقوس ظهري من كثافة العمل، وقد غزا الشيب رأسي بعد أفول الأمل، وقد قضى السرطان على جسمي، ولم تلتفت إلي إدارة المصنع، ولا صاحب المصنع، كذبابة تقع، أو كرقم يختفي كشأن باقي الأرقام، هكذا مات محمود السبغي وياسين بن المحجوب وأحمد المعطي، قبل أسبوع، كلهم ماتوا بنفس الداء، وهكذا تموت الأجنة في بطون الحوامل، لما تخلفه المصانع من أدخنة قاتلة، كلهم يعرفون السبب، ولا أحد قادر على النبس، لأنهم أصحاب جاه وسلطة، ونحن مجرد حراشيف، لا نملك إلا الفرار خيارا...
ربما كانت هذه آخر كلماته، أو ربما هذا ما تذكره ابنه البار حسن... جمع أغراضه بعد أن وارى جثمان أبيه، وغاب عن المدينة المجرمة، لكن الجرح الذي سببته كلمات أبيه، كان شديد الغور، ولن تمحوه أبدا النجاحات التي بدأ يحصدها في التالي من حياته...
لقد عزم أخيرا على أخذ الثأر لأبيه، ولكل من جنا على روحه العبث، وقبل أن يغوص في النوم كل ليلة، يستعرض صورهم واحدا واحدا، أسرته والجيران ومعارف كثيرة قضت نحبها بنفس الأسباب، وبنفس المرض، فتغلي مخيلته بسخط عنيف، يتحول بعد لحظات إلى عياء وإرهاق، ثم تستسلم عيناه للنوم...
ورغم كل ما كان يعانيه من إرهاق في التفكير، إلا أنه عاش مُجدا في حياته، استطاع تحصيل الدكتوراه، وعمل أستاذا جامعيا، وازاه عمل نضالي طويل النفس، اختتمه أخيرا بالانخراط في العمل الحزبي، على أمل التغيير من داخل المؤسسات، وهمه الأول، تغيير الكائن داخل بلدته، ثم في البلد أجمع، ومحاولة إعادة مفهوم الإنسان، إلى داخل كل إنسان... عله يفكر في الإنسان، قبل المال...
استطاع الوصول إلى قبة البرلمان، فوجد هنالك الإنسان، غير ما ألفه عليه من خصائص، إنسان متحول، لا يعرف إلا لغة المال، وإن اقتضى الأمر، التضحية بكل إنسان...
لا يزال يفكر في أهله وبلدته، لا يزال يحاول أخذ الثأر، لا يزال يبحث عن منافذ إلى التغيير، كان يخال أن الارتقاء إلى القبة، يعني امتلاك المفاتيح جميعا، فإذا به يضيعها جميعا...
بدأ يخجل من ماضيه، ويحاول التنكر لأصوله، ويبحث عن منافذ... إلى مزيد من المال، عله يكتسب بعض ما يجعله في مقام زملائه داخل القبة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما