الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذر … الفيروس ينخر في عظامك!

فاطمة ناعوت

2017 / 6 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مارس 1942، سرق أحدُ الفقراء من إحدى المكتبات كتابًا، لم يستطع شراءه. وحين قُبض عليه، سأله القاضي: “هل تعرف ثمنَ هذا الكتاب؟" أجاب اللصُّ الفقير: “لا، لكنني أعرفُ قيمتَه.” دعكَ من أن هذا اللصَّ الفقير هو أحدُ أكبر أدباء فرنسا واسمه "جان جينيه"، وأنه فعل فعلته حين كان فقيرًا مشرّدًا قبلما يشتهر، ودعك من أن الكتاب المسروق كان نسخة نادرة لأحد دواوين الشاعر الفرنسي "بول فرلين"، فكل ما سبق لا يعنيني في هذا المقال. ما يعنيني هو كلمته البليغة: “أعرفُ قيمتَه.”
والآن أسألُك عزيزي القارئ الكريم، هل تعرف "قيمة" أن تكون "إنسانًا"؟ فثمّة فارقٌ بين أن تكون من فصيل "البشر" وأن تكون من فصيل "الإنسان". جميعنا بشرٌ والقليلُ منّا إنسان. ومن الجيد أن نراجع "كود" بشريتنا، بين الحين والآخر، لنتأكد أن "كودنا" البشري يتفق مع "كود" “الإنسان" من حيث الحقّ والخير والجمال والعدل والتحضّر. انظرْ إلى مرآتك كل ليلة قبل أن تنام، وراجع سلوك يومك، حتى تطمئن أن إنسانيتك بخير وأنك خالٍ من فيروس الهمجية. فإن وجدت عطبًا في الكود، اجتهد في اليوم التالي أن تُصلحه، وإن اطمئننت على إنسانيتك، نم ملء جفونك، واستيقظ في غدك وأنت قابضٌ على سلامك وسلامتك، حريصًا على ألا يضربك الفيروس اللعين الذي يُخرجك من الكود الإنساني، ليرمي بك في خانة "الكائنات الحية" التي تأكل وتشرب وتتناسل وتموت، دون أن تجرب الارتقاء لمرتبة "الإنسان".
إن لم تُنجد بنتًا يتحرش بها سافلٌ، فلابد أن تقلق على كودك الإنساني وتُخضعه للمراجعة الفورية. إن لم تنزعج حين تشاهد قمامة في الطريق، فإنسانيتك في خطر وعليك مراجعة الكود الحضاري. إن لم تغضب إن شاهدت شخصًا يُهين امرأة أو طفلا أو يقطع شجرة أو يبصق في الشارع أو يمارس العنصرية ضد شخص آخر، فأنت مريضٌ وعليك مراجعة الكود الأخلاقي. إن كنتَ غير حريص على قراءة كتاب واحد على الأقل مرة كلّ شهر، فإن إنسانتيك في خطر بالغ. كذلك إن لم تحرص على زيارة المسرح أو الأوبرا مرة كل شهر. إن لم تصدّ شخصًا يعذّب حيوانًا لا حول له ولا قوة، وقلت "وأنا مالي"، فأنت لا تعرف قيمة أن تكون إنسانًا، وعليك مراجعة الكود الخاص بك حتى ترفعه للمعدّل المضبوط. إن لم تخجل وتحزن كلما مررت على كنيسة وشاهدت "جنديًّا" يحرسها، فاعلم أن فيروس الطائفية ينخر في عظامك وأنت لا تدري، وعليك مراجعة الكود الأخلاقي للإنسان المتحضّر. لأن ذاك الجندي، ليس مكانه جوار الكنيسة. مكانه الطبيعي على الجبهة ليحرسنا من الأعداء. أما وجوده على باب بيت من بيوت الله، فمعناه أن تلك الكنيسة "مُهدّدة" منك أو منّي أو من أي مخبول يفكّر في تفجيرها. على الأقل يجب أن تُذكّر نفسك كلما مررت بذاك الجندي أن وجوده هنا "عيبٌ" ولا يليق. اللائق أن تكون الكنيسةُ آمنةً في بلدك، فلا تحتاج إلى حراسة. وقتها فقط نعلن أننا أسوياء وأن كودنا الإنساني سليم. إن وجدت "خانة الديانة" على بطاقتك، ولم تشمئز من وجودها لأنك تعرف أنها موجودة للفرز الطائفي والتمييز الديني بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، فاعلم أن كودك الحضاري والوطني معطوبٌ ولم يصل إلى المستوى السليم. إن تجولت في أحد الشوارع فوجدت البنايات قبيحة الشكل ضاجّة بالألوان المتنافرة، ولم تنزعج عيناك، اعلم أن ذائقتك معطوبة وقم بمراجعة كودك الحضاري والجمالي. إن لم تنزعج من شخص يُحرّم الموسيقى ولا يحرّم إلقاءَ القمامة في الشوارع، وحتى لو انزعجت واكتفيت بانزعاجك ولم تتخذ ضده موقفًا فتُعلّمه أو تُجرّمه، فاعلم أنك على حافة أن تغدو مثله غدًا، وعليك مراجعة كودك العقلي والفكري والأخلاقي والجمالي. إن لم تنزعج إن شاهدت طفلة في الثالثة من عمرها تغطي شعرها بطرحة، مثلما تنزعج إن شاهدت طفلة حافية تقتات من القمامة، فاعلم أن كودك الأخلاقي والإنساني في خطر. لأن وجودك في مجتمع تثير شهواتِه طفلةٌ صغيرة، خطرٌ على سلامك الإنساني والأخلاقي. إن لم تندهش من كثرة وجود مساجد في كل شارع وحارة وزقاق في مقابل عدم وجود مكتبة واحدة أو مسرح أو حديقة، فاعلم أن فهمك لفكرة الدين مختلٌّ وعليك مراجعة كودك الديني والفكري والإنساني. حين لا ينفطر قلبك على موت إنسان لا تعرفه، غدرته يدٌ آثمةٌ باسم الدين، فاعلم أن فيروس الإرهاب يرعى داخلك وأنت لا تدري وعليك مراجعة كودك الأخلاقي والإنساني. حين لا يتحرر خيالك لتتصور حال أطفال هذا الشهيد المغدور لسبب طائفي، وهم يبكون ويسألون عن أبيهم أو أمهم أو أخيهم أو أختهم من الشهداء، ثم لا يتمزق قلبك وأنت تحسب السنوات القادمة كيف ستمرُّ على أمٍّ ثكلى قُتل ابنها أو ابنتها لأنهما مسيحيان في مجتمع إسلامي، أو طفل كُتب عليه اليتم طيلة عمره بسبب وحش يحمل قنبلة أو سيفًا في غفلة من رجال الأمن، وغفلة من الضمير الحيّ، فاعلم أن كودك الإنساني غير مطابق للمواصفات المقبولة. إذا مرّ عليك قتلُ إنسان، أيّ إنسان، مرور الكرام، وأكملت يومك عادي دون قلق، فاعلم أن فيروس الإرهاب يرعى داخلك بنشاط. إذا وجدت نفسك قد اعتادت على قراءة أخبار القتل الديني والفكري، فتقلب الصفحة باحثًا عن صفحة الرياضة أو صفحات الفن، فاعلم أنك متبلّد الحسّ وأن فيروس الإرهاب كامن داخلك يدمر ما تبقى فيك من إنسان. إذا لم تقاوم قتل البشر وظلمهم بكل ما تملك من قوى بالفعل والجهد والفكر والقول وإنعاش ضمير الناس من حولك لحثّهم على مقاومة البغضاء بكل ألوانها، فاعلم أن فيروس الوحشية يرعى داخلك، وأنك لا تستحق لقب: “إنسان".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah