الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحسان أبو شگاگ حين يومضُ في الحجر...

هاتف بشبوش

2017 / 6 / 26
الادب والفن



إحسان أبو شگاگ حين يومضُ في الحجر...

(الحب هو الفرصة ألأخيرة التي تستحق التشبث بها في هذه الأرض..لويس أراغون)........

إحسان عبد الحسين أبو شگاگ حطّ من كوكب الإمومةِ في هذه الأرض في العام 1956 حيثُ تنفس النفس الأول في السماوة ، ثم حبا ولهى وشاب ولاقى من الأهوال حتى إستطاع أن يمارس موهبة الكتابةِ خفية ً وبشكل شخصي دون الإعلان عن هذه الموهبة بسبب أوضاع البلد من حروب ودمار وبوليسيات في زمن البعث ، كلّها انعكست على الواقع العراقي المعاش فلم يستطع الإستمرار . بعد سقوط النظام تفجرت لديه موهبة الشعر من جديد ، وهو في عمر الخمسينيات حتى أثمرت بكتابه قيد دراستنا : " ومضات من حجر..نصوص نثرية " . وهي نصوص متأرجحة بين الشعر والقصة القصيرة جدا .
إحسان الشاعرالمحترف الذي يصدح من بقاع الجنوب العراقي ، المعطاء الذي لا يبخل قدر إمكانه في الحديث عن الحرية وهموم الناس ، بوقفته الرشيقة والأنيقةِ في ملبسها الشعري ، قد سطر لنا ما هو الذي يجب أن يقال في حق الوطن والمرأة والحب .
إحسان الشاعر الثري مالاً ، هو من القلّة القلائل ، من طبقة الأثرياء الذين ناصروا الفقراء ، والقضية الأدبية التي بالأساس هي درب الألم . فهو على طريقة نبلاء القرون الوسطى حيث كانت الفصاحة تقتصر عليهم في التعليم ، بينما الفقراء لا يحق لهم التعلّم والفصاحة ، مع فارق أنّ إحسان مناصر للفقراء بل يريدهم أن يكونوا في الصف الأول من التعليم .
أحببتُ الأسلوب الذي يكتب به إحسان و الانزياحات و التوريات الخفيفة التي تناولها مما زاد في كتاباته جمالا وألقا وشكلا ومضمونا . إحسان في كتابه مدار دراستنا هذه ( ومضات من حجر) يكتب المكثف الواضح الذي لا يثقل على القارئ في فك رموز شفرات المعنى وأنا شخصيا أميل الى حب الشعر الواضح الذي يعطيني مساحة من الطرب أثناء قراءة النصوص عكس الشعر الغامض الذي يثير في نفسيتي الغثيان والضجر. الشعرُ أكثر جمالاً حين يكون واضحا وان الغموض يعني عدم إمكانية المعني أن يكتب شعرا ، لأنه لو كتب الوضوح فأنه سيجد نفسه منزلِقا في الكلام اليومي وأبجديات الشارع والمقهى ، يعني الكثير منا كان يتصور أن بإمكانه أن يكتب نصوصا واضحة على غرار نزار قباني أو الماغوط لكن هذا النوع من الكتابة صعبُّ للغاية فهو ينتمي الى عوالم البساطة السحرية لكنه في غاية التعقيد وأصعب بكثير من الشعر الغامض المقيت . فالكتابة الواضحة تتطلب مهارة عالية خصوصا في قصيدة النثر ، لأنها تعتمد على فكرة معينة موجزة وعليه فأن الكاتب فيها لا يمكن أن يكون كذابا على عكس ما هو عليه في بقية الأجناس الأدبية التي من الممكن أن يكذب فيها الأديب مثلما في القصيدة العمودية التي أصبح الكثير من كتابها نساجون كذابون لأنهم يعتمدوا على شكل القصيدة وليس المعنى والجوهر والهدف والغاية ( مثل العاهرة التي نراها جميلة في تزويقها لكنها من الداخل مشوّهة ومبعثرة). ولذلك انا اؤيد فكرة ان يكون الشعر واضحا لأنّ مهمة الشعر هي الإلتصاق بعامة الناس .
أنا استطيع أن اكتب يوميا عشرة نصوص غامضة وادعي أنها القصيدة القصيدة ...فهل من مبارز ؟؟؟؟؟؟... حتى أدونيس تحول الى كتابة النص الواضح بعدما شبعنا من نصوصه التي تسد النفس . أما سعدي يوسف فهو منذ البدء واضحا سلسا ، ثم محمود درويش ، وكل شعراء المقاومة الفلسطينية الذين تغنينا بأشعارهم المطربة للنفس . فالف تحية لإحسان ، لنهجه هذا الإسلوب السحري الواضح والجلي ؛ كما النهار لكنه المتين شعراً وفصاحة ولغة يستطيع صاحبها الإفتخار بها .
الشاعر إحسان في ( ومضات من حجر) استطاع أن ينقل لنا حقائق كنا نجهلها أو نسمع بها دون ان نصدقها نظرا لهولها وفداحتها ، لكننا قرأناها عن تجربة واقعية لشخص مر بكل ما حدث هناك وتألم جسده وانقبضت روحه بأنين واضح من خلال النصوص البديعة .
الشاعر إحسان حين يحلم فهو كحال الأدباء الآخرين فما باليد من حيلةٍ غير الحلم لأن الواقع مرير لا يطاق ولذلك تتحقق الكثير من الصعاب في أحلامنا فإذا ما إستفقنا نجد أنفسنا تكدرنا من جديد ثم نحلم ونستفيق وهكذا دواليك وهذه بحد ذاتها دواءً شافيا للعلل والأمراض التي تصيبنا ولو لفترة وجيزة .
الحلم هو الملاذ الوحيد لكل من استعصى عليه الوصال من حبيب فارقه ذات يوم مضى . الحلم يتصيّر على أشكال عدة ، ربما على هيئة أطنان من القبل لكثرة ما عاشه الحبيب من جفاء وهو يتمنى لقاءها على فراشٍ وثير . الحلم هو اللقاء الوحيد مع من أحبه دون رؤيا الناس لي وحسدهم وعذلهم . الحلم هو المضاجعة المثلى التي تجعلني في خدرٍ لانهائيْ من الإنتشاء ، هو الجنس الذي أحلم أن أمارسه بكل قوتي على غرار أفلام البورنو التي تزرع السعادة في الآخرين من الذين عجزوا أن يؤدوا الحب والمضاجعة بالعذوبة ورقة الأحاسيس مع الإفتخار بالقوة الرجولية التي يراد لها ان تكون بمستوى إرضاء الرغائب . لكن إحسان له نظرة أخرى في الحلم علاوة على ماقلناه كحال محمد الماغوط الذي يقول (أيها النساجون. ..أريد كفنا واسعا لأحلامي) . لنقرأ الكاتب إحسان في أول ثيمة له من هذا المنجز عن الأحلام بعنوان ( ابن آوى) :
أكل ابن آوى لحمَ البطِّ ..
وترك لنا الريش
الذي صنعنا منه وسادة ..
لكنّ شبحه ظلّ يطارد أحلامنا !
ــــــــــــــــــــــــ
الثيمة أعلاه تناغي القراء الذين لاقوا الكثير من الظلم على أيدي المجرمين الذين لم يبقوا لهم شيئا غير الخوف من بطشهم بعد ان أكلوا الغث والسمين . ويستمر الكاتب ولم يتوقف عن قول الحق في مناصرة الضعيف لنرى ما يقوله أدناه في نص ( تفاحة) :

قشّر المشرّعُ الرجيمُ تفاحة اللذةِ ..
قضمَ منها ثلاثة أرباعٍ ونصفا ..
طلبوا منه القشور..
ضحك وبقيَ ممسكاً بالسكين
محدّقاً بما تبقّى من التفاحة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

برنادشو سألوه يوما عن الظلم والتوزيع غير العادل للثروات بينما ينظر الى صلعته ولحيته الكثة فقال : ( غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع ) . يستمر الكاتب في مؤازرة الفقراء في شذرته البديعة أدناه ( غفلة) :
الرجل الذي فوّضَ أولاده وأتمنهم على أملاكه
استيقظ من شدة الجوع ..
لم يسعفه دفء الموقد ليهدأ جرحه ..
لقد تعلّم مع الوطن كيف يريح خدّيه براحتَيْ كفّيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

مع هذه النغمة والسيمفونية الجائعة التي خطها المبدع إحسان حول فقراء الكون الذين في غفلةٍ منهم إستطاع ويستطيعُ الجشعون أن يجعلوا منهم جياعا طالما الجهل متفشٍ بين هذه الطبقة المسحوقة على الدوام في الكثير من الدول على غرار الصومال والعراق واليمن وسوريا بينما الجشعون وعلى رأسهم الإمبريالية العالمية وسماسرة الخليج هم الآداة القمعية بيدها والتي لما تزل تنفذ كل الخطط المجرمة التي تحاك في دوائر مخابرات الدول الكبرى على غرار أمريكا عدوة الشعوب وأذنابها التي ناصبت العداء للطبقات المسحوقة بل تنظر اليهم كنوع من المسخ ، هكذا هو دأب المستغِلين ضد المستغَلين .
هؤلاء الجشعون لا يتورعون من أن يفعلوا أي شيء بحق الإنسان ، لا يعرفوا لغة الندم بل التمادي في الإجرام وهم يقظون ، لعلهم يتعلمون من السكارى الثملين في لحظة التفكير بإرتكاب الخطيئة ، فيتراجعوا عن الفعل الشنيع ، مثلما وصفهم الكاتب أدناه في نصه ( حثالة الخمر) :
ترنيمة الليل أوحت لشارب الخمر أن يرميها وابنتها خلف أسوار المواويل الثكلى ..
العيون خائفةٌ !
تنتظر رؤية ديك الفجر معلناً عن الصباح المرتجى
عسى أن يشفع له ندمه فيتخلّص من ثقل جبل الخطيئة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شارب الخمر في أغلب الظن لا يمكنه أن يفعل الرديئة مهما ثملَ أو سكر لأنه يخاف من غضب إله الخمر ديونيسيس ، بل هو ذو القلب الطيب المعطاء ولذلك تراجع إحسان في نهاية النص وأعترف كل الإعتراف بأن هناك من الأمل أن لايفعلها عند مطلع الفجر حيث الرجاء صانع المعجزات . ومع ذلك يبقى الرجل في شعوبنا الشرقية هو صاحب الكلمة في البيت وفي كل أمور الحياة لأنّ المجتمعات هناك هي مجتمعات رجولية بحتة . حتى في الحب الذي يستمر فترات طويلة نرى هناك مايتحكم به الرجل لأن السلطة تجري في عقله الباطن لنقرأ مايخبرنا الكاتب في نص( حب) :

بَعدَ ثلاثِينَ عاماً مِنْ زواجِهِما
كلَّمَها بِنبرةٍ سَاخِرة :
سَأبحَثُ عَن امرأةٍ غَيركِ !
قالَتْ : يا رَبيعَ الحَياة
فِي البَحرِ يَنامُ القمر!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة هي الشجن وكل مافيه من جمال الروعة والطلّة والنغمة التي تحكي قصص وجدائل النساء الجميلات الحنونات والثكالى وما أكثرهن في هذا الكون المأساوي بحق .( المرأة لو تعرضت لإغراء رجل فعليه أن يجتاز الجبال لكي ينال قلبها ، أما المرأة اذا أرادت اغراء رجل لايتطلب الأمر سوى إجتياز حاجز ورقي ....مثل صيني) .
العلاقة بين الرجل والمرأة في بداية الأمر وحتى في مشوارها المتقدم لا يمكن لها أن تكون بدروب مبلطة ، بل أغلب الطرق شائكة ، وحتى يصلوا الى بر الحب تراهم ينسجون الخيالات حول الدخول في قلبي الاخر ومهما يكن من أمر فأن الرجل تستهويه حتى شمة واحدة من عطرها لكنها تظل هي الكتاب الذي يجب ان يتوغل في قرائته أكثر من مرة بل عشرات المرات ، والرجل الشجاع ليس ذاك الذي يغوي أكثر من امرأة بل هو الذي يستطيع أن يغوي المرأة نفسها أكثر من مرة . ولذلك حينما يمازحها حول تركها والركون الى حب امرأة أخرى فانه يأتي من باب الهزار والحب الحقيقي ، وان حصل الجد فهذا يعني أنك أطلقت عليها رصاصة الرحمة التي لا يمكن أن تغفرها لك ، لأن الرجل حين يبحث عن امرأة أخرى غير سيدته فهذا يعني أنه يقول لها أنكِ اصبحت غير جميلة وغير جديرة بي وهنا مأساة المرأة الحقيقية في عالم حبيبها أو زوجها . ولذلك هناك بعض رجالات الدين المنفتحين قدموا طرحا رائعا حول قضية زواج الرجل على إمرأته أو خيانتها دون ان تدري وما هو الأفضل لها في هذين الأمرين المريرين عليها ، فيقول رجل الدين هذا من أنّ خيانة الزوجة دون أن تدري هي الأفضل من أن يتزوج عليها مرة او أكثر لأنه حين يتزوج عليها بدرايتها وبما تكفل له الشريعة الإسلامية .. هذا يعني قول صريح من قبله أنها أصبحت قبيحة ولم تعد بذاك المستوى من الإغراء والأنوثة وهذا بحد ذاته يعني قد أصابها مقتلا .

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجـــــــــــــــــــــــــــزء الثانــــــــــــــــــــي

هــــاتف بشبـــــــوش/عراق دنمارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض