الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس

محمد بن زكري

2017 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقوم السلفية على الإيمان بمطلقيّة وثبات منظومة الفكر التراثي الماضويّة ، العائدة في أصولها الفكرية الاعتقادية إلى القرن الأول الهجري ، بمعزل عن سياقاتها التاريخية ، وبمعزل عن واقع تغير الأزمنة و اختلاف الأمكنة ، و دون تمييز أو مراجعة نقدية لما يتصل منها بظروف الزمان و المكان ، من امتداد تأثير حمولات الإرث الحضاري و الذاكرة التاريخية للجماعات و الشعوب ؛ فالسلفي هو شخص منتزع من ذاته ، يعيش بيولوجيا في الحاضر المتعين ، بعقلية الماضي البعيد ، تستغرقه قطيعة تامة مع تحولات الواقع ، المتدفق تجاوزا للراهن ؛ منطويا على إيمانية غيبية استعلائية ، تفترض في نفسها الاحتواء على يقينيّة الحقيقة و نهائيّة المعرفة و اكتمال العقل و خلاصة تطور حركة التاريخ . و السلفيّ يرى فيما أجمع عليه السلف ، الامتلاء الكليّ و الكمال المطلق ، و هو كمال تحقق في الماضي (المجيد) مرة واحدة و إلى الأبد . ويرى في معطيات الماضي ، من المعتقداتِ ميثيةِ الجذور ، و التراث التديّني و التمذهبي ، حقائقَ أزليةً أبدية ثابتة ، غير قابلة للمراجعة والنقض .
لكن ما الذي يدفع بالإنسان العادي إلى الاعتصام بالماضي ، مُوَليّا ظهره للحاضر ؛ سواء في حركة استسلام يائس ، تعبر عن نفسها في الانكفاء على الذات ، و الانسحاب إلى الظل ، و الزهد ، و الدروشة ، تحت لسع سياط الشعور بالذنب و التخويف من العذاب و عقاب الشوي في النار ، تماهيا مع النصوص الدينية ، التي تزين (للفقراء) الانصراف عن طلب نعيم الدنيا (الزائل) ، و التعلق الخرافيّ بطلب مُتع (الحياة) الآخرة ، التي لا تزول ! أم في شكل تمثّل عقَديّ لتراث و نصوص الكراهية و التكفير ، مع جنوح حاد إلى العنف (الجهادي) التعويضي ، الموجه ضد الآخر المختلف : الكافر .. المرتد ، استهدافا له بالإلغاء المعنوي أو المادي ، اقتداء بسيرة السلف (الصالح) ؟
تُمِدنا المتابعة الاستقرائية للأحداث المغطاة إعلاميا بالخبر و الصورة ، و الموثقة مِهنيا بتقارير الصحافة الاستقصائية و تقارير المنظمات الحقوقية ، حول ممارسات التنظيمات السلفية الجهادية ، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق و سوريا ، بنفس الاستنتاجات و المؤشرات التي نستمدها من رصد و تحليل الأحداث اليومية لممارسات الجماعات السلفية - بمختلف أسمائها الحركية و رؤاها الفكرانية - المنتظمة في التشكيلات شبه العسكرية (الميليشيات) بليبيا ، لتتقاطع المحصلة في التحليل الأخير ، مع النتائج التي خلصت إليها بحوث علم الاجتماع و دراسات علم النفس الاجتماعي ؛ مِن أنّ ظاهرة المد السلفي ، هي في أحد أبرز أسسها ، انعكاس لاختلال يعصف ببنية المجتمع ، فيؤدي إلى انفصال الإنسان عن النظام الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي ، كما يرى إيرِك فروم (1) ، ذلك أن إنسان اليوم يعيش غريبا عن عمله ، و سواء كان عاملا أو موظفا أو مديرا لشركة ، فهو مغرّب عن ذاته ، يركع أمام أصنام من منتجات يده ، فاقدا للسيطرة على مصيره ، في مجتمع استهلاكي قوامه أناس جبناء خائفون .
و مع شعور الإنسان بالاغتراب الذاتي إزاء أوضاع اجتماعية ، لم تكن يوما بالنسبة إليه ، أسوأ مما هي كائنة عليه ، نتيجة لما يسميه ماركس اغتراب العمل ، كشكل من أشكال الاغتراب ، حينما ينفصل الإنسان عن ناتج عمله في اقتصاد السوق ، فلا يسيطر عليه فقط إنسان آخر ، و إنما أيضا قوى أخرى غير إنسانية ، هي مجموعة القوانين التي تحكم راس المال و السوق (2) ، على نحو يؤدي إلى إسهام ناتج عمل الإنسان في قهره ، داخل أطر العلاقة غير المتوازنة و غير المتكافئة ، بين رب العمل و المستخدَمين الأُجَراء - أي بين الأعلى و الأدنى - في الترتيب الهرمي لمجتمع النظام الراسمالي ، بما هو مجتمع طبقي اضطهادي و استبدادي ، و لا عقلاني في منطقه الداخلي ، فيما يسميه هربرت ماركوز الطابع العقلاني للّاعقلانية (3) ، حيث يتمثل جانب من لاعقلانية المجتمع الراسمالي المتقدم صناعيا ، في تمويه انقسامه الطبقي ، بالترويج لثقافة الاستهلاك ، كأن يقتني العامل - بكل حرية - نفس الموبايل الذي يقتنيه رب العمل ، و ذلك بواسطة تزييف الحاجات ، و من ثم تلبية تلك الحاجات الزائفة ، في سياق الوظيفة الاضطهادية لمجتمع الوفرة ، الذي تغدو فيه الحريةُ المنظمة أداةَ سيطرة و استعباد ، كحرية المنافسة في أسعار مقررة سلفا ، و حرية صحافة تمارس الرقابة الذاتية .. المحكومة بهوى المموِّل ، و حرية الاختيار بين نفس أنواع السلع و المنتجات ، مختلفة العلامات التجارية ، المخصصة للاستهلاك ؛ وصولا إلى إحكام السيطرة على جماهير المستهلكين - و هم في أغلبيتهم مستخدَمون أجراء - باستنزاف مداخيلهم المحدودة و التحكم بحياتهم ، و استعبادهم أيديولوجيا بوهم الحرية (الليبرالية) ، حيث إن عبودية اليوم - وفقا لماركوز- لا تتحدد فقط بالكدح و الطاعة ، بل أيضا بتشيُّءِ الإنسان ، و بما تصنعه المنتجات من وعي زائف لا يعي زيفه ، فقدرة الإنسان على اختيار سادته ، لا تلغي وجود السادة و العبيد ، اللهم إلا أن يجوز للعبد ، أن يتوهم أنه حر ، لمجرد أنه حصل على الحرية في اختيار سادته !
على أن العلاقات الاضطهادية في المجتمع الراسمالي (الصناعي) المتقدم ، لابد من أن تؤدي إلى تبلور وعيٍ متقدم لدى الطبقة العاملة ، هو بطبيعة تكوّنه وعي ثوري - رغم كل محاولات تزييف الوعي - ينتج عنه ظهور و تنامي حركات نضالية ، لتجاوز أوضاع القهر الطبقي الذي تتعرض له الطبقة العمالية ، فتنطلق حملات احتجاجية مناهضة للاستغلال الراسمالي ، كأنْ يُشن إضراب عام ، يوقف عمليات الإنتاج في المصانع ، و يشل الحياة في جسد النظام ، إلى أن تتحقق للعمال و المعطلين عن العمل مطالبهم المُحقّة . و مِن قبيل ذلك ما جرى سنة 2011 بأميركا ، بتنظيم حركة (احتلوا وول ستريت /Occupy Wall Street movement ) ، احتجاجا ضد البطالة ، و اعتراضا على خطط دعم القطاع الخاص على حساب المواطن العادي ، حتى إن المرشحيْن للانتخابات الرئاسية هيرمان كير و نيت غينغريش ، وصفا الحركة بأنها " صراع طبقي " ، حيث بدأت في نيويورك ، و امتدت منها إلى باقي الولايات و المدن ، و من شعاراتها : " العامل المشترك الذي يجمع بيننا ، هو أننا نمثل 99 % ، ولن نتسامح مع جشع وفساد الـ 1 % " ، و انتقلت من أميركا لتشمل 25 دولة راسمالية حول العالم ، ما اضطر إدارة باراك أوباما إلى فضها بالقوة الغاشمة و اعتقال المئات من شباب الحركة ، مع تعهد بالعمل على معالجة الأوضاع المعيشية المتردية للأغلبية الشعبية .
أما في المجتمع المتخلف ، حيث تسود القيم السلفية كأيديولوجيا شمولية ماورائية ، تستمد قوتها التأثيرية على عقول العامة ، من الانتساب إلى الذات الإلهية (العليّ القدير) ، يأخذ اغتراب الذات الإنسانية أشد أشكاله لاعقلانية ، في علاقة الاضطهاد و الاستبداد التوتاليتاري (الكُليّ) ، من خلال هيمنة أقلية اجتماعية - بما اكتسبته من امتيازات طبقية - على الثروة و السلطة ، معزَّزة بالمقدس ، تفرض على الأغلبية وضعيةً دونية ، تنتزع الإنسان المقهور من إنسانيته ، و تحيله إلى كائن آليّ (روبوتيّ) ، مستلب اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و نفسيا ؛ فإن الإنسان المقهور يجد نفسه أسير مأزق وجودي ؛ مجرّدا من القدرة على الفعل ، فاقدا للاعتبار و القيمة ، منزوع الشعور بالكرامة ، مفرَّغا من الأهداف و التطلعات ، مشوش الذهن و مشتت التفكير ، منفصلا عن الواقع ، يسيطر عليه القلق ، تتفاعل فيه - كما وصّف د. مصطفي حجازي - عُقد النقص و العار و اضطراب الديمومة (4) ؛ يقف عاجزا مسلوب الإرادة إزاء عُنف اعتباطية الطبيعة و غوائلها ، و في مواجهة عُنف المتسلط ، يتهدده اختلال التوازن الداخلي بالضياع . و هنا تقدم له السلفية طوق النجاة ، بما هي إرث تاريخي تراكمي ، من العقائد الدينية و الأعراف و التقاليد ، المطبوعة في الذاكرة الجمعية للمجتمع المتخلف (المحافظ) ، الذي تشكل السلفية نظامه القيميّ و بنيته المعرفية و الثقافية .
فمع تراكم الشعور بالإحباط ، و انكماش مساحة الأمل حتى بلوغها نقطة اليأس ، و انسداد أفق الحياة ، و الارتهان للاستلابات ؛ فإنه بدلا من التصدي لما يطرحه الواقع من تهديدات ، و التطلع نضاليّا إلى المستقبل ، لا يجد الإنسان المقهور و المستلب دينيا ، من خيار متاح أمامه في المجتمع المتخلف المحافظ ، غير اللجوء إلى ملاذ الماضي الإيماني ، متمثلا في الأصولية العقائدية (السلفية) ، في محاولة يائسة لاستعادة توازنه الداخلي و رأب صدعه النفسي ، ملتمسا راحة البال و العزاء ، في التمسك التعويضي - التمذهبي - بالمفاهيم السلفية لفهم النصوص الدينية ، على نحو ما أشار إليه إيرِك هوفّر ، مِن أنّ بعض هؤلاء الذين يُرعبهم فراغُ نفوسهم ، و يُقلقهم انعدامُ غاياتهم ، يجدون في الدين خير ملجأ و ميدانٍ لسدّ ذلك الفراغ ، و القضاء على ذلك الضياع (5) ، ذوبانا لهوية الفرد في هوية الجماعة ، حيث إن الإنسان المقهور ، يجد في السلفية تعويضا عن بؤس الحاضر ، من خلال التماهي مع أمجاد الماضي ؛ الذي يتم إخفاء مساوئه الكثيرة ، و تضخيم حسناته القليلة ، و إضفاء طابع من القداسة على رموزه ، و تظهيره أسطوريّاً في أزهى الصور .
إن المجتمع المتخلف ، هو بطبيعة بنيته العلائقية و السوسيوثقافية ، مجتمع سلفيّ ماضويّ . و لذا فإن نكوص الإنسان المقهور إلى الماضي ، و العيش في ملاذه ، تماهيا مع المنظومة الفكرية السلفية السائدة ، بمختلف أنساقها المعرفية المغلقة (معتقدات ، أعراف ، تقاليد .. إلخ) ، ما هو إلا وسيلة للخروج من المأزق الوجودي و استعادة الاتزان الداخلي و اكتساب الاعتبار الذاتي ، حيث يشكل الفعل النكوصي أواليةً دفاعية ، تعكس الشعور بالدونية ، إلى شعور تعويضي بالامتياز و الاستعلاء . على نحو ما عبر عنه مصطفي حجازي ، بقوله : " التمسك بالتقاليد ، و احترام الأعراف ، و مراعاة العادات ، يُعاش كمصدر للاعتبار الذاتي ، نظرا لما يتضمنه من قبول اجتماعي ، . إن الإنسان المقهور ، الذي لا شرف له ، يتخذ من تَمثُّل التقاليد و الأعراف مصدرا للشرف و الاعتبار ، يتخذ من قدرته على مراعاة الأعراف السائدة ، مصدرا للكبرياء و الرضا عن الذات " .
و بقدر ما تكون الاستلابات موغلة في اللاعقلانية و شديدة الوطأة على النفس ، يكون التمسك بالسلفية مفْرطا في اللاعقلانية و شديد الانفعالية ؛ حيث يأخذ شكلين رئيسين من الآليات (الميكانيزمات) الدفاعية : أحدهما الرضوخ ، الذي تعززه يقينية غيبية ، تلغي العقل بما لا يقبل مجرد إعادة التفكير ، كالخنوع للاستبداد ، قبولا بالمكتوب و نزولا عند (إرادة) القضاء و القدر ، و التسليم بالأمر الواقع المفروض من الخارج ، على أنه مشيئة الله ، و الاتكالية ، و الصبر .. الذي هو (مفتاح الفرَج) ، و القناعة ..التي هي (كنز لا يفنى) ، و الزهد في متع الحياة - التي هي نصيب المتسلط - تعلقا خرافيا بنعيم ما بعد الموت ، و استجداء السماء بالأدعية ، و ما إلى ذلك من أشكال الهروب في أوهام ميتافيزياء التعزية ، على نحو ما نلاحظه في تشبع الضمير الجمعي لملايين (الرعايا) الليبيين ، بثقافة (الله غالب) .
و يبدو ذلك جليا - على سبيل المثال - في الموقف الانكفائي من أزمة نضوب السيولة النقدية ، و تراجع قيمة العملة المحلية ، و انهيار القدرة الشرائية للأغلبية (المسحوقة) من محدودي الدخل ، و التهام التضخم لمدخرات الناس ؛ فإنهم يجوعون و تُنتهك حقوقهم و كراماتهم و أعراضهم ، و لا يخرجون في تظاهرة من بضعة آلاف - في مدينة يربو عدد سكانها عن مليونيْ نسمة ، من كل الأطياف و الأنحاء الليبية - لمجرد الاحتجاج سلميا ضد سياسات الإفقار و التجويع و الإذلال ! مكتفين باجترار مقولات و أمثال و أدعية الاستسلام و الرضوخ ، أو المحاولة البائسة للتماهي في النمط الاستهلاكي للطبقة المسيطرة ، أو تصريف العدوانية المكبوتة ، في صورة عنفٍ لفظيّ بدائيّ ، يعبر عن نفسه في الدعاء الساذج على المتسلط ؛ من قبيل : " حسبنا الله و نعم الوكيل فيكم ، اللهم لا نسألك رد القضاء و لكن نسألك اللطف فيه ، لك الله يا ليبيا ، الفلوس وسخ دنيا ، وين بيهربو من ربي يوم القيامة ، صيّورهم تحت الوطا زيّْهم زيّْنا ، الله ياخذ فيهم الحق ، يلقوه و يتلقوه في صحتهم ، انشالّا فَ الداء و الدواء .. إلخ . و في كتب التراث نجد الكثير جدا من الشواهد السلفية التي تصب في هذا الاتجاه ، من قبيل ما نقله الإمام أبو حامد الغزالي (6) عن النبي في أفضلية الجوع : " جاهدوا أنفسكم بالجوع ، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله ، و إنه ليس مِن عملٍ أحبُّ إلى الله من جوع و عطش " ، و قوله في أفضلية الزهد : " إنْ أردتَ أن يحبك الله ، فازهد في الدنيا يحبك الله " ، و نقرأ في كتب التراث عشرات النصوص (المقدسة) ، التي تزيّن الاتكالية ، و تؤكد فاعلية سلاح الدعاء ، كقول النبي : " اتّقِ دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها - أو بينه - و بين الله حجاب " . (رواه البخاري و مسلم) .
على أنه نظرا لأن السلفية هي حالة نكوص جمعي إلى ماضي (السلف الصالح) ، فإن الأواليات الدفاعية الرضوخية ، التي تتجه بالإنسان المغلوب على أمره ، إلى قمع رغباته .. لعدم قدرته على تحقيقها ، و الاختباء في ملاذ الماضي .. لعجزه عن مواجهة تحديات الحاضر ، و الهروب من مواجهة الواقع إلى الاعتصام بالغيب ، بما هي فكرة الاعتصام بالغيب أدلجة للتمركز الخُوافي حول الذات المهزومة داخليا . و ذلك من خلال استبطان الدونية إزاء المتسلط ، أو الاستكانة القدرية ، أو استيهام التماثل مع ذوي الامتيازات ، أو تفريغ العدوانية بالدعاء على الظالم المستبد ؛ لا تكفي وحدها لاستعادة التوازن الداخلي و الاعتبار الذاتي ، و اكتساب الأهمية و الشعور بالثقة ، و الخلاص من القلق الوجودي . فلا تلبث العدوانية الكامنة و المتراكمة ، أن تنفجر عنفا يتوجه إلى إلغاء الآخر ، بدعوى الدفاع عن الهوية ، التي يضفي عليها التعصب الديني طابع القداسة .
و هنا يبرز الشكل البديل - العُنفي - إلى الواجهة كاستجابة أوالية دفاعية ، في هيئة علاقة دمجية إيمانية ، يتماهى بها المؤمن ، فكريا و حركيا ، مع الجماعة السلفية (الجهادية) أو المنظومة الاجتماعية المتمترسة وراء الشريعة ، منطويا على إيمان أعمى منغلق ضد أي حوار عقلاني أو مراجعة فكرية ، مفترضا أن معارفه المستمدة من تراثه الديني ، هي خلاصة الحكمة الكونية و الحقيقة الكلية غير القابلة للنقض ، استئناسا بما أجمع عليه السلف ، و استقواءً على الآخر - العدو الافتراضي - بنصرة الحركة السلفية و تأييد المجتمع المحافظ المتزمت دينيا ، ذلك أن التعصب الديني ، يحوّل الدين إلى أيديولوجيا نافية للآخر المختلف ، بحيث يصبح القتل ممارسة دينية ، ينتفي معها أي شعور إنساني ، و تسود حالة من العدوانية الجماعية (الداعشية) ؛ لا ترى - في زمن بحوث و تطبيقات الخلايا الجذعية - أيَّ جُرمٍ في ضرب الرقاب ، و بتر الأطراف ، و الجَلد ، و الصلب ، و إنزال أفظع العقوبات التعزيرية ، التي تبلغ أقصى درجة من البشاعة السادية ، تصل إلى إلغاء الحق في الحياة حداً ، رجما حتى الموت ! .
و كما يجد المتحول إلى السلفية في إيمانه الغيبي تعويضا عن الشعور بالخواء و اللاجدوى ، و يجد في اندماجه بالمجموعة السلفية تعويضا عن الشعور بالضعف و العجز ؛ تجد فيه الحركة السلفية كائنا بشريا مستلب الوعي ، مفرّغا من ذاته ، كارها لوجوده ، و مؤمنا مستعدا للتضحية بنفسه ، انتصارا لقضيتها - التي صارت قضيته - المقدسة ، في عالم يرونه فاسدا ، لا قيمة للحياة فيه ، دون تغيير جذري يلتزم بمعاييرهم المعرفية الدينية ؛ في انفجار هستيري للعدوانية و مشاعر الحقد و الكراهية ، التي تصور الآخر المختلف رمزا للشر و مصدرا لتهديد الهوية ، ضمن ثنائية دار الإسلام و دار الحرب ، أو فسطاط الإيمان و فسطاط الكفر . و رغم أن رحى حروبها تدور أساسا في مجتمعات لم تكن دائما إلا مسلمة منذ أربعة عشر قرنا ! فإنها لا تستثني أحدا ، خارج دائرتها الإيمانية ، من الشيطنة و التكفير و الاستهداف بالإلغاء ؛ ذلك أن السلفية تتجاوز بنظرتها الشمولية الاستبدادية ما هو ديني إلى كل ما هو دنيوي ، و أنّ الإيمان الديني لديها يأخذ طابعا أيديولوجيا ، نافيا للآخر و غير مقرٍّ له بالحق في الاختلاف ، و منغلقا في بنيته المعرفية على يقينية إطلاقية ، بما يُحوّل الإيمان إلى مشروع لإعادة صياغة العالم وفقا لرؤيتها العقائدية .. طوعا أو كرها ، حيث تصبح ممارسة العنف باسم الله قيمة إيمانية مطلقة عليا ، يتراجع معها أيُّ إقرارٍ - و بالتالي أيُّ احتجاج - بالقيم الإنسانية المشتركة بين البشر .
و في هذا التوجه العنفي لإلغاء الآخر ، تعمد السلفية إلى تبرير توجهها الماضوي ، و تعزيز قضية حركتها النكوصية المتسربلة بجلباب الإيمان الديني ، باستحضار كل صور التحقق التاريخي للإسلام ، في الغزوات الجهادية و حروب (الفتح) و التوسع الامبراطوري للدولة الإسلامية ، خلال النصف الثاني من القرن السابع و النصف الأول من القرن الثامن للميلاد ، كما دُوّنت أحداثها بأدق التفاصيل التي تختلط فيها الحقيقة بالخيال ، في روايات تراثية تحتفي أشد الاحتفاء بالعدوانية الفجة ، المبررة بالمقدس ، التي تقع في أساس حروب الفتح ، و تمجد غزو و احتلال أوطان الشعوب و الأمم المختلفة .. باسم الله ، و تشرعن ممارسة أقصى درجات العنف ، إيغالا في القتل و السبي و النهب ؛ بدعوى إنقاذ البشر - طوعا أو كرها - من الكفر ، و إخراجهم (عُنوةً) من الظلمات إلى النور !
كما يبرز الطابع السلفي للعنف ، في العودة أربعة عشر قرنا إلى الوراء ، لاستدعاء أسماء كبار القادة الغزاة الفاتحين ، و إضفاء طابع من القداسة التصنيمية على شخوصهم المندثرة ، للاقتداء بأفعالهم و سِيَرهم المؤسطرة ، في القرن الواحد و العشرين . و ذلك في انتقائية مؤدلجة ، تُبرز نموذج عقبة بن نافع ، و تخفي نموذج الحجاج بن يوسف الثقفي ، رغم أنه لا فرق يُذكر بين النموذجين ، و مع أن الأخير كان له أكبر الأثر في تثبيت أركان الدولة الإسلامية . و تبلغ السلفية أقصى درجات قوتها الإقناعية في المحاججة بصحة خياراتها و صوابية منطقها ، بالتمترس وراء عشرات النصوص المقدسة - من الكتاب و السنة - المؤسِّسة للعنف ، في التأصيل له دينيا ، نازعةً عن تلك النصوص صفتها التاريخانية و ظرفيتها الزمكانية ، بحجة صلاحيتها لكل زمان و مكان . و ذلك هو ما يفسر الظهور القوي لتنظيم الدولة الإسلامية ، و سرعة تمدده ، و انتشاره الواسع ، و المَدد المتجدد له من المقاتلين الأشداء الانغماسيين و الانتحاريين . و هو ما يفسر تلك المشاهد الصادمة ، من صور الممارسات العنفية التي سجلتها عدسات التصوير ، لأعضاء التنظيم (السلفي) الإرهابي ؛ في ضرب الرقاب ، و حز الرؤوس ، و سبي النساء ، و اغتصاب الأطفال الإناث ، و فرض عقائدهم الإيمانية على الإيزيديين و المسيحيين في العراق .. بضميرٍ مرتاح ! اقتداءً بسيرة (السلف الصالح) . و ذلك - أيضا - هو ما يفسر الرعب الشديد ، الذي ينتاب أغلب المؤمنين العاديين ، لا فرق يُذكر بين الأمي منهم و حامل درجة الدكتوراه ، عندما يتم إخضاع النص التراثي للعقل النقدي ، فليس من الوارد لديهم إعادة النظر فيما استقر عليه التراث من جمود و خرافية ، أو إجراء قراءة عقلانية في النص المقدس ، بل قبول محض و تسليم مطلق ، خوفا من خسارة التراث السلفي في مواجهة العقل العلميّ ، فالعلم بمنطقه الجدلي المتجاوِز ، ينفي ما يُدّعَى للنص من احتواء الحقيقة النهائية المطلقة و الانتفاء عن النقد و المفارَقة للتاريخ .
ويقوم الفكر السلفي عموما على أولية النص ، الثابت في ظاهره المفهومي ، الجامد في ماضويته الزمكانية ، ومن ثم سحبه على الحاضر وفرضه على المستقبل ، اقتداء بمن يطلق عليهم السلف الصالح (الذي تثبت وقائع التاريخ أنه لم يكن صالحا أبدا) ، ثم تيمنا بسيرة التابعين ، الذين كانوا في أغلبهم من (الموالي) ، والذين كانوا يُظهرون التمسك الشديد بما انتهى إلى علمهم ، مما أجمع عليه السابقون من (الصحابة العرب) ، حتى يكتسبوا لأنفسهم الأهمية والاعتبار ، في إطار الدولة الشمولية القائمة على الإمامة (السلطة الدينية) القرشية ، فكانوا بذلك - كما لا زال أحفادهم - ملكيين أكثر من الملك . وبانتهاء عهد التابعين - مع انتهاء الربع الأول من القرن الثاني الهجري - كانت السلفية قد استقرت على الإتِّباع والأخذ بالمأثور عن السلف ، ونبذ استقلالية التفكير و الاحتكام إلى العقل ، خاصة مع تقاطع المصالح بين رجل الدين (الفقيه ، المفتي) ، و رجل السياسة (الحاكم ، وليّ الأمر) ، تحت غطاء الدين ، بما تقدمه السلفية من تبرير غيبي للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية الظالمة ، في علاقات (التمايز الطبقي) ، و الأوضاع السياسية الاستبدادية ، في ثنائية (المتسلط / المقهور) .
و يحرص المستبد المتسلط - وليّ الأمر، ذو الحظوة - المهيمن على السلطة و الثروة ، على تشجيع الانكفاء إلى ملاذ السلفية ، نظرا لما ترسخه السلفية في عقول العوام ، من نمط تفكير غيبي ، يلغي الشعور بالغبن ، و يحُول دون مقاومة الجور ، بل و يجعل من الإنسان المستلب دينيّاً .. عدوا لدودا لنفسه ، يتبنى دونيته إزاء تفوق المتسلط ، في سياق منظومة الأيديولوجيا السلفية ، التي تشرعن امتيازات المتسلط (الحاكم ، الغني) ، و تؤكد حقه فيما ناله - دون سائر الآخرين - من الجاه و النفوذ و المال ، بإرجاع الأمر كله إلى مشيئة الله ، و ليس إلى سياسات الاستبداد و الفساد ؛ حيث يقوم الفكر السلفي بمهمة التأسيس لطاعة وليّ الأمر ، برّاً كان أم فاجراً ! فالانقسام الطبقي إلى مترفين و جياع ، هو بالمنظور السلفي تدبير إلهي بتقسيم الأرزاق بين الناس ، و ليس خللا اجتماعيا ناجما عن قوانين السوق ، التي أطلقها نظام الحكم ، بلا ضوابط . و الخروج عن طاعة وليّ الأمر ، هو خروج عن طاعة الله ، كما وثقته شبكة البيّنة السلفية في هذا الرابط : http://bayenahsalaf.com/vb/showthread.php?t=11090 ، من أدلة حرمة الخروج على الحاكم الظالم و الفاسق . و بالرغم من اللاعقلانية الفجة - جملة و تفصيلا - في هذا الطرح السلفي . و بالرغم مما يحمله من طبيعة تاريخية (اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية) لا تليق بكرامة الإنسان في القرن الواحد و العشرين ؛ فإنه ليس أيسر على الفقيه و الحاكم من إقناع المؤمنين بتبنيه عقائديا ، ليتحولوا من ثم إلى كتلة من التعصب الأعمى ، مستعدة للفتك بكل من يتعرض لهذا الزيف بالانتقاد .
ويعتبر الإمام مالك أهم من أسس للسلفية بكتابه الموطأ ، فقد كان هذا الفقيه يتخذ مجلسه بالمسجد النبوي في المدينة ، ليفتي في أمور الدين بما يرسخ سلطة الاستبداد الأموي ، بمرجعية مئات الأحاديث الموضوعة (كحديث السفرجلات في فضل معاوية) ، و قد ذاع صيت مالك في المدينة ، رغم وجود من هم أعلم و أفقه منه ، كأستاذه ربيعة الرأي ، ذلك أن خلفاء بني أمية ، قدّموا مالكا و أغدقوا عليه الأموال ، نظرا لِما وجدوا فيه من مرونة و قابلية للاستخدام ، فكان لهم منه ما أرادوه من توظيف الدين في السياسة ، بما يوافق هوى الحاكم المستبد ، و يوطئ له رقاب الرعية على طاعة وليّ الأمر " اسمع و أطع و إن أخذ مالك و ضرب ظهرك " ، و يشرعن سلاح التكفير ، لتصفية الخصوم السياسيين ، و تبرير غزو أوطان الآخرين (الكفار) و سفك دمائهم (جهاد) ، و هتك أعراضهم (سبي النساء) ، و نهب أرزاقهم و أموالهم و أملاكهم (غنائم و جزية و خراج) ، و ترسيخ أركان سلطة الخلافة الأموية .. باسم الدين ! . و قد أحاط مالك نفسه بهالة من الطقوسية ، لإلقاء الرهبة في روع الناس ، و أشاع عن نفسه أن أمه حملت به ثلاث - و قيل أربع - سنوات ، فكُلّما جاءها المخاض ، كان يرفض النزول ، حتى جاءه الملائكة ، و أمروه بالنزول إلى الدنيا ، كي يُفقِّه الناس في أمور دينهم ! (7) ، حتى إن مالكا تجاوز الإفتاء للأحياء ، إلى إفتاء الأموات من علماء المسلمين ، الذين يأتونه في المنام طلبا للعلم ! .
و في مجتمع المدينة ، المتمايز اجتماعيا إلى سادة و موالٍ و عبيد ، و الغارق في الانحلال بما غمره من سيل الجواري سبايا حروب الفتح ؛ ظل (الإمام) مالك يفتي انتقائيا في الدين ، فيؤصل في الفقه للاتباعية و النقل ، و يؤصل في التشريع لتطويع عامة الناس و صياغة ضمائرهم على الرضا بدونية أوضاعهم ، و يوطد أمر الحكم لبني أمية ، قائلا بلزوم طاعة ولاة الأمر الأمويين ، إلى أن زالت دولتهم . و بزوال الخلافة الأموية ، نقل مالك ولاءه للعلويين ، فبايع النفس الزكية على السمع و الطاعة ، غير أن العباسيين سرعان ما قضوا على ثورة محمد النفس الزكية ، و بسطوا سيطرتهم على الحجاز . و كأسلافهم الأمويين ، أدرك الخلفاء العباسيون ، منذ البدء ، أهمية اصطناع الفقهاء - فضلا عن أهمية إعمال السيف في الرقاب - لإخضاع (الرعية) ، و تأميم الضمير الجمعي لجمهور المسلمين ، و توجيه الرأي العام (إجماع الأمة) لتبني قيم التخلف و الرضوخ و الخنوع ، كالصبر على ظلم السلطان و جوره ، و حرمة الخروج على ولي الأمر ، و القناعة و الرضا بالقسمة و النصيب ، و تجنب الجدال في الدين ، حتى يستتب الأمر للحكام (الفاسقين الفجرة) . و تشاء الظروف أن تخدم مالكا ، فلا يقبل الإمام أبو حنيفة أن يمالئ أبا جعفر المنصور - ثاني خلفاء بني العباس - أو أن يعمل له ، فيكون مصيره السجن و الاغتيال بالسم ، و يكون من الطبيعي أن تتجه أنظار الخلافة العباسية إلى (الإمام) مالك .
فعندما أتى أبو جعفر المنصور الحجاز ، قادما من مقر الخلافة في بغداد ، تأكيدا لبسط السيادة العباسية على كل أطراف الإمبراطورية الإسلامية ، ظن الإمام مالك أنه هالك لا محالة ، جرّاء ما كان يفتي به لتعزيز سلطة الأمويين ؛ غير أن أبا جعفر كان من الدهاء بحيث استقبل مالكا بالترحاب ، وأجلسه - في روايةٍ - على ركبته اليمنى ، في إشارة إلى شموله بالرضا و الرعاية (أو كما روى أبوقتيبة ، نقلا عن مالك نفسه : " فلما دنوتُ منه رحّب بي وقرّب ، ثمّ قال : ها هنا إليّ ، فأوميتُ للجلوس ، فقال : ها هنا ، فلم يزل يُدنيني حتّى أجلسني إليه ، ولصقتْ ركبتي بركبتَيْه " ..) ، وطلب منه الاستمرار على طريقته في الإفتاء ، لكن لصالح السلطة العباسية الجديدة ، وتوجه إلى مالك بقوله : نريد منك أن تكتب لنا كتابا ، نوطئ الناس عليه بالسيف . و في صيغة أخرى من الرواية : يُحملون عليه ، و نضرب عليه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طي ظهورهم بالسياط . و في صيغة ثالثة : والله لئن بقيتُ ، لأكتُبنّ قولك كما تُكتب المصاحف ، و لأبعثنّ به إلى الآفاق ، فلأحمِلهنّم عليه .. إلخ ما تورده كتب التراث عن لقاء مالك بالمنصور ، و سبب تأليف و تسمية كتاب الموطأ . وهكذا كان كتاب (الموطأ) ، بمختلف نسخه ، المدونة عن إملاء مالك . وهو كتاب يجمع بين رواية الحديث و الفقه ، اعتمد الأخذ بالنص القرآني في دلالته الجامدة و الأحاديث المتضاربة المنسوبة للنبي ، مع استبعاد العقل و القياس و التأويل . و لعل الصواب لا يجانب المرء ، عندما يطابق بين كتاب (الأمير) في الفقه السياسي ، الذي أعده ميكيافيلي لاسترضاء لورينزو الثاني من آل مديتشي ، و كتاب الموطأ الذي أعده مالك لاسترضاء أبي جعفر المنصور من بني العباس ؛ فيما يتصل بالحكم والعلاقة بين الحاكم والرعية ، وتلك هي إحدى أهم مرتكزات الفكر السلفي الإسلامي : شرعنة الاستبداد السلطوي .
و كنتيجة لمناهج التعليم الرسمي (التلقينية) ، و التكييف الاجتماعي التقليدي ، والصياغة السلفية للعقول و الضمائر ؛ لا زال الإمام مالك قابعا في اللاوعي الجمعي لملايين المسلمين (بالوراثة) ، ذلك أنّ الأغلبية .. حتى و إن لم يكونوا متدينين ، هم في تكوينهم المعرفي ، و في أعماق نفوسهم ، و في ذاكرتهم التاريخية ، مسكونون بالتعصب للموروث الثقافي السلفي ، الذي نشئوا و تربوا عليه ، فما أن يواجه أحدهم فكرا مغايرا لنمط أحاديته الثقافية ، حتى تستيقظ الخلية الإرهابية النائمة فيه ، و يتحول إلى كتلة من العنف الحاقد ، الذي يضغط عليه من الداخل ، فيندفع لتفريغه على الخارج ، في أشكال شتى من الإرهاب الفكري ، و لا يلزمه سوى أن يحمل السيف و يهوي به على الآخر ليزيحه من أمامه ، مستعينا بالتكبير و الدعاء بأن ينصره الله على الكافرين و يورثه نساءهم و أموالهم . و ذلك هو جانب من الحقيقة المرعبة للسلفية ، بشقيها : الدعوي (الإرهاب الكامن) ، و الجهادي (الإرهاب النشط) .
وكما نظّر (الإمام) مالك في موطاه للاتباعية و الجمود العقائدي ، وكما فعل مثله أحمد بن حنبل في المسند ، و الشافعي في الأم ؛ فقد تبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ، الذي يعتبر المرجع الرئيس للسلفية و التكفيريين ، في التمسك بالنص الجامد .. نقلا عن السلف ، و رفض إعمال العقل في فهم النص أو التعاطي عقلانيا مع التراث ، بما يتوافق مع معطيات الواقع المتجدد . وهكذا نجد أن السلفية في منطلقاتها العقيدية ، تفصل بين الفكر والواقع ، ونجد السلفي يرى الكمال المطلق في الماضي ، ولا يرى في الانعتاق من قيود الجمود العقائدي والخروج عن مقولات السلف ، سوى انحراف أو زندقة أو إلحاد أو شعوبية ، فالفكر السلفي قد استقر على رؤية أن الوجود الإسلامي الحقيقي ، هو فيما أجمعت عليه (الأمة) ، وأن خلاص الفرد لا يتحقق إلا بالذوبان في الجماعة - بما هي رعية - التي لا تجمع على باطل ، والباطل هو حرية التفكير و الاجتهاد بالرأي والاختلاف عما استقر عليه السلف ، والباطل عندهم هو التجديد ؛ فكل جديد - بنظر السلفية - هو بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ..
----------------
الإحالات :
1) إريك فروم : الإنسان المستلب وآفاق الحرية . ترجمة حميد لشهب
2) ريتشارد شاخت : الاغتراب . ترجمة كامل يوسف حسين
3) هربرت ماركوز : الإنسان ذو البعد الواحد . ترجمة جورج طرابيشي
4) مصطفى حجازي : التخلف الاجتماعي / مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور
5) Eric Hoffer : The True Believer المؤمن الحقيقي : إيرِك هوفّر (توجد له ترجمة عربية أنجزها غازي القصيبي ، بعنوان : المؤمن الصادق)
6) الإمام أبو حامد الغزالي : مختصر إحياء علوم الدين
7) وفيات الأعيان جـ 4 : ابن خلكان / حلية الأولياء جـ 6 : الأصبهاني / إبن قتيبة : الإمامة و السياسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت