الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتائب المهام الصعبة

مفيد بدر عبدالله

2017 / 6 / 22
المجتمع المدني



ما أن يقترب شهر رمضان حتى تكتظ الاسواق بالمتبضعين، ينتقون ما يشتهون من الطعام ، ولا يغادرون الا وهم محملين بما لذ وطاب، وعند هذا الحد ينتهي دور الذكور وتبدأ المهمات الصعبة بالنساء، عمل مضن لا ينقطع ليل نهار، لإعداد كل ما يشتهي الصغار والكبار، كل ما يرجينه عبارة شكر أو أعجاب ولو كانت مصطنعة، كلمة شكر مجانية تنسيها المجهود الكبير، والمؤسف أن الكثير منهن لا يسمعنها، أن لم يسمعن العكس .
في سنوات خلت كان العمل خارج المنزل حكرا على الرجال ولا مكان للنساء غير المنزل . أن انخراط المرأة في العمل ومنافستها للرجل بجدارة ، بل وتفوقها عليه في بعض الاعمال، لم يشغلها عن اعمالها البيتية، ظلت على حالها، لأسباب عديدة، أهمها أن أغلب الرجال يعتبرون مساهمتهم في الاعمال البيتية يمس كرامتهم وهيبتهم، مثلما يقلل من احترام الاخرين لهم .
يوم أمس كنت قد توقفت طويلا عن مقطع فيديو تداوله الكثيرون على شبكة الانترنت لرجل يتحدث وهو يغسل الاطباق عن وجوب مساندة المرأة ومشاركتها الاعمال المنزلية ، وجهة نظر غريبة على مجتمع شرقي ذكوري حيث يقول : (أن غسل الاطباق وتنظيف المنزل ليست من واجبات المرأة فحسب، بل هي واجبة على الرجل أيضا) . طرحت وجهة نظره أمام زميلاتي في الدائرة، الغريب أن أحداهن لم ترض، وتجد أن تدخل الرجل بالأعمال المنزلية يربك المرأة، وأنها سعيدة بزحام العمل المنزلي وتفخر به أمام زميلاتها .
البحث عن الاسباب الكامنة وراء ذلك لا يتطلب عناءً كبيراً، فالصورة الذهنية للرجل المترسخة عند أكثرهن، فمنذ طفولتها ترى الرجل يتقدمها في كل شيء، وأكثر ما تسمعه عبارة (عيب أنت بنيه)، فشكلت في عقلها الباطن صورة للرجل محاط بهالة من المهابة والمنزلة العظيمة، وهذه الصورة لازمتها حتى الكبر، قد لا يصدق الكثيرون أن بعضهن، سيما من غير المتعلمات يفتخرن بعصبية زوجها وقسوة تعامله، وتجد في ذلك دلالة على فحولته وقوته، سمعت الكثير من هذا الكلام وأنا طفل صغير حين كنت أجلس مجالسهن . المؤكد أن الافكار تغيرت لكن بنسبة معينة نتيجة الانفتاح على الثقافات الاخرى، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات التركية التي لاقت رواجا كبيرا في الاعوام الاخيرة ساهمت إسهاما كبيرا في التغيير.
من تجربة الخدمة العسكرية التي مر بها أكثرنا، نجد أن بعد الجندي عن (دلال المرأة)، أما، أختا، وزوجةً، يجعل منه أنسانا آخر، نجده غاسلا جيدا للملابس طاهيا رائعا للطعام، ولا يجد في ذلك حرجا، السبب هو الفعل الجمعي، الجميع هناك في الهواء سواء، نفس الجندي في أجازته نجده الامر الناهي المطاع من المرأة، ربة بيت كانت أم عاملة، ولو امتدت ساعات عملها حتى المساء، عليها أن تخدم الزوج ولو كان عاطلا عن العمل، لسبب وحيد انها انثى وهو ذكر، وهذا شائع جدا، بل نسق تفكير الغالبية العظمى من الرجال ، تصور مغلوط وسلطة ذكورية متوحشة، لا تستند على اساس شرعي أو قانوني، العرف وحده من يدعم هذا السلوك الاهوج، أننا نعيش ضلالات الانحياز المجتمعي للرجل.
أحدى أهم نتائج اتكالية الرجال أن غياب المرأة عن المنزل اياما معدودة مخلاً بالتوازن، مثلما جعلت من وجودها وجود الضرورة، الفوضى تعم المنزل، تتكدس أكوام الملابس والاطباق، الا يدعو هذا المشهد للتفكر في عظمة النساء، وتذكر دموع فرحها وحزنها الرقراقة، ليقدم لها الرجل ما يستطيع، وأن لا يتعسف فيما نعتقد حقا له أوينتقص من فعلها وقدرتها، فكل ما ترجيه النساء سماع كلمة طيبة، عبارة شكر وامتنان، عبارة من مئات الكلمات التي نجامل بها ( اليسوى والما يسوى) على مواقع التواصل الاجتماعي صباح مساء، أنا على يقين أن الكلام الطيب و العرفان هو أكثر ما يعطيها عزما كإحدى أفراد كتائب المهام الصعبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ستطبق دول أوروبية نموذج ترحيل طالبي اللجوء؟ | الأخبار


.. تقرير أممي يبرئ -الأونروا- ويدحض ادعاءات حكومة نتنياهو




.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان