الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأميرُ الغِرُّ يغدو ملكاً!

منذر علي

2017 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في 21 يونيو 2017 تجمَّعتْ، بشكل رسمي، إمكانيات هائلة لأكبر دولة عربية بين يدي أمير عربي يافع، من السلالة الحاكمة. وفتح هذا التحول مساراً فرعياً جديداً في النظام الوراثي في المملكة السعودية ، وكشف عن تصدعٍ داخلي عميق ، و عن بداية تحالفات خارجية جديدة ، لا بد وأن تؤثر على دور ومكانة المملكة وعلاقاتها الخارجية على الصعيدين العربي والدولي.
فالأمير محمد بن سلمان، خريج كلية الشريعة ، الذي تدرَّب، على عجل، في كنف العائلة الحاكمة ، وفي المؤسسات الملكية القائمة ، منذ أنْ كان في الثانية والعشرين من العمر ، صعد في المناصب الحكومية بوتيرة سريعة ، خلال ثمانية أعوام، حتى أصبح وزيراً للدفاع ، وولياً للعهد ، وملكاً ، غير معلن ، وحل محل أميرٍ ماهر ، وأنْ كان لا خلاف على خبرته و مكره ودهائه ، على الرغم من أنه لم يتجاوز بعد 32 من العمر.
وعلى ضوء هذا التغيير ، يمكننا أن نرصد جملة من التحولات الداخلية والخارجية القائمة والمحتملة:

الأولى: إنَّ هذا التغير الدرامي، الذي عصف بالمملكة ، سينقل الاقتصاد السعودي ، بشكل سريع، من مرحلة الرأسمالية المحافظة، المحنطة بالبداوة والفكر القبلي، إلى مرحلة الرأسمالية المنفتحة، "المخصخصة" privatized ، على الطريقة التاتشرية ، ضمن الآلية الاقتصادية لليبرالية الجديدة، New Liberalism’ ‘وسيترتب على ذلك، تعميق العلاقات الاقتصادية القائمة مع الغرب ، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما من الدول الرأسمالية الكبرى.

الثانية، سيلجأ الملك الجديد إلى تضييق الخناق على بعض الجماعات الدينية الداخلية المتطرفة، التي يمكن أنْ تعترض على توجهاته ، وسيعمل من جهة أخرى على ترويض بعضها الآخر. وفي نفس الوقت، وبغية ترسيخ مكانته السياسية ، سيسعى إلى منح الحريات لبعض الفئات الاجتماعية ، وخاصة للفئات العمرية الشابة (بين 18 – 45 عاماً)، وسيتم ذلك ، عبر السماح للمرأة بقيادة السيارة ، وإرخاء قبضة الأجهزة الأمنية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيع القيم الاستهلالية ، وخلق فرص جديدة للترفيه Entertainment ، وتشجيع ثقافة الإلهاء عن القضايا المتصلة بتوزيع الثروة و الفوارق الطبقية، والهم الوطني والقومي، وتسهيل التنقل الداخلي والخارجي ، وتنشيط السياحة غير الدينية ، وتطوير الرياضة ، وغيرها من الحريات المحدودة والمقيدة، بشكل يقترب ، وإنْ بحذر شديد ، مما هو قائم في الإمارات العربية المتحدة . غير إنَّ التوجه السياسي نحو التغير الاقتصادي الليبرالي المزمع ، لن يواكبه تتناغم إيجابي مباشر على صعيد الفكر والحريات السياسية. إذ سيجري إطلاق العملية الاقتصادية في مناخٍ محسوب من التحكم السياسي ، لتجنب التصدع في الكيان الملكي الحاكم ، وسيجري قمع المعترضين على التحولات الجديدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

وفي هذا الإطار ، ومن أجل حماية هذا التوجه ، سيكون على المهلكة السعودية ، بقيادتها الجديدة ، "الصاعدة" أنْ تتخذ الخطوات التالية:

الخطوة الأولى : ستتركز على فرض هيمنتها في الداخل ، وستستدعي هذا الخطوة ، التوسع في الخارج ، وفرض هيمنتها على الجزيرة العربية. وسيتم ذلك من خلال تهميش الكيانات المشاغبة لها ، كدولة قطر ، والكويت وعمان ، توطئة لإخضاعها سياسياً. وفي الوقت ذاته ، ستسعى، ولو مؤقتاً ، لتعزيز علاقاتها بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وتقاسم المصالح معها في اليمن ، من خلال الاتفاق على ضرب أنصار الله ، و الجناح العقائدي للإخوان المسلمين، والبحث عن شخصية يمنية مقبولة ، أو شخصيات مقبولة ، داخلياً وخارجياً ، لإدارة الإقليم اليمني ، أو الأقاليم اليمنية المتنافرة، ضمن صيغة معينة، و بما يتوافق مع المصالح السعودية والإماراتية والقوى الدولية الحامية لهما.

الخطوة الثانية ، ستسعى السعودية لتعزيز علاقاتها بالحزام العربي الأوسع ، وخاصة مع الدول المضطربة اقتصاديا وسياسياً ، والجماعات القابلة للترويض ، كمصر والسودان والأردن والمغرب، وموريتانيا، وجبوتي والصومال، والجماعات القبلية والتقليدية ،هنا و هناك ، و ستسعى ، قدر الإمكان ، إلى إقامة علاقات مرنة، غير عدائية ، مع الدول الأخرى الأقل قابلية للترويض ، كالجزائر ، وتونس ولبنان ، والعراق، و في الوقت ذاته ، ستسعى لكسر شوكة الدول الممانعة والجماعات المناهضة لها ، كسوريا وحزب الله ، وأنصار الله ، والحشد الشعبي في العراق وحماس ، والأخوان المسلمين، وغيرها من الجماعات السياسية والدينية، ولكنها ستبقي على دعمها للجماعات المتطرفة في سوريا ، بغية تقويض النظام السوري!

الخطوة الثالثة ، ستسعى السعودية لتسعير المواجهة العدائية مع إيران وحلفائها ، ولهذا الهدف ، ولغيره من الأهداف التوسعية للنظام السعودي ، سواء في الظرف الراهن أو في المستقبل المنظور ، ستسعى السعودية للمناورة مع دول مؤثرة كروسيا وتركيا ، من خلال التجارة والعلاقات الاقتصادية ، بغية تحييدها أو تخفيف التوتر معها، ، وفي ذات الوقت ، ستسعى لتعزيز علاقاتها الإستراتجية بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الفاعلة ، كبريطانيا وفرنسا، وهذا يجري على قدم وساق.
هل سينجح الأمير الجديد ، أو الملك الفعلي الغِر، في مساعيه أم سينتكس ، وسيصاب بخيبة الأمل؟ و هل ستفضي التحولات في الداخل والخارج إلى التطويح النهائي بمملكة الشر، التي كبحت النهوض القومي ، وشكلت رأس حربة مسمومة في مواجهة الثورات الشعبية، وتنامي نفوذ حركة التحرر الوطني العربية على مدى السبعين عاماً المنصرمة، أم أننا داخلين في مرحلة التحولات العاصفة و انتصار وهيمنة المحور الرجعي الصهيوني الشامل على مقدرات الأمة العربية؟

الأعلام السعودي ، يُروِّج للأمير محمد بن سلمان ، بأنه ، شخصية موهوبة وديناميكية ، وملم بالشؤون الداخلية ، والخارجية ، وقريب من الشعب وهمومه ، ويجيد ، على عكس أبيه ومن سبقه من الملوك ، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، ويعلم ما يجري في العالم ، و ما يدور في المجتمع، ومدرك لمطالب الفئات الحديثة ، ويمثل النسخة العصرية للملكة، و يمكنه ، بالتالي، أن يقود بلاده ، بشكل فعَّال في الظروف الجديدة والمعقدة.
غير أنَّ العارفين بالأمير عن قرب، والمطَّلِعين على دقائق الأمور في المملكة السعودية ، يقولون أنَّ ما يُقال عن الأمير ، هو نوع من الترويج الرخيص من قبل الفئات المعطوبة بالجهل ، المتغرِّبة ، والمسكونة بالقيم الاستهلاكية الغربية ، التي تبحث عن التغير بأي ثمن ، بعد أن تعفنَّ النظام السعودي وبلغتْ رائحته أقاصي الدنيا. وبالتالي ، فهم يؤكدون على حقائق معاكسة لتلك التي تروجها وسائل الأعلام الرجعية، ويقولون: إنَّ الأميرَ شابٌ غِرٌ ، قليلُ الخبرةِ ، ضيِّق الأفقِ ، دعيُّ ، غارقٌ في أوهامه ، يجهلُ المجتمع الوطني والعالم ، وفي نفس الوقت مجرد مغامر ومتهور ، وطموح وعدواني. و الأمير ليس لديه من المؤهلات، سوى أنه مجرد تاجر شره ، تحكمه قيم التجارة والمال ، وليست قيم الحرية والعدالة والتقدم ، بمضمونها الإنساني العميق. ومن هذا المنطلق ، يمكنه ، كمشتر نهِم " Buyer” “Greedy، بدون قيم رفيعة ، أنْ يجد ، في سوق السياسة ، بائعاً ماكراً ، cunning seller ، كدولاند ترامب ، وينفق، في ليلة مُقمرة أو مظلمة ، 460 مليار دولار، لشراء لُعب الموت والولاء ، ويقيم علاقة سياسية وإستراتيجية مع أكثر الدول عداء للمصالح القومية للأمة العربية ولكل المصالح الإنسانية في العالم.

ولكن ما لا يعرفه الأميرُ المغامرُ، هو أنَّ الأموال لا تصنع التاريخ، ولا يمكنها أنْ تقهر الإرادة الحرة للشعوب، بما في ذلك شعبنا الشقيق في نجد والحجاز والمناطق الجنوبية، المحاذية لليمن.

لقد كان ملوك السعودية على الدوام، قادرين على شراء الغباء ، وكانوا ماهرين في ذلك ، وكنا نجد من بين المأجورين الأغبياء ، من هو "مقبولاً " في ظروف سياسية معينة ، وكنا نحتمله ، ولكن الأمير الجديد ، العدواني ، الغِر ، يبدو أنه قادر ليس فقط على شراء الأغبياء ، ولكنه قادر على شراء الأشرار أيضاً ، الأكثر قبحاً في العالم، المناهضين لمصالح الأمة العربية.

في الأخير ، حاولت في هذه المقالة القصيرة أنْ أثير بعض التساؤلات ، لا تقديم الإجابات على الأسئلة المطروحة . كما حاولت أنْ أنزع اللثام عن الوجه السعودي القبيح، حتى لا نقع في الفخ مجدداً. إذ لا ينبغي أنْ ننظر لهذه التحولات في "مدن الملح" ، على حد تعبير الكاتب العربي الكبير عبد الرحمن منيف ، باعتبارها مجرد "مواكبة للتجديد" ، كما يروِّج البعض ، و لكنها تجليات لصراع محتدم في أكثر الأنظمة فساداً وتخلفاً وعدوانية في تاريخ المجتمع البشري ، فضلاً عن أنها تعكس توجهاً صريحاً للتحالف مع إسرائيل والقوى الامبريالية الكبرى، المعادية لمصالح الأمة العربية. وعلينا أنْ ندرك ، كيمنيين ، أننا " كالأيتام في موائد اللئام" . وبالتالي لا ينبغي أنْ نشرئب بأعناقنا نحو مملكة الشر ، بحثاً عنْ مخارج لأزمتنا ، وإنما علينا أنْ نفكر بوطننا الجريح ، وأين سيكون موقعه من الأعراب في ظل هذه التحولات العاصفة التي تمر بها المنطقة العربية. وعيد مبارك للجميع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل