الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معايير المرأة في الرجولة الحقة دراسة في المثل الشعبي المغربي

أكثيري بوجمعة

2017 / 6 / 23
الادب والفن


يشكل موضوع الأمثال الشعبية المغربية، مادة خصبة للدراسة والتحليل. ﺇذ بدأت هذه المادة البحثية تستقطب اهتمامات الباحثين والدارسين، ابتداء من المحاولات التجمِيعية التصنيفية، وصولا ﺇلى البحث الدراسي التحليلي لبعض الظواهر المنبثقة عنها، وذلك من خلال ما تحويه من منظومات معرفية تسكن قالبها اللغوي المتداول.
وسنحاول من خلال هذه الورقات البحثية، أن نقوم بقراءة للمتن الذي توصلنا ﺇليه من خلال قراءتنا لجملة من المصادر والمراجع. وقبل ذلك نود أن نلقي نظرة موجزة حول هذا النوع من الخطاب الشعبي، فما هو يا ترى المثل؟ وما هي طبيعته، والخصوصيات التي تميزه عن باقي أشكال الأدب الشعبي؟
إذا عدنا إلى القواميس اللغوية، لنبحث عن مدلول هذه الكلمة "مَثل" فإننا نجد تعاريف عديدة، بتعدد السياقات التي يستعمل فيها. فمثُل الشيء، أي: قام وانتصب، وأصبح ظاهرا للعيان. والمثل العبرة، أي الشيء الذي يقوم وينتصب ليتعظ به الغير. والمثل الشيء، الذي يضرب لشيء ما فيجعله مثله، فهو ليشد أزره.
إذن، فالمثل ليس شيئا مجردا، بقدر ما هو ارتباط بشيء معين. قد يكون موقفا، أو حدثا أو تجربة؛ فهو يقوم ليعبر عنها تعبيرا موجزا، يحمل حمولات ومضامين معينة يستعملها الإنسان لتلبية رغباته النفسية والتعبيرية، التي لا تكون – بطبيعة الحال- حكرا على فئة دون غيرها. فالمثل بهذا المعنى، شكل مشترك بين العامة والخاصة كما يقول الفارابي، يلخص تجاربهم الفردية أو الجماعية، في قوالب لغوية تحيل على الماضي؛ لكنه يتكرر في الحاضر، نتيجة وجود تجربة مشابهة لتلك التي أفرزته. وبحكم انتماء المثل إلى الماضي، فإنه يصبح مع الزمن بمثابة القول الفصل والحجة القائمة والبرهان الثابت، الذي يؤهله ليتسم بحقيقية مبنية على التجربة والمراس والمران.
ولعل هذا ما يفسر حقيقة استثماره كشكل من أشكال المواجهة، إذ يتسلح به الإنسان الشعبي، إما لتدعيم رأي أو دحضه، فينصهر بذلك في المنظومة الثقافية للمجتمع عبر الزمن، وخير دليل على احتواء هذه الأمثال على تجربة إنسانية متجددة، هو بقاء عدد كبير من هذه الأمثال الشعبية شائعة إلى يومنا هذا. وعليه سنحاول من خلال هذه المقاربة، أن نتطرق إلى مفهوم الرجل في المخيال الشعبي المغربي؛ من خلال المثل الشعبي الذي يعتبر سندا مركزيا في الخطاب الشفهي، للإنسان الشعبي المغربي والعربي باعتباره آلية قص وحكي حسب تعبير عباس الجراري.

I – المتن المعتمد بالدارجة المغربية:
1-1 أمثال عن الرجل:
1- "الراجل بدراعو ماش بمتاعو"
2- "الرجل بالهمة٬ أما اللحية راها عند العتروس"
3- "الرجل من العود ولا القعود"
5- "رجل من الفحم يجيب الخبز واللحم"
6- "السبع مناين كيكبر٬ كيرجع قصارة للذياب"
7- "اللي مايقرا براتو ويغسل كساتوا ويذبح شاتو موتو حسن من حياته"
8- "الرجل تيموت غير على بلادو وولادو"
9- "الرجل حرمة ولو يكون عرمة"
10- "لاخير في لسانو٬ لاخير في ركانو"
11- "المطلق دوز على قبرو٬ ولادوز على دوارو"
12- "قد فمو قد درعو"
13- "الجمل لايلعب مع الجديان"
14- "عزري بودنو٬ رخيص بوزنو"

من خلال هذا المتن المقدم، سنحاول أن نقارب عبر آليات التحليل سؤال مفاده: كيف تحدد الأمثال الشعبية مفهوم الرجل؟
ﺇن تحديد الشيء من قبيل الاعتراف باستقلاله عن الذات المحددة٬ وكون الشيء المحدد يبين عن نفسه، بشكل يقبل التجريب والملاحظة. وطرح سؤال التحديد يعني دائما وجود الشيء وجودا غير مقتنع به من قبل الجميع. ويعني أيضا: نوعا من الوعي الذي يبحث التدقيق. وطرحنا لهذه الأسئلة الآن ليس ﻹثبات وجود الشيء وجودا فعليا٬ ولكن لنصل ﺇلى التصور الذي يعطيه الفكر الشعبي لمفهوم الرجل من خلال الأمثال، من خلال تلبيس هذا المفهوم أبعاد رمزية تعتمد الاقتصاد اللغوي، وهذه تقنية معمول بها في الثقافة الشعبية المغربية.
2-1 : تمثلات عن مفهوم الرجل في الأمثال الشعبية المغربية:
انطلاقا من هذا التصنيف المعتمد في هذا المتن المتعلق بالرجل، سنحاول استنتاج المفهوم المعطى للرجل في الفكر الشعبي في مختلف تجلياته؛ ابتداء من شخصية ( الضعف/ القوة)، وكيف يتم ﺇبراز هذه الشخصية أمام الآخرين. من قبيل "الراجل بدراعو٬ ماشي بمتاعو".
ولعل ما يمكن استخلاصه وتحديده من مفهوم (دراعو)٬ هو مفهوم القوة٬ ومن ثمة يمكن للرجل أن يعمل من أجل أن يكسب قوت أسرته. فالمبدع الشعبي يرى بأن اﻹنسان لا يصل مستوى الرجولة، ﺇلا عندما يصبح مؤهلا وقادرا على العمل والكسب، والكسب هنا مرتبط بالمال والرزق الحلال، والمال بالضرورة يؤدي إلى القوة التي تأتينا في المثل بكلمة مجازية " ذراعو". فالرجل في هذا المثل هو ذلك اﻹنسان الذي يقدم أشياء تستحق الذكر والثناء، ويعتمد على نفسه في تحصيل الرزق والكرامة، عوض الاتكال على الآخرين في العيش. بما معناه أن الرجولة في عمقها تعتمد على أفعال لا على صفات وفي هذا الباب، يقول الإنسان الشعبي (الراجل بالهمة٬ أما اللحية عند العتروس).
وتجدر اﻹشارة٬ ﺇلى أن مفهوم "الهمة" في هذا المثل غير مُحددة٬ وبالتالي تبقى مسألة التأويلات والتكهنات مشروعة وواردة. فالرجولة٬ هي أن يقدم الرجل ما يؤهله ليكون كذلك ٬ أما مظهره فهو لا يحدد رجولته بالمطلق٬ على اعتبار أن اللحية كصفة فيزيولوجية٬ ليست حكرا فقط على الرجال، بل توجد حتى لدى الحيوان ( العتروس/ العنز).
فانطلاقا مما تقدم، يمكن أن نلاحظ أن الرجل كمفهوم مطلق٬ لا يُحدد بالمظهر؛ أي بالصفات الخلقية، ولا يحدد بما يمتلكه من مال وجاه؛ وﺇنما يحدد بقدرته على العمل واﻹنتاج. فصفة "الهمّة" مرتبطة/ ملتصقة بالرجل داخل مجتمعه كمعيار أساس لقيمته وفاعليته بداخله، خصوصا إذا ما ارتبطت لديه بتيمة الصمت التي تعتبر حكمة الحكم٬ وهذا ما يوضحه المثل القائل: (الصمت حكمة٬ أومنو تفرقوا الحكايم).
بمعنى آخر، أن ثنائية "الهمة" و"الصمت"، تشكل بنية تصوراتية تعطي للرجل مكانة وازنة بداخل مجتمعه تتمثل في صفات خلقية مادية تتمثل في الرجل "بذراعو"، وصفة معنوية تتمثل في كونه "همة". ينضاف إلى ما قيل، يحاول المبدع الشعبي حاول جاهدا ها هنا، أن يعضد من مفهوم الرجل مَثليا بحصر مجال التحديد ابتغاء الدقة، بقوله: (الرجل اللي ما يقرا براتو، ويغسل كساتو، موتو حسن من حياتو )، ما يوضح أن الرجل في المخيال الشعبي٬ لا يصل ﺇلى مستوى الرجولة الفعلية٬ ﺇلا ﺇذا كان ذو مستوى علمي يؤهله لقراءة رسالته "براتو" والعلم بهذا المعنى يأتي نقيضا للجهل. لتأتي بعد ذلك، وظائف أخرى رصدها المثل في تسلسل منطقي دال، وتمثلت هذه الوظائف في العمل المنزلي: "يغسل كساتو"، و"يذبح شاتو". فالرجل الذي لا يقوم – بما سبق ذكره – يعد ناقص الرجولة غير مكتمل الأهلية مجتمعيا.
وفضلا عن ذلك٬ فالمبدع الشعبي يضفي على الرجل صبغة الوقار واﻹحترام (الراجل حرمة ولو يكن عرمة)، وهذا يناقض القول السابق (الراجل بذراعو ماشي بمتاعو). ليطرح السؤال، ترى كيف يمكن أن يكون الرجل (بدراعو) و(عرمة) في نفس الوقت ؟
ﺇن ما يرغب فيه المجتمع من خلال هذين المثلين، هو الرجل الفاعل في المجتمع٬ في حين أن الرجل "العَرْمة"، يكون تقبله على مضض، نظرا لكونه غير مؤهل للإنتاج داخل هذا المجتمع؛ ﺇلا أن الغالب داخل المجتمع، أنه يُحترم، وهذا راجع ﺇلى تأثر المخيال الشعبي المغربي بالدين والعقيدة الإسلامية.
فالمبدع الشعبي في هذين المثلين، يركز على القيمة اﻹنتاجية للرجل داخل مجتمعه؛ على اعتبار أن الضرورة تقتضي منه، أن يوفر ما يحتاجه من مستلزمات العيش الكريم؛ خصوصا إذا كان متزوجا وله أبناء يحتاجون إلى من يعيلهم. وفي هذا الباب يقول المثل: "رَجلْ من الفحم يجِيب لخبز واللحم"؛ فالمفهوم المعطى للفحم هو الرجل ذو البشرة السوداء، غير أن المبدع الشعبي في هذا السياق، لا يهمه لون الرجل سواء كان أبيضا أم أسودا، بقدر ما تهمه مردودية هذا الرجل؛ أي ما يوفره من خبز ولحم يسد به رمق جياعه في البيت.
ولعل هذا ما يبين، أن هذا المبدع الشعبي كان ذو نظرة حضارية ثاقبة بعيدة كل البعد عن تلك الاختزالات الضيقة المتمثلة في الميز العنصري وما شابهه، وركز بشكل حصري على إنتاجية الرجل داخل مجتمعه، من خلال كسب حاجيات الحياة اليومية. الأمر الذي يقتضي حضور القوة (دراعو- من الذراع حتى يستطيع كسب قُوتَه، وقوت من يعيل، ليُظهر بشكل ضمني سلطته الأبوية. غير أن هذه السلطة، لا تعني أن يكون طاغية؛ من منطلق المثل القائل: (العفا من الرجال)، فالعفة المقصودة هي تلك التي تجعل من الذكر رجلا متسامحا عفيفا، لا يفرض جبروته على زوجته أو أبنائه.
فالمثل الشعبي في هذا السياق، قد استشرف المستقبل -وفي الوقت نفسه- أعطى الرجل المغربي عصا سحرية تمثلت في "العفو عند المقدرة"، من منطلق أن السلطة المبنية على القوة والجبروت، سرعان ما تزول وتتلاشى؛ خاصة عندما يفقد الرجل قواه الجسمانية، ويصير طاعنا في السن؛ وهذا ما يؤكده المثل القائل: (السبع مناين كيكبر٬ كيرجع قصارة للذياب)، فكلمة السبع لها دلالة القوة والشجاعة والعظمة، لكن مع ذلك فهذه الشجاعة تخونها القوة مع الكبر، الشيء الذي يؤدي بالسبع إلى الذل والهوان أمام الذئاب، الذين كانوا يموتون رعبا ورهبة وخوفا عندما يسمعون زئيره المجلجل في أرجاء الغابة. وهكذا ومثال الرجل عندما يفقد قواه الجسمانية، يصبح معرضا لعبث العابثين، ولعبة في يد الصبية الصغار (الذياب - الذئاب) داخل البيت أو خارجه. وحتى يتجنب الرجل، مثل هكذا مواقف، عليه أن يكون حريصا في أيام شبابه/ قوته، أن يكون ورعا خلوقا في معاملته مع أفراد مجتمعه.
انطلاقا مما تقدم٬ يمكن أن نلاحظ أن هناك مجموعة من الصفات، التي تحدد مفهوم الرجولة في المجتمع المغربي؛ من خلال هذه الأمثال الشعبية: (الهمة٬ القدرة على العمل والكسب٬ اﻹنتاج٬ العلم، العفة، القوة، الأخلاق...)، التي تعد بمثابة تشريعات تنظم وتهيكل دور الرجل داخل المجتمع.
وﺇجمالا، فلقد توصلنا أثناء تنقيبنا، عن مفهوم الرجل في الأمثال الشعبية المغربية؛ أن هذا المفهوم غير ثابت٬ ولا يخضع لمقاييس مطلقة ومحددة، غير أن ما يجب الإشارة إليه من خلال هذه المقاربة في هذا الشكل الأدبي الشفهي الشعبي هو أن مفهوم الرجل يتحدد انطلاقا من معايير ومقاييس وضعتها المرأة، بما معناه أن المرأة ركن أساس في هذا التحديد المأخوذ من الأمثال، لتتضح بذلك مركزيتها الأساس في تقييم الرجولة من الذكورة داخل المجتمع المغربي مع تفكيك خصوصياتها النفسية والاجتماعية والأخلاقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما