الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصري اليوم … طيارة ورق

فاطمة ناعوت

2017 / 6 / 25
الادب والفن


كنتُ أجلس مع صغيري مازن وهو يقرأ أحد مقالاتي المنشورة في عمودي الأسبوعي بجريدة "الوقت" البحرينية. عنوان المقال كان: “القطار … والطيارة الورق". المقالُ يحمل وجه نظر فلسفية تقارن بين القطار والطيارة الورقية. القطارُ يسير على قضيبين محددين مرسومين له سلفًا، لا يحق له الخروج عنهما. لو أراد القطار أن يُبدع و"يفكر خارج الصندوق"، فخرج عن حدود القضيبين الحديديين، سوف تحدث كارثة وتضيع أرواح، ويمتلئ الفضاءُ برائحة الدم. هذا هو "قانون القطار" الجامد المتحجّر. أما الطيارة الورقية، فلها قانون مختلف. قانونها هو الحرية والانطلاق والألوان المنثورة في فضاء الكون. ليس للطيارة الورقية مسارٌ مرسومٌ سلفًا، لابد لها أن تسير عليه. إنما هي قصاصاتُ ورق ملون وعصواتٌ نحيلة مشبوك في طرفها خيطٌ نهايته معقودة في كفّ طفلة صغيرة تلهو وتركض في الحدائق أو على رمال الشاطئ، فتحلّق الطيارة فوق الزهور أو على رؤوس الأمواج، تطير وتتلوى وترقص ما شاء لها الرقصُ والتحليق. قانونُ الطيارة الورقية "دائما" خارج الصندوق. إبداعُها مرهون بتحرّرها من قيود القضبان الحديد. لكنها في نهاية الأمر تحترم قانون الطفلة التي تمسك بقوادها. حريتها غير مطلقة، لأن الحرية المطلقة عبثٌ وعدمية وضياع.
سألت مازن: “أيهما تُفضّل، القطار ... أم الطيارة الورق؟ تحب تبقى قطر واللا طيارة ورق؟" قال لي: “المقال جميل قوي يا ماما. بس يا خسارة مش منشور في مصر! ليه مش بتكتبي الأفكار الجميلة دي في مصر للمصريين؟" أجبته في حسرة: “الصحف المصرية يا مازن يمكن عاوزانا نكتب على قضيبين!” لم أكمل جملتي حتى وجدتُ هاتفي يرن. فوجئت بالمتحدث يقول: “أنا مجدي الجلاد، رئيس تحرير المصري اليوم، عاوزينك تكتبي معانا، ممكن؟ نوعية المقالات المجنونة اللي بتكتبيها في "الوقت" البحرينية ناقصانا في الجريدة بتاعتنا.” كان ذلك عام 2007. ومن يومها وحتى اليوم، أكتب عمودي الأسبوعي يوم الأثنين من كل أسبوع، لم ينقطع يومًا عن هذه الجريدة الجميلة: "المصري اليوم"، التي نحتفل بعيد ميلادها اليوم.
أشهدُ أن "المصري اليوم" كانت دائما هي "الطيارة الورقية" التي تحلّق طوال الوقت بعيدًا عن القضبان الجامدة، ولكن، في حرية محسوبة. لم تجامل السلطانَ، في أي عهد، كما فعلت وتفعل بعض الجرائد، ولم تجرح في نقدها، كما فعلت وتفعل جرائدُ أخرى. تنتقد الخطأ في رقيّ وتحضر وسموّ ودون شخصنة، منذ رئيس تحريرها الأول "أنور الهواري"، وحتى رئيس تحريرها الحالي "محمد سيد صالح". تكتب أحلام المصريين "المؤجلة" في خانة: "خبر غير صحيح"، انتظارًا لأن يغدو صحيحًا يومًا ما. لهذا يعتزّ ويفخر كلُّ من يكتب أو كتب فيها، بأن له مدادًا بتلك الصحيفة النبيلة، كما أعتزُّ وأفخر. وأشهدُ أن حرفًا واحدًا لم يُحذف من مقالاتي طوال العشر سنوات منذ بدأتُ الكتابة بها. كما أشهدُ أن تلك المؤسسة المحترمة قد ساندتني في محنتي حين قوضيتَ بتهمة ازدراء الأديان، فلم يتوقف مقالي بها طوال فترة غربتي بالإمارات عام 2016، وأشهد أن الأستاذ صلاح دياب قد دعمني معنويًّا وكان دائم السؤال عني بالهاتف. وأشهدُ أنني أحب هذه الصحيفة وأعتزّ بأنني أحدُ أقلامها. اليومَ، كُبر "مازن نبيل" ابني، وصار مهندسًا معماريًّا موهوبًا، ومعيدًا بالكلية، واختار أن يكون "طيارة ورق"، مثلي ومثل "المصري اليوم". كل سنة وأنتِ "طيارة ورق" حرّة أيتها النبيلة: “المصري اليوم".
فاطمة ناعوت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .