الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل مستقبل أفضل يقطع مع التّبعيّة ويسير نحو المجد

الأستاذ الأسعد بنرحومة

2017 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تمرّ البلاد التونسية منذ فترة ليست بالقصيرة بعدّة أزمات متتالية , وفي مقدّمتها الأزمة السياسية . بل انّ كامل المنطقة , وتونس جزء منها أصبحت على مفترق طرق خطير قد يؤدّي الى مزيد من الانحدار السريع نحو تغييرات جوهريّة على مستوى وحدتها ووحدة كيانها الجغرافي وعلى مستوى تفكيرها ومعتقداتها وخاصة مع خطورة التواطئ الداخلي والتآمر الخارجي الذي يتمّ تحت اسم " الربيع العربي " , ولكنّه ليس الّا تنفيذا لأكبر مؤامرة ضدّ الأمّة منذ عقود والتّي باتت تعرف ب " مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكية في بلادنا .
تتعرّض بلادنا وسائر بلاد المسلمين لعدّة هزّات عنيفة في ظلّ خديعة الربيع العربي تهدّدها بمزيد من التقسيم والتشظّي والفتن والحروب ,وكلّ أنواع التردّي والانحدار بسبب خضوعنا لاملاءات أميركا والغرب , ولمؤسساتهم المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية , تارة باسم حماية حقوق الانسان وكرامته , وأخرى بالتضليل والخداع , ومرّة تحت ذريعة محاربة الارهاب أو دعم جهود الاصلاح والحوكمة الرشيدة , ولكنها جميعا ليست الّا عناوينا للاستعمار .
يحدث كلّ هذا على حساب البلاد والشعوب والأمّة , وعلى حساب قضاياها المصيرية ومصالحها الحيوية . وشيءا فشيءا استطاعت هذه القوى الاستعمارية تقودها أميركا تضليل هذا الشباب الثائر ومعهم الآلاف من المخلصين من أبنائنا وبناتنا , فدفعته لليتخلّى في غفلة منه عن شعاراته الأولى التي كان يرفعها ابّان الأيّام الأولى من الأحداث بعد 14جانفي 2011 , فتحوّلت هذه الشعارات من المطالبة بتطبيق الاسلام والشريعة الاسلامية, وتقنين ذلك في دستور البلاد , الى جانب الدعوات للتحرّر من النفوذ الاستعماري , الى شعارات الدولة المدنية وفصل الاسلام عن الدولة والمجتمع والحياة , وقد تبع كلّ ذلك عمليات التفريط في مقدّرات البلاد للمستعمر باسم جلب الاستثمار , أو الدّعوة الصريحة للتدخل والاحتلال تحت ذريعة محاربة الارهاب أو دعم الانتقال الديمقراطي ...
ثمّ وفي ظلّ تعاقب الحكومات المتتالية منذ 14جانفي 2011 الى اليوم , وتعدّد أسمائها, بين حكومة منتخبة وحكومة طارئة , وبين حكومة تكنوقراط أو حكومة توافق , وصولا في تضليلهم البائس الى ما سنّوه " حكومة وحدة وطنية " ... وتكبّلت البلاد بعشرات الاتّفاقيات الاستعمارية التي أبرمها زمرة من العملاء المأجورين من الحكّام أذناب أميركا في بلادنا , فمن " مذكّرات التفاهم " الى " الحوار الاستراتيجي " ومؤتمرات الاستثمار التي تتيح للغرب وأميركا التدخل السّافر في بلادنا وفي كامل المنطقة , ونهبها وتدميرها وتخريبها ...وكلّ ذلك بحجة امّا دعم جهود محاربة الارهاب , أو دعم ما يسمّى تضليلا الانتقال الديمقراطي ..وما بقي يتمّ تدميره أو التفريط فيه مجانا لصندوق النقد والبنك الدوليين باسم اعادة هيكلة الاقتصاد .
وبذلك خضعت البلاد الى هيمنة المستعمر الأميركي الكافر ومن معه من دول الغرب الهمجي المتخلّف القادم من ظلمة القرون الوسطى , واستحوذ هؤلاء على جميع ثروات البلاد من الأرض والطاقة والمعدن , كما دمّروا العقول في المدارس والمعاهد والجامعات وتحكّموا بوسائل الاعلام وصياغة الرأي العام , وفتح هؤلاء الحكّام العملاء مؤسسات الدولة ومرافقها ومقدّراتها مفرّطين فيها الى المحتلّ الجديد تحت عناوين السوق الحرّة والخصخصة حتّى لا يسلم مرفق واحد من هذه المرافق , وكلّ ذلك بتواطئ كامل من حكّام المنطقة ومن معهم من طبقة سياسية فاسدة .
وفي ظلّ هذه الفوضى المقصودة , وما أدّت اليه من انتكاسة حاصلة في الجماهير , سوّقوا للناس بأنّ الحلّ الوحيد يكمن في الاقرار بالنظام الرأسمالي الدّيمقراطي رغم فساده , وفي الخضوع للمواثيق الدّولية التي تمّت المصادقة عليها , وحتّى يتحقق لهم ما أرادوه من تسليم كامل لهذا النظام ولما نشأ عنه من استعمار فضيع , ساروا في خطى جديدة أكثر فتكا وبشاعة مثل تغيير مناهج التعليم وتكريس مبدأ الفصل بين الاسلام وبين الحكم والدولة والسياسة والمجتمع , أو الفصل بين العقيدة الاسلامية وبين نظام الحياة , طبعا وكلّ ذلك باسم الاصلاح التعليمي أو الاصلاح الدّيني , وصوّروا للناس بأنّ نهضتهم لا تكون الّا اذا ساروا على منهج الغرب , ووفق طريقته في الحياة , وعلى أساس نظرته للدّين وللمجتمع أو الدّين والدولة من وجوب الفصل بين الدّين وبين الدولة للفصل الطبيعي كما يتوهّمون بين الايمان والعقل , وبين الآخرة والدّنيا .
وهكذا , أصبحت تونس ومعها باقي البلاد الاسلامية وخاصة تلك البلدان التي شهدت موجة خديعة الربيع العربي تحت والوصاية الأمريكية , وأصبح السفير الأميركي هو المقيم العام الجديد في البلاد وهو الحاكم الفعلي للبلاد ,وهو المشرف على جميع الملفّات من الاقتصاد الى الحكم والأمن والتعليم والدّين وحتى التّفكير ....
ومع كلّ خطوة جديدة تتخذها السلطة , تزيد وتيرة الأزمات ارتفاعا وتعقيدا , ويزيد الوضع سوءا وتدهورا , فيصبح أكثر سوادا ويزداد قتامة وظلمة , ويدخل الشعب برمّته الى مرحلة خطيرة من الاكتئاب والاحباط لم يعرف لها مثيلا في التاريخ , وتظهر عليه أمارات الخنوع والاستسلام والضياع ..
ولهذا وغيره , فانّه من الخطأ بل من السذاجة والضلال والتضليل تصوّر أنّ حلّ الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد بالدّعوة الى مزيد تشكيل الحكومات , مهما كانت التسميات , اذ لا فرق بين حكومة وحدة أو أخرى توافق , أو حكومة انقاذ ....
وكذلك , من العبث تصوّر حلّ الأزمة في مزيد من الانتخابات , سواء رئاسية أو تشريعية , وسواء محلية أو جهوية أو بلدية , اذ لن يزيد الاستمرار في مثل هذه الانتخابات الوضع الّا تردّيا وسوءا وهي فرصة لنهب المال والثروة.
ومن الخطر أيضا الاستمرار في سياسة الهرولة والركض نحو الغرب المستعمر الكافر لاستجداء الحلول والمساعدة منه,لأنّ في ذلك ارتضاء للمرء بأن يكون أداة طيّعة لتسويق الفكر الغربي الهمجي ومشاريعه الاستعمارية الخبيثة في البلاد وبين المسلمين .
وآن الأوان اليوم , وللجميع , أن يدركوا أنّ أكثر من ستّ سنوات من التجريب والاختبارات الفاشلة والفاسدة لا تضيف لنا الّا مزيد من العوائق والأزمات , تنضاف الى أزمات أكثر من نصف قرن من تطبيق هذا النظام الفاسد , ومن الخضوع لهؤلاء الحكّام, وهي أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وغيرها .
المستوى السياسي :
لقد تعاقبت على البلاد منذ 14جانفي 2011 الى اليوم أكثر من ستّ حكومات , وهي في زيادة وارتفاع , وجميعها فشلت فشلا ذريعا في حلّ أزمة الحكم , أو بلورة رؤية سياسية واضحة لكيفية الخروج من هذا النفق المظلم وهذه الأزمات المتلاحقة , وهذه صارت حقيقة من الحقائق التي يتوجّب على أهل البلاد أن يعوا عليها جيدا .
وبسبب غياب هذه الرؤية الواضحة تفشّى الفساد في المجتمع , كما تفشّى في جميع أجهزة الدولة وكيانها وداخل مؤسساتها واداراتها ومصالحها , هذا , بالتوازي مع فساد مختلف القوى السياسية المتصارعة على الحكم والسلطة والنفوذ , الى جانب تصارعها وتنافسها على خدمة الأجندات السياسية الأجنبية ... كلّ ذلك أدّى طبيعيا لحالة من عدم الاستقرار للحكم والحاكم معا , وحال دون تطبيق النظام الّا بالحديد والنّار , وبواسطة التضليل والخداع , وذلك بسبب احساس الناس بقطيعة تامة مع الدولة ومشروعها , فصارت غريبة عنهم , وفقدوا الحافز الذّاتي للانتظام والطاعة والانقياد , بل وأصبحوا يرون في حكّامهم والحكم معا فاقدي الشرعية وجب تغييرهم .
المستوى الاقتصادي :
في ظلّ هذا الفساد الناتج عن حكم فاسد , وعن حكّام فاسدين , وعملاء , تخلّت الدولة عن وظيفتها الأساسية في رعاية شؤون الناس , ودخلت مرحلة جديدة اتّسمت فيها بتقييد نفوذها , بل وتفكّك الدّولة وتخليها عن كثير من ممتلكاتها وممتلكات العامّة لصالح القطاع الخاص ضمن برامج الخصخصة التي فرضها صندوق النقد والبنك الدّوليين بما قدّماه من برامج الهيكلة والاصلاح الاقتصادي لفرض سياسات السّوق الحرّة والانفتاح , ورفع الحواجز والقيود أمام المستثمر الأجنبي , وتبنّي قوانين الخصخصة لتمكين الحكّام وباقي الطغمة السياسية من بيع ثروات البلاد ومرافق الجماعة ومؤسسات الدولة الى المستعمر الأجنبي ووكلائه من المستثمرين والشركات الكبرى .
فكانت من املاءات المؤسسات الغربية ضرورة تخلّي الدولة عن مؤسّساتها الخدماتية الأساسية من صحّة وأمن وتعليم وكهرباء ومياه , وكذلك عن سلطاتها وقوانينها , وعن تشريعاتها لتتخبّط في سياسات الخصخصة والعولمة وجلب الاستثمارات الخارجية كما يمليها خبراء أميركا وباقي الدّول الاستعمارية ومؤسساتهم المالية . وتنافست رؤوس الأموال محليّة وأجنبية لابتلاع مرافق الدّولة ومقوّماتها , والاستثمار في قطاعاتها الأساسية وخاصة بعد أن تمّت تهيئة الأجواء لكلّ هذا من خلال الانتهاء من تعديل قوانين الاستثمار بما يناسبها.
ومن أجل التسريع في السير نحو تحقيق أهداف أميركا والغرب الكافر المستعمر تفنّن عدد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى , وبتواطئ من السياسيين في اغراق العديد من المؤسسات في الدّيون تمهيدا لاعلان افلاسها حتّى يتسنّى لهم الاستحواذ عليها فيما بعد , وكانت شركة الكهرباء والغاز وشركة المياه وشركة النقل وشركة التبغ والوقيد ومؤسسات التقاعد والضمان الاجتماعي والمستشفيات الكبرى كمستشفى الرّابطة ومستشفى شارنيكول ,الى جانب بعض الشركات المتخصّصة في الطاقة في مقدّمة القائمة .
وأصبح آلاف العمّال مهدّدين بالطرد لينضافوا الى مئات الآلاف الآخرين , وخاصة مع اضافة امتثال السلطة لطلب صندوق النقد الدولي المتعلق بايقاف الانتداب في الوظيفة العمومية , وهو ما دفع وزير الشؤون الاجتماعية والوظيفة العمومية عبيد البريكي للاعلان عن احالة 50 ألف موظّف على التقاعد المبكّر .
أمّا عن ارتفاع نسبة الفقر , وانتشار ظاهرة البؤس والتسوّل , الى جانب الارتفاع الصاروخي لغلاء المعيشة فحدث ولا حرج..
المستوى العسكري والأمني:
رغم أنّ الارهاب صناعة أمريكية وغربيّة , من الاعداد والتدريب , الى القتل والتفجير ليكون ذريعة مثلى لاستمرار الاستعمار والتدخّل في المنطقة عامّة وفي تونس خاصّة , والهيمنة بالتالي على عليها وعلى قرارها السياسي , ورغم عمليّات التضخيم المقصودة لداعش وقوّتها ليكون المطيّة للتحكّم بالسياسات العسكرية والأمنية لكلّ بلد باسم الحرب على الارهاب , رغم هذا , فقد سار هؤلاء الحكّام وراء أميركا والغرب في حربها المعلنة على الاسلام والمسلمين تحت عنوان محاربة الارهاب . ووضعوا جيوش بلدانهم وخبراتهم وحتى قواعدهم تحت تصرّف العدوّ , وصارت الطائرات الأمريكية والغربية تقلع من مطاراتنا , ومن فوق أرضنا , لتسفك دماء المسلمين في ليبيا ومالي , كما في سوريا والعراق واليمن .
بل انّ هؤلاء الحكّام دخلوا مع عدوّ الأمّة وعدوّ البلاد في اتفاقيات مخزية , وتفاهمات مذلّة ومهينة تبيح قتل الأبرياء , وتفجير ديارهم , وتدمير البلاد تدميرا كلّيا , الى جانب رعاية مفاوضات التقسيم والتفتيت على أراضينا .فكانت مذكّرات التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية في 20ماي 2015 الموقّعة بين محسن مرزوق المستشار الرئاسي وجون كيري وزير الخارجية الأمريكية , وهي المذكرات التي وصفها رجال القانون بغير الدستورية وغير القانونية " جوهر بن مبارك وقيس السعيد " , الى جانب اتفاقيات الحوار الاستراتيجي مع أميركا التي أمضى عليها رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة عند زيارته الى أميركا في 4أفريل 2014, وجميعها تفرض على تونس فتح البلاد لمنظومة عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية تعدّها وتشرف عليها أميركا , ولا تخدم الا أهدافها ومصالحها في المنطقة .
وبموجب هذه الاتفاقات أصبح أموال الشعب وثرواته تنفق على شراء أسلحة فاسدة منتهية الصلوحية باسم الحرب على الارهاب , وأضحت تونس منقذة لعدد من الشركات المفلسة في العالم , كما أنفقت هذه الأموال على تركيز أجهزة مراقبة لا تحمي البلاد وانّما تحفظ مصالح أميركا والغرب , وتسهر على أمن شركاته .
المستوى التعليمي " سياسة التعليم "
لم تنجح محاولات وزارة التعليم التي تمّت تحت عنوان اصلاح التعليم من التقليل من انقطاع التلاميذ عن مواصلة الدراسة , ولا من التقليل من انتشار الفساد في المدارس والمعاهد والجامعات , لأنّ ما تمّ وضعه باسم الاصلاح يزيد في تعميق الأزمة ولا يعالجها .
فما تطبّقه الدولة من اصلاحات في مجال التعليم ليس الا خضوعا لمجموعة من الاملاءات المفروضة في بنود مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تنفّذه أميركا في بلادنا تحت عنوان " الربيع العربي " , وهي اصلاحات تهدف الى تغيير مناهج التعليم بما يفرض أسس الثقافة الغربية ومفاهيمها الهادمة لكلّ قيمة رفيعة في المجتمع , الى جانب بناء أجيال من أبنائنا على عقيدة فصل الدّين عن الحياة التي قامت عليها الحضارة الغربية بما يبعد خطر الاسلام المتنامي من الوصول الى الحكم .
وأصبحت جميع هذه الأعمال الرخيصة التي تسلكها الدولة تحت عنوان اصلاح التعليم لا تزيد الا في نشر الفساد وتمييع أجيال من التلاميذ والطلبة تحت عناوين التدريب على الرقص والغناء والخلاعة داخل مؤسسات التعليم , هذا الى جانب اتخاذ هؤلاء حقلا للتجارب الفاشلة المتكرّرة بما زاد في انتشار الجريمة والعنف , وارتفعت نسب المنقطعين عن الدراسة , كما ارتفعت نسبة استهلاك المخدرات والبغاء داخل المعاهد والكلّيات ...
هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم . وقد تفنّن الجميع في توصيفه وتوصيف فساده حتى صار حديث الصغار قبل الكبار . وهو واقع صنعه وفرضه الفكر الغربي ونظامه الديمقراطي الرأسمالي المطبّق علينا في جميع البلاد الاسلامية وليس في تونس وحدها .
نظام أهدر انسانية الانسان , وسلبه سعادته في الحياة , وزرع بين الشعوب الكئابة واليأس , فضلا عن خداع الحكّام وتضليلهم لشعوبهم حتّى يحفظوا عروشهم وتستمرّ عمالتهم .
أسباب الانحطاط وبقاء الأزمة :
انّه من الحقائق التي يتوجّب على الجميع أن يعوا عليها , وفي مقدّمتهم من أخذ على كاهلهم مهمّة التغيير ومريدو النهضة أنّ استمرار الأزمة وحجم الانحطاط والتخلّف الذي نعاني منه يعود في أصله لسبب واحد وهو – كما ذكرنا سلفا- فساد النظام الدّيمقراطي الرأسمالي .
وفساد هذا النظام انّما يعود لفساد الفكرة التي يقوم عليها , والتي انبثقت عنها فكرة الحكم وباقي النظام , ومجمل القوانين المطبّقة في البلاد .
ففكرة فصل الدّين عن الحياة ومنها فصل الدّين عن الدّولة وعن السياسة وعن الاقتصاد غريبة عن المسلمين وعن حضارتهم وعن تاريخهم لأنّها تقصي الاسلام من الحكم ومن رعاية الشؤون وهو ما يناقض العقيدة الاسلامية بوصفها عقيدة روحية سياسية , جاءت لتنظيم علاقات الانسان المختلفة تنظيما أساسيا شاملا , فعالجت قضايا الحكم والمال والقضاء والتعليم والحرب , كما عالجت قضايا الصلاة والصوم والزواج والطلاق والحجّ والزكاة ..
فقد قال خاطبنا الله تعالى بهذا فقال " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "
كما قال " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً "
لذلك فانّ قيام الحكم في البلاد – منذ ظهور الدولة الوطنيّة- على فكرة فصل الدّين عن الحياة التي تناقض العقيدة الاسلامية القائمة على الايمان بالله تعالى وعلى الاقرار بالسيادة له وحده في الخلق وفي التشريع والتنظيم ,أدّى ذلك شعور الناس بغياب الشرعية عن الدولة وعن الحكّام , فنظروا الى كليهما كغرباء ,وهو ما دفع البلاد الى دوّامة من الأزمات والفوضى التي لا تنتهي .
ورغم توالي الحكومات , وتعدّد وعودها الكاذبة الّا أنّه ظلّت تغرق أكثر فأكثر في هذه الأزمات التي أدّت الى شقاء الناس وكثرة المظالم عليهم , نذكر منها كأمثلة فقط :
- تعطيل مصالح الناس بسبب صراع القوى السياسية على الحكم والسلطة والمنفعة الشخصية
- ارتفاع نسب الفقر , وتزايد أعداد البطّالين خاصة مع التفريط في عدد من المؤسّسات الاقتصادية للقطاع الخاص
- عجز الناس عن توفير حاجياتهم الأساسية بسبب غلاء الأسعار والاحتكار وغياب التوزيع السليم للثروة والموارد مما أدّى الى احتكار الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال للثروة .
- فساد السياسات الاقتصادية على المستوى الصناعي والفلاحي والتجاري ممّا دفع بالكثير من الشركات والمؤسّسات لأن تعلن افلاسها أو تغادر البلاد ,كما دفع بالفلّاح للعجز عن استغلال أرضه بسبب الدّيون وغياب الرعاية من الدّولة.
- التفريط في الكثير من مرافق الدّولة ومؤسّساتها للقطاع الخاصّ امتثالا لأجندات صندوق النقد الدّولي وهو ما شجّع أصحاب رؤوس الأموال على نهب واهدار أموالها وأرباحها تمهيدا للتفريط فيها من الدولة لصالحهم.
- غلق الكثير من المصانع والمؤسسات المحلية , خاصّة في قطاع النسيج والفلاحة والتجارة , وذلك بسب تغوّل الاستثمار الأجنبي على حساب المستثمر المحلّي بما يضع أمن البلاد تحت ارادة أعدائنا .
- انتشار اليأس والاحباط بين جموع الناس بسبب صراع السياسيين فيما بينهم على الحكم , وفشلهم في معالجة الأزمة , وهو ما أدّى الى ارتفاع نسبة الجريمة , وانتشار المخدّرات ومغادرة مقاعد الدراسة مبكّرا , وتكرّر عمليات الانتحار , الى جانب العزوف المتزايد من الناس عن المشاركة في أيّة انتخابات .
- انتشار الفساد في مختلف الادارات , وفي الأمن والصحّة والدّيوانة , وفي الوزارات والدواوين والبلديّات حتّى أصبح فسادها مادّة ثريّة تملأ برامج القنوات الفضائية , وهو ما أدّى الى انهيار ما تبقّى من ثقة لدى الناس بالدولة ,
- ومن الفساد الكبير أيضا استعمال أموال الشعب من الدّولة لانفاق آلاف المليارات منها على بعض المؤسسات المفلسة التي نهبها أصحابها . في حين يبقى الناس يعانون العجز والفقر والخصاصة...
أسباب استفحال الأزمة واستمرار المعاناة:
أولا : التناقض بين العقيدة الاسلامية والنظام المطبّق على الناس
منذ الفتح الاسلامي وتونس جزء لا يتجزّأ من البلاد الاسلامية , اعتنق أهلها الاسلام , فصاروا مسلمين . وبفضل الاسلام أصبح عندهم نظرة خاصّة للحياة وللسعادة وللقيم عيّنتها العقيدة الاسلامية , وطبّقوا تبعا لذلك نظاما واحدا متجانسا مع عقيدتهم لأنّه منبثق عنها , وهو نظام الاسلام , وصارت كامل البلاد جزءا من الدّولة الاسلامية , وظلّت هكذا حتى اقتطعها الغرب الكافر وفصلها عن جسد الدّولة وكيان الأمّة ابّان حقبة الاستعمار.
وبغياب النظام الاسلامي اليوم , وحلول النظام الدّيمقراطي الرأسمالي محلّه أصبح الناس يعيشون واقعا مظلما , وفي اضطراب وضنك ومشقّة , يفتقدون الطمئنينة والسعادة , وذلك بسبب قيام هذا الواقع برمّته على أساس غير العقيدة الاسلامية , وهو فصل الدّين عن الحياة الذي فرض على الناس عيشا على غير ايمانهم , ومخالف لقناعاتهم وقيمهم , فصاروا عرضة للتمزّق الفكري والنّفسي , وبذلك سُلبت منهم السّعادة التّي يرجونها .
ثانيا : فساد النظام الدّيمقراطي الرأسمالي :
يقوم النظام الديمقراطي الرأسمالي المطبّق اليوم في بلاد المسلمين الى جانب السّيادة وجعل التّشريع للبشر واتّخاذه الاها من دون الله تعالى , على فكرة الحرّيات الأساسية الأربعة ومنها حرّية التملّك والحرّية الشخصية , ومن هذه الفكرة تُرك الانسان وحده يصارع أزمات الحياة ومشاكلها , وفي ظلّ هذا النظام أصبح الانسان وحده المسؤول عن توفير احتياجاته الأساسية , وغابت الدّولة عن هذه المسؤولية وضمان توفير الحاجات الأساسية لكلّ فرد بعينه بحيث لا يُحرم منها أحد.
وصارت هذه الحرّيات هي الأساس في كلّ شيء , فأصبحت الحياة ساحة للصراع ومسرحا لنفوذ الأقوى والأكثر خبثا وبطشا ودهاء , دون النظر الى التفاوت الطبيعي بين البشر في القدرات الجسميّة والعقلية , والى عجز البعض حكما أو فعلا عن تحصيل حقوقه وتوفير احتياجاته : فكانت السّيطرة المطلقة لأصحاب رؤوس الأموال , وأصبحوا هم أصحاب النفوذ ويكاد يكونون هم الحكّام الفعليّون في البلاد , وأخضعوا التشريع والقضاء والحكم لأهوائهم ونزواتهم .
أمّا في الاقتصاد , فظهرت مفاهيم السّوق الحرّ والخصخصة وحرّية التملّك كمّا وكيفا , ورفع الحواجز الجمركية بين الدول , والمنافسة الحرّة . وتخلّت الدّولة عن دورها في رعاية الشؤون لصالح الخواص , وأصبحت مجرّد جهاز تنفيذ لأجندات المؤسّسات المالية الكبرى كصندوق النّقد والبنك الدّوليين وبنك الاستثمار الأوروبي الى جانب العشرات من المنظّمات الأمريكية والأوروبية العاملة في البلاد على غرار الوكالة الأمريكية للتنمية والمعهد الجمهوري الأميركي والمعهد الديمقراطي ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية وغيرها , وهي كلّها أدوات للاستعمار ورعاية برامجه في البلاد.
وأصبحت جميع هذه المؤسسات تفرض على الدّولة أجندات بعينها باسم هيكلة الاقتصاد , لكنّها لا تزيد الاقتصاد الا خرابا , والبلاد فقرا , وتغرقها بالدّيون , وتكبّلها بشروط مجحفة تهدّد عيش النّاس وتضيّق عليهم الخناق وتنكّد حياتهم كالتحكّم في كتلة الأجور والنفقات , وتجميد الانتداب والتوظيف العمومي , والتفريط في المرافق والمؤسّسات العمومية للخواص , الى جانب فتح البلاد للرأس المال الأجنبي باسم الاستثمار ليتحكّم في الانتاج وفي نوعه وفي أمن الشعب وقوته , الى غير ذلك من البرامج التي تفرضها هذه المؤسسات والمراكز الاستعمارية .

ثالثا : المستوى الاجتماعي :
بترويج فكرة الحرّية الشخصية بين المسلمين , وخضوع البلاد الى برامج استعمارية باسم تحرّر المرأة وحقوق الانسان, عملوا على افساد المرأة المسلمة وتحويلها الى مجرّد وسيلة للمتعة , وسلعة للربح , بعد أن كانت عرضا يجب أن يصان كما جعلها الاسلام . فأباحت الدّيمقراطية التعرّي والسّفور والتّبرّج والاختلاط , بل أباحت الزنى والفساد والشذوذ باسم الحرية الشّخصية , وسمحت بالاجهاض وشجّعت على العلاقات الشّاذة وعلى البغاء ,بل جعلت لها التّشاريع الخّاصة بها, فانتشرت الجريمة والسرقات ومختلف أنواع العنف , وارتفعت نسبة مستهلكي المخدّرات والانتحار , كما تزايد عدد المغادرين لمقاعد الدّراسة من التلاميذ والطّلبة حتّى فاق المائة الألف في السنة , وارتفعت معدّلات الاغتصاب وأطفال الزنى , وأصبح المرء يعيش فاقدا للأمن والاستقرار , فاقدا للطمئنينة وخائفا على عرضه وماله وحياته .
فساد النظام الدّيمقراطي الرأسمالي في أبرز أفكاره
أوّلا : النظرة الى الثروة والمشكلة الاقتصادية :
تنصبّ جهود الحكومات على بحث سبل تنمية موارد الدّولة أو ما يسمّى موارد الميزانية , الى جانب اعداد مناويل التنمية ورسم خطط جلب الاستثمار : أي بعث كلّ ما من شأنه تنمية الثروة , ولكنّ جميع ذلك لا يعالج الأزمة ولا يخفف من مستوى الفقر المستشري بين النّاس , بل لا يحقّق الكفاية لهم ولو على مستوى الحدّ الأدنى من المعيشة .
ومهما ارتفعت نسبة النموّ وتصاعدت , فانّ ذلك لن يتجاوز دائرة الجدران داخل غرف الاحصاء ومكاتب المحاسبات ومعاهد سبر الآراء , ولن يصل شيء من الثروة للناس .
ومهما جلبنا من استثمارات , وتهاطلت علينا القروض حتى ولو كانت بآلاف المليارات فانّ ذلك لن يحسب من حجم الثروة في جيوب الناس , ولا يحلّ المشكلة الاقتصادية المستفحلة , فجميع هذه الحلول لا علاقة لها بكيفية معالجة مشكلة توزيع الثروة .
والسبب في عجز هذه الحلول عن معالجة مشكلة توزيع الثروة أنّها حلول جاءت لمعالجة فهم خاطئ للمشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي يقوم على ما يسمّى ب " الندرة النسبية " أو ما يعبّر عنه بعدم كفاية الثروة والموارد لتغطية احتياجات الانسان وجوعاته . ومن هذا الفهم الخاطئ جاءت الحلول السقيمة التّي تركّز على سبل تنمية الثروة دون بحث سبل توزيعها , بل وترك الحرّية للأفراد في حيازتها .
ولكنّ الاسلام لا يقرّ بهذه المقولة . فلا يوجد لما يسمّى بالندرة النسبية في الاقتصاد الاسلامي لأنّ جميع ما يحتاجه الانسان وزيادة متوفّر في الأرض وزيادة وبالقدر الكافي , وما على الانسان الا بذل الجهد في سلوك السبيل القويم لتوزيع تلك الثروة على الجميع فردا فردا بحيث لا يحرم منها أحد : فتكون الدّولة هي المسؤولة عن هذا التوزيع بوصفها راعية شؤون , وهي الضامنة لتحقّق اشباع الحاجات الأساسية لكلّ فرد في المجتمع.
وحقيقة أنّ الثروة موجودة وتكفي للجميع يقرّه الواقع , كما تقرّه الأرقام والاحصاءات سواء تلك التي تتعلّق بالفلاحة أو الصّناعة أو التّجارة , أو تلك التي تتعلّق بالثّروات الطبيعيّة كالمعادن والطّاقة والفسفاط , ولكنّها جميعها أو معظمها امّا حكرا على أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى , أو هي تخضع لاستغلال مفرط ونهب كبير من الشركات الاستعمارية التي تستنزفها باسم الاستثمار .
ولكنّ مسألة كفاية الثروة لحاجات النّاس حقيقة تفرضها العقيدة الاسلامية قبل الأرقام , اذ أخبر بها الله سبحانه وتعالى فقال " ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع الى حين " , وقال " وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " .
وتظهر هذه الحقيقة بشكل جليّ وواضح بما يفنّد نظرة النظام الدّيمقراطي الرأسمالي للمشكلة الاقتصادية بكونها الندرة النسبية وذلك في قوله تعالى " وأتاكم من كلّ ما سألتموه وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها انّ الانسان لظلوم كفّار ", فأخبر الله تعالى أنّه خلق الأرض وجعل لنا فيها ما يلزم للبشر , وما يكفيه لمعيشته وأكثر , وأفاض من نعمه على الانسان فأتاه جميع ما يحتاجه .
وهذا المعنى يتكرّر في القرآن , وتضمّنته السنّة الشّريفة في أكثر من موضع بما يدلّ على توفّر الرّزق وكفاية الثروة بما يصلح حال الانسان , ولا خوف يهدّد الانسانيّة ممّا يسمّى ب " الندرة النّسبية " التي جاء بها النظام الاقتصادي الدّيمقراطي الرأسمالي , فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم " أبشروا وأملوا ما يسرّكم , فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم , فتنافسوها كما تنافسوها , وتلهيكم كما ألهتهم ".
والحاصل : أنّه لا يوجد في الاسلام المشكلة الاقتصادية كما يصوّرها الفكر الغربي , ولا يوجد ما يسمّى بالندرة النسبية وانّما الثروة موجودة وهي أكثر مما يحتاجه الانسان , ولكنّها لا تذهب الى عامّة النّاس , بل تذهب لجيوب الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال بسبب فساد الفكر الغربي القائم على حرّيةّ التّملّك .
أمّا في بلادنا فهي أي الثروة تذهب الى أعدائنا وشركاته الاستعمارية الكبرى المنتصبة في البلاد بالآلاف , وهي كالأورام السرطانيّة تنهب خيراتنا ومقدّراتنا , ولا يبقى لعامّة النّاس الا فتات الفتات وما يسدّ الرّمق .
لذلك فالمشكلة الاقتصادية وكما بيّنها الاسلام وشرحها وفصّلها تكمن في كيفية ايصال الثروة لجميع النّاس فردا فردا بحيث لا يحرم منها أحد ولا يمنع عنها أحد , وهو بحث منصبّ في توزيع الثروة وليس في النّدرة النّسبية .
فالمشكلة الاقتصادية التي تواجهنا اليوم لا تكمن في بحث موارد الدّولة أو بحث دعمها , ولا في قانون الماليّة , ولا في مقاومة التهّرب الضريبي , فهي لا تكمن في أيّ نوع من هذه العناوين التّي يروّجون لها , بل هي مشكلة واحدة لا غير وهي مشكلة الانسان , وعلاقات الانسان , وتوزيع الثروة على هذا الانسان الذي يعيش في علاقات .
والدّولة في الاسلام بوصفها راعية للشؤون , فهي التّي تقوم باخراج التّصوّر الاسلامي وجعله مطبّقا في الواقع , وبالتّالي عليها تقع مهمّة تنفيذ السّياسة الاقتصادية المثلى لتحقّق هذه الرؤية على النحو التّالي :
& تطبيق الأحكام الشرعية المتعلّقة بجميع نواحي الحياة , ومنها ما يخصّ الاقتصاد كالبيع والاجارة والرّهن والشّركة والهبة والنفقة, والجزية, والزّكاة وغيرها ..
& التّدخّل لفسح المجال بشكل متساو , وبدون تمييز لكلّ فرد من أفراد المجتمع للعمل والابداع والكسب من ثروات البلاد , كلّ حسب اجتهاده وقدرته , والتأكد من حصول ذلك .
& التّدخّل لمواجهة أيّ انحراف أو سوء تدبير أو خلل نتيجة أيّ وضع أو ظرف لضمان اشباع الحاجات الأساسية لكلّ فرد من أفراد الرعيّة , وضمان الحاجات الضرورية للمجتمع.
وهذا التطبيق العملي من الدّولة , وتدخّلها لمنع أيّ انحراف يتحقّق بأمران :
1- تحقيق اشباع الحاجات الأساسية لكلّ فرد من أفراد المجتمع , وكلّ فرد بعينه...
2- تحقيق الحاجات الأساسية للمجتمع ككلّ من الأمن والصّحة والتّعليم.
ثانيا : النظرة الى الملكيّة:
تعتبر " الحرّية" بمفهومها السياسي قاعدة من قواعد النظام الرأسمالي الدّيمقراطي , وعنها انبثقت ما يطلقون عليه الحرّيات الأساسية الأربعة , ومن هذه الأربعة " حرّية التّملّك " , وهي من مقدّسات المبدأ : فالفرد حرّ حرّية مطلقة في العمل وفي التّملّك والحيازة , وهو حرّ في السيطرة على ما تملكه من مختلف السّلع والخدمات .
ويقوم النظام الرأسمالي الدّيمقراطي في نظرته الى النظام الاقتصادي على نوعين من الملكيّة بشكل عام وهما : الملكية الخاصّة وملكيّة الدّولة .
والملكيّة الخاصّة عندهم هي كلّ ما يملكه الأفراد من أموال نقدا أو عقّارا أو شركات , ولا حدود نظريّا لما يمكن امتلاكه , اذ تملّك حتّى الجبال والأراضي الشّاسعة والبحار والشّواطئ والسّباخ, وما في ذلك من معادن ومناجم وثروات, وكذلك تملّك الطرقات والموانئ والمطارات والجسور وسكك الحديد والمصارف ومحطّات توليد الطّاقة وغيرها...
أمّا ملكيّة الدّولة فهي ما تجمعه الدّولة من أموال الملكيّة الخّاصة نتيجة ما تفرضه من رسوم وضرائب وغرامات أو امتيازات , وهو ما يطلق عليه مال دافعي الضرائب . يضاف الى ذلك ما هو داخل في الاستخدام العام كالحدائق والمحميّات والطّرق والأنهار وغيرها ...
فيتبيّن هنا أنّ النظام الرأسمالي الدّيمقراطي في اقتصاده يقوم بالأساس على الملكيّة الخّاصة والخواص , والدّولة راعية لمصالح هؤلاء , وحامية لمشاريعهم بالقانون والقوّة معا , لأنّ أصحاب رؤوس الأموال هم الحكام الفعليّون في البلاد, وهم الذّين حازوا الثروة وحرموا منها عامّة الشعب , بل انّ الشعب يدفع ضرائبه للدولة التّي تتولّى تقديمها لهؤلاء في شكل قروض أو منح أو امتيازات .
وهذا كلّه مخالف لواقع الحياة بالاسلام , ومناقض للنظام الاقتصادي في الاسلام وللأحكام الشرعية المتعلّقة بهذا الواقع , فالاسلام أباح التملّك ولم يجعله حرّا , اذ اباحة التملّك في الاسلام يختلف عن حرّية التّملك في الرأسمالية . كما يختلف الاسلام عن الرأسمالية في صنوف الملكيّة وأنواعها .
يقوم النظام الاقتصادي في الاسلام على ثلاثة أنواع من الملكيّة , وهي الملكية الفردية وملكية الدولة والملكية العامة .
أمّا الملكيّة الفردية فهي ما يملكه أفراد الأمّة من أموال منقولة وغير منقولة , والاسلام لم يقيّد هذه الملكية بالكمّ , فيمكن للفرد أن يملك قدر ما يشاء , ولكن وضع قيودا على صنوف الملكية , وعلى كيفية التملّك , فحرّم تملّك الخمر ولحم الخنزير " ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون "... " اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِير".
وحرّم مال الرّبا والبغاء ومال القمار " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا "
كما حرّم الاسلام تملّك ما هو داخل في الملكيّة العامّة كالأنهار والطرقات والمناجم والسكك الحديدية والبحاروغيرها ...
الملكيّة العامّة : وهي الأموال التي يشترك جميع أفراد الأمّة في ملكيّتها , وهي كالآتي:
- ماهو من مرافق الجماعة بحيث يضطرب العيش اذا لم تتوفّر كالماء والطّاقة والمواصلات وشبكة المواصلات وكلّ ما تحتاجه المدن ليستقرّبها العيش لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم " الناس شركاء في ثلاث الماء والنّار والكلأ ".
- الأشياء التي من طبيعتها أو من طبيعة تكوينها تمنع الأفراد أن يختصّوا بها أو أن يتملّكوها فرديّا كالساحات العامّة والجبال والبحار والشواطئ والأنهار...
- الثروات الطبيعية كمختلف المعادن من فضة وذهب والمناجم وآبار البترول والغاز ...
فهذه جميعها ملكيّة عامّة , ولا يجوز أن تكون ملكا فرديّا , فلا تملّك للخواص ولا للدّولة .
كيف تتصرّف الدّولة في الملكية العامة ؟ بالتطوير والتنمية والتوزيع...
انّ الأموال العامة هي لمنفعة العامّة , والدّولة تسهّل وتنظّم كيفية هذا الانتفاع دون تمييز أو استئثار أو احتكار لصالح فئة دون أخرى أو لصالح جهة ما . لذلك تهيّئ الدولة الادارات المختلفة لتولّي ادارة المال العام بأقسامه المختلفة : فتكون ادارة للغابات والصّحاري والأراضي , وادارة للبحار والأنهار وما فيها من ثروات , وادارة للنفط والغاز والمعادن , وادارة للطاقة , وادارة للمعابر والمرافق المختلفة ... ويتمّ كلّ ذلك حسب قانون التنظيم وحسن التدبير ...
وهذا , بخلاف النظام الرأسمالي الدّيمقراطي الذي يجعل الدّولة وسيلة تمكّن الخواص من مختلف هذه الثروات على حساب الجماعة , فيعود نفعها الى جيوب أصحاب رؤوس الأموال ولا يصل منها شيء للناس .
فالاسلام يجعل أموال الملكية العامة ملك لعامّة النّاس ,لذلك لا يمكن لأيّ سلطة أن تفرّط فيها للأفراد والخواص , ولا يسمح بأيّ تشريع يؤدّي لتمليك أيّ صنف من أموال الملكيّة العامّة لأيّ فرد أو جهة مثل ما نشاهده اليوم من تفرّد أصحاب رؤوس الأموال والشركات الخّاصّة بثروات الملكيّة العامّة بمختلف أنواعها لحسابهم الخاص , فتنتصب آلاف الشركات تنهبها كلّ يوم , في حين يحرم منها عامّة الشعب .
لذلك : لا يمكن لأيّ جهة في الدولة الاسلامية أن تستخرج أو تنتفع من أموال الملكية العامّة لصالحها , ولا يمكن أن تشترك فيها , فلا يجب أن توجد امتيازات التنقيب أو استخراج المعادن أو غيره لصالح أيّ جهة , لأنّ الامتياز حسب ما هو معمول به حاليّا هو تملّك أو مشاركة مقابل رسوم وأتعاب ... وكلّ هذا لا يجوز شرعا السّماح به لأنّه تفريط في ثروات المجموعة العامّة لصالح فرد أو جهة أو فئة...
كيفيّة الخروج من الوضع الرّاهن الفاسد الى حكم الاسلام:
انّ الوضع الرّاهن برمّته فاسد ليس فيه قابليّة الاصلاح , وذلك أنّ فساده نابع من طبيعة فساد النظام الدّيمقراطي الرأسمالي المطبّق علينا , وفساد فكرته الأساسية أو عقيدته التي تقوم على فصل الدّين عن الحياة , وهي عقيدة فاسدة لا تبنى على العقل بل على الحلّ الوسط , وغير مقنعة , ومخالفة لفطرة الانسان لأنّها تنفي السيادة عن الله الخالق , وتجعلها للانسان المحدود .
وهو نظام فاسد يطبّق علينا بالقوّة والقهر , وعن طريق التضليل , فلا تنفع معه لاصلاحه لجان مكافحة الفساد , ولا هياكل المراقبة , لذلك فانّ طريقة معالجة هذا الفساد الخطير المستفحل يكون فقط عن طريق بازالته كاملا , وقلعه من جذوره , ووضع الاسلام موضع التنفيذ العملي بشكل انقلابي أساسي شامل , وفق خطوات دقيقة واجراءات عملية أكيدة سنعرضها لاحقا .
ومن أجل الوصول الى مرحلة الاستقرار في ظلّ نظام الاسلام ,والانطلاق الحقيقي والفعلي نحو الوحدة والتوسّع كان لا بدّ من خوض مرحلة انتقاليّة مهمّة تقوم على عدد من الخطوات .
الخطوات العاجلة لمعالجة خلل التوازن المالي للدولة جرّاء فساد النظام:
أوّلا : مواجهة أعباء الدّولة : " يجب أن تكون في مدّة قصيرة يقع الاتّفاق عليها "
تمرّ الدّولة بأزمة حقيقية عند ضبط حجم ميزانيّتها والأبواب المخصّصة لها . وهي عادة ما تلتجئ للاقتراض لاكمال الفارق بين الموارد والانفاق , لذلك كان لا بدّ من رسم خطّة عاجلة وملزمة لمعالجة هذا الوضع وذلك ب :
- اعتماد سياسة تقشّف شديدة للغاية لكبح مصاريف كافّة أجهزة الدّولة ومؤسّساتها المختلفة , وضبط وجوه الصّرف , وحصره بالضروريات فقط , والغاء المشاركات الشكلية وغير الضرورية في المؤتمرات والندوات والقمم وما يتبعها من وفود ومندوبين وسفريات ومصاريف وضيافات .
- حصر الأعياد والاحتفالات والمهرجانات وما شاكلها , وتوفير جميع مخصّصاتها.
- اعادة هيكلة سريعة لمؤسّسات الدّولة وأجهزتها لاختصار ما يمكن والاكتفاء بالضروري منها فقط , وتحجيم ما تبقّى . فيجب حصر خدمات الدّولة ومسؤوليّاتها , والتخلّص من البطالة المقنّعة المقبوضة الأجر في كافّة المؤسّسات والدّوائر ابتداء من المستشار ونائب المدير والملحق , وانتهاء بالسّائق والحارس.
ثانيا : التخلّص من القروض بشكل فوري ومباشر:
لقد أصبح الاستمرار في توسيع دائرة المديونية سياسة رسمية ينتهجها الحكّام في تفريط ممنهج ومقصود لجميع مقدّرات البلاد الى الأعداء الكفّار من أميركا وأوروبا وروسيا وغيرهم. وذريعة تتّخذها الدّولة الحالية لرفع يدها عن جميع المرافق والمؤسّسات لصالح أصحاب رؤوس الأموال , وبالتّالي تتخلّى عن رعاية الشؤون استجابة لبرامج وسياسات الدّول الأجنبية ومؤسّساتها المالية وفي مقدّمتها طبعا صندوق النقد الدولي .
ولذلك لا بدّ من وقف العمل الفوري بكافّة اتفاقيات القروض ,ووقف الاقتراض , وبشكل أساسي وقف احتساب الفوائد على كافّة القروض والسّندات .
هذا , الى جانب البدء في التخلّص من كافّة القروض بالعملات الأجنبية ومفاوضة الدّائنين سواء على التأخير أو الاعفاء أو السّداد الجزئي , الى غير ذلك من الحلول الممكنة في اطار الضوابط الشرعية .
ثالثا : انهاء الدّعم على المواد الأساسية:
انّ الدّعم في مختلف بلدان العالم الثالث لا ينتفع منه الفقراء كما يروّجون , وبحجّة دعم الطّبقات الفقيرة تقدّم الدّولة خدمة كبيرة للأغنياء لأنّهم فعليّا هم من يستهلكون أضعاف ما يستهلكه الفقراء من طاقة ومواد . والدّعم في حقيقته سرقة خفيّة تقوم بها الدّولة باسم الفقر.
فالدّعم الذّي يغطّي بشكل أساسي المحروقات وبعض المواد الغذائية كالسكّر والقمح هو تموين من الفقراء الى الأغنياء , وعلاوة على ذلك هو استنزاف لمقدّرات البلاد , واخلال في عمليّات انتاج السلع والخدمات , وتوزيعها واستهلاكها , الى جانب كونه ذريعة تتخذه الدّولة تبرّر به التجاءها للمؤسسات المالية الأجنبية للاقتراض والتّسوّل .
والسّياسة الصّحيحة في ذلك التي يجب أن تتولّاها الدّولة هي :
- انسحاب الدّولة من سوق الاستيراد والتوزيع والبيع , والقيام بدور المراقبة الشّديدة للانتاج المحلّي من المواد الأساسية للتأكّد من تحقّق استراتيجية معيّنة في كافّة المجالات .
- السّماح لأفراد الأمة بالاضطلاع بمهمّة الاستيراد .
- رفع الدّعم وازالته للوصول الى سعر التّكلفة في هذه المواد ,الى جانب سعر التّكلفة لوحدات الماء والكهرباء .
- تقديم سعر متواضع لمعدّل استهلاك متواضع من الماء والكهرباء للأفراد بسعر التّكلفة وللمؤسّسات التّجارية والصّناعية على أساس السّعر التّجاري .
- تعمل الدّولة على منع جميع عمليّات الغش والاحتكار والتّحيّل وبخس الأسعار , مع العمل على منع فقدان بعض السّلع الأساسية من السّوق حتّى لا يستغلّ غيابها في ارتفاع الأسعار على النّاس .
الاجراءات المتعلّقة بالصّرف والنّقد والسّوق الماليّة:
- تعديل أعمال البنوك وخدماتها , واعتبارها جميعا فروعا لمصرف واحد هو مصرف الدّولة , مع الاستمرار في تقديم خدمات استقبال النّقود وحفظها واصدار بطاقات الصّرف الآلي وتحويل جداول الرّواتب المستحقّة الى غير ذلك من الأعمال التّي لا تخالف الشّرع .
- الوقف الفوري لأعمال كافّة شركات التّأمين واعادة التأمين , وانهاء عقودها , والغاء هذا النّشاط من السّوق نهائيّا .
- تجريم المعاملات الرّبوية ومنعها مع بقاء شركات الصرافة وتحويل الأموال للعمل مع الالتزام الكامل بالأحكام الشرعية المتعلقة بالعقود .
- تتّخذ كافّة الاجراءات اللّازمة لتصفية الأسواق المالية الحالية بشكل نهائي اذ يجب التّخلّص من الاقتصاد الافتراضي أو الوهمي , مع وقف سوق الاصدار للمشتقّات المالية أسهم أو سندات أو أذونات أو مهما كان الشكل , الى جانب وقف جميع أعمال البورصات والعمل لتصفيتها .
- وضع سياسة واضحة وسريعة تتعلّق بالاستيراد والاستهلاك ودائرة الموانئ والجمارك وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات .
- مراجعة القوانين المتعلقة بالشّركات , ووصفها بناء على الأحكام الشرعية لفقه العقود , وبعد ذلك يتمّ توجيه الشّركات لتعديل أوضاعها وفق ذلك , ومراعاة تأسيس جميع الشركات بناء على ذلك .
وضع اجراءات فوريّة لتنظيم قطاع الملكيّة العامة ومرافقها:
أوّلا : مراجعة التّشريعات والقوانين على الأسس التّالية:
- العمل على تنظيم وتسهيل انتفاع جميع أفراد الأمة من قطاعات ومرافق الملكية العامة.
- يتمّ هذا الانتفاع دون تمييز أو احتكار أو استئثار من شخص أو فئة أو جهة.
- منع تمليك احدى مرافق هذا القطاع لفرد أو شركة أو جهة.
- تتولّى لجان فنّية مختصة في مجلس الشورى عملية المحاسبة لمختلف الهيئات والدّوائر
ثانيا : أهمّ المرافق المعنيّة بمراجعة تشريعاتها
- قطاع الطّيران والمطارات والنّقل الجوّي
- قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية
- قطاع البثّ الفضائي والاعلامي والتّجاري
- قطاع النقل البحري والمرافق المائية والشواطئ
- قطاع النقل البرّي ومختلف مرافقه
- قطاع الميادين العامة والحدائق والمحميّات والغابات
- قطاع الثروات الطبيعية , وهي جميع ما على الأرض أو في الهواء من خيرات كالمناجم والمعادن والطاقة والغازات وسائر المواد.
الوضع الجديد بعد تصحيح الأوضاع:
& ازالة النظام الرأسمالي الدّيمقراطي وأدواته
& وضع اجراءات عملية تمهيد لوضع نهائي في ظلّ الاسلام
كيف السبيل للوصول الى هذه المرحلة النهائية بعد ازالة النظام الرأسمالي؟:
إن العلاج الجذري لكل هذه الفوضى التّي تمرّ بها البلاد ومختلف هذه الأزمات هو العلاج الذي يوجد حكماً منبثقاً عن الأمة. أي حكما منبثقا عن العقيدة الاسلامية لأنّنا مسلمون . وهذا يعني أنه لا بد من إيجاد الفكرة السياسية التي من شأنها أن يقوم عليها حكم وأن تبنى عليها أفكار وأن تنبثق عنها أنظمة. ثم بعد تبلور هذه الفكرة والاتّفاق عليها بوصفها فكرة اسلامية وطريقا للنهضة والرقيّ بعد معالجة الأوضاع الفاسدة الرّاهنة , وإيجادها في الناس وطغيانها على الأجواء يحصل العلاج الجذري على أن يكون البدء بإيجاد هذه الفكرة وإيجاد الحكم على أساسها هو الذي يفسح المجال لها لأن تأخذ طريقها إلى النفوس عن طريق إباحة البحث والتفكير والنقاش ليقرع الرأي بالرأي حتى يلتقي جمهرة الناس على الفكرة.وحينئذ يكون قد بدأ السير في الطريق السوي.
هذا هو علاج الحكم في تونس أو حتى في ليبيا أو مصر أو اليمن أو غيرها. وبعلاج أزمة الحكم تعالج الأزمة السياسية أما ما هي التفصيلات العملية والإجراءات السياسية التي تتخذ للقيام بذلك فهي الآتي:
أولاً:الجيش:
الجيش في جملته هو حارس البلاد من العدو في الخارج فيجب أن يكون حارساً للبلاد من النفوذ الأجنبي. وأن يكون أيضاً هو القوة إلى تنفيذ الإصلاح. ويجب أن يدرك الجميع وضباط الجيش أولهم أن هناك فرقاً بين القوة والسلطة. ولما كان الجيش قوة فإنه لا يصح أن يتولى السلطة ولا بوجه من الوجوه. ولما كان الجيش أيضاً حامي البلاد وكانت البلاد محل طمع للدول الأجنبية بواسطة العملاء وذلك يؤثر على مهمة الجيش الدفاعية؛ لذلك لا بد أن يظل الجيش مشرفاً على الحكم في السياسة الخارجية فقط أثناء فترة انتقالية لحين ينبثق الحكم حقيقة عن الأمة وتصبح الأمة فعلاً هي المشرفة على الحكم. ومن أجل أن يتمكن الجيش من الإشراف على الحكم بالنسبة للسياسة الخارجية فإنه لا بد من العمل على إيجاد مجلس أمن محلي مؤلف من عدد من الأعضاء برئاسة رئيس الدولة. وهؤلاء الأعضاء تكون أكثريتهم من الجيش
ثانياً:الحكم:
إن القيادة لا تكون إلا فردية والحكم لا يكون إلا فردياً وليس جماعياً، ومن السخف القول بالحكم الجماعي. النظام الديمقراطي الذي جعل الحكم بيد الوزارة لم يكن عملياً في يوم من الأيام. وإنما كان الحكم واقعياً بيد رئيس الجمهورية كما في أميركا أو بيد رئيس الوزراء كما في بريطانيا. ولم يكن الحكم بيد الوزارة مطلقاً إلا بالاسم. وبناءً على ذلك: يتولى رئيس للبلاد يكون هو الحاكم ويعاونه في ذلك وزراء تكون لهم نفس الصلاحيات التي له ولا يصح أن يخصص واحد منهم بعمل فقط إلا أنه لا يقوم بالعمل إلا بعد أن يطلع الرئيس عليه. وإلى جانب ذلك يعمل على إيجاد إدارة عامة يتولاها مدير عام عملها أن تكون واسطة بين الرئيس والوزراء وبين باقي الدوائر تبلغ ما يطلب منها الحاكم وترفع إليه ما يأتي اليها.
وبهذا يكون قد وجد جهاز الحكم. أما باقي الوزارات فتبقى على حالها وتعتبر دوائر إلا أن كل إدارة يتولاها المدير بدلاً من الوزير
ثالثاً:مجلس الشورى:
اعتاد الناس على مجلس النواب باعتبار أعضائه نواباً عن الأمة فيترك الناس أن ينتخبوا ممثليهم الذين يراقبون الدولة. وإنه وإن جعل لمجلس النواب صلاحية التشريع وصلاحية محاسبة الحاكم ولكن الواقع العملي أنه لا يمكن أن يقوم إلا بالمحاسبة وهو حال المجالس النيابية حتى عند أرقى الأمم. أما التشريع فيقوم به الفقهاء أو رجال القانون وتؤخذ موافقة مجلس النواب شكلاً. وما دام واقعياً هذا عمله فليكن مجلس شورى تكون له صلاحية حجب الثقة عن الوزراء والولاة. وتكون له صلاحية إعطاء الرأي والرجوع إليه في الرأي ومحاسبة الحكام. ويختار أعضاء مجلس الشورى ممن يعرفون بأنهم ممثلوا أحيائهم وقراهم ومدنهم لأن التمثيل ليس للناس فقط بل للناس في المجتمع. وهو تمثيل الأحياء والبلدات والقرى وليس تمثيلاً للأفراد فقط
الإجراءات الوقائية:
إن الدول الأخرى وبخاصة الطامعة في بلادنا لن تتركنا نعالج أزمة الحكم علاجاً جذرياً أو نعالج الأزمة السياسية معالجة ناجحة بل ستوجه لنا شتى العراقيل ومختلف الصعوبات للحيلولة دون معالجة أزمة الحكم لذلك لا بد من إجراءات وقائية تحمي البلاد تضمن السير بالعلاج سيراً ذاتياً خالصاً.
وهذه الإجراءات هي
1- الغاء التمثيل بين تونس وبين الدول الطامعة فيها من أوروبا وأميركا وذلك بإقفال سفاراتها وقنصلياتها في البلاد وعدم فتح سفارات أو قنصليات فيها مهما ترتب عن ذلك من نتائج
2 – اقفال كل سفارة وكل قنصلية يلاحظ لها أي نشاط في البلاد سواء أكانت أجنبية أو غير أجنبية
3- فرض الإقامة الجبرية في دورهم ومنازلهم على السياسيين المعروفين بعمولتهم للدول الأجنبية ولو من قبل الظن القائم على الأدلة الظنية وذلك طوال الفترة الانتقالية
4- فرض الإقامة الجبرية على أصحاب رؤوس الأموال المتورطين في الفساد والنهب وذلك طوال الفترة الانتقالية
5 – أن يقع إخراج كل ضابط من الجيش قام الدليل الظني على أن له صلات أو ميولاً لدول اجنبية
6 – أن يقع إخراج الإعلاميين الفاسدين من المؤسسة الإعلامية وأن يخضع الإعلام لمجلس مراقبة لا يجعله عرضة للانحراف أو الضغط عليه من أي جهة كانت
7 – الامتناع عن أخذ المساعدات والقروض الأجنبية سواء أكانت اقتصادية أوعسكرية أو مواد غذائية
8 – أن يمنع من دخول البلاد أو الخروج منها جميع السياسيين المعروفين بعمولتهم للدول الأجنبية مهما كانت الاسماء
9 – فرض حظر على كل الجمعيات والمنظمات التي لها صلة بدول استعمارية أو تمولها جهات اجنبية
الإجراءات الفكرية النظرية:
إن النهضة لا تتحقق على أساس الأنظمة والقوانين. وإن هذه الفكرة الخاطئة هي نتيجة المغالطات التي حملها الغرب ألينا. ومن جراء هذا الخطأ الفادح سار المسلمون في محاولات النهضة منذ مدة طويلة وحتى الآن وهم يتعثرون. والأنظمة والقوانين هي فقط معالجات للأعمال اليومية فلا تحدث نهضة ولا تحدث أي اثر في النفس؛ لأن النهضة لا تكون إلا على أساس فكرة سياسية يقوم عليها الحكم. لأن الحكم هو فكرة تنفيذ ومنها تنبثق الأنظمة والقوانين وعليها تبنى أفكارالحياة.
لذلك كان الطريق إلى النهضة وإلى الإصلاح هي إيجاد فكرة سياسية يقوم عليها الحكم أو بعبارة أخرى بناء الحكم على عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام وقوانين وتكون هي وجهة النظر في الحياة. وما قامت نهضة في الدنيا إلا على هذا الأساس ولا سار أحد بنهضة وحققها إلا سار في هذا الطريق. لذلك كان لا بد قبل الحديث في الدستور وفي الأنظمة والقوانين البحث في الفكرة التي يقوم عليها الحكم ويقوم عليها المشروع الإسلامي.
ملاحظة هامة: ليس معنى قيام الحكم على فكرة هو اتفاق السياسيين على فكرة أو تبني الحكام لفكرة. لأن هذا لا يحدث نهضة ولا يوجد اصلاحا.
والمسلمون في تونس لديهم الفكرة الإسلامية. ولكن ليس كفكرة سياسية من جهة ولا كعقيدة عقلية وقيادة فكرية من جهة أخرى. وإنما هي عندهم كفكرة روحية فقط ولكن ليس لديهم أية فكرة سياسية. وفي مقابل ذلك فإن المثقفين السياسيين لديهم فكرة سياسية وهي فكرة فصل الدين عن الدولة. إلى جانب شعارات الحرية والوطنية والديمقراطية مما حجب الحاجة إلى فكرة سياسية صحيحة. فما يوجد في البلاد هو شعارات فقط ولا توجد أية فكرة سياسية وبخاصة بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي" وما دامت هذه الشعارات فارغة المضمون هي المسيطرة فلن يحصل أي استقرار ولن يحصل اتجاه للنهضة وعلاج للأزمة. لذلك فإن الاستقرار والتغيير الحقيقي يستوجب إيجاد فكرة سياسية في البلاد أولاً يحتضنها الناس ويقوم عليها الحكم ومنها يبدأ العلاج الجذري. والذين يعملون لإيجاد فكرة سياسية يبنى عليها الحكم سيجدون أنفسهم أمام الفكرة الإسلامية وجهاً لوجه ولن يجدوا غيرها. ففكرة فصل الدين عن الحياة لا يمكن أن تنبت إلا في بلاد دينها كهنوتي لا يملك حلولاً لمشاكل الحياة. وفكرة كهذه لا يمكن للمسلمين أن يعتنقوها إلا إذا حملت إليهم بالغش والكذب أو طبقت عليهم بقوة البوليس والجيش أو إذا كفر المسلمون بالقرآن وكفروا بما جاء فيه من آيات الحكم والتشريع فيكونون قد خسروا آخرتهم قبل دنياهم.
إن الوضع في تونس وفي كامل البلاد الإسلامية يقتضي الآن أن تؤخذ الفكرة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية أساسية وأن يعمل لإيجادها بمفهومها السياسي في المسلمين ويبنى عليها الحكم، وحينئذ سيحصل الاستقرار بكل تأكيد وستبدأ البلاد قطعاً السير في طريق النهضة والإصلاح. والمدة اللازمة لهذا يمكن جعلها لا تتجاوز ستة أشهر.

الاجراءات العمليّة على الأرض لتجاوز المرحلة الانتقالية:

1 – يجب أن تتبلور الفكرة الإسلامية بأفكار أساسية لها واقع ينفذ ويحرص على أن تبرز فيها مقومات تعطيها الصورة الواضحة.
2 – تطرح هذه الفكرة بين الناس ويطلب إليهم أن يناقشوها بكل صراحة لا بوصفها فكرة روحية فقط ولا بوصفها فكرة سياسية فقط بل بوصفها فكرة روحية سياسية على اعتبار أن معنى الروح هو إدراك الصلة بالله إدراكاً عقليا.ً
3 – يعمل أن يشترك في هذا النقاش جميع الناس مهما اختلفت آراؤهم حتى يتجلى كنهها وتبرز قوة الناحية الروحية فيها عقلاً وتبرز كذلك الناحية السياسية بشكل يوضع الإصبع على واقعها. ويطلب من الجميع لكل أن يبدي رأيه، ويكون النقاش عاماً وجدياً في الفكرة لا في الأنظمة؛ أي في أفكار العقائد والأفكار المتعلقة بفهمها والأفكار السياسية المتعلقة بها؛ لأن المراد القطع بأخذ الفكرة وليس مجرد بحث الأنظمة والقوانين. فلا بد أن تحصل القناعة بالفكرة والثقة بصلاحيتها فكرة سياسية يبنى عليها الحكم. وهذا يأتي به النقاش والأخذ والرد وإباحة القول فيها إباحة مطلقة دون قيد.
4 – تفسح أمام هذا النقاش كل وسائل الإعلام للناس من إذاعة وتلفزيون وصحافة ونواد ومنتديات ومساجد. بل وتسخر جميعها لهذا النقاش وأن يهيئ الحكم المؤقت كل ما يقتضيه هذا النقاش من رعاية وحماية بل والضرب بيد من حديد على يد الذين يقفون في وجهه.
5 – بعد أن ينضج هذا النقاش ويأخذ مداه توضع هذه الفكرة أمام المجلس فيناقشها مرة أخرى ويناقش كل ما جرى حولها من نقاش وبعد ذلك يتخذ قراراً بشأنها، وحينئذ يقرر أن يقوم الحكم على هذه الفكرة؛ أي تقرر الأفكار الأساسية التي تحويها ليقوم عليها الحكم.
وبهذه الإجراءات ومن جراء تفاعل هذه الفكرة في نفوس الناس فإنه يمكن للحكم أن يقوم عليها بشكل طبيعي بل حتمي ثم يقع المباشرة بعد ذلك بوضع المعالجات للأعمال اليومية من الأحكام التي تنبثق عن الفكرة المحددة بأفكار معينة؛ أي يباشر بوضع الدستور والقوانين للبلاد وليس قبل ذلك.
فترة الانتقال" أو "المرحلة الانتقالية" تعتبر كل المدة التي يجري فيها علاج أزمة الحكم فيكون الحكم فيهامؤقتاً.
وفي هذه المرحلة لا بدّ من التنبيه أنّه:
ا_ لا يصح أن تربط البلاد بآية اتفاقات خارجية سواء الاتفاقات السابقة أوحين قيام الحكم المؤقت
ب_ تحديد فترة المدة الانتقالية هذه بمدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ قيام الحكم المؤقت
ت_ يبادر لإجراء انتخابات عامة لمجلس النواب عن الناس حال اتخاذ قرار بالفكرة الإسلامية الاساسية
ث_ هذا المجلس المنتخب يحصر المرشحين لرئاسة الدولة بأشخاص محدودين عدداً ويطلب من الأمة أن تنتخب منهم رئيس دولة انتخاباً يضمن الرضا والاختيار المطلق.
ج_ ومتى تم انتخاب رئيس الدولة ينتهي الحكم المؤقت وتسير البلاد في طريق النهضة الصحيحة. وذلك من خلال العمل على تطبيق مجموع الاجراءات العملية في المرحلة اللازمة لازالة آثار النظام الرأسمالي ووضع الأحكام الشرعية أساسا للعلاقات الجديدة.

خطر النظام الرأسمالي الدّيمقراطي وعدل الاسلام:
لقد جعل النظام الرأسمالي من الدّولة والحاكم مجرّد أدوات لخدمة أصحاب رؤوس الأموال على حساب الشعب . وكانت السّلطة موظّفة وأجيرة عند هؤلاء تحفظ لهم نفوذهم , وترعى لهم مصالحهم, وتقوم بتسهيل كلّ عمليّات النهب والابتزاز .
أمّا في الاسلام فالدّولة تقوم بتطبيق الأحكام الشرعيّة على الجميع بدون تمييز ولا استثناء ,فلا يوجد حصانة على أحد مهما كان منصبه في الدّولة . أمّا في الجانب الاقتصادي فهي تعمل على تحقيق الحاجات الأساسية لكلّ فرد من الأفراد بوصفه عمرو وزيد وصالح ضمن المجتمع , كما تقوم بتأمين الحاجات الأساسية الجماعيّة للمجتمع من أمن وصحّة وتعليم ونظافة ..
وتتدخّل الدّولة لتمكين جميع أفراد الشعب والأمة للعمل وفسح المجال لهم . كما تتدخّل لمواجهة أيّ انحراف أو سوء تدبير أو خلل نتيجة أيّ ظرف أو طارئ.
والثروة تغطّي جميع الحاجات الأساسية لكلّ فرد , لأنّ هذه الحاجات محدودة , وهي حاجات كلّ انسان بغضّ النّظر عن جنسه ودينه ومذهبه , وهذه الحاجات هي المأكل والملبس والمسكن كما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّة الله تعالى" , وجاء أيضا في الحديث " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم".
أمّا اذا لم تكف أموال الدّولة لسدّ هذه الحاجات فانّ الدّولة تقوم بالتدخل من أموال الملكية العامة , وبفرض ضرائب على أغنياء المسلمين لمعالجة هذا الخلل , فلا يسمح بوجود دائع أو مشرّد في المجتمع الاسلامي .
أمّا الحاجات الأساسية للمجتمع والجماعة فهي الأمن والصحّة والتّعليم , أي الأمن في جميع أحواله لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم " من أصبح منكم آمنا في سربه , معافى في جسده , عنده قوت يومه فكأنّما حيزت له الدّنيا " , فواجب على الدّولة تأمين هذه الحاجات في كلّ وقت وحين .
الواقع الحالي للأمّة وتوجّهها :
انّ الحقيقة الواضحة لكلّ العيان أنّ الرأي العام الحالي في الأمّة انّما يسير نحو الاسلام . ورغم محاولات الكفّار وعملائهم من الحكّام لطمس هذه الحقيقة لكنّها ظلّت ظاهرة جليّة . بل رغم التشويه والصّورة البشعة التي حاولوا اظهارها للناس عن الاسلام وعن الحكم بالاسلام , الّا أنّ التّوجه العام لشعوب المنطقة لم يتغيّر واستمرّ لصالح الاسلام .
فالمسلمون في سوريا لم يقبلوا بمخطّط التّقسيم , ولم تنجح الحركات العلمانية في الدّفع نحو ذلك رغم التّدمير والقتل وسفك الدّماء .
والنّاس الى اليوم رغم بشاعة التضليل وفضاعة القتل وتضليل الدّيمقراطية مازالت لا تتجاوب الّا مع الخطاب الاسلامي وترفض احتضان من يجاهر بعدائه للاسلام .ومازلوا يختارون الحركات الاسلامية في الانتخابات رغم انحراف الكثير منها .
ومازال الحكّام اليوم يعجزون عن تمرير شيء بين الناس الّا باسم الاسلام وفتوى المفتين ومباركة سماسرة الدّين .وجميع ما ذكرناه يؤكّد حقيقة واحدة لا غير وهي أنّ تطلّعات هذه الشّعوب انّما هي نحو الاسلام وحده , ولا يقبلوا غيره ليكون أساسا لحياتهم ولدولتهم , واذا حدث أن استمرّت هذه الأنظمة العلمانية الى اليوم فهو بسبب سياسة التضليل المقصود , والمتواصل وعن طريق الحديد والنّار.
أزمة بعض الحركات الاسلامية :
رغم وجود هذه الحاضنة الشّعبية , ورغم اتّساعها , وهي المؤيدة والمناصرة للمشروع الاسلامي ,ولكن الحركات الاسلامية التي وصلت الى الحكم فشلت فشلا ذريعا من الاستفادة من هذه الحاضنة الكبيرة وتسخيرها نحو حماية هذا المشروع بتطبيق الاسلام تطبيقا انقلابيا شاملا , وقبلت في المقابل بالمساومة والتفاوض على القضايا المصيرية للأمّة , فأصبحت جزءا من المنظومة نفسها الفاسدة , تطبّقها وترعاها, بل صارت الحامية لها .
أمّا بعض الحركات الأخرى فهو امّا ذاب ذوبانا كلّيا داخل الحركة الحاكمة وصار جزءا منها مقابل منصب أو مناصب , أو هي بقيت في نفس الدّائرة عاجزة عن التّقدم خطوة أخرى للأمام نحو التّغيير والنّهضة .
فجلّ الحركات الاسلامية امّا هي انساقت في مشاريع الأعداء التّقسيميّة على أساس المذهب واللون والطائفة , وأصبحت هي بدورها جزءا من مشروع الشرق الأوسط الكبير يحمي العلمانية والنظم الديمقراطية الفاسدة , أو هي حركات مازالت تصارع وتكافح من أجل ما بقي من مشروع اسلامي , لكنّه مشروع يفتقد للرؤية الواضحة والطريق السليم , وظلّت تسير على خطى ارتجالية , وتتخبّط خبط عشواء ,الى جانب رفعها شعارات عامة هولامية غير مفهومة لا تجد لها واقعا مبلورا وملموسا من بين أحكام الشرع .
ولكن لم تقف مشاكل الحركات الاسلامية عند هذا الحدّ , بل انّ الخلافات العاصفة فيما بينها جعلتها تخوض صراعات طويلة في جزئيّات الأمور وصغائرها , الى جانب موجات التشكيك والاتّهامات المتبادلة , مع اهمال تامّ لكبريات القضايا للأمّة كالوحدة والنهضة والدّولة والحكم والأخوّة وغيرها .وقد أثّرت هذه الصراعات والخلافات كثيرا سواء من حيث عملها في الأمّة , أو من حيث تأثيرها سلبا على علاقات حملة الدّعوة فيما بينهم وكان ذلك ضغثا على ابالة في مسيرة التّغيير.
وبدل أن يجعل الجميع الشّرع وأحكام الاسلام قاعدة لفضّ أي خلاف أو نزاع , ومقياسا حقيقيا وفعليّا يعود اليه الجميع عند الاختلاف , ووضع حقوق الأخوّة فوق كلّ شيء , عوض ذلك , سيطرت الأهواء والنّزوات علينا جميعا , وغلب الانقياد الى الشّيوخ والأمراء والزعماء على الانقياد الى المبدأ , فولّد جميع ذلك موجات من التّصادم والتّنافر , بدل التّعاون والانسجام , مخالفين قول الله تعالى " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " .
ما الحلّ ؟ وكيف السبيل الى التغيير واحداث النّهضة ؟ :
تقف تونس ومعها كامل المنطقة على شفا بركان هادر وهوّة سحيقة لا مخرج منها عند السّقوط الذي بات يتهدّد الجميع اليوم , واذا لم تتظافر جهود المخلصين من أبناء الأمّة للحيلولة دون حدوث ذلك , فانّ الوضع سيزداد سوءا وتأزّما , وستصبح الحركات الاسلامية نفسها عاملا من عوامل الانتكاس في الأمّة. ولكن رغم كا آلت اليه الأوضاع من تردّي لصالح الغرب الكافر , ورغم خطورة الوضع وخطورة التّرتيبات الجديدة في مشروع الشرق الأوسط الكبير التي تسير نحو تفكيك الدّولة ورفع يدها عن رعاية الشؤون لصالح القطاع الخاص وما يسمّى منظمات المجتمع المدني , ورهن البلاد لسياسات أمنية وعسكرية تعدّها وتشرف عليها قيادات أجنبية , أمريكية وأوروبية , تحت ذريعة الحرب على الارهاب , رغم كلّ هذا , ولكنّ الفرصة مازالت سانحة لافشال هذا الورم السّرطاني الذي ينتشر في جسد الأمة تحت مظلّة الرّبيع العربي , وانقاذ البلاد والعباد من براثن الغرب الكافر المستعمر , والوصول بالأمّة جمعاء وليس بالشعب في تونس وحده الى التغيير الحقيقي المحدث للنهضة الشاملة على أساس الاسلام , وتحرير ارادتها وارادة حكّامها من الارتهان للخارج .
ولكنّ هذا التغيير لا يتحقّق , وهذه النهضة لا تحدث , الّا اذا أدركنا حقيقة الصّراع الحالي الداّئر بيننا وبين الغرب الكافر المستعمر من كونه صراع بين الاسلام والكفر , وبين الحقّ والباطل , وبين الأمّة المسلمة والكفّار .
حقيقة هذا الصراع لا يمكن اخفاؤها ولا تجاهلها مهما وقع التستّر عليها , ومهما وقع تغليفها بعناوين اقتصادية واجتماعية وغيرها , بل هذه الحقيقة التي يحاولون جاهدين اخفاءها علينا ومنعنا من خوض الصراع على أساسها لا يصرّحون بها فيما بينها ولا يتكرونها في الوقت الذي يمنعونها عنّا .
ففي 18فيفري 2014 قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري من تونس ب" أنّ اهتمامنا كأمريكان بالمنطقة هو القضاء على الشكل الراديكالي للاسلام وليس الاسلام المعتدل " .
وهو نفس الكلام الذي صرّح به وزير الدّاخلية الفرنسي ليوم 26ماي 2013عندما قال " لا بدّ من محاربة الاسلام الرّاديكالي في تونس ".
فالصراع الدائر اليوم في المنطقة , والذي يخوضه الغرب الكافر ضدّنا انّما هو صراع واحد لا غير مهما كانت التسميات والعناوين والشعارات التي يخفونه تحتها , وهو الصراع بين الاسلام والكفر , تارة يأخذ اسم " الحرب على الارهاب " , وطورا يكون تحت شعار " ثورات الجماهيرعلى الفساد" وأحيانا باسم " دعم الانتقال الديمقراطي " .
انّ هذه الأمّة ومنها الشعب في تونس ليست منبتّة , ولا هي مقطوعة الجذور , ولا غائبة من التّاريخ أو معدومة الحضارة , ولكنّها أمّة تعتنق الاسلام منذ قرون كثيرة , وتحمل عقيدة هي وحدها العقيدة المقنعة للعقل والموافقة للفطرة والمحدثة للطمئنينة الدّائمة وهي العقيدة الاسلامية , والأمة الاسلامية مسؤولة عن غيرها من الأمم والشّعوب , وبالتّالي هي مسؤولة عن تبليغ هذا الدّين الى العالم كلّه لانقاذ البشرية .
" وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ "
" قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا "
فالله سبحانه وتعالى أرسل خاتم الأنبياء والمرسلين محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره الكافرون المبغظون , أليس هو القائل " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ "
وكان الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم هاديا لجميع البشر , وكان رحمة للعالمين , وكذلك , وبالاسلام كان المسلمون أمّة مسؤولة عن حمل الرّسالة للعالم أجمع فيخرجوا الناس شعوبا وأمما من الظلمات الى النور , ومن جور الأنظمة الفاسدة الى عدل الاسلام الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)"
وما يرفع الهمّة , ويقرّب الغاية , ويجعل هذا الحمل الثقيل يتهاوى أمام عظمة المهمّة هو شدّة معاناة الانسان اليوم وليس المسلمون فقط , وهم يكتوون بظلم النظام الدّيمقراطي الرأسمالي وعقيدته الفاسدة التي تقوم على فصل الدّين في الحياة .
ولكنّ التحرّك للتغيير , والسير للنهضة ,يجب أن يكون من أجل المبدأ وحده , وليس من أجل الوطن والشعب , لأنّ التّحرّك من أجل الوطن والشعب يكون منقوصا , فلا يضحّي من أجل الشّعب تضحية كاملة , لأنّه لا يشعر شعورا فكريّا بالأوضاع التي تكتنفه , ولا يحسّ احساسا فكريّا بحاجات الشعب .
ولو فرضنا أنّه ثار وطالب بالنهضة والرّقي , فانّها حينها ثورة وليدة صدمة من الصّدمات مع مصالحه الخاصّة , أو ثورة تقليدية لثورات الشعوب , ولذلك لا تلبث أن تزول حين تذهب الصّدمة وذلك بتلقيمه وظيفة , أو ارضاء نزعاته , أو أنّها تزول حين تصطدم لأنانيّته ومنافعه , أو يناله أذى , كما هو الحال اليوم بعد أحداث خديعة الرّبيع العربي .
وطريق النهضة كذلك واحد لا يتعدّد وهو النهضة على أساس الاسلام وحده , فلا بدّ أن تُتّخذ العقيدة الاسلامية أساسا لكلّ فكر وكلّ علاج , لأنّها عقيدة سياسية الى جانب كونها روحية , فتضمّنت معالجات لكلّ مشاكل الحياة . فيستحيل الوصول الى الرقي المنشود , والنهضة المرجوّة على أساس غير الاسلام , أي يستحيل تحقيق ذلك على أساس الثقافة الغربية , فمن أسباب أزمة المثقّفين اليوم أنّهم منفصلون عن الأمّة , وعن فكرها , وعن شعورها , لأنّهم مثقّفون ثقافة فاسدة , فتعلّموا كيف يفكّر غيرهم لا كيف يفكّرون هم . لذلك تجد فكرهم غير متّصل ببيئتهم وشخصيّتهم وتاريخهم , ولا هو مُستمدّ من مبدئهم, وبذلك أصبحوا غرباء عن الشعب .
وتفكيرهم على أساس غير الاسلام حملهم اخلاصهم للغرب على الوحشة من مجتمعهم , واحتقاره , والابتعاد عنه , كما حملهم على الأنس بالأجنبي واحترامه , والتقارب منه , ومقابلته بالاهتمام ولو كان مستعمرا قاتلا متوحّشا .
فالأمّة اليوم وهي المسؤولة عن حمل الاسلام الى العالم , لا تقدر على الاضطلاع بمسؤولياتها الّا بعد أن تلفظ هذا النظام , وتلفظ ما معه من أفكار فاسدة منبثقة عن عقيدة فصل الدين عن الحياة كالدّيمقراطية وما يسمى بالدولة المدنية , وافساد المرأة بحجّة تحريرها , وغير ذلك من الأفكار الهدّامة.
وهي لا تفعل ذلك الّا اذا بادرت بوضع الاسلام كلّه موضع التّنفيذ والتّطبيق , فالأمّة الاسلامية كما رأينا تعتنق العقيدة الاسلامية – فكرة كلّية عن الكون والانسان والحياة – عقيدة سياسية الى جانب كونها عقيدة روحية تُتّخذ أساسا لرعاية الشؤون , وقاعدة فكرية تُبنى عليها جميع الأفكار , وقيادة فكرية تقود معتنقها الى حملها للناس كافّة .
والعقيدة الاسلامية وجهة نظر معيّنة في الحياة , تصوّر الحياة بأنّها الحلال والحرام , وهي المساعدة في السعي لنيل رضوان الله تعالى .
والاسلام رحمة للعالمين , فهو الوحيد الذي حُمل للشعوب الأخرى , ولكن جعل السّيادة على الشعوب الأخرى للمبدأ , أي للاسلام , كما هو عند الأمّة الحاملة , ولم يجعلها سيادة بشريّة كما تفعل بقية المبادئ.
والاسلام ساوى بين الأمّة الحاملة للاسلام , وبين غيرها من الأمم المستقبلة , ولم يجعلها علاقة استعمار.
فالحلّ واحد , وغير متعدّد , وهو أن تعمل الأمّة جميعا من أجل وضع هذا الاسلام موضع التّنفيذ الفعلي دون تردّد , وهو فرض فرضه الله علينا زيادة عن كونه الطريق الوحيد للنهضة , فرض علينا جميعا أفرادا وجماعات , وشعوبا , وعلى هذا الخير الكبير , والفرض العظيم يجب أن تتكاتف الجموع , وتتعاضد الجهود , مترفّعين عن صغائر الأمور , وعن الاختلافات التّي تفرّق ولا تجمع , فيجب لهذا أن نكون جميعا أوّل بذرة خير في الجمع , وليس بذرة شرّ في التفرقة عملا بقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ30نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩ (38).
والاسلام دين كامل من الله تعالى لانقاذ البشرية من الظلمات الى النور , والاسلام يقوم على مجموعة من الأفكار الرئيسية والهامّة التي تحفظ الأمة وكيانها , كما تحفظ الدّين والدولة , وهي أفكار توحّد ولا تفرّق , وهي ما يجب التعاون فيما بين الجميع لبلورتها للناس وافهامها ايّاهم لتكون بصمة شخصية الأمّة عند التغيير .
وهذه الأفكار الرئيسية التي ندعو الجميع للالتفاف حولها , والعمل لجعلها قناعات متجذّرة في عقل كلّ مسلم لا تخضع للمساومة ولا للتبديل , وتكون هي المحدّدة لكل سلوك هي : العقيدة والدّولة والأخوّة والجهاد والعرض...
فالمسلون اخوة من دون الناس , حربهم واحدة وسلمهم واحد , والمسلم أخ المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يقتله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وان كان سباب المسلم فسق فقتاله كفر, عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سِباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ , فلا يجوز للمسلمين أن يتنافروا أو يتباغظوا أو يتقاتلوا كما يفعلون اليوم , كما لا يجوز المشاركة في قتال طائفة من المسلمين ولا العمل أو الدعوة الى تقسيمهم , خدمة لمخطّطات العدوّ الكافر.
والاسلام لا يطبّق الّا بدولة تطبّقه في الدّاخل , ولا يُحمل الى الخارج الّا بدولة تحمله الى الشعوب والأمم بالجهاد في سبيل الله , وبالدعوة البليغة المؤثرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر