الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لف ودوران!

محمد مسافير

2017 / 6 / 22
كتابات ساخرة


بينما أنتم تقرؤون هذا النص، وفي هذه اللحظة بالذات، هناك الآلاف من ذوي الحظوة، يمارسون الحب المنسم بكؤوس من النبيذ، ويتبادلون الهدايا الثمينة، ويرقصون على أنغام موسيقى الجاز، أو يلعبون الغولف على مساحات خضراء شاسعة، أو يحلقون عاليا في السماء، على متن مروحيات شخصية تحوم فوق رؤوس التعساء أمثالكم... وأنتم، لا تجدون أحدا يشتاق إليكم بالمرة، لا تجدون حظا يبتسم في وجوهكم ولا مرة...
إنه البؤس بعينيه الشاخصتين...
إبتسم ابتسامة صفراء...
تنهد بعمق...
أصمت قليلا...
الآن... أطلق سراح دمعاتك المسجونة، بإمكانك البكاء بمنتهى الحرية...

أنا لم أخطئ يوما يا سادة في تقييم الإنسان، وأدري جيدا أنه كائن فقري ثديي لغوي عاقل لاحم وعاشب، هذا هو مفهوم الإنسان، وهذه هي هويته الحقيقية، وما دون ذلك، ليس إلا تنويعات مختلقة لمفهوم الهوية... الهوية هي الفطرة... أما ما اكتسبه الإنسان، نتيجة لعوامل ثقافية، كاللغة والدين، أو نتيجة موروث جيني، كاللون والقامة، ليست إلا مثيرات لنزعات هوياتية وهمية... وكي نكف تماما عن اللغط والجدال حول الموضوع، يجب أن نقتنع بافتقارنا إلى دولة تستطيع لم الشمل وطي النزاع المبتذل، ولن تكون هذه الدولة بطبيعة الحال، إلا الدولة المدنية بمؤسساتها الحداثية...

أما الحيوانات... فلا تحكمها أية منظومة أخلاقية... بمعنى أنهم بعيدون كل البعد عن ثنائية – متخلق /غير متخلق، سلوكاتهم لا تحاكم على هذا المنوال، والعلاقة التي تسود عالم الحيوانات، هي الانخراط اللاواعي في إتمام السلسلة الغذائية، أي أن الفهد مثلا، لن يدخر جهدا في الإيقاع بفريسته مهما بدت مثيرة للشفقة، عدا إن أصابته التخمة...
الإنسان... ليس بعيدا كليا عن هذه المنظومة، فالعلاقة التي تربط بني البشر، هي علاقة مصلحة وانتفاع، مثلا... أرباب العمل، لا يقومون باستثمار أموالهم حبا في سواد أعين العاطلين، بل رغبة في مراكمة الثروة إلى أبعد الحدود، الساسة أنفسهم، حين ينصبون في السلطة، لن يقوموا أبدا بتشريع قوانين أو باتخاذ اجراءات قد تمس بوضعهم المادي أو المهني، الطبيب نفسه، لن يرجوا السلامة لجميع المواطنين، وإلا غدا عاطلا ينش الذباب... إنها علاقة مصلحة صرفة... بينما المقولة الأخلاقية، تبقى مسألة جمالية فلسفية لا تربطها أية صلة بالواقع...
هذا طبعا لا ينفي الاستثناءات، هناك بعض من القلة القليلة، الذين يوثرون مصلحة الغير ويقدمونها على مصلحتهم، هؤلاء... هم الذين يخادعوننا، يجعلوننا نصدق أن الإنسان فعلا كائن أخلاقي، إنهم يربكون أفكارنا وتوقعاتنا... ولهؤلاء أقول... اندثروا.. كي نستطيع رؤية العالم بوضوح...

لكن رغم ما سبق، أياك أن تخطئ يا صديقي في تقييمي، فأنا لست سياسيا ولا أديبا ولا حاملا لأي هم، ولا أدافع عن أية قضايا، ولست محتاجا أبدا لوجع دماغ... فبالكاد أدبر شؤوني...
كل ما يهمني في هذه الحياة، أن آكل وأشرب، وأن أكون قادرا على دفع الإيجار، وأن أسعد وأتجول وأرقص...
لا تهمني الحروب ولا العلاقات الدبلوماسية ولا مسألة الديون ولا قوس قزح... لا يهمني أن تكون متدينا أو علمانيا أو رافضيا أو قرزنستانيا، لا يهمني إن عفوت عن لحيتك أو حلقتها، أو قلعت أظافرك أو أزلت زغب رجليك، كلها مسائل تهمك وحدك، فلا تحاول إقحامي في تفاهاتك...
لا تنصحني ولا تستجدي مني النصح، فلست مفتيا ولا متحزبا ولا متطفلا، لا تسألني هل ترضاه لأختك أو أمك؟ وما شأني أنا بذلك، لا تشتم في حضرتي الشيوخ ولا الأشباح... كل يعيش في حالو ولحالوا...
لا تحاول أن تجعلني شبيها لك، ولا شبيها لأي حد، أنا هكذا، وسأموت هكذا...
كل همي في هذه الدنيا، أن نقبل بعضنا البعض بكل أريحية، دون ضغينة ولا حقد ولا نفاق، همي أن أسير بكم إلى مرحلة الإقتناع بوجود الآخر المختلف عنا تماما، إن ذاك الاختلاف، والتعايش الودي، هو ما يجعل الحياة رائعة ووحلوة، ما يجعل الحياة، تستحق أن نحياها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن نرجسيون مقرفون
ماجدة منصور ( 2017 / 6 / 23 - 03:45 )
إنها الرأسمالية البغيضة حضرة الأستاذ...إنها الأنانية و النرجسية...وما نحن إلا نرجسيون
احترامي لقلمك

اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في