الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذج من قتل الفلاسفة فى التاريخ العربى/ الإسلامى

طلعت رضوان

2017 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نماذج من قتل الفلاسفة فى التاريخ العربى/ الإسلامى
طلعت رضوان
تعرّض كثيرون من الفلاسفة للاضطهاد . وأثبتتْ وقائع التاريخ أنّ هذا الاضطهاد تم بتحالف المؤسسات السياسية مع المؤسسات الدينية. وكانت واقعة إعدام الفيلسوف اليونانى سقراط بداية هذا الموقف العدائى من الفلسفة، خاصة إذا علمنا أنّ التهمة الموجّهة لسقراط هى ((إفساد عقول الشباب والترويج للآلهة الأجنبية)) هذا الإتهام يدل دلالة قاطعة على تحالف مؤسستىْ الحكم والدين، المؤسسة الأولى تحجّجتْ ب ((إفساد عقول الشباب)) لمجرد أنّ سقراط كان يبذر فى عقول مستمعيه أهمية التفكيرالحر، وعدم التسليم بكل ما يقال، ورفض تصديق أية ثوابت إلاّبعد إعادة النظرفيها إلخ أما تهمة ((الترويج للآلهة الأجنبية)) فهى من صياغة مؤسسة الدين التى تحرص على الأحادية وتــُعادى التعددية. والنتيجة عدم التعرف على معتقدات الشعوب الأخرى .
استمر الاضطهاد إلى أنْ وصل ذروته فى العصرالوسيط فى الغرب والشرق . وهذا الاضطهاد أخذ عدة أشكال ما بين رفض المُنجز العلمى مثلما حدث مع كوبر نيكوس وجاليليو، إذْ أثبتا أنّ الأرض مجرد كوكب فى المجموعة الشمسية. وهذا يُخالف ما جاء بالكتب التى يُـقـدّسها رؤساء الكنائس. ووصل الارهاب الفكرى (فى الشكل الثانى للاضطهاد) لدرجة إحراق بعض الفلاسفة أحياءً كما حدث مع العالم والفيلسوف جوردانو برونو الذى أحرقه القساوسة الأتقياء فى ميدان روما مع مطلع عام 1600 لمجرد أنه أيّد نظرية كوبرنيكوس وجاليليو، ودعا البشرية إلى العودة لديانة مصر القديمة لما تنطوى عليها من التسامح والتعددية (قبل كارثة أخناتون)
وما حدث فى أوروبا تكرّر فى الخلافة الإسلامية. والأمثلة كثيرة وإنّ كنتُ أرى أنّ أبشعها ما حدث مع ابن المقفع وصديقه عبدالحميد الكاتب. ففى أثناء فترة الخلافة العباسية ، كان المطلوب إعدام عبدالحميد الكاتب. كان ابن المقفع مع عبدالحميد فكان الموقف النبيل منهما عندما صرّح كلاهما أنه عبدالحميد الذى تم التعرف عليه ، فأخذه الحراس ليلقى حتفه بصورة بشعه إذْ كان قتله بوضع طست محمى على رأسه. ظلّ هذا الطست يصعقه ببطء شديد (ليطول زمن التعذيب) حتى فارق الحياة. أما ابن المقفع فبعد أنْ نشر رسالته المُعنونة (رسالة الصحابة) وأرسلها (بسذاجة منه) إلى الخليفة إبى جعفرالمنصور((كرسالة من ناصح أمين لايُريد غيرالإصلاح)) فكيف يجرؤ على إرسال هذه الرسالة للخليفة الذى يعتبرنفسه ((ظل الله الممدود فى أرضه إنْ شاء بسطه فأعطى ، وإنْ شاء قبض فأمسك)) انتقد ابن المقفع فى رسالته فقهاء السلطة الذين روّجوا لآلية الطاعة المُطلقة للخليفة والولاة. وأنّ الرعية (الجماهير وفق المصطلح الحديث) ليس لها حق محاسبة الخليفة أو ولاته إلخ فكانت الطامة الكبرى . فتـمّ تقطيع جسد ابن المقفع قطعة قطعة وهوينظرإلى أعضاء جسده وهى تــُـلقى فى النار.
وتتوالى أحداث العداء لكل فكر حر، فنجد صلاح الدين الأيوبى يأمر ابنه الظاهر سلطان حلب بقتل الفيلسوف السهروردى (1153- 1191) لمجرد أنه كان يتبع لغة رمزية تستمد ألفاظها من الحكمة الفارسية القديمة ومقابلتها بين الظلام والنور. وتـمّ قتل الحسن بن منصورالحلاج (858- 922) المولود بفارس ودعا للزهد وزار تركستان ومكة. واستقرببغداد وشرح مذهبه فى كتاب الطواسين وقال بإمكان الاستعاضة عن الفرائض الخمس بشعائرأخرى (= إسقاط الوسائط) وقال بحلول اللاهوت فى الناسوت فيُـصبح الولى الدليل الذاتى الحى على الله (هو هو) ومن ثم قال (أنا الحق) وحاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية على أساس من التجربة الصوفية، فاتهم بالكفر. وبعد سجن دام سبعة شهور، صدرالأمربقتله، فتـمّ تقييده وضربه بالسياط ثم صلبه وقطع رأسه وحرق جثمانه. وبرغم إجماع القضاة على تكفيره اعتبره المواطنون البسطاء من الصالحين .
وإذا كان الخلفاء فى الدولة العربية / الإسلامية اضطهدوا الفلاسفة إلى حد القتل ، فإنّ كثيرين من الفقهاء والمؤرخين الإسلاميين اشتركوا فى الجريمة عندما إتهموا المُخالفين لرؤيتهم بالكفر، مثلما حدث مع ابن عربى (1165- 1240) مؤلف الفتوحات المكية وكتابه (ترجمان الأشواق) الذى أثارعليه الفقهاء بدعوى الزيغ والضلال، وإتهموه بإستعمال الرمز كستار لإخفاء ما يُـنافى الدين . وأنه أشاع المذاهب الضالة فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود . وكان من بين الذين كفــّروه ابن تيميه وابن خلدون وابن حجرالعسقلانى . وفى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) بدأتْ حملة الخليفة المهدى على من أطلق عليهم (زنادقة) فأمرعبدالجبّارالمُحتسب بالقبض عليهم جميعًا ثم أمربقتل بعضهم وتمزيق كتبهم . وكان يتم القبض عليهم لأقل شـُـبهة ويُـطلب منهم أنْ يستنكروا أفكارهم فإنْ فعلوا تم إطلاق سراحهم أو يُـقتلوا إذا رفضوا. ولأنّ بعضهم كان يتبع مذهب المانوية ، فكان الخلفاء يُـجبرونهم على البصق على صورة رمزهم الإلهى (مانى) وذكر بعض المؤرخين أنّ الإتهام ب (الزندقة) كان يتم لأسباب سياسية. إذْ إتخذ الخلفاء من هذا الإتهام وسيلة للقضاء على خصومهم من الهاشميين. وهوما فعله الخليفة الهادى الذى قتل كل من داود بن على ويعقوب بن الفضل. وذكرالطبرى (ج3ص487) أنّ إتهام الوزيرعبيدالله بالزندقة كان يقصد به زعزعة مركزأبيه عند الخليفة المهدى. والخليفة المأمون بدلامن أنْ يهتم بإصلاح أحوال المواطنين والعمل على النهضة (البحث عن أساليب للزراعة وتطويرالحرف اليدوية) انشغل بمناظرة من أطلق عليهم (زنادقة) فكان يُـناقش بعضهم بنفسه. فيلقى سؤالا فإنْ فشل المسكين فى الرد أمربقتله. وكان إتهام الشاعربشاربن برد بالزندقة لمجرد أنه كان يُدافع عن ثقافته القومية (الفارسية) وعن جدوده إذْ قال (هل من رسول مُـخبر عنى جميع العرب/ من كان حيًا منهم ومن ثوى فى الترب/ جدى الذى أسمو به / كسرى وساسان أبى))
وإذا كان الاضطهاد طال الفلاسفة والشعراء فقد طال الفقهاء أيضًا مثلما حدث مع أبى حنيفة النعمان لمجرد أنه أيّـد ثورة زيد بن على زين العابدين على الخليفة الأموى هشام بن عبدالملك الذى اضطهد العلويين من بنى أمية. فأفتى بأنّ الثورة على ملك الأمويين جائزة شرعًا. وتعرّض لمحنة أخرى عندما عرض عليه ابن هُبيرة أنْ يعمل لديه ويفتى لصالحه. فرفض أبوحنيفة وقال له ((كيف أقبل هذا العمل؟ تأمرأنت بقتل إنسان ظلمًا أومصادرة ماله. وأختمه أنا فيُـقتل هذا الإنسان ويُصادرذلك المال. هذا لن يكون أبدًا)) فأمرابن هُبيرة بسجنه وضربه كل يوم عشر جلدات. وفى العصرالعباسى تكرّرنفس الشىء عندما رفض أبوحنيفة التعاون مع الخليفة أبى جعفرالمنصورالذى أمربحبسه وجلده كل يوم عشرجلدات. وتكرّرنفس الشىء مع أحمد بن حنبل فى محنة (خلق القرآن) وانتهت بسجنه طوال 28شهرًا كان يُـضرب بالسياط حت يُغمى عليه ويُـنخس بالسيف فلا يحس. أما الجعد بن درهم الذى قال بأنّ القرآن مخلوق ومُحدث، فأتى به الوالى الأموى خالد بن عبدالله القسرى إلى مسجد الكوفة مُقيدًا بالأغلال يوم عيد الأضحى وبعد أنْ صلى وخطب قال فى آخرخطبته للناس ((اذهبوا إلى بيوتكم وضحوا أما أنا فإنى أريد أنْ أضحى بالجعد بن درهم . فإنه يقول إنّ القرآن مخلوق وأنّ الله ما كلم موسى ولا اتخذ إبراهيم خليلا)) ونزل من على المنبر وقتله بأنْ أطاح برأسه بعنف بحد سيفه. لذا لم تكن مبالغة القول بأنّ الخلافة الإسلامية خلافة دموية وخلافة قهرفكرى واعتمدتْ على نهب موارد الشعوب التى تم احتلال أراضيها.
000
المُفارقة أنّ أوروبا تخلصتْ من الارهاب الفكرى والعداء للفلسفة بفضل المُقاومة الجادة التى قادها فلاسفة من طرازفولتيرالذى كتب ((من يقل لك أومن بما أومن به وإلاّ لعنك الله. لايلبث أنْ يقول لك أومن بما أومن به وإلاّقتلتك)) ويكتب الفيلسوف (كانت) أنّ الظواهرأوالمُعطيات التجريبية فى إطارالزمان والمكان هى وحدها موضوع المعرفة الإنسانية. بينما (الإله) ليس موضوعًا للمعرفة. وعلى الجانب السياسى نجد فلاسفة يُدافعون عن ضرورة الفصل التام بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقانونية) ومن خلال هذا النضال الفكرى تم تحييد دورالكنائس فلم تعد لها أية سلطة على الحياة الدنيوية للبشرالمسئولين عن وضع القوانين المُنظمة لحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وبالتالى نهضتْ أوروبا بتقدّم العلم وترسيخ قيمة الحرية. بينما استمر دورالكهنوت الدينى الإسلامى فى الدول العربية يفرض رؤاه حتى لحظتنا الحاضرة فنجد من يُـكفرون من يقول بكروية الأرض ونحن فى القرن21الميلادى ومن يفتى بعدم نقل الأعضاء فهذا يؤخرلقاء الإنسان بربه إلخ. ونتيجة العداء للفلسفة ظهرشيخ شهير فى التليفزيون المصرى وهاجم صعود الإنسان إلى القمر، وسخرمن العلم الحديث. وفى مناهج التعليم الثانوى الأزهرى تحريض ضد الفلسفة إذْ ساوى المؤلف بين كتب الفلسفة والشعوذة ، والنتيجة استمرارالتخلف الحضارى. لذا أرى أنّ أية نهضة مصرية أوعربية لن تتم إلاّبعد التخلص من العداء للفلسفة وإلاّبعد تحريرالأبحاث العلمية من سطوة الكهنوت الدينى الذى يضع السدود والحواجز لمنع العقل الحر من الانطلاق نحو مجتمع إنسانى أرقى .
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم تاتوا بجديد.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 6 / 26 - 15:06 )
حتى الرضيع يعرف أن مصدر الإرهاب والتخلف هو الأديان.
سؤال،كيف يكون الدين مصدر الإرهاب؟ والجواب معروف وجود كائن مرعب إسمه الله وكيف
يرعبون الناس من ناره فكل ما يتحدثون عن رحمة الله وغفرانه مجرد خزعبلات ما دام له حفلات شواء في ناره الأبدية للناس في باباگرگر( جحيمه) فكيف يكون رحيمٱ-;- ،يبدو لي أن الله هو الآخر لا يحب العلماء مثل اديانه( اديانه).