الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعراء الحلة السيفية أيام الأمارة المزيدية وما بعدها للباحث د. عبد الرضا عوض

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 6 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شعراء الحلة السيفية أيام الأمارة المزيدية وما بعدها للباحث د. عبد الرضا عوض


إن دور المؤرخ للتاريخ المعاصر أدق وأخطر بكثير من دور المؤرخ للتاريخ الغابر, خصوصاً متى أدركنا أن كلاً من طرفي عنصر التاريخ المعاصر يرى الحقيقية من زاوية لا يرى منها الطرف الآخر, ومتى جاءت الحقيقية مجردة لخدمة التاريخ فإن أحكام الطرفين ستكون قاسية, وقاسية جداً, المهم أن الحقيقية لا تتجرأ والأهم ألا تنتقل الحقيقية إلى القارئ نتفاً من التناقضات, وقد عودنا المؤرخ عبد الرضا عوض بمصداقية نقل الحقيقية وموضوعيتها وتوثيقها في مؤلفاته من خلال التقصي عن مصداقية الخبر والمعلومة, مما اعتبره الأغلبية من الباحثين مصدر موثوق به وبمؤلفاته, يرجعه القاصي والداني في نقل المعلومة.
المؤرخ عوض في جميع مؤلفاته يواجه المهمات الشاقة لمتابعة المعلومة والخبر ومصدرهما حتى يضع تقريره بين دفتي كتبه, وهي محاولة لتخطي الجزئيات الآنية التي يتولى كل المؤرخين والباحثين إبرازها من زاوية معينة, ولكن التاريخ أخيراً يتحقق من مصداقيته الحكيم.
كتاب شعراء الحلة السيفية أيام الإمارة المزيدية وما بعدها, كتاب ريادي في توثيق تأريخ شعراء وأدباء الحلة السيفية المبتدئة سنة 397هـ حتى سنة 545هـ, وهو دراسة لشعراء الحلة السيفية ايام الإمارة المزيدية وما بعدها, لم يعتمد المؤرخ على منهاج من درس ذلك الموضوع بل وسع دائرة الاهتمام ليوصلها إلى العصر الحديث, فلقد درسَ نماذج أهملها الدارسون, وأشار إلى نماذج أشبعها غيره بحثاً ودرساً, فهو إذن قد اعتمد على وعيه وذائقته ومتابعاته الخاصة(1), فالحلة تلك المدينة التي احتضنت أيام تأسيسها شعراء العراق, وجلبت الحلة انتباه الكثير منهم, من شعر وشعراء الإمارة المزيدية كان منهم سبعة أمراء يجيدون قول الشعر, وقد خلدتهم أعمالهم الشعرية, فضلاً عن رئاستهم للإمارة, إضافة إلى توثيق من زار الحلة على عجالة مادحاً لأمراء الحلة المزيدية, كان من شعراء الحلة الأعلام في تلك الحقبة (الحيص بيص, حبشي السنبسي) وغيرهم. فكانت للحركة الأدبية والشعرية الدؤوبة حتى انحلال الإمارة, لكن الشعر كان له دور مهم ولم يتوقف, حيث احتضنت مدينة الحلة الحوزة العلمية زهاء ثلاثة قرون من الزمن من القرن السابع الهجري حتى القرن العاشر الهجري, فقد سلط المؤرخ عوض الضوء على بيوتات وأسر حلية قديمة كان لها الدور في مجال الشعر والأدب والثقافة, فقد ظهرت الصحيفة الأدبية في عهد متأخر وقد ظهر جيل جديد ومتجدد للحركة الأدبية في المدينة.
أشار المؤرخ عوض في كتابه إلى خزانات الكتب الحلية وأهميتها في توعية المواطنين, فضلاً عن الدور الكبير لمجالس الأدبية أبان نشوء الإمارة المزيدية وتمصيرها, ودور الخانات التي كانت تأوي المسافرين المارين بمدينة الحلة والتي كانت تعقد فيها الجلسات الأدبية وقراءة الشعر فيها, كما أشار المؤرخ إلى دور النساخون المهمشون في نشر الثقافة والأدب والعلوم الأخرى في المدينة ودقة أمانتهم وإخلاصهم للأدب, لكن كان للشيخ محمد علي اليعقوبي الدور الكبير في توثيق سيرة الشعراء والأدباء وتوثيق قصائدهم في كتابه البابليات.
الكتاب يعد مصدراً مهماً للمهتمين بتاريخ الحركة الأدبية في مدينة الحلة, وقد سلط المؤرخ الضوء على اغلب الأسماء الأدبية, ووثق سيرتهم الذاتية وأسرهم ونتاجاتهم الشعرية في كتابه هذا الذي ضمَّ زهاء (330) صفحة من الحجم الوزيري ذات الطباعة الراقية الجيدة الخالية من الأخطاء الطباعية والإملائية, وقد صدر الكتاب بثلاث طبعات بعد نفاذ اغلبها في الأسواق والمكتبات نتيجة طلبها من المهتمين بالأدب وتاريخ المدينة الثقافي.
اعتمد المؤرخ عوض في كتابه على بطون الكتب لمؤرخين عايشوا وعاصروا تلك الحقبة أو قريبين منها كمصدر لمؤلفه هذا, كان من تلك المصادر ابن الجوزي والعماد الأصفهاني وابن الأثير ومحمد شاكر الكتبي وغيرهم, فقد تضمن الكتاب أربعة فصول ومدخلاً يوثيق تاريخ مدينة الحلة السيفية وما مرَّ عليها من إهمال سلطة الاحتلال من قبل الدولة العباسية والبويهية والسلاجقة, يقول المؤرخ عوض في صفحة 7 من كتابه (وبرغم ما كتب عن مدينة الحلة لم أعثر على كتاب تخصّص بدراسة شعراء الإمارة المزيدية, وما قال غيرهم بحقها), مع العلم أن المدينة احتضنت العلم والعلماء والشعر والشعراء واعتبرت الركيزة للتطور العلمي والإداري والفقهي في حقبة الإمارة المزيدية حتى بعد إسقاط الإمارة المزيدية سنة 545هـ من قبل الدولة العباسية, حيث بقيت الأسر لها مكانتها في النشاط العلمي والأدبي, وقد تطورت الحركة الأدبية والعلمية في الحلة الفيحاء من خلال اهتمام أسرَّها أمثال (آل السيوري, آل فهد, آل عوض, آل الشيخ ورام, وبني عزيزة) وغيرهم من الأسر الحلية, وهي أسر علمية حلية مسالمة حفظت هيبة المدينة من همجية هولاكو وحافظت على مجد العرب في تطور الأدب من السفاح عاكف, فكانت المدينة تمتاز بعروبتها التي صهرت ببودقتها العناصر الأجنبية من (تركية, فارسية, هندية).
يبقى الشعر هو الأقوى على مرّ لعصور, وهو الوثيقة المهمة التي توضح واقع المجتمع الحلي, فمهما كانت الحالة السياسية والاقتصادية غير مستقرة لكن الشعر والشعراء ينقلون لنا انطباعاً آخر عن واقع الحياة على مرّ الزمان, وقد أشار المؤرخ عوض في صفحة 56 من كتابه حول الإمارة المزيدية والشعر قال (من مزايا الأمراء لمزيديون تذوقهم الشعر وسماعهم الشعراء, لذا فقد قصدهم كثير من أرباب الأدب والشعر, مادحين إياهم, ممجدين بسلالتهم, ذاكرين مناقبهم الحميدة, إضافة إلى هذا فإن الأمراء أنفسهم قالو الشعر), وقد اشتهر شعراء تلك الحقبة بوصف الحروب التي شارك بها أمراء الحلة المزيدية ضد الدولة العباسية, وهي قصائد لا تخلوا من مدح وثناء ومحاسن وتحريض على القتال, ونخوة وإنهاض العزائم, فعوامل الاضطرار والمصلحين هي التي تتحكم فيها تيارات المجتمع المختلفة بضمنها مراكز القوة والتسلط, فيأتي المدح سلماً طلباً للعطايا.
تعقيباً على ما ذكرنا سابقاً أشار المؤرخ عوض يقول في صفحة 57 (بهذا فقد حاولت أن أترجم للشعراء المزيديين من أوثق المصادر, وأثبت للمترجم لهم صورة قد تكون غائبة عن ذهن القارئ الكريم ليقف على أرث حضارة مدينتنا الحلة الفيحاء), مع العلم أن هؤلاء الشعراء ليسوا على نمط واحد ولا في منزلة واحدة, لكن للشيخ اليعقوبي الدور الكبير في توثيق معجم شعراء الحلة, وبجهوده أنقذ مسيرة التاريخ الأدبي للمدينة, ففي الجزء الثاني من الكتاب قسم المؤرخ عوض شعراء حقبة الإمارة المزيدية على أربعة أقسام (الأمراء, أهل النيل والحلة, أصحاب المهن, المادحون), فقد ترجم المؤرخ عوض لـ(56) شاعراً للفترة ما بين (405هـ/ 532هـ), فكانت تراجم لشعراء الإمارة أيام تكوينها, وقد جاء المؤرخ على ذكرهم حسب قدم سنيّ وفاتهم, فكان سبعة أمراء من الذين نظموا الشعر, واثنان وعشرون شاعراً من أبناء الإمارة بضمنهم اثنان من الشعراء الأكراد الجاوانيين وسبعة شعراء حضروا الحلة لمهمةٍ ما , وقد اطلع عليهم المؤرخ, ومن أصحاب المهن, ذكر المؤرخ ثلاثة عشر شاعراً حضروا الإمارة لغرض المدح والتنعم بعطايا الأمراء وتخللهم ذكر لإبراهيم الغزي الذي هجا الإمارة وصاحبها الأمير صدقة عند مغادرته الحلة, وعندما قتل صدقة سنة 501هـ فرح الغزي فرحاً شديداً ونظم قصيدة يهنئ به غياث الدين السلطان محمد بالنصر.
لكن الإمارة كانت قوتها الأدبية بزعامة آل مزيد حتى سقوطها عام 558هـ بعد أن أعلن الخليفة المستنجد بلله العباسي عن تهجير كافة المزيديين من أرض الحلة إلى البطائح جنوب العراق, لكنها بقيت الحلة تحتفظ بهيبتها العلمية والأدبية حيث رفدت بيوتاتها وأسرها القديمة الحركة الأدبية.
بعد انتهاء سلطة الأمراء المزيديين الحربية والسياسية في مدينة الحلة, لكن الحركة العلمية والأدبية بقيت مستعرة في أزقتها ودواوينها ولواوين المدينة غير المبالية باتجاه السلطة, وغير مكترثة بالهزات الاقتصادية, وقد ذكر السيد محمد صادق بحر العلوم دور آل مزيد الأسديين واهتمامهم بالتاريخ والأدب والفقه, حين قال (وتخرج من الحلة جماعة من الأعلام طبق صيتهم البلاد الإسلامية أمثال بني طاووس وبني نما وبني معيّة وبني سعيد وبني المطهر وبني عزيزة وآل إدريس وآل ورام وآل فهد وآل السيوري وآل عوض وإضرابهم من البيوتات العلمية وذلك حتى القرن العاشر الهجري)(2). كما وصف الدكتور مصطفى جواد حالة الحلة الأدبية وأهميتها وديمومتها للغة العربية والشعر في كتابه (في التراث العربي) الجزء الثاني صفحة 287, وقد أهتم الحليون بالعلم والأدب وثبت اغلبهم في سجل الخالدين, ففي صفحة 152 ذكر المؤرخ عوض حول الأسر العلمية الحلية القديمة التي اختفى ذكر غالبيتها أما بالهجرة إلى مدن أخرى أو تغيير لقب أفراد الأسرة, وقد وثق المؤرخ عوض في كتابه صفحة 153 وما تلاها أبناء هذه الأسر وأعلامها وسيرتهم ومنها (آل إدريس العجلي, آل الأعرجي, آل بطريق الأسدي, آل سرايا الطائي الحلي, آل سعيد الهذلي, آل السوراوي, آل طاووس, آل العلقمي, آل الخيمعي, آل العميدي, آل عوض, آل المطهر الحلي, آل معيّة, آل النحوي, آل النما, آل وشاع الأسدي, آل ورام الجاواني).
لقد ظهر شعراء وأدباء بعد سقوط الإمارة المزيدية وانتهاء سلطتها السياسية نتيجة ترسخ الحس الأدبي في نفوس أبناء مدينة الحلة برغم النكبات والأزمات الاقتصادية والسياسية, وقد أرخ المؤرخ عوض سيرة حياة هؤلاء الرواد منذُ عام 603هـ ولغاية 625هـ, وقد تجاوزت أعدادهم (25) شاعر وأديب, أما في الفصل الرابع من الكتاب فقد ذكر المؤرخ الأسر العلمية الحلية وأبناؤها المعاصرون وشعراؤها الخالدون والمعاصرون منهم (آل الشيخ ارزوقي, آل الجباوي, آل خصباك, آل خميس السلامي, آل سماكة, آل شعابث الحلي, آل شهاب (حيدر الحلي), آل الشهيب, آل الطريحي الأسدي, آل العذاري, آل علوش, آل عزام, آل عجام, آل العجان, آل الفلوجي, آل القزويني, آل القيم, آل كمال الدين, آل الكواز, آل المطيري, آل الملا, آل نوح, آل النجار الموسوي, آل اليعقوبي).
وفي الفصل الخامس من الكتاب وثق المؤرخ خزانات الكتب العلمية الأهلية والمجالس الأدبية التي كانت موزعة على البيوتات الحلية والتي تجاوزت (12) خزانة لأشهر عوائل الحلة المعروفة باهتمامها بالكتاب والمخطوطات والوثائق, يذكر المؤرخ عوض أنه قد كان الحصول على الكتاب في الزمن الغابر في غاية الصعوبة وقد كانت المطبوعات تصل المدينة مطبوعة على الحجر من الدول المجاورة, وكان للنساخ الدور الكبير في نسخ الكتب من أصحاب الخط الحسن.
الكتاب يُعَدّ من الكتب المهمة التي وثقت تاريخ الحركة الأدبية في مدينة الحلة وتاريخ أدباء وشعراء الحلة السيفية أيام تمصيرها وما بعداها, فكان الكتاب وليد جهد بذلهُ المؤرخ عبد الرضا عوض, بعد إصداره تجدد الأمل لدى أدباء ومثقفو الحلة بعد أن واجه المؤلف الصعوبات واليأس في جمع المصادر والوثائق لتوثيق تلك الحقبة التاريخية من تاريخ المدينة الفكري والأدبي, ثمَّ أطل علينا ببارقة الأمل, لكنهُ امتزج جهدهُ وعرق جبينهُ بالورق والحبر, فصيغت حروفه ملاحم من الكبرياء, وعزّة النفس, أسهم فيها في رفد المكتبة العربية والعراقية بسفره الجميل هذا, فكان الكتاب ثمرة جهده الرائع.

المصادر
1- جبار الكواز. عبد الرضا عوض باحثاً ومؤرخاً. ص17/18.
2- محمد صادق بحر العلوم. فقهاء الفيحاء وتطور الحركة الفكرية في الحلة, مطبعة المعارف, بغداد, 1962. ص6.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة