الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد والنقد الذاتي : لماذا ترفضهما نخبنا ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا يرفض البعض النقد ، ولماذا يرفض البعض الآخر النقد الذاتي ؟
هناك فرق بين النقد وبين النقد الذاتي . النقد هو ملاحظات التقويم التي يبديها البعض إزاء البعض الآخر . وهذا البعض مع البعض الآخر ، قد يكونان في نفس التنظيم ، او قد تجمعهما تجربة خاصة خارجة عن التنظيم ، لكن تجربة تدخل في الشأن العام ، بكل تصوراته ، وتجلياته المختلفة . كما قد يأتي النقد من شخص لشخص ، لمجرد سقوط الثاني في مثبطات ، وفي أخطاء سببت مشاكل ، ويرى الشخص الأول ، انه ما كان للشخص الثاني ان يسقط فيها لو اتبع بعض الإجراءات التي يعتبرها الشخص الأول مهمة وأساسية .
فالنقد من شخص لشخص ، او من شخص لتنظيم ، او من تنظيم لتنظيم ، هدفه الإصلاح ، وتقويم الاعوجاج ، لتدارك الأخطاء ، وتفادي السقطة التي تنتهي بالفشل ، ان لم يكن الإفلاس .
وإذا كان بعض الناس يقومون بالنقد ، ويرفضون القيام بالنقد الذاتي ، فان نقدهم هنا لا يعدو ان يكون غير استفزاز ، او تنقيص من الشخص موضوع النقد ، لأنه من غير المستساغ النظر الى سنم الناس ، وإغفال او تجاهل سنم صاحب النقد .
هنا فان الحالة المترتبة عن ممارسة النقد ، تتحدد بطبيعة رد فعل الطرف الموجه إليه النقد ، أي سواء كان شخصا او كان تنظيما .
فإذا كان الطرف الموجه إليه النقد يؤمن بالحق في الاختلاف ، وبوجهة النظر المغايرة ، وبتعدد الرأي والآراء والأحكام ، فانه سيعتبر النقد الموجه إليه يدخل في إطار التفاعل الثقافي ، او السياسي ، او الإيديولوجي الذي يغلي بالمجتمع ، ومن ثم سيشعر ان مكانته كشخص فاعل او كتنظيم ، هي ايجابية ، وان الطرف الآخر الذي صدر عنه النقد ، لو لم يكن يقدر ويحترم مكانته ، لتجاهله بالمرة ، لان كم حاجة قضيناها بتركها .
كما ان الدعوة الى التصحيح والتقويم ، إذا صدرت عن احد أطراف التنظيم ، فالغرض منها الإصلاح ، بهدف الحفاظ على وحدة التنظيم التي هي قوته ، وفي نفس الوقت ،هي رغبة مٌعبّرٌ عنها باللاشعور لتفادي القطيعة ، وفي سبيل الاستمرارية .
فالنقد البريء كسلاح ، تستخدمه الأشخاص الوازنة ، التي تتجنب السب ، والشتم ، والتنقيص ، والحط من الآخر لتدميره ، كما انه ينكب على الموضوع من إستراتيجية وتكتيك ، ويتفادى التشخيص والتّنْعيث . فهو المُجنِّبُ للغيّ ، والتمادي في الانتحارية المُؤْذية بالشخص او التنظيم موضوع النقد ، لذلك فهو دعوة الى التغيير الايجابي الفعّال ، وليس دعوة الى التغيير فقط من اجل التغيير ، تحت أملاءات الدولة او المتربصين ، لذلك فهو يؤمّن الاستمرارية ، والوحدة في الرأي والهدف والتكتيك ، للوصول الى الإستراتيجية العمل المشترك بين الجميع .
اما النقد الذاتي ، فهو سلوك مراجعاتي ، وتقييمي للحصيلة ، وللتجربة ، حيث يتم دراسة وتحليل الايجابيات والسلبيات ، والمقارنة بينهما لرسم خريطة طريق جديدة للشخص او للتنظيم . وغالبا نجد ان سلاح النقد الذاتي يصدر عن الشخص او التنظيم الذي تعرض لتعثر ، او هزة ، او سقطة ، او فشل في الوصول الى المشروع ، وخاصة إذا كانت الضريبة المدفوعة الثمن ، جد باهظة كالمنفى او السجن .
وإذا كان النقد يحصل غالبا أثناء الممارسة السياسية ، وفي خضم التفاعل بين المناضلين والمهتمين بالشأن العام ، والمشتغلين من اجل المشروع العام ، او عند التسبب في أخطاء ، او عند حصول انقسام عمودي او أفقي في التنظيم ، فان النقد الذاتي يأتي غالبا بعد اجتياز فترة قد تكون طويلة من الاشتغال ، وغالبا ما يأتي أثناء التواجد بالسجن او بالمنفى ، لأن الفاعل عند دخوله السجن ، او عند لجوئه الى المنفى هاربا من قمع البوليس ، يعيد رسم الخريطة والخطوات السابقة ، كما يعيد استرجاع المفاصل المحورية التي مر بها ، من التأسيس الى الاشتغال ، الى السجن ، او المغادرة خارج الوطن .
ان المراجعات ، و التقييم في مثل هذه المرحلة ، تكون من اجل تقييم التجربة ، والتقييم هنا ، وبسبب الظروف النفسية التي أصبحت تتحكم في المبادرات ، وإعادة صياغة المفاهيم السياسة والتنظيمية ، قد تنتهي بِخُلاصتين أساسيتين لا ثالث لهما :
--- الخلاصة الأولى ، هي اعتبار خط التنظيم صحيحا ، ولا يزال متماسكا ، وقويا ، وفاعلا ، ومتجاوبا من قبل الفئات المرتبطة به ، او من قبل الطبقات التي يمثلها ، وأن أخطاء تقنية هي سبب النكسة ، ومن ثم فالخط سليم ، وسيتعافى من نزلة البرد التي ألمّت به ، وأنها ذاهبة مثل سحابة الصيف . هنا فان التنظيم يحثّ على المواصلة ، وبإتباع نفس الطريق في الجمع بين التكتيك وبين الإستراتيجية .
--- الخلاصة الثانية ، هي الاعتراف ، والإقرار بأن الخط خاطئ ، وتسبب في إفلاس التجربة ، ومن ثم يجب تغييره ، إمّا بخط جديد ، او بإدخال الإصلاحات الضرورية والجذرية على الخط الأول الذي أضحى متجاوزا ، او القطع نهائيا مع اية ممارسة سياسية ، او نشاط سياسي ، وركون الفاعل الى الهامشية ، والاختفاء بين العوام ، لان شروط حلقات النضال أصبحت مفقودة ، كما قد ينتهي الآمر هنا بحل التنظيم ، تبرئا من المسؤولية ، عمّا قد يحصل مستقبلا في دولة تبني كل مؤسساتها على القمع الدّوْلَتي ، من تنظيمي وإيديولوجي ، اي الدولة البوليسية القامعة التي مصيرها ، طال الزمن او قصر ، الى النهاية الحتمية .
إذا عدنا للبحث في التجارب التي مرت ، سنجد ان النقد ، نقد شخص لشخص ، نقد فاعل لفاعل ، نقد شخص لتنظيم ، نقد تنظيم لتنظيم ، طغى على النقد الذاتي ، والسبب ان من السهولة توجيه النقد ، ومن الصعوبة القيام بالنقد الذاتي ، بسبب الأنانية المفرطة ، او بسبب التهرب من تحمل المسؤولية ، ورميها على الآخرين .
ان ممارسة النقد الذاتي ، تعني إقرار واعتراف الشخص ، بعدم صواب خطه او منهجه . كما تعني الاعتراف والإقرار بالفشل ، الأمر الذي يجعل من صاحبه موزع بين فرضيتين :
--- فرضية التراجع عن مواقف متقدمة ، الى مواقف رجعية او اشد رجعية . وقد يعني القطيعة النهائية مع الأطروحة الأولى ، والتّخلي نهائيا عن المشروع العام الذي وُظِّفتْ له الطاقات المهدورة ، لأنها لم تتقدم قيد أنملة بما يجب على مستوى الممارسة السياسية ،او الإيديولوجية ، او التنظيمية . ( منظمة 23 مارس ) ( حركة 3 مارس ) ( المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي في يناير 1975 ) .
--- وفرضية السخط التي قد تصل الى إدانة التجربة ، بذريعة التبرؤ نهائيا منها . وفي كلتا الحالتين او الفرضيتين ، تكون النتيجة تعميق الاختلاف بين رفاق الدرب الوحيد ، وقدماء المناضلين الذين سيتحولون الى أصنام بشرية متكلسة ، تزكي وتفعل فعلتها ، في أية قطيعة ، او انشقاق ،او انقسام الذي سيُحول رفاق الأمس الى أعداء اليوم .
وإذا كان النقد المسؤول يعبر عن الرقي السياسي ، والممارسة الحضارية ، والأخلاق السياسية ، فإن ممارسة النقد الذاتي تعبر عن أسمى درجات المسؤولية في أوجهها المٌتبصرة . كما أنها اكبر دليل ساطع على النضج الفكري الثقافي الذي بلغه صاحب النقد الذاتي .
وبالرجوع الى تاريخ الفعل السياسي ، المرتبط بالشأن العام ، سنجد ان الأحزاب الشيوعية ، والماركسية ، والثورية ، هي من ابتكرت سلاحي النقد والنقد الذاتي ، ثم لحقتها بعد ذلك تنظيمات الاستلام السياسي المختلفة ، وهو ما عرف في حينه بالمراجعات التي كانت تحدث داخل السجون . وهي مراجعات كانت تنتهي بالقطيعة مع التجربة الأولى ، والانخراط في تجربة ثانية ترسم خريطة طريقها السلطة التي حفّزت على مثل هذه المراجعات ، بدعوى الإدماج والقطع مع الغلو والتطرف ، كما أنها كانت تنتهي غالبا في الارتماء في أحضان السلطة التي كفّروها في زمن ولّى .
ألم ترفض منظمة الى الأمام ، ومن داخل السجن ، الإقرار بالفشل الذي اعترف به ابراهام السرفاتي ، رافعة شعار " لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو " ، وهذا كان موقفا رافضا للنقد الذي وجهه التيار الإصلاحي – التّحْريفي داخل التنظيم ابتداء من سنة 1979 ، ورفضا للنقد الذاتي الذي طالب بممارسته بعد مراجعات على مستوى الخط العام ، وعلى مستوى التكتيك ، خاصة الموقف من الشبيبة التعليمية التي اعتبرها " طليعة تكتيكية " .
واختصارا ، يعتبر النقد والنقد الذاتي ، سلاحا يعكس قمة الممارسة الحضارية والفكرية التي تهدف الى ترتيب المسؤولية ، والاستعداد لتحملها . فالشخص او التنظيم الذي يوجه نقدا لرفيق ، او لفاعل ، او لتنظيم آخر ، هدفه ليس الإذمام او التنقيص ، لأنه لو كان الأمر كذلك ، لما صدر النقد ، و لاكتفى المكتفون بالتجاهل . لكن هدفه الإصلاح ، والتقويم ، ومعالجة الأخطاء ، للحفاظ على استمرارية التجربة ، ومواصلتها الى الهدف الأسمى ، وإنجاحها لبلوغ الاستراتيجية .
والشخص الفاعل او التنظيم الذي يقوم بالنقد الذاتي ، يُدلّلُ على شعوره بتحمل المسؤولية في الوقت العصيب ، عن طريق اعترافه بمكامن الخطأ ، ومكامن الصواب ، ومن ثم فان الهدف من اية مراجعة ، يبقى إعادة البناء من جديد ، على أنقاض البناء القديم الذي قد يكون انهار وتآكل ، بسبب الظروف المختلفة ، من أحكام قمع ، اعتقالات ، اختطافات ، سجون ، محاكمات ، وصراعات بسبب مواقف .
وما دامت الغاية من النقد والنقد الذاتي ،هي التقويم ، والإصلاح ، وإعادة البناء لضمان الاستمرارية ، للوصول الى الهدف المنشود ، فالسؤال يصبح : لماذا تتهرب نخبنا ، وترفض سلاح النقد والنقد الذاتي ؟
لماذا تعتبر النقد المسؤول ، سبا ، وشتما ، وذمام ، وتنقيص ، ولماذا تعتبر النقد الذاتي مزعجا ، لانه اعتراف بالفشل ، واعتراف بالإخفاق الذي أصاب التجربة ، التي تبقى في جميع الأحوال مجرد تجربة ؟
ان هذه المفارقة العجيبة التي لا تزال تفعل فعلتها ، لاحظناها في التقييمات المختلفة ، مساندة مؤيدة ، ومعارضة ، للحراك الذي يجري اليوم بالريف ،وبعموم المغرب . بل وصل الاختلاف في التقييم ، الى التسبب في تحويل الاختلاف الى عداوة ، مع العلم ان أصل الصراع ، هو حول مشروع يحكمه الفكر ، وليس حول أشخاص تطغى عليهم الأنانية والذاتية ، وحول كيفية إدارته وليس ضده .
فبدون نقد مسؤول ، وبدون نقد ذاتي ، يستحيل انجاز الطفرة النوعية ، لبلوغ القفزة النوعية . وسيظل الجميع يدورون في حلقة مفرغة ستخنق الإسلامي ، كالشيوعي ، كالماركسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة