الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجر العيد

علي دريوسي

2017 / 6 / 24
الادب والفن


في زمن ما غابت عني ملامحه، في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، كنتُ الطفل الذي يبيع يانصيب الفرح للأطفال في الحدائق، جانب قوس النصر، كنتُ أجمع وألملم أشياء العيد من حاويات الزبالة أو أشتري بعضها أحياناً أخرى من دكاكين الضيعة لأبيع الحظ، تنوَّعَت بضاعتي ما بين الإبرة والخيط حتى غرفة النوم كما يقولون: قصص ميكي، سامر وأسامة، ألغاز بوليسية، طوابع بريد، حبات مربى النعناع، العُلُوك بأنواعها، البالونات الملونة، الزمامير الرخيصة، علب كبريت الفرس، القضامة، قطع الراحة، أزرار قمصان، أقلام رصاص، مماح، مَبَار، مَصَّاصَات، دبابيس، شكلات شعر للبنات، أساور، خواتم، نظارات وأمشاط، عصافير وبلابل، مقصات أظافر، ورق الكوتشينة، مسدسات صينية، نقيفات، صور نجوم الملاعب، أعلام الوطن العربي، أشكال طائرات، أُسُود ونُمور، جنود، قلاع ودبابات... أشكال ديناصورات وصور السيد الرئيس! جميعها مصنوعة من المواد البلاستيكية الملونة الرخيصة وطبعاً القادمة من الصين الشعبية.
أضع جميع ما حصلتُ عليه في علبة كرتون كبيرة، أعطي الأشياء أسماءً وأرقاماً، أكتبها على قصاصات الورق الأبيض وأطويها، بعض القصاصات تبقى بلا أرقام ولا أسماء، أمشي باتجاه النصر وقوسه، أدخل الحديقة علَى اسْتِحْيَاءٍ، الساعة هي الثامنة صباحاً، يبدأ وقت العمل، يرتفع صوتي بلهجة قروية مغايرة للهجات أطفال المدينة: يانصيب، يانصيب... السحبة بنص ليرة والخمسة بليرتين... يانصيب، يانصيب... قرب، جرب حظك... ألعب واربح يا حبّاب...

يندفع الأطفال صوب بائع الفرح، يخسرون نقودهم ليربح هو، تمتلئ جيبه بقطع النقود المعدنية وعيونهم الصغيرة بالندم، تقترب الساعة من الثانية عشرة ظهراً، يعود بعض الأطفال إلى بيوتهم لتناول الطعام وإحضار المزيد من النقود، تغص الحدائق في هذا الوقت بالمراهقين الزعران، ينظرون للبائع باستهجان، إنه غريب في تلك الحديقة، يقتربون منه وسجائر الشرق في أفواههم، يسحبون سكاكين الكبّاس من مؤخراتهم، يستشعر الخطر القادم، يضع رجليه في مؤخرته ويهرب بسرعة البرق إلى حديقة أخرى فيها عيد وبقايا من نقود.

هذا ما حكاه لي صديقي الذي علّمته مدرسة الحياة فن التجارة قبل أن يدخل كلية التجارة والاقتصاد ليصير لاحقاً أحد أهم تجار الجملة الشرفاء في المدينة!

*****

مقتطف من كتاب -اعتقال الفصول الأربعة- مجموعة قصصية، تجدونها في مكتبة مجد - اللاذقية - شارع إنطاكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد