الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدم والوجود وما قبل وبعد الموجود ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ح2
في الحلقة السابقة والتي ربما أستفزت بعض العقول التي لا تستوعب أن تكون الذات الألهية بمقام العدم الذهني، والسبب يعود لشيوع كلمة العدم بمعنى النفي الحسي أو الوجودي أستعمالا وتجاوزا على المعنى، فعدم حضور الشيء في تداولنا الكلامي يعني حقيقة نفي الحضور، أما في المعنى الحقيقي عدم حضور الشيء أستحالة الحضور أستحالة مطلقة موضوعية وذاتية فوق التصور وليس فوق الإمكان، هنا عندما نقول أن الذات الألهية كما عرفت نفسها بنفسها تشبه العدم وبمقامة لأن العدم ليس شيئا ولا موضوعا لشيء كما هي الذات الألهية التي ليست كمثلها شيء، كما أننا لا ننفك أن نستحضر العدم ولا نتركه ولا ندركه بالصورة أو التصور، لكنه حاضر فينا عمليا وتفصيليا، الذات الألهية ليست من العدم الإمكاني كما يقولون ولا العدم الوجودي كما يفتون أو عدم وجود تصوري أو إدراكي أو أثري كما يفهمون لأن ربط العدم بالوجود كمن يربط المحال المطلق بالواقع الموجود على أنها في سطح واحد، بل العدم هنا يكون لمقام المفهوم بمقام الفاهم، هذا ما أشكل وأستشكل على البعض.
يعترض البعض بأن الخوض في مسائل تعريف معرفة الذات الألهية خوض عبثي غير مجدي ولا ينتج علم به، وعندما نقول أن الذات الألهية هي العدم بمعناه الفلسفي فإننا نحيل مفهوم مطلق غير حدي إلى مفهوم مماثل ولا نزيد شيئا بالشرح بل نضيف عبئا على العقل الذي هو قاصر إبتدأ في فهم القضيتين على وجه معقول كي نفسر الأول بالثاني، أولا في الرد ليس الخوض في هذا الباب بمعنى التعريف والتفصيل بقدر ما هو رد مفهوم معلوم وهو الذات الألهية بالشكل الذي ندركه لمفهوم دائر بين الجهل به أو عدم تحديد لمعنى متداول يستعمل خطأ وليس بمحله، فالتعريف هنا ليس للذات الألهية بل لمعنى العدم وأنتقال الأخير من دائرة الضبابية إلى دائرة الوضوح وترتيب سلم المعرفة العقلية به، إكتمال معرفة الشيء إدراك به وحيث أن الذات ندركها بما فيها فلا يجوز أن نتركها لما فيها، فالذي لا يدرك لا يترك والمدركات ليست بالضروراة أن تأت عبر المحسوس والملموس فللعقل الإنساني دوائر إدراكية غير المحسوس ويكتفي بالمفهوم على الوجه الكلي كما ندرك الذات الألهية فهما لأنها لا تدرك حسا فالعدم مدرك فهمي حقيقي وليس كما يقال مفهوم غير معقول ولا ينبغي له أن يكون جزء من مرموزات العقل بهذه الصفة.
نعود أيضا لدائرة فهم الذات الألهية والتي لا ينبغي لعاقل أن يتجاوزها فقط إلا بالتسليم بها كونها حقيقة مطلقة، فالحقيقة تحتاج لمحقق يكشف ويستكشف ما حولها وما بعدها لأن ما قبلها غير ممكن إلا من خلال العبور منها حصرا، وبما أنا عاجزين عن المرور بها كواقع حقيقي إذا نحن أعجز أن نبحث عما قبلها ونكتفي ببيانها من بعد فهمها (بعدا وأثرا ونتيجة)، هنا البحث عن هذا الأطار ليس عبثا ولا ترفا ولا تجاوزا على العقل وإنما تثبيتا للفهم بع والعلم بما هو واجب وضروري، فمن يؤمن بالذات الألهية حقيقة مطلقة من غير تأويل سيكون إيمانه ناقصا لضرورة حتمية أن تعلم بما تؤمن به علما يكفي لأن يكون إيمانك جزء من هذا العلم، هنا نعود لثلاثية (الله العلم والإنسان) فهي ثلاثية تصورية فقط في الحقيقة نحن نتكلم عن دائرتين فقط الأولى عالمه بذاتها وبذات الثانية ومسيطرها عليها بالعلم الفعلي وقادرة على التأثير عليها، فهي كثل الجاذب والمجذوب تستقر حركتهما وتستمر طالما طاقة الجذر فاعلة، فأي خلل بقوة الجاذب ينفلت المجذوب من دائرة الأثر، الما الدائة الثانية فهي تعلم أنها منجذبة ومستقرة ودائمة الحركة بما في قوة الجذب لكنها لا تستطيع الإنفكاك ولا يمكنها التفلت عنها أو الأنفصال عنها أو التقرب أكثر منها، لأن القوة الجذبية موضوعة وفق معادلة القوة وليس وفق معادلة الفعل.
إذا ما يربط الثانية بالأولى ليس حكم الضرورة الذاتية ولا فعل الإشاءة الخصية بها بل بأثر القوة الجاذبة التي تتحكم بها قدرة الدائرة الأولى ومن ترتيبها، الأولى دائرة حاكمة بالإرادة بمعناها التام الكامل المطلق الذي لا نعلمها على وجه التفصيل ولكنه نفهمها من أثر التفعيل، والثانية محكومة بالمحلولية الفعلية وخاضعة بطبيعة المفعولية ومنصاعة للقوة الفعلولية، هذه العلاقة يكشفها (العلم النوعي) ففي الأولى وهو العلم الفاعل وفي الثانية هو علم المفعول به، فعالم العدم يحرك عالم الوجود بقوة العلم الذاتي، والوجود خاضع للعدم ومنصاع له دون أن يدرك القدرة على فهم أو إدراك ماهية قوة الجذب أو حتى التغلب عليها أو التقرب منها، لأن دائرة الوجود تعلم بنظام وجودي متناسب مع ذاتها الوجودية والدائرة الأولى تعلم بنظام خاص بطبيعة العدم ومتناسب مع ماهيته التي لا تدرك بعين الحس الوجودي، ولا تترك لأنها خاضعها بنظامها الخاص أن تكون مفعول به فقط مستوجب الخضوع بالقوة، الله هنا دائرة مستقلة بكل شيء حتى بالجوهر والماهية والحركة المنفعلة بقوة الذات، والإنسان ممثلا للوجود دائرة أخرى لا تقترب ولا تتوحد ولا تنفلت ولا تنفعل إلا بأثر القوة الصادرة بالتحكم من دائرة الذات الألهية، فلا وحدة في الوجود ولا قرب بالشهود أو شهود بالقرب لأن نظام الجذب محكوم أن تبقى المسافة الفاصلة بين الأثنين على حالها لكي لا تسقط الثانية في دائرة الأولى ولا تنفلت عنها ويبقى التوازن محكوم بالقوة وضرورة البقاء.
هل يمكن أعتبار العلاقة الثلاثية السابقة (الله، العلم، الإنسان) هي ذات العلاقة الثلاثية الثانية (العدم، العلم، الوجود)، بأستبدال مفهوم ودلالة وحقيقة الوجود بالإنسان والعدم بالله، ولا سيما أن الجزء هنا الإنسان مثلا عند ابن عربي سيمثل الكل في الوجود، ولو أن البعض يحصر العلم بالموجود به كونه الموجود العاقل فقط، بينما الله تعالى يقول أيضا إثباتا لا نفيا، أن لكل شيء علم يتناسب معه طبيعته ويتماثل لحقيقته دون أن يشترط علم المجموع بعلم المفروع منه {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44، فالمسبح لا بد أن يكون عاقلا ومنطقا أن يعلم بماذا يسبح ولماذا يسبح ومن يسبح له، هنا الوجود الكلي واحد عالم بما هو واجب أن يعلم به وأن كثرت صور العلم حسب الطبيعة الذاتية للأشياء الوجوديه (الموجود)، ويبقى هذا الكثير واحد لأشتراكه بالأصل والعلة والنتيجة، الوجود واحد والعلم واحد والله واحد، فتكون المعادلة واحدة ومتطابقة بالنتيجة المنطقية.
إذن مفهوم (الوجود) الحسي المادي الشيئي هو بالمقابل النوعي (العدم) اللا حسي واللا شيئي وليس نطيرا له، بمعنى أنه مفهوم لا سدل على معنى (اللا وجود المحض)، لكنه بالمنظق الضروري الإظهاري الثنيوي أن يكونا (معا) وبالتوازي اللا منتهي، لأظهارهما كما هما مفهومين مستقلين عن بعضهما كما أستقل عالم الذات الألهية عن عالم الوجود الموجود، فلو شابه أحدهما الأخر أو أتصل به سقطت علة المفارقة وظهرت على المماثة، فكل متصل بمتصل لا بد أن يكون هناك وصل أما معنوي وهذا لا يمثل خرق للمماثلة والمشاكلة، أو أن يكون مادي وهنا تقع العلة، فالعدم له صلة معنوية فقط بالموجود هي صلة العلم والفهم، والموجود موصول به وله من خلال ظاهر المعنى وليس من حيث كون المعنى علم كامل به، هي ذات العلاقة بين الواجد المطلق (الذات الألهية) وبين الموجود المطلق (المخلوق) وهي الصلاة بمعناها الفلسفي كوصل لا كموصل.
هل نجح لن عربي وبعده أسبينوزا مثر بالرغم من أفتراقهما بالمنطلق التقديمي في معرفة الوجود والعدم على شكل الحقيقة والمثال، فالأول يقول في فتوحاته المكية التي أغلقها بأضطرابه في التمثيل والوضع ("أما وجود الخلق فمجرد ظل لصاحب الظل وصورة المرآة بالنسبة لصاحب المرآة فالخلق شبح")، غوجود الشبح نفي المثل أن يكون موجود حقيقي خلاف الواقع المادي له، غير أن هذا يعارضه ما قاله فيما سبق من أقوال مكررة ومتلاعب فيها بالصياغات التي تبدو مبهمة أو مضلله مثل قوله ("الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا يسعها")، هنا عاد للفصل بين مفهوم الضلية السابق ومفهوم الوحدة في الأخر.
غير أن أسبينوزا لا يرى فرض الرؤية التوحيدية ينطلق من الضلية كواقع ولكن يبررها بالضرورة المنطقية دون أن يبين ماهية المنطقية أتحسب على الأولى ومنتجها لها وبالتالي فهو محتاج لها وأسير حكمها، أم أنها أنتاج علم الثاني وواقع تحت تأثيرها فتكون الضرورة المنطقية هنا أفتراضية وليست حقيقية وبحاجة لبرهان، فهو يراها كما يقال عنه فليب دبل يو في الأنسيوكلوبيديا البريطانية Great Books of the Western World, Editor in Chief: Philip W. Goetz, Encyclopedia Britannica, Inc, Chicago, V28, p. 589. (أن وجود الكون ضرورة منطقية، فوجود الكون وطبيعته ناتجان عن طبيعة الله، كما أن وجود الدائرة وتساوي أنصاف أقطارها ناتجان عن طبيعة الدائرة)، هنا لا يذكر أسبينوزا طبيعة الله بماهية غيرية عن طبيعة الوجود المخلوق لكنه يقر من حيث لا يقول بالتماثل كما في تماثل وتساوي نصفي قطر الدائة كونهما من جنس واحد وشكل واحد وعلى مقياس واحد.
في النتيجتين عند ابن عربي وأسبينوزا أن الوحدة بين الله والوجود ليست ممكنة فقط بل وواقعة أيضا لا مجال فيها للتأويل وبذات الوقت يثبتان أن الذات الألهية تتمتع لوحدها بهذه الوحدة على وجه الأستقلال المطلق، إذن، فإن الله - هذا الجوهر اللامتناهي {وهذا تحديد مادي خلاف الفرض فالجوهرية هي عمق المادية ومن صفات الأشياء والموجودات إلا إذا تم توظيفها كسياق فهمي على سبيل المثال التوضيحي}، هذا يعني أن الله له صفتان يمكن إدراكهما، هما (الامتداد والفكر) ويقصد بذلك العلم في تماما كما يقول المتصوفة في العلاقة الثلاثية (الله، العلم، الوجود) أو كما أقول أنا (الوجود، العلم، العدم)، أما سائر الصفات الإلهية فلا نستطيع أن نقول عنها شيئا لأننا لا نستطيع أن نعرفها حسب قوله، فاسبينوزا ينعت الله بأنه امتداد وفكر معا أي (قوة وفعل) بمعنى العلم الفاعل وإنه أي العلم نظام ممتد مكاني من الموضوعات الفيزيائية، ولكمه يشطح مرة أخرى إلى الشيئية المادية الوجوديه بقوله في تناقض مع النتيجة الأولى فيقر بأنه (بقدر ما هو نظام لا مادي ولا ممتد من الفكر)، وكأنه يريد أن يقول بأن الله لا يمكن تحديده أو بعبارة أوضح لا يمكن تشخيصه كشيء خاضع لقياسات الموجود والوجود الذاتية، مثلما هو حال الأديان السماوية التي حددته والتي ترى فيه إلها مشخصا زإن بلا تشيه أو مثال شيئي، بل هو روح العالم كله فهو الطبيعة ذاتها، ولكنه ليس الطبيعة المطبوعة وإنما هو الطابعة أي الفاعل بالعلم وبطبيعته دون أن يكون للأخيرة المطبوعة أي (عالم المفعول به بالقوة) قدرة على الفعل أيا كان نوعه.
السؤال هنا والذي يطرح الحقيقة من خلال التناقض بين أن يكون الله هو روح الوجود والواحد بطبيغته والفاعل بقوته كما عند أسبينوزا، أو صاحب الفيوض على الوجود الشبح عند أبن عربي، وبين النتائج التي تثبت أنفصال وأستقلال الدائرتين اللتين يحكمها فعل الجذب المسلط من دائرة الفعل على دائرة المفول به يثبت أيضا نفس العلاقة بين العدم وبين الوجود على ذات العلة القاسمة والفاصلة والتي تظهر حقيقة معنى الوجود والعدم وتطابقها التام مع الأولى، الجواب عندي أن الخشية من قول أن العدم بالمغهوم الفلسفي الذي طرحناه كحلاصة معنوية هو السبب في غدم التصريح بها أو الأقرار اليقيني بحقيقتها لأن الإنسان كعقل يؤمن بأن العدم هو مفهوم تصوري مجازي لا وجود له في شيئيته المادية المرمزة لا يقر أن يكون الله هو العدم وكأنه لا يريد أن يقول في الحقيقة أنه معدوم بمعنى غير موجود أو هكذا يفهم من الفرض والنتيجة التي غالبا ما تقفز بتلقائية دون إدراك لمعنى العدم ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات