الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف في الفكر الاجتماعي

منير ابراهيم تايه

2017 / 6 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر ظاهرة العنف من أقدم الظواهر التي عرفها الإنسان في تاريخه، وهذه الظاهرة تبدو اليوم محمولة على دفقة جديدة من التصاعد في أنحاء المعمورة قاطبة، بما يبعث على القلق، ذلك ان العنف يشكل مظهرا من المظاهر المتأصلة في الوجود البشري الفردي والجماعي، وهو ظاهرة تجد بعض مبرراتها في البنية البيولوجية والنفسية والسلوكية للإنسان؛ لقد حظي موضوع العنف باهتمام الكثيرين من الباحثين في الحق الاجتماعي، ابتداء من ابن خلدون الذي اعتقد أن العنف نزعة طبيعية "ومن أخلاق البشر فيهم الظلم والعدوان، بعض على بعض، فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه امتدت يده إلى أخذه إلى أن يصده وازع"، وقد تعرض له في نظريته عن الصراع عندما عرف الأخير بأنه هجوم البدو على الحضر وتأسيس الدولة، أما أسبابه، فيردها إلى العصبية، وتعني عنده "الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتى تقع المناصرة" وأساس العصبية عند ابن خلدون هو الاستعداد الفطري الذي يدفع الفرد إلى نصرة قريبة بالدم والدفاع عنه.
إننا حينما نمارس العنف نتصرف كما لو كنا وحدنا في مجال الفعل، مما يعني أن ممارسة العنف على الغير فيها نفي لإرادته وحريته. لقد بين هوبز كيف أن العدوانية متأصلة في الإنسان بحكم طبيعته الحيوانية التي تجعل الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان، غير أنه مهما كانت هذه العدوانية متأصلة في الطبع البشري، إلا أن ذلك لا يبرر ممارساتنا العنيفة بدون استحضار الشروط الموضوعية الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تهيجها وتعزز ظهورها.
"ما أكثر اللاإنساني في الإنسان" تلك هي إحدى المقولات لغوغول التي استوقفتني، لا أتذكر تماما في أي من أعماله وردت، ولكنها عبارة مرعبة بملامستها لجوهر الوجود الإنساني حيث مصطلح "الثقافة" هنا يكون مضللا، خاصة حين يرتبط بمفهوم"العنف" بحيث تصبح "ثقافة العنف" شيئا آخر بعيدا عن الثقافة بمضمونها الإبداعي والإنساني، بل شيئا يرتبط بالإبداع في مجال العنف والحقد والعنصرية وكراهية الآخر.
الثقافة الصهيونية ليست إلا قناعا يخفي حقيقة العنف الذي تقوم عليه، وهو في حقيقته ليس عنفا عابرا بقدر ما هو عنف مؤسسي يتغذى من وقائع الإجتماع الصهيوني وحقائق السياسة التي تقوم على الإستيطان والتهجير والعنصرية... ذلك ان الصهيونية تستبدل الثقافة بمفهومها ومضمونها الإنساني والأخلاقي بثقافة العنف المادي والمعنوي، وعند تفسير العنف والعدوانية الذي صبغ الشخصية اليهودية الإسرائيلية نجد ان جذور هذا العنف الضاربة في التكوين التاريخي والعقائدي لهذه الشخصية على اعتبار أن هذه الدموية الكامنة في الشخصية اليهودية عبر التاريخ وحتى اليوم كما هو واقع حالهم وسلوكهم تغذيها وتهيجها على الدوام خلفية فكرية دينية، ذلك ان الإيديولوجية الصهيونية تخلع القداسة على الذات وتحجبها عن الآخرين مما يعني إهدار حقوقهم وأبادتهم.
فرانز فانون يرى في كتابه "المعذبون في الأرض" إن الدولة الاستعمارية تخفي إنسانية الإنسان المقهور والمستعمر، وتلجأ إلى شتى الوسائل لإهانته واستعباده، وبالتالي فلا يمكن القضاء على هذه الدولة إلا عن طريق العنف فهو الوسيلة الوحيدة التي تبقى لدى الإنسان المستعبد لاسترجاع ذاته وحريته وهو عنف مطلق ضد استعمار مطلق، لذا يمكن القول أن العنف يعيد الحياة إلى الإنسان المقهور، ويوقظه من سباته العميق.. ويكشف له عن إنسانيته التي طمسها المستعمر
ان من بين التعريفات لمفهوم العنف، أنه كل سلوك يلحق أذى بالغير، سواء كان ذلك الأذى ماديا أو معنويا، العنف هو الشدة والقسوة وهو ضد الرفق واللين وهو من عنف بمعنى عامله بشدة وقسا عليه، والشخص العنيف هو القوى الذي تشتد ثورته بازدياد الموانع التي تعترض سبيله، ويعرفه "لالاند" في المعجم الفلسفي أنه "الاستخدام غير المشروع للقوة"؛ ذلك أن القوة لا تتحول إلى عنف إلا عندما تستخدم كأداة للسيطرة والهيمنة؛ ومفهوم العنف يشمل كل التصرفات التي تهدد أمن الإنسان واستقراره، وتحط من كرامته وقيمته،. وقد يمارس العنف من قبل فرد أو جماعة او مؤسسة أو جهاز منظم، ويمكن أن يستهدف فعل العنف الفرد أو الجماعة أو الطبيعة أو الثقافة أو اللغة أو غير ذلك مما يشكل مصدرا للحياة، أو الكرامة أو إنسانية الإنسان.

وقد يتخذ العنف أشكالا عدة، منها ما هو مادي وملموس، كالاعتداءات الجسدية، ومنها ما هو معنوي وأخلاقي، كالضغط والإكراه والإهانة والتهميش، وهو ما يطلق عليه بالعنف الرمزي، فهو عنف خفي ومقنع يصعب إدراكه بصورة مباشرة لانه غير ملموس، يتم عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيا، يتم بشكل لطيف، وغير محسوس، وغير مرئي بالنسبة للضحايا أنفسهم، يمارس على الفاعل الاجتماعي بموافقته وبتواطؤ منه، والأكثر من ذلك أنه يعمل في الخفاء وبشكل غير واع ومثال ذلك العنف الرمزي ما تمارسه بعض وسائل الإعلام، حين تسخر ما تتوفر عليه من إمكانات النفوذ والتأثير والتواصل لاحتلال العقول وحشو الأدمغة، بما يخدم أفكار وتصورات وتوجهات تحت ذريعة التثقيف والتنوير.
يرى فرويد أن العنف هو نزعه طبيعيه في الإنسان، وتستند إلى رغبه تدميريه، وهي تعبر عن نزعة تلقائية لكل كائن عضوي نحو الموت، ويقابلها نزعه طبيعيه أخرى نقيضه لها هي نزعه الحياة، والتي تدفع إلى الإنسان إلى الإبداع.
ولكن من هو الذي يحدد متى يكون استخدام العنف شرعيا ومشروعا؟
إن تعريف لالاند يتضمن القبول بمسلمات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي يذهب إلى القول إلى أن العنف الشرعي هو عنف الدولة التي تكسب شرعيتها ومشروعيتها من "العقد الاجتماعي" الذي يقيمه المواطنون فيما بينهم يتنازلون بموجبه عن حق استخدام العنف بعضهم ضد بعض.
واعتبر ميكافيلى أن للسياسة قواعد خاصة بها ، والتي لا علاقة لها بالقيم الدينية والاخلاقيه، ومن هذه القواعد التي يجب أن يتمسك بها الأمير ، هي اللجوء إلى العنف، فالعنف يعد عنده من المكونات الأساسية لكل فعل سياسي ناجح.
أما ابن خلدون فيرى أن الدولة هي ضرورية للحد من نزوات الإنسان الأنانية، ومن نزوعه إلى التظلم على الآخرين سعيا وراء مصالحه ومنافعه الخاصة، على أن الحكم لا يكون عادلا بالضرورة، بل إنه في كثير من الأحيان يجنح إلى العسف والقهر لأنه يعود في جذوره الاجتماعية إلى القوة والصراع ، ويعبر بالتالي عن سيطرة قبيلة تحظى بعصبية أقوى من القبائل الأخرى، فالسياسة تقترن عند ابن خلدون بالقوة والعنف إذ يتعذر إخضاع الناس واستمالتهم بالطرق السلمية.
اذن، العنف سلوك بشري إرادي غير مبرر يتضمن التعمد والاختيار الحر ومسؤولية الفاعل الاخلاقية، يسبب معاناة متوقعة لضحايا لا يستحقون هذه القسوة، تتعدد نماذجها وتختلف في درجة إيذاء الآخر، بدءا من الإهانات اللفظية إلى الإقصاء بالقتل والإبادة الجماعية، أو كل ذلك في آن واحد ، ومن يرتكبون هذه الافعال ليسوا مجانين ولا أشرار بالفطرة، وإنما هم اشخاص يدركون ما يفعلونه، فالقسوة تتضمن التعمّد والاختيار الحر ومسؤولية الفاعل الأخلاقية؛ وهذا معناه أنها "سلوك إرادي"، والقسوة الإنسانية تقارب في حقيقتها الراسخة والسادرة، الحتمية اللانهائية لفعل الموت، فهي من سمات البشر وظاهرة ملازمة للحياة الانسانية، حين يكف العقل عن قدرة الإقناع أو الاقتناع مع الشعور الذاتي بأنه لا يحتاج للأخر فيلجأ الإنسان لتأكيد الذات بالعنف من خلال ضغط جسمي أو معنوي ذو طابع فردي أو جماعي فينزله الإنسان بقصد السيطرة أو التدمير، ويرى مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" أن العنف يعتبر آخر وسيلة يلجأ إليها الفرد حين لا ينفع الحوار وحين تغلق كل الأبواب لتحقيق رغباته أو إيصال صوته وآرائه للآخرين، وأيضا عندما يريد إثبات وجوده والاعتراف به كفرد ينتمي إلى نفس المجتمع، وله حقوق يريد الحصول عليها أو غاية يطمح في تحقيقها والوصول إليها؛ وإذا بحثنا عن مصطلح العنف في قاموس "أكسفود" فنجده يشير إلى: ممارسة القوة البدنية لإنزال الأذى بالأشخاص والممتلكات، كما يعتبر الفعل أو المعاملة التي تحدث ضررا جسمانيا أو التدخل في الحرية الشخصية عنفا"؛ فلا يمكن لنا إلا أن نقر بحقيقة أن القسوة الإنسانية قد زاحمت المسيرة الحضارية للإنسان، خطوة بخطوة، وأن هذه القسوة وجدت تعبيرها الأمثل في العنف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة