الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيدنا ... وعيد الحكومة

صادق إطيمش

2017 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لم اتذكر في حياتي ان عشت يوم عيد موحد لجميع الأهل والأحبة والأصدقاء في وطننا الحبيب الذي لم يعاني من انقسامات تثبيت ايام العيد فقط ، بل ومن كل ما يحمله المتخلفون معهم من ضحالة التفكير وعمق الجهل الذي يحكمون به العراق اليوم بعد ان اصبحوا ساسة جاء بهم الإحتلال الأمريكي لوطننا كخلفاء لصنيعته الساقطة البعثفاشية المقيتة.

لقد حالت الفجوة العميقة بين مكونات عديدة من الشعب العراقي والسلطة السياسية الحاكمة ان تبتعد هذه المكونات او تتنصل من كل اجراء تتخذه السلطة او تقف منه موقف المتفرج على الأقل. وقد عاش جيلنا ذلك ، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، ليس بسبب الإنتماء المذهبي الذي قد يكون له بعض التأثير لدى المتدينين ، إذا ما تعلق الأمر بالمناسبات الدينية. إلا ان هذه الظاهرة لم تقتصر على المناسبات الدينية فقط ، بل شملت مناسبات اخرى عكَس تصرف الناس فيها ،المخالف لتصرفات او توصيات الحكومة، طبيعة موقف هؤلاء الناس المعبر عن رفضه للسلطة وسياساتها ولكن بشكل تعوَّد عليه اهالي هذه المناطق واطلقوا عليه " الحِسجة " اي النقد المُبطن الذي لا يوحي بالنقد الصريح المباشر. وقد تبلورت هذه الظاهرة في العهد الملكي الذي واجهته هذه المكونات العراقية الرافضة لسياسته القمعية التي رفضتها مكونات اخرى بطرقها الخاصة ، بحيث لم يؤثر كل ذلك على اساليب النضال المشتركة التي خاضها الشعب العراقي بمجموعه ضد سلطات القمع الملكية واجهزتها الأمنية التي كانت تلاحق المواطنين النشطين سياسياً ، خاصة ، بكل وما يستجد لديها من وسائل القمع والتعذيب والسجون والمنافي وحتى المشانق.

فمثلاً حينما اعلنت الحكومة الملكية عن قانون تسعير المواد الغذائية ، واجه هذا الإجراء استهزاءً من قبل الشعب العراقي الذي كان معظمه يقتات على المواد الغذائية البسيطة التي لا تقع ضمن هذه التسعيرة ، كشدة الفجل مثلاً ، او شدة الكراث الخ ، حيث ان تسعيرة اللحم مثلاً لم تكن في متناول الكثيرين . ومع ذلك اراد الناس ان يعبروا عن استهزاءهم لهذا الإجراء ببرقية ارسلها البعض إلى رئيس الوزراء جاء فيها: " تــــســــــعـــــــــيــــــــــــركـــــــــم الــــــــــشــــــــــلـــــــــــغــــــــــم اثلج صدورنا ، سيروا على بركة الله ونحن من ورائكم "

او حينما اقدم الطاغية المقبور جرذ العوجة باعلان الحرب على ايران والتي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من شباب العراق، عبَّر العراقيون عن رفضهم لهذه الحرب ومن قام بها بهوسة الحسجة التي جاء فيها:
" الريس موش العايل هوه إنعال عليه "

وهكذا تتوالى الخواطر لتشمل الأعياد التي لم تبدأ بيوم موحد تتفق عليه كل الحكومات الملكية والجمهورية مع سكنة مناطق كثيرة من الوطن . لذلك كان التصنيف بين عيدين وارد جداً حينما يؤكد بعض الناس قائلين " اليوم مو عيدنا ، اليوم عيد الحكومة " . وعيد الحكومة هذا استمر طيلة العهود المختلفة التي لم تستطع الحكومات السابقة من السيطرة عليه بحجة الإنتماءات المذهبية . ولكن ما علاقة الإنتماءات المذهبية باجراءات الحكومات السابقة بتغيير الوقت الصيفي والشتوي مثلاً ، بحيث اصبح مصطلح :
" ساعنتا لو ساعة الحكومة " حينما يسأل احدهم عن الوقت.

ما نريد الوصول اليه هو:
اولاً : ان الحكومة في العراق اليوم استطاعت ان تتجاوز كل المقاييس المعروفة بعمليات اللصوصية والتحايل على القوانين وعلى الشعب ولا تخجل من ارتكاب كل الموبقات، ولكنها عاجزة عن التعامل مع مشكلة من المشاكل الإجتماعية التي رافقت تاريخ العراق الحديث . اي باختصار ان هذه الحكومة بكل ما تدعيه لا فرق بينها وبين الحكومات السابقة التي ظلت تلعب على هذا الوتر الذي اخضعته للطائفية والمذهبية والذي تستفيد منه سياسياً ، تماماً كسابقاتها من الحكومات البائدة.

ثانياً : قد تعطي الحكومة نفسها الحق بالتملص من التعامل مع هذه المشكلة باعتبار ان المسألة تتعلق بقرارات المراجع الدينية . وهنا لابد لنا من القول ان المراجع الدينية لا يمكنها ان تتعامل مع وضع كهذا يؤدي إلى التنافر الطائفي خاصة في الوقت الحاضر العصيب الذي يمر به وطننا . وإذا كانت المراجع الدينية تعلن دوماً عن عظمة وحدة الدين ووحدة المسلمين جميعاً ولا تستطيع ان توحد المسلمين بالإتفاق على يوم واحد لبدء العيد او اية مناسبة دينية اخرى، فإن الكلام عن هذه الوحدة يصبح هباءً لا قيمة له لأنه لم يقترن بتوحيد ابسط المناسبات الدينية فكيف سيكون التعامل مع الحكومة الدينية التي يدعوا لها بعض المراجع وما هو نوع الإسلام الذي سيحكم هذا البلد او ذاك ؟

ثالثاً : وهنا يصبح واجب الحكومة ان تأخذ الأمر على عاتقها لا من خلال الإجبار والقوة ، بل من خلال التوعية الدينية العلمية التي يتلقاها الطفل العراقي منذ سنين نشأته الأولى والتي ستقود المجتمع مؤخراً إلى الإلفة والتعايش الآمن والسلام المذهبي وبذلك يمكنها ان تدعي انها حققت التقارب مع الشعب، ولو ان ذلك لا يدخل ضمن تلافيف ادمغة لصوص كهؤلاء، ولم يعد بعدئذ استعمال مصطلح " ساعتنا وساعة الحكومة " او " عيدنا وعيد الحكومة " قائماً.

لقد بلغ العلم مبلغه الذي يستطيع الإنسان من خلاله ان يحسب كل شيئ حساباً دقيقاً لا يرقى إليه اي شك ، هذا إذا تجاوزنا العقول التي لم تزل تؤمن بدوران الشمس حول الأرض ، وتكفير من يقول بكروية الأرض ، وغير ذلك من تفاهات فقهاء الشياطين والسلاطين . وما حساب دورة القمر في الطبيعة إلا احدى العمليات الحسابية التي يمكن اعتبارها كتعلم جمع واحد + واحد او حتى اسهل بكثير. فلماذا يصر بعضهم على المشاهدة العينية او حساب الأصابع لإتمام العدد المطلوب . الجواب على ذلك هو غياب النهج العلمي الذي لا يريده الحكام الفاسقون ، إذ ان العلم يعني الحياة بشرف وسلام ، هذا النوع من الحياة الذي يتنكر له دعاة المذهبية والطائفية والمحاصصات اللصوصية التي تعم وطننا العراق اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!